المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف حل اهل السنة مشكلة الملعونين على لسان النبي انظروا بانفسكم


محـب الحسين
12-06-2010, 08:55 PM
محاولات عمر وقريش لحل مشكلة الملعونين على لسان النبي !

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله قام محبوا قريش والمنافقين بأعمال مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين على لسان النبي ، تتلخص في الأعمال السبعة التالية :

العمل الأول : وضعوا أحاديث مفادها أن النبي صلى الله عليه وآله قد اعترف بخطئه في لعن الذين لعنهم ودعا عليهم ، لأنه بشر ! فدفع كفارة خطئة بأن دعا الله تعالى أن يجعل لعنته على من لعنه أو سبه أو آذاه ( صلاة وقربة ، زكاة وأجراً ، زكاة ورحمة ، كفارة له يوم القيامة ، صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة ، مغفرة وعافية وكذا وكذا .. بركة ورحمة ومغفرة وصلاة ، فإنهم أهلي وأنا لهم ناصح ) على حد تعبير الروايات !

فقد روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 157 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة اليك يوم القيامة ) . وروى مسلم في صحيحه ج 8 ص 26 عن أبي هريرة أيضاً ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ) .

وروى مسلم سبع روايات أخرى من هذا النوع . وروت ذلك أغلب مصادر إخواننا مثل : مسند أحمد ج2 ص390 وص488 وص496 وج3 ص 384 وج 5 ص437 وص439 وج 6 ص 45 وسنن الدارمي ج 2 ص 314 وسنن البيهقي ج7 ص60 وكنز العمال ج 3 ص 609 .. في عشرات الروايات التي تصور النبي صلى الله عليه وآله جالساً على كرسي الإعتراف بأنه سَبَّابٌ لَعَّانٌ فَحَّاش ، مؤذٍ للناس يضربهم بالسوط ويهينهم ! ولذا فهو يعلن توبته ويدعو لمن ظلمهم وأساء إليهم من الفراعنة والأبالسة ، بهذا الخير الطويل العريض !!

وقد حيَّرت هذا الروايات بعض الفقهاء مثل البيهقي .. لأن لعن الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وآله مادام بأمر الله تعالى فهو طاعة وليس معصية ، لأن الطرد من رحمة الله تعالى إنما هو جزاء من الله ورسوله تابع لقوانين عادلة يتحمل مسؤوليتها الملعون نفسه ، فلا يحتاج لعنه الى توبة .. كما لا يجوز الدعاء له بالخير والبركة والرحمة ..

وقد نصت بعض روايات اللعن والدعاء على أن النبي صلى الله عليه وآله قال والله ما أنا قلته ولكن الله قاله كما في مسند أحمد ج 4 ص 48 وص 57 وص 420 وص 424 ومجمع الزوائد ج 10 ص 46 وكنز العمال ج 12 ص 68 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 82 .

أما إذا كان اللعن بسبب غضب وخطأ بشري كما تقول الروايات ، فهو معصية كبيرة توجب خروج صاحبها عن العدالة ، بل تجعله هو ملعوناً ! فقد نصت على ذلك روايات رواها إخواننا السنة أيضاً .. منها أن لعن المؤمن كقتله ، ومنها إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها نظرت فإن وجدت مسلكاً في الذي وجهت إليه ، وإلا عادت الى الذي خرجت منه . وقد عقدت بعض مصادر الحديث عندهم باباً لروايات النهي عن اللعن وتحريمه ، كما في كنز العمال ج 3 ص 614 و 616 وغيره .

ولكن البيهقي استطاع أن يجد حلاً يحفظ كرامة نبيه كما حفظت هذه الروايات كرامة الملعونين ! قال في سننه ج 7 ص 60 ( باب ما يستدل به على أنه جعل سبه للمسلمين رحمة وفي ذلك كالدليل على أنه له مباح ) انتهى ! يعني أن اعتراف النبي بأنه لعن أناساً بغير حق ، أو دعا عليهم بغير حق ، أمر ثابت ، ولا يمكن انسجامه مع عصمة النبي صلى الله عليه وآله إلا بالقول بأن الله قد أحل لنبيه هذه المحرمات .. وأطلق لسان نبيه ويده في أعراض المسلمين !! وبقيت على أمته حراماً !!

لقد قدم البيهقي حلاً للجانب الفقهي من المسألة .. ولكن لم يقدم هو ولا غيره حلاً لمحذورها الأخلاقي ، الذي يدعي أن النبي صلى الله عليه وآله قد ارتكب مثل هذا السلوك السئ ، الذي لا يليق بشخص عادي من أسرة عادية مؤدبة !! بل ولم يقدم حلاً للمحذور الأخلاقي بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى الذي أحل لنبيه هذا السلوك !!

ولكن إخواننا السنة يجدون أنفسهم مضطرين الى نسبة هذا النقص الأخلاقي الى النبي صلى الله عليه وآله ! لأنه الضريبة الوحيدة لتبرئة من يحبونهم من الملعونين على لسانه !

والعمل الثاني : من أعمال معالجة اللعن ، أحاديث أكثر جرأة على مقام النبي صلى الله عليه وآله لأنها تصرح بأن النبي قد أخطأ وأساء الأدب في لعنه من لعن ! فبعث الله تعالى إليه جبرئيل فوبخه وقال له : إن الله يقول لك إني لم أبعثك سبَّاباً ! بل بعثتك رحمة للعالمين ، والقرشيون قومك وأهلك أولى بالرحمة الإلهية، فلماذا تسبهم وتلعنهم ؟! وعلمه دعاء عاماً يقوله في قنوته ليس فيه ما يمس قريش ! وكان ذلك الدعاء ( سورتي ) الخلع والحفد العمريتين !!

فـ ( السورتان ) عند أصحابهما نسخة إلهية بدل دعاء اللعن والسب غير المناسب الذي كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله في قنوت صلاته .. وعند الباحث نسخة موضوعة لمصلحة زعماء قريش والمنافقين بدل الدعاء عليهم ولعنهم !

قال البيهقي في سننه ج 2 ص 210 ( .. عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر ( يعني قريش ) إذ جاءه جبرئيل فأومأ اليه أن اسكت فسكت ، فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لَعَّاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق ) ثم قال البيهقي (هذا مرسل وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحاً موصولاً .

... عن عبيد بن عمير أنه عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال : اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم ألعن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين .

بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك .

بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعي ونحفد ونخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك ، إن عذابك بالكافرين ملحق . رواه أبو سعيد بن عبدالرحمن ابن أبزى عن أبيه عن عمر فخالف هذا في بعضه .

... عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعي ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق . اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع من يكفرك كذا قال قبل الركوع . وهو إن كان اسناداً صحيحاً فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر ... ) انتهى !

العمل الثالث : أحاديث تفسير قوله تعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ـ آل عمران ـ 128

فإنك تجد العجب في تفسير إخواننا السنة لهذه الآية .. فالروايات فيها من كل حدب وصوب في رد أفكار النبي وآلامه من طغاة قريش وتخطئته في دعائه عليهم ولعنه إياهم ! وكأن أصحاب هذه الروايات وجدوا بغيتهم من القرآن ضد النبي صلى الله عليه وآله لمصلحة مشركي قريش ومنافقيها .. قال الترمذي في ج 4 ص 295 ( ... عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية، قال فنزلت ليس لك من الأمر شئ ، أو يتوب عليهم فتاب عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم !! هذا حديث حسن غريب يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم ، وكذا رواه الزهري عن سالم عن أبيه .

... عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله تبارك وتعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فهداهم الله للإسلام ! هذا حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر . ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عجلان ) انتهى .

أما البخاري فقد عقد للآية أربعة أبواب ! روى فيها كلها أن الله تعالى رد دعاء نبيه على المشركين والمنافقين أو لعنه لهم، ولم يسم البخاري الملعونين في أكثرها حفظاً على ( كرامتهم ) ! قال في ج 5 ص 35 :

( باب ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . قال حميد وثابت عن أنس : شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنزلت : ليس لك من الأمر شئ .

... عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله عزوجل : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ) .

وقال في ص 171 :

( باب ليس لك من الأمر شئ ... سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون . رواه اسحق بن راشد عن الزهري ) .

ثم أورد البخاري رواية أخرى تجعل فلاناً وفلاناً الملعونين أحياء من قبائل العرب وليسوا قادة من قريش !! قال :

... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف ، يجهر بذلك . وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله : ليس لك من الأمر شئ ... الآية ) .

وقال في ج 8 ص 155 :

( باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شئ . ... عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة ، ثم قال : اللهم العن فلاناً وفلاناً . فأنزل الله عزوجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) انتهى .

والمرة الوحيدة التي سمى فيها البخاري بعض الملعونين رواية رواها عن ابن أبي سفيان! ومن الطبيعي أن يحذف منها اسم أبيه !! قال في ج 5 ص 35:

( وعن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبدالله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحرث بن هشام فنزلت : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ! ) .

وأورد في ج 7 ص 164 روايات يوهم تسلسلها أن الآية نزلت رداً على دعاء النبي على أبي جهل ، مع أن أبا جهل قتل في بدر والآية نزلت على أقل تقدير بعد بدر بسنة ! قال البخاري :

( باب الدعاء على المشركين . وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل . وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة اللهم العن فلاناً وفلاناً حتى أنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شئ ! ..

... عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ) انتهى .

والنتيجة من روايات البخاري فقط أن الآية نزلت عدة مرات .. من أجل أشخاص أو فئات متعددين .. وفي أوقات متفاوتة !! أما إذا جمعنا أسباب نزولها عند البخاري وغيره ، فقد تبلغ عشرين مناسبة متناقضة في الزمان والمكان والأشخاص الملعونين !! راجع سنن النسائي ج 2 ص 203 ومسند أحمد ج 2 ص 93 و 104 و 118 و 147 و 255 وسنن الدارمي ج 1 ص 374 وسنن البيهقي ج 2 ص 197 وكنز العمال ج 2 ص 379 والدر المنثور ج2 ص 70 .

ولكن مسلماً كان أقل تشدداً من البخاري فقد روى أن نهي الله لرسوله عن لعن قريش تأخر عدة سنوات .. وأن الآية نزلت بعد غزوة بئر معونة وشهادة قراء القرآن .. قال في ج 2 ص 134 :

... سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف انهما سمعا أباهريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف . اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله . ثم بلغنا انه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

ثم برأ مسلم ذمته فقال وأروي رواية أخرى ليس فيها ذكر نزول الآية .. قال :

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!

... عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في الصلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة ابن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد ، فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم ؟ قال فقيل وما تراهم قد قدموا ؟!

ثم برأ مسلم ذمته مرة أخرى فقال : ... عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد : اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي الى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!

ثم روى مسلم رواية تنفى أن النبي ترك لعن الكفار من صلاته الى آخر حياته ! فقال :

( ... حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) انتهى .

العمل الرابع : الفتوى بالجنة للمنافقين !

عندما تقرأ القرآن تجد فراعنة قريش والمنافقين وجوداً بارزاً خطيراً بشخصياتهم ومواقفهم وخططهم ضد النبي صلى الله عليه وآله ودعوته ودولته وأمته ..

لكن عندما تقرأ السيرة والحديث في مصادر إخواننا السنة تجد الصورة تخف .. وتصغر .. وتخفى ملامحها .. وأحياناً تغيب كلياً .. فتحتاج الى بحث وتنقيب لتعرف من هذا الشخص أو الجماعة الذين نزلت فيهم هذه الآية أو الآيات الكاسحة .. ! ومن هؤلاء الجهنميون الخبثاء الذين حذر الله تعالى منهم واعتبرهم مجرمين على مستوى الأمم والشعوب .. ؟! لقد اختفوا وغابوا ، كما غاب قنوت النبي بالدعاء عليهم ولعنهم !

قد يقال إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعرفهم أو يعرف أكثرهم بما علمه الله تعالى ، فكانوا في عصره معروفين مميزين .. أما بعد وفاته وانقطاع الوحي فقد صار أمرهم الى الله تعالى ..

ولكن لو سلمنا ذلك ، فإنا نسأل عن أولئك الذين كانوا مكشوفين في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، أين صاروا ، ولماذا اختفوا .. ؟! وأين غاب أبطال الكفر والنفاق في تاريخ البعثة والمرحلة المكية والمدنية وأحداث نزول القرآن .. ؟! ونسأل عن أسماء الذين كان يدعو عليهم النبي صلى الله عليه وآله في صلاته طوال نبوته تقريباً ، وعن الذين ضاق بهم صدره الرحب ، ولم يسعهم حلم الله العظيم ، فكشفهم النبي وسماهم في المسجد واحداً واحداً وطرد بعضهم من مسجده .. وقال لآخرين منهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ لقد اختفى أكثر تاريخ مشركي قريش ومنافقيها من المصادر .. ولعله لولا آيات القرآن القارعة الهادرة لكان اختفى كل تاريخهم .. !

إنها ظاهرة ذات دلالة على وجود موقف مقصود مدروس في التغطية على تاريخ القرشيين أعداء الله ورسوله بالأمس ، والمنافقين اليوم .. لأنهم جميعاً صاروا من شخصيات مجتمع المدينة ، عاصمة الدولة الإسلامية الكبرى !!

فقد صدر قرار قبول المنافقين واعتبارهم مسلمين من أهل الجنة ، وكتبوا تحته توقيع النبي صلى الله عليه وآله ، فظهرت الروايات التي تشهد بذلك !

ومن أجل عيون مشركي قريش ومنافقيها صدرت الفتاوي باستحقاق منافقي المدينة من غير قريش لدخول الجنة !!

روى أحمد في مسنده ج 3 ص 135 قصة مالك بن الدخشم الذي كان رأس المنافقين بعد ابن أبي سلول فقال ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم ، فجعلوا يذكرون ما يلقون من المنافقين فأسندوا أعظم ذلك الى مالك بن دخشم ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ فقال قائل بلى وما هو من قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فلن تطعمه النار أو قال لن يدخل النار ) ونحوه في ج 5 ص 449 !!

أما في ج 4 ص 44 فاكتفت الرواية بشهادة التوحيد فقط دون النبوة! قال ( ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم الى رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم وقالوا : من حاله ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقوله ، قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال ! ) انتهى !

إذن يكفي لضمان الجنة أن يشهد الشخص بالتوحيد ، ولا يضره أن يكون كافراً بالنبي صلى الله عليه وآله ، أو منافقاً يكيد للإسلام ورسوله وأمته !

وقد احتاط البخاري وغيره قليلاً في ضمان الجنة للمنافق ، فاشترطوا أن يشهد شهادة التوحيد يريد بها وجه الله تعالى ! ثم لا مانع بعد ذلك أن يكفر برسول الله ويقصد بأعماله وجه الشيطان ! فقد روى في صحيحه رواية ابن الدخشم وغيره في ج2 ص56 وج6 ص 202 وفيهما أن النبي صلى الله عليه وآله قال ( فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) ورواه أحمد نحوه في مسنده ج 4 ص 44 !

أما مسلم فلم يستعمل الإحتياط هنا بل روى في صحيحه ج 1 ص 122 كيفية نجاة المنافقين يوم القيامة ودخولهم الجنة ، يوم ( يتجسد ! ) الله سبحانه وتعالى و ( يضحك ! ) للمؤمنين والمنافقين ويمشي أمامهم .. الخ ! قال مسلم ( أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود فقال ... فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون ؟ فيقولون : ننظر ربنا . فيقول أنا ربكم ، فيقولون حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ! قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك . ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه ، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ) انتهى .

ومع أن هذه الأحاديث شملت المنافقين من أهل المدينة ، لكن المقصود بها بالأساس مشركوا قريش ومنافقوها .. فقد أكد الخليفة عمر أن الظالم من قريش مغفور له ويدخل الجنة ! روى الذهبي في ميزان الإعتدال ج 3 ص 355 ( عن أبي عثمان النهدي ، سمعت عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ! ) وهو يقصد بذلك قريشاً .

وقال السيوطي في الدر المنثور ج5 ص251 ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب انه كان إذا نزع بهذه الآية ( ثم أورثنا الكتاب ... ) قال: ألا أن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له !!

وأخرج العقيلي وابن لال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر فمنهم ظالم لنفسه ... الآية ) انتهى .

وما أدري كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين آية واحدة من آيات المنافقين في القرآن مثل قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ؟!

بل كيف يمكن الجمع بينها وبين ما روته نفس هذه المصادر ، كالأحاديث الصحيحة التي رواها الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 108 ( وعن عبدالله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن كان فيه خصلة ففيه خصلة من النفاق : إذا حدث كذب ، وإذا أوتمن خان ، وإذا وعد أخلف . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .

وعن ابن مسعود قال : اعتبروا المنافقين بثلاث ، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر . فأنزل الله عزوجل تصديق ذلك في كتابه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ... الى آخر الآية . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ) انتهى .

والذي رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 298 ( عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ) .

وأحاديث الحاكم الصحيحة في المستدرك ج 3 ص 129 ( عن أبي ذر رضي الله عنه قال ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) .

وفي ص 138 ( عن علي بن أبي طلحة قال حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج ، فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي ، فقال عليَّ به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟ فقال ما فعلت . فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصاً من عوسج . حدثنيها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله ، وقد خاب من افترى . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) انتهى .

العمل الخامس : إعطاء مناصب هامة في الدولة الإسلامية للمنافقين !

وأول من فتح هذا الباب وأعطى مناصب الدولة للمنافقين هو الخليفة عمر .. وكان يبرر ذلك تبريراً عصرياً فيقول إن مسألة الدين أمر بين الإنسان وربه.. والمنافق إثمه عليه! فقد روى في كنز العمال ج 4 ص 614 ( عن عمر قال : نستعين بقوة المنافق ، وإثمه عليه! ) وفي ج5 ص771 (عن الحسن أن حذيفة قال لعمر: إنك تستعين بالرجل الفاجر فقال عمر : إني لاستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفائه ـ أبو عبيد ) انتهى .

هذا مع أنه روي عن الخليفة قوله (من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله ) كنز العمال ج 5 ص 761 .

وقد برر البيهقي إعطاء المناصب للمنافقين بأنهم منافقون لينون ، فقال في سننه ج9 ص 36 ( عن عبدالملك بن عبيد قال قال عمر رضي الله عنه : نستعين بقوة المنافقين وإثمهم عليهم . وهذا منقطع فإن صح فإنما ورد في منافقين لم يعرفوا بالتخذيل والارجاف ، والله أعلم ) !

ولكن محاولة البيهقي للتخفيف لا تنفع مع ما رواه البخاري ، في صحيحه ج 8 ص100 من أن المنافقين في زمن الخليفة عمر كانوا ـ بسبب بسط أيديهم وقحين متجاهرين ـ وأن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وآله أطلق صيحة التحذير من خطرهم فقال ( إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون !! ) انتهى .
قرار حذف القنوت من الصلاة لأنه كان محل لعن قريش

العمل السادس : انتقام الخلفاء من القنوت !

فقد قرر فقه إخواننا السنة التخلص من القنوت في كل فريضة وحصره في صلاة الفجر والوتر ، أو فيما إذا نزلت نازلة بالناس فيدعو الإمام بشأنها ، وجوز الإمام أحمد أن يقنت الأمراء فقط في صلاتهم ويدعوا ، أما عامة المسلمين فلا ..!

ومع أن القنوت بقي عندهم جزئياً ، لكنك تشعر وأنت تقرأ فتاواهم فيه أنه ما زال في أنفسهم منه شئ ، وكأنهم لم يستوفوا حقهم من قنوت رسول الله صلى الله عليه وآله ! ثم تراهم لا يحبونه ولا يعلمونه لعوامهم ! وإذا علموهم اقتصروا على سورتي الخلع والحفد ، أو دعاء القنوت الذي يروونه عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، وهو دعاء عام لا أثر فيه لذكر الكفار والمنافقين .. وهو الدعاء الشائع عندهم في عصرنا أكثر من سورتي الخليفة ، بسبب أن نصه أقوى من نصهما .. قال في فتح العزيز ج 4 ص 250 ( واستحب الأئمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ( القنوت ) ما روي عن عمر رضي الله عنه .. ) ثم ذكر ( السورتين ) .

ويبدو أن ترك القنوت وتحريمه كان مذهب الأكثرية في زمن بني أمية ! بل تصاعد غيظ الفقهاء منه وأفتوا بأنه كان من أصله تصرفاً شخصياً من النبي صلى الله عليه وآله لمدة شهر فقط ثم نهاه الله عنه ، أو كان مشروعاً لكنه نسخ، وهو الآن حرام وبدعة .. !

قال النسائي في سننه ج 2 ص 203 ( عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ، قال شعبة لعن رجالاً ، وقال هشام يدعو على أحياء من أحياء العرب ، ثم تركه بعد الركوع هذا قول هشام . وقال شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلىالله عليه وسلم قنت شهراً يلعن رعلاً وذكوان ولحيان.

باب لعن المنافقين في القنوت ... عن سالم عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة قال : اللهم العن فلاناً وفلاناً يدعو على أناس من المنافقين فأنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

ترك القنوت ... عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت ! وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وصليت خلف عثمان ، فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ، ثم قال يا بني إنها بدعة ! ) انتهى .

وقد يكون المقصود بالقنوت هنا لعن الكفار والمنافقين ، لأن القنوت صار علماً على اللعن .. ولكن ذلك يؤكد ما ذكرناه !
روايات القنوت الشاهدة الشهيدة !

ومع كل هذه الحملة على قنوت النبي صلى الله عليه وآله ، استطاعت بعض رواياته أن تعبر حواجز تفتيش السلطة والرواة وتصل الى أيدينا !! وبعضها يشهد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعو في صلاته على الكفار والمنافقين حتى توفاه الله تعالى ! وأن بقايا عمل المسلمين بهذه السنة الشريفة كانت موجودة الى فترة من عهد بني أمية !

روى مالك في الموطأ ج 1 ص 115 ( عن داود بن الحصين ، أنه سمع الأعرج يقول : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان ... في قنوت الوتر اقتداء بدعائه صلى الله عليه وآله في القنوت ) .

وروى البخاري في صحيحه ج 1 ص 193 ( عن أبي هريرة قال لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان أبوهريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) ورواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 135 والنسائي في سننه ج 2 ص 202 وأبو داود في سننه ج 1 ص 324 وأحمد في مسنده ج 2 ص 255 وص 337 وص 470 والبيهقي في سننه ج 2 ص198 وص 206 والسيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 307 وقال أخرجه الدارقطني .

وروى أحمد في مسنده ج 1 ص 211 ( ... عن الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة مثنى مثنى ، تَشَهُّدٌ في كل ركعتين ، وتضرعٌ وتخشع وتمسكن ، ثم تقنع يديك ـ يقول ترفعهما الى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك ـ تقول يا رب يا رب ، فمن لم يقل ذلك ، فقال فيه قولاً شديداً ! )

ورواه في ج 4 ص 167 وفي آخره ( فمن لم يفعل ذلك فهي خداج ) أي صلاته ناقصة . ورواه الترمذي في سننه ج 1 ص 238 وفي آخره ( ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا . قال أبوعيسى ( الترمذي ) : وقال غير ابن المبارك في هذا الحديث : من لم يفعل ذلك فهو خداج ) .

وروى البيهقي في سننه ج 2 ص 198 ( عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها ! ومحمد هذا هو ابن أنس أبو أنس مولى عمر بن الخطاب ، ومطرف هو ابن طريف ) .

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 2 ص 138 ( وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها . رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون . وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أقنت لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم ... وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات . رواه البزار ورجاله موثقون ) انتهى .

ومن آراء فقهاء السنة الملفتة في القنوت : رأي ابن حزم الظاهري ودفاعه العلمي المطول عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله في القنوت .. قال في المحلى ج 4 ص 138 ـ 146 ( مسألة: والقنوت فعل حسن .. في آخر ركعة من كل صلاة فرض، الصبح وغير الصبح ، وفي الوتر ، فمن تركه فلا شئ عليه في ذلك .. ويدعو لمن شاء ويسميهم بأسمائهم إن أحب فإن قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك ... عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب ) . وقال في هامشه ( في النسائي ج 1 ص 164 ورواه الطيالسي ص 100 رقم 737 عن شعبة ، ورواه الدارمي ص 198 ولم يذكر فيه المغرب ، ورواه أيضاً مسلم ج 1 ص 188 والترمذي وصححه ج 1 ص 81 والطحاوي ج 1 ص 142 وأبوداود ج 1 ص 540 و 541 والبيهقي ج 2 ص 198 ) .

ثم قال ابن حزم ( ... عن أبي هريرة قال : والله إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر ، وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح ، بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ... عن البراء ابن عازب : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة إلا قنت فيها !! )

ثم قال ( أما الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم بأنهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك في النهي عن القنوت ، لأنه قد صح عن جميعهم أنهم قنتوا ، وكل ذلك صحيح قنتوا وتركوا ، فكلا الأمرين مباح ، والقنوت ذكر لله تعالى ، ففعله حسن ، وتركه مباح ، وليس فرضاً ، ولكنه فضل .

وأما قول والد أبي مالك الأشجعي إنه بدعة ، فلم يعرفه ، ومن عرفه أَثْبَتُ فيه ممن لم يعرفه ، والحجة فيمن علم لا فيمن لم يعلم !

... وقال بعض الناس : الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبدالله عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الأخيرة قال : أللهم العن فلاناً وفلاناً ، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال علي ( ابن حزم ) : هذا حجة في إثبات القنوت : لأنه ليس فيه نهي عنه ، فهذا حجة في بطلان قول من قال : إن ابن عمر جهل القنوت ، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل الركوع ، فهو موضع إنكار ، وتتفق الروايات عنه فهو أولى، لئلا يجعل كلامه خلافاً للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما في هذا الخبر إخبار الله تعالى بأن الأمر له لا لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم ، أو في سابق علمه أنهم سيؤمنون فقط .

... وأما أبوحنيفة ومن قلده فقالوا : لا يقنت في شئ من الصلوات كلها إلا في الوتر ، فإنه يقنت فيه قبل الركوع السنة كلها ، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو . أما مالك والشافعي فإنهما قالا : لا يقنت في شئ من الصلوات المفروضة كلها إلا في الصبح خاصة .

... قال علي ( ابن حزم ) : أما قول أبي حنيفة : فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة نعني النهي عن القنوت في شئ من الصلوات ، حاشا الوتر فإنه يقنت فيه ، وعلى من تركه سجود السهو . وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت، ما وجدناه عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين . وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت في سائر الصلوات ، وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روى في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم ، مع تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لِسُنَّةٍ صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !

قال علي : وقولنا هو قول سفيان الثوري . وروى عن ابن أبي ليلى : ما كنت لأصلي خلف من لا يقنت، وأنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع ) انتهى.
كيف صار قنوت النبي ( المصحح ) سورتين من القرآن ؟

العمل السابع : إضافة سورتي الخلع والحفد الى القرآن !

كل أصل (سورتي) الخلع والحفد هو الرواية المتقدمة التي تقول إن النبي كان يصلي ويدعو على قريش في قنوته ويلعنهم ، فنزل جبرئيل وأمره بالسكوت وقطع عليه صلاته وبلغه توبيخ الله تعالى وقال له ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك . اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعي ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق) !

ومادام جبرئيل علم ذلك للنبي فهو كلام الله تعالى ، وهو من القرآن !!

أما لماذا صار هذا النص سورتين ببسملتين ؟ فالأمر سهل ، أولاً ، لأنهما فقرتان تبدأ كل منهما بـ ( اللهم ) .

وثانياً ، لأنه يجوز للخليفة عمر أن يضع آيات القرآن في سورة مستقلة ! فقد قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 296 ( وأخرج ابن اسحاق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال : أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... الى قوله وهو رب العرش العظيم ، الى عمر فقال : من معك على هذا ؟ فقال لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها. فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها ، فألحقت في آخر براءة ) ورواه الهيثمى في مجمع الزوائد ج 7 ص 35 .

وثالثاً ، لأنهم إذا أسقطوا من القرآن سورتي المعوذتين باعتبار أنهما عوذتان نزل بهما جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ليعوذ بهما الحسن الحسين عليهما السلام ، ولم يقل له إنهما من القرآن ! فلابد لهم من وضع سورتين مكانهما لا سورة واحدة .. فيجب جعل النص قسمين !

يبقى السؤال : من الذي ارتأى أن يسمى هذا القنوت المزعوم سورتين ؟ هنا تسكت الروايات عن التصريح !

ومن الذي أمر أن تضاف سورتان ركيكتان الى كتاب الله تعالى وتكتبا في المصاحف ؟ هنا تسكت الروايات عن التصريح !

ولكنها تنطق صحيحة متواترة صريحة بأن الخليفة عمر هو الذي عرفهما للمسلمين بقراءته لهما في صلاة الصبح دائماً أو كثيراً ! إما بنية الدعاء وإما بنية سورتين من القرآن! ومن الطبيعي أن تكونا موجودتين في مصحف عمر الذي كان عند حفصة .. الى أن أحرقه مروان بن الحكم بعد وفاتها حتى لا يقال إنه يختلف عن مصحف عثمان !!

ويشك الإنسان كل الشك في نسبة السورتين المزعومتين الى مصحف ابن مسعود وابن كعب .. وإن صح شئ من ذلك فلا بد أن يكون الخليفة عمر هو الذي أقنع ابن مسعود وابن كعب بكتابتهما في مصحفيهما ! وسيأتي ما ينفع في ذلك في قصة المعوذتين !

قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 420 :

( ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد .

قال ابن الضريس في فضائله أخبرناموسى بن اسمعيل أنبأنا حماد قال قرأنا في مصحف أبي بن كعب اللهم إنا نستعينك وتستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك قال حماد هذه الآية سورة وأحسبه قال اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق .

وأخرج ابن الضريس عن عبدالله بن عبد الرحمن عن أبيه قال : صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق .

وفي مصحف ابن عباس قراءه أبيٍّ وأبي موسى : بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك . وفي مصحف حجر : اللهم إنا نستعينك . وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق .

وأخرج أبوالحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق . قال أنس والله إن أنزلتا إلا من السماء !

وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين : اللهم إياك نعبد ، واللهم إنا نستعينك .

وأخرج محمد بن نصر عن عبدالرحمن بن أبزى قال قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين .

وأخرج محمد بن نصر عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك .. واللهم إياك نعبد ..

وأخرج البيهقي عن خالد بن أبي عمران قال بينما رسول الله صلىالله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبرئيل فاومأ إليه أن أسكت فسكت فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً وإنما بعثك رحمة للعالمين ولم يبعثك عذاباً ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أويعذبهم فإنهم ظالمون، ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال : بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك . بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق . وزعم عبيد أنه بلغه انهما سورتان من القرآن من مصحف ابن مسعود .

وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال في قراءة أبي بن كعب اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق .

وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الى آخرها . بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك . بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لا تنزع ما تعطى ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وغفرانك وحنانيك اله الحق ( يلاحظ في هذه الرواية أن السورتين ولدتا بنتاً فصرن ثلاثة ) .

وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال كان أبو عبدالرحمن يقرئنا اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق . وزعم أبو عبدالرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها .

وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال قرأت أوحدثني من قرأ في بعض مصاحف أبي بن كعب هاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك، والأخرى ، بينهما بسم الله الرحمن الرحيم . قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من المفصل .

وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين : اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد .

وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال يقرأ في الوتر السورتين : اللهم إياك نعبد اللهم إنا نستعينك ونستغفرك .

وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال سألت عطاء بن أبي رباح : أي شئ أقول في القنوت ؟ قال : هاتين السورتين اللتين في قراءة أبي ، اللهم إنا نستعينك ، واللهم إياك نعبد .

وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال نبدأ في القنوت بالسورتين ثم ندعو على الكفار ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات ) انتهى .

وروى في كنز العمال ج 8 ص 74 و75 و78 وغيرها ، الكثير من روايات الخلع والحفد !! منها :

( عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين أللهم إنا نستعينك ، أللهم إياك نعبد ـ ش ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والطحاوي .

عن عبدالرحمن بن ابزى قال : صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح ، فلما فرغ من السورة في الركعة الثانية قال قبل الركوع : أللهم إنا نستعينك ... إلخ . ـ ش وابن الضريس في فضائل القرآن ، هق وصححه .

وقال في هامشه : ملحق : الرواية بكسر الحاء : أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار . ويروى بفتح الحاء على المفعول : أي عذابك يلحق بالكفار ويصابون به النهاية 4 / 238 ) ب .

عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع في صلاة الغداة ،

فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، أللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم أللهم إياك نعبد .. إلخ . وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود ـ عب ش ومحمد ابن نصر والطحاوي هق .

عن عبدالرحمن بن ابزى أن عمر قنت في صلاة الغداة قبل الركوع بالسورتين : اللهم إنا نستعينك ، واللهم إياك نعبد ـ الطحاوي .

ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين قال : صليت الغداة ذات يوم ، وصلى خلفي عثمان بن زياد فقنت في الصلاة ، فلما قضيت صلاتي قال لي : ما قلت في قنوتك ؟ فقلت : ذكرت هؤلاء الكلمات : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق ، فقال عثمان : كذا كان يصنع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ـ ش ) انتهى .

وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1009 ( حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا هشام ، عن محمد : أن أبيَّ بن كعب كتبهن في مصحفه خمسهن : أم الكتاب والمعوذتين والسورتين ، وتركهن ابن مسعود كلهن ، وكتب ابن عفان فاتحة الكتاب والمعوذتين ، وترك السورتين . وعلى ما كتبه عمر رضي الله عنه مصاحف أهل الإسلام، فأما ما سوى ذلك فمطرح ، ولو قرأ غير ما في مصاحفهم قارئ في الصلاة ، أو جحد شيئاً منها استحلوا دمه بعد أن يكون يدين به ) انتهى .

وتعبيره ( على ما كتبه عمر ) يعني أن ما كتب في عهده كان بأمره وموافقته ، وأن من قرأ سورتي الخلع والحفد لا يستحل دمه لأنهما مما كتبه عمر . والظاهر أن اسم عمر في الرواية جاء خطأ بدل اسم عثمان . فتكون فتوى باستحلال دم من يكتب سورتي الخليفة عمر في قرآنه !

روى الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 148 الحديث المتقدم عن البيهقي ، أي حديث ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ، وسورتي الخلع والحفد ) وأفتى باستحباب القنوت بهما !

وقال مالك في المدونة الكبرى ج 1 ص 103 :

( قال ابن وهب : قال لي مالك لا بأس أن يدعى الله في الصلاة على الظالم ويدعو لآخرين وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة لناس ودعا على آخرين ( ابن وهب ) عن معاوية بن صالح عن عبد القاهر عن خالد بن أبي عمران قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن أسكت فسكت فقال يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال ثم علمه القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك . اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق ) انتهى .

وقال النووي في المجموع ج 3 ص 493 عن القنوت ( .. والسنة أن يقول : اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت . لما روى الحسن بن علي رضي الله عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر فقال قل: اللهم اهدني فيمن هديت .. الى آخره . وإن قَنَتَ بما روي عن عمر رضي الله عنه كان حسناً ... وهو ما روى أبو رافع قال قنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد الركوع في الصبح فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك أن عذابك الجد بالكفار ملحق . اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك . اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم آله الحق واجعلنا منهم . ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء).

وقال في ص 498 :

( ولو قنت بالمنقول عن عمر رضي الله تعالى عنه كان حسناً وهو الدعاء الذي ذكره المصنف رواه البيهقي وغيره قال البيهقي هو صحيح عن عمر واختلف الرواة في لفظه والرواية التي أشار البيهقي الى اختيارها رواية عطاء عن عبيدالله بن عمر رضي الله عنهم قنت بعد الركوع فقال ( اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم . اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك . اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين . بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك . بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونخشى عذابك ونرجوا رحمتك إن عذابك الجد بالكفار ملحق . هذا لفظ رواية البيهقي ) انتهى .

وعندما رأى النووي أن الخليفة حصر دعاءه بكفرة أهل الكتاب ليبعد الأمر عن كفرة قريش الوثنيين ، علق بقوله ( وقوله اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ، إنما اقتصر على أهل الكتاب لأنهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين في ذلك العصر وأما الآن فالمختار أن يقال عذب الكفرة ليعم أهل الكتاب وغيرهم من الكفار ، فإن الحاجة الى الدعاء على غيرهم أكثر والله أعلم ) انتهى !

ولكن النووي نسي المنافقين الذين نسيهم الخليفة !!

وقد حاول بعض الرواة أن يقوي أمر سورتي الخلع والحفد بأن علياً عليه السلام أيضاً وافق الخليفة عمر وقرأهما في قنوته ! فقد روى السيوطي ومالك في المدونة الكبرى ج 1 ص 103 عن ( .. عبد الرحمن بن سويد الكاهلي أن علياً قنت في الفجر: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ... ) ! ولكنها رواية شاذة ، وقد روت مصادر إخواننا السنة عن قنوت علي ضد ذلك ، وأنه كان يدعو على خصومه المنافقين ! ففي كنز العمال ج 8 ص 79 ( عن إبراهيم النخعي قال : إنما كان علي يقنت لأنه كان محارَبَاً وكان يدعو على أعدائه في القنوت في الفجر والمغرب ـ الطحاوي )

وفي ص 82 ( عن عبدالرحمن بن معقل قال : صليت مع علي صلاة الغداة ، فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه ، وعمرو بن العاص وأشياعه ، وأبي الأعور السلمي وأشياعه ، وعبدالله بن قيس وأشياعه ـ ش ) انتهى .


نقلا عن كتاب
تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني حفظه الله

وفاء للحسين
12-06-2010, 09:16 PM
يتنزه رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم عن كل ما نسبه المنافقون والمغرضون له ...
الحمد لله الذي حفظ القران من التحريف وحفظ رسوله الكريم واله الطيبين الطاهرين على مر العصور والدهور ...
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32
شكرا ً للمدير العام (محب الحسين ) على هذا الموضوع المهم جدا ...وبالتاكيد ستكون لنا اكثر من عودة لهذا الموضوع كمصدر من المصادر المهمة ....

دعاء الصباح
13-06-2010, 01:49 AM
http://akhawat.islamway.com/forum/uploads/post-19496-1155500579.gif (http://women.bo7.net/girls24266)

جمر الحنان
08-04-2011, 12:34 AM
((وماينطق عن الهوى إن هو إلاوحي يوحى))

تجرأهم على الله ورسوله لم ولن ينتهي فهذا عمر يقول هجر

وإن لم يتجرأو كيف يثبت دينهم

محـب الحسين
08-04-2011, 12:36 AM
شكري وتقديري لتعقيبكم ومروركم الكريم