الانسان بين علم الله وابتلائه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • كوثر المحبة
    • Dec 2009
    • 8148

    الانسان بين علم الله وابتلائه


    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم







    الانسان بين علم الله وابتلائه









    قال الله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) (محمد / 31).
    يقول علماء التوحيد,إن علم الله نوعان علم قديم يكشف كل شيء منذ الأزل , وعلم يتعلق بالأشياء حين وقوعها. بمعنى أن علم الله سبحانه يحدد قديماً كل مايكون عليه أي مخلوق من مخلوقاته من عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد والمائعات والأفلاك إلخ.




    كل مايتصل بمخلوق من مخلوقاته معلوم عند الله منذ الأزل بجملته وتفاصيله , وهذه هي صلاحية علم الله القديم...
    وليس معنى هذا أن علم الله يقف عند هذا الحد , بأن يعلم قديماً ثم لا شأن لعلمه بالشيء حين يقع على حسب ماعلمه الله قديماً , لا...بل إن الله يعلم كذلك , ما يتصل بهذه الجزيئات حين حدوثها على حسب ما تقرر قديماً فإذا جئنا بقوله تعالى: (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) نقول ليس معنى هذا أنه لايعلم بسقوطه الورقة إلا حين سقوطها , بل إنه يعلم قديماً أنها ستسقط وقت كذا , وفي مكان كذا ويعلم أيضاً حين تسقط فعلاً.. وعلى هذا النسق يكون علم الله بالمجاهدين والصابرين باسمائهم وانسابهم...إلخ.. يعلم أن فلاناً هذا سيكون من المجاهدين , ومن الصابرين , ويعلم كل الأخبار التي تتصل به وبكل جماعة من قديم.. ويعلم ذلك أيضاً حين يتحقق , يعني يتابع تحقق علمه القديم ووقوعه في الوقت والمكان المحدد لوقوعه..





    وعلى سبيل المثال للتوضيح فحسب – ولله المثل الأعلى – إذا تنبأ عراف أو فلكي بما سيحصل لفلان أو فلان – وفرق طبعاً بين الحالتين لكنه مجرد مثل – فقد حصل على شيء من العلم أو الظن سمه بما شئت.. لكنه لايتابع ماسيكون لهذا الشخص الذي تكهن له ولايعلم ما كان بعد من أمره,وليس من الحتم أن يحصل ما قاله..
    فالله يعلم من قديم بأن سيحصل كذا لفلان,وعلم الله لايتخلف ولابد من وقوعه مستقبلاً... فحين يقع يعلم الله ايضاً أنه وقع.. (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ) يعلم سقوطها علماً ناجزاً واقعياً , وكان من قبل , علم لله قديماً بأنها ستسقط , وجاء سقوطها مطابقاً لما في علم الله من قديم.





    فعلم الله – إذن له مجالان أو كما يقول علماء التوحيد في اصطلاحاتهم علم بالإحاطة بالمعلومات كلها من قديم , وعلم تنجيزي حادث اي علمه بالشيء حين يقع وينجز مطابقاً للعلم القديم الأزلي...
    وعلى هذا الأساس يمكن تفسير المراد بقوله (نعلم المجاهدين) ومايشبهها في القرآن أي نعلم وقوع ما قدرناه من قبل على الوجه المقدر.. أي لنبلونكم حتى يتحقق ما سبق في علم الله تقديره...
    نقول :أن كل شيء في ملك الله يقع حسب ماعلمه سبحانه من قديم سواء في ذلك مايتصل بالإنسان أو غيره وانتظام الكون قائم على هذا الأساس بحيث لو أختل شيء مما علمه الله ورتب عليه انتظام الكون , انهار هذا الكون وتهدم واختلت الحياة كلها وما عدا الإنسان يجري عليه ما علمه الله وقدره دون تعليق , أما الإنسان فكان أكثر شيء جدلاً , ويقول:لم يحاسبنا وقد قدره وعلمه وسيقع حتماً مما قدره حسب تقديره وعلمه؟ ولكن :هل علم الإنسان وهو يفكر ويحسب ويوازن بين لا , ونعم هل علم ما قدره الله وعلمه؟ هل أطلعه الله على علمه؟ لو أطلعه لما فكر وقدر.





    بل فعل دون تفكير... فجهله بتقدير الله وعلمه , هو الذي أتاح له حرية التفكير والموازنة , بين لا , ونعم.. ومن هنا جاء حسابه على مايفعل , وجاء حساب ابنك أو أي أنسان على مافعل , وعلى هذا وهذا وحده ينتظم أمر حياتنا , والإ لو أخذنا بالمنطق المعوج الذي يعلو به صوت المجادلين ليصلوا الى أن الله لايحاسبهم , لقلنا وما دام لايحاسبنا الله وهو رب هذا الكون وربنا وله السلطة العليا , فمن باب أولى لايحاسب أحد على شيء فعله , لا الدولة ولا القضاء يحاسبنا ويضع القوانين , ولايحاسب بعضنا بعضاً ونترك الأمر فوضى , فهل تصلح الحياة بهذا المنطق؟





    ونعود بعد ذلك الى الكلام عن الابتلاء (ولنبلونكم) اي لنختبركم ولنمتحنكم , ليظهر مقدار تحملكم واستجابتكم لتكاليف الله... مقدار طاعتكم أو عصيانكم نرتب على ذلك موقفكم وجزاءكم.
    ونحن نتبع هذا الأسلوب ليتميز الصالح من غير الصالح,المستحق وغير المستحق,ونرتب المستحقين على قدر إجابتهم , سنة لابد منها لتنظيم شؤون الحياة , وإلا فهل يمكن أن نعلم أبناءنا ونتركهم دون اختبار لنعلم من استجاب ومن لم يستجب؟ هل يمكن أن نضع حساب احتمال الخرسانة في البيت بدون أن نعرف مقدار تحملها ونجري اختباراً عليها لنعرف هذا المقدار؟ وهل؟ وهل؟...كل شيء قائم على أساس اختبار له لمعرفة مدى تحمله... ومدى ما فيه من قوة....





    فلا يمكن – إذن – أن يخلق الله الإنسان بغرائزه,ونزعات الخير والشر فيه ويرسل رسلاً , وينزل له كتباً , ويجعل له عقلاً , ثم يترك الأمور فوضى دون رقابة , ودون امتحان واختبار , فيتساوى المجد مع المهمل الكسول , والمستقيم مع المنحرف , والعالم مع الجاهل والمنتج من غير المنتج. والخير مع الشرير إلخ...يمكن , لأن الحياة لاتقوم على هذه الفوضى , بل لابد لها من ضابط ونظام واختبار حتى يظهر الفرق بين هذا وذاك , ويأخذ كل جزاءه.







    امتحان عملي

    الامتحان العملي بنوعيه: بالشر والخير لعزائم الإنسان وإظهار دخائله , وكشف حقيقته هو الشيء الطبيعي للإنسان بل مثله في الحيوان والنبات بالطبيعة , فلا يبقى من هذا أو ذاك إلا مايثبت أمام الشدائد , ويقوى عليها..مما يسمونه بالانتخاب أو بتنازع البقاء أو مايقولون عنه :"البقاء للأصلح".



    لاينجح في الحياة إلا من يقوى على تحمل شدائدها , واجتياز عواصفها , ولاينجح في امتحان الله إلا من التزم بشرعه وتدين بدينه وبذل الغالي والنفيس في سبيلهما. ومن هنا يقول الله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) لنبلونكم ولنختبرنكم بالتعرض لفقد الحياة , ليظهر المجاهد من الجبان والمخلص من المخادع والذي يصبر من الذي يجزع. "حتى يميز الخبيث من الطيب" بواسطة الامتحان وهي الطريقة الممكنة ليتميزوا بها من ذاك (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) غيب القلوب وما تنطوي عليه من إخلاص أو نفاق , ومن قوة أو ضعف...هنا جرت سنة الله بهذا الامتحان العملي , لعدم كفاية الامتحان الشفوي والنظري لإخراج هذه النتيجة التي لابد منها حتى لايقوم مجتمعكم على لبنات هشة , ولايسري في جسمكم سرطان النفاق والضعف..
يعمل...
X