المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلمــــــــــــــــآن المحمدي


كوثر المحبة
06-07-2010, 03:42 PM
سلمان المحمدي







على مقربة من بغداد صوب الشرق ، تلوح للناظر من بعيد بلدة صغيرة تدعى « المدائن » يلتقي فيها شاهدان . شاهد كسرى وشاهد سلمان .
أما شاهد كسرى ، فذلك الطاق المحدودب الهرم الذي يحكي قصة جبروت صانعيه ، والذي بقي أثراً من الإيوان الشهير الذي أقامه كسرى أنو شروان ليصبح فيما بعد مقراً للأكاسرة حيث كانوا يطلقون عليه إسم « القصر الأبيض » وكانوا يديرون من بين أروقته حكم ثالث إمبراطورية في العالم القديم ، لم يبق منه اليوم سوى هذا الطاق . وهو إن دل على شيء فانما يدل على شموخ الإسلام وعظمته حيث إستطاع أن يقضي على مظاهر الأباطرة والآكاسرة بفترة وجيزة من أيام حكمه .





وأما شاهد سلمان ، فضريح ومزار وقبة ومئذنتان ينطلق منهما صوت الحق عالياً مدوياً كل يوم يحكي قصة الإيمان والتضحية والشرف . وهناك تحت تلك القبة الشامخة يتمدد جسد ذلك الصحابي العظيم « سلمان سابق فارس نحو الإيمان » والذي ستبقى روحه الزكية مناراً يشع عبر العصور باسمى معاني النبل والوفاء للإسلام العظيم ولرسالته الخالدة ، كما ستظل سيرته مؤشراً يلوح للمسلمين بأن يوحدوا خطاهم على درب الله .



ان من عظيم الحكمة وبديع التدبير أن يهيء الله سبحانه أفراداً من أمم شتى وقوميات مختلفة يساهمون في دعم دينه وهو بعد لم يزل في طور نشأته ونموه ، فكان منهم العربي والفارسي والرومي والحبشي والنبطي وكانوا كلهم سواء في ساحته يجسدون عنوان وحدته وشموله ويمثل هو عنوان وحدتهم وقوتهم دون أن يكون لإختلاف الدم أو العنصر أي تأثير .
ولقد كان للمبادرين الأول في هذا المضمار ميزة خاصة من بين سائر المسلمين مكنتهم من إحتلال الصدارة في التأريخ الإسلامي ، وأعطتهم لقب السباق نحو الإسلام وكان من بينهم صاحبنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه .



قال علي عليه السلام : السُبّاق خمسة ، فأنا سابقُ العرب ، وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم ، وبلال سابقُ الحبشة ، وخبّاب سابقُ النبط . »
لقد استطاع هؤلاء النفر أن يجسدوا نظرية الإسلام حول التفاضل بين بني الإنسان ، هذه النظرية التي تقوم على أساس التقوى ، تقوى الله سبحانه واطاعته والسير على منهاجه الذي إرتضاه ، كما هو صريح التعبير القرآني . قال تعالى :



« يا أيها الناسُ إنا خلقناكم مِن ذَكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لِتَعارفوا إنَّ أكرمكم عندَ الله أتقاكُم إنَّ الله عليمٌ خَبير » .
فكانوا أوضح مصداق لهذا المضمون بفضل سلوكهم الصحيح المتسم بالإخلاص والجدية والتفاني في سبيل الله ورفع كلمته ، وبهذا صار كل واحد منهم سابق أمته باستحقاق وجدارة .





ومن ثم ، فقد شن الإسلام حرباً شاملةً في وجه العصبيات بشكل عام ، وكافح دعاتها ، فالعصبية ـ عنصريةً كانت أو عرقيةً أو قبلية ـ لا ترتبط بأي مبدأ ذي قيمةٍ من الوجهة الأخلاقية ، ولا تخضع لأي منطق عقلي ، بل الحكم فيها يرجع إلى العاطفة وحدها ، لأن العصبية لا تعدو كونها ثورةً عاطفية تنتاب الفرد أزاء قرابته أو قبيلته أو بني قومه ، دون أن يكون للعدل فيها دور ، لذا فان الإسلام قد دعا إلى قلب هذه العقلية التي يتسّم بها المجتمع الإنساني بشكل عام وتوجيهها بطريقة إنعاكسية نحو الإيمان بالله سبحانه ، فهو أداة الربط بين المؤمنين يجمع شتاتهم ، ويشد عزائمهم ، ويوحد صفوفهم ، وهو أيضاً الوسيلة الناجعة للوصول إلى درب الخلاص ، ومن ثم النهوض بالإنسانية إلى أرقى وأسمى القيم التي تنشدها على هذه الأرض ، الإيمان بالله ، ورسله ، وكتبه ، واليوم الآخر بكل ما انطوت عليه هذه الكلمات من مضامين عالية نبيلة تتهافت عندها جميع الحواجز المادية التي تلف حياة الإنسان ، كما تتلاقى في ساحتها جميع القلوب الخيرة المفتوحة لا فرق في ذلك بين الإنسان الأبيض والأحمر والأسود والأصفر والقريب والبعيد . قال سبحانه وتعالى :




« لا تَجِدُ قوماً يؤمِنونَ بالله واليومِ الآخِر يوادُّونَ من حادَّ اللهَ ورسولَهُ ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو أخوانَهُم أو عَشيرتَهُم أولئكَ كَتَبَ في قلوبهم الإيمانَ وأيَّدهُم بِرُوحٍ منهُ ويُدخِلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها رضيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه أولئكَ حِزبُ الله آلا إن حِزبَ الله هُم المفلحونَ »
ولقد كان صاحبنا « سلمان الفارسي » رضي الله عنه أحد المجسدين لهذا الشعار القرآني بعزم وإرادة وتصميم يفوق حد الوصف ، جسده في بداية إيمانه حين هجر أهله ووطنه في سبيل الوصول إلى منابع الإيمان ـ كما ستقرأ ـ ضارباً عرض الحائط كل تفاهات المجوسية واساطيرها دون تردد أو وجل . وجسده بعد إسلامه حين غزا المسلمون أرض فارس سنة 15 للهجرة وأطاحوا بآكاسرتها وأساورتها حيث كان هذا الرجل العظيم « داعية المسلمين ورائدهم » في تلك الوقعة ـ على حد تعبير أبن الأثير ـ فكان يدعو قومه إلى الإسلام ، يدعوهم كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم ، فان أبوا ناجزهم ونهد إليهم .



إن قصة إسلام هذا الصحابي الجليل فريدة من نوعها في عالم التدين ـ حسبما أعلم ـ اللهم عدا ما يختص بالأنبياء والرسل وأوصيائهم ، فهي لا تخلو من مآثر وكرامات وخوارق تتصل كلها بعالم التدين وما يربط بين الأديان جميعاً ، بل هي في ذاتها حافز للمؤمنين يمدهم بمزيدٍ من الثبات والثقة ، وهي أيضاً بقدر كونها وثيقة تأريخية تثبت آصالة الأديان السماوية ، تؤكد ـ وبكل وضوح ـ كون الإسلام هو خاتمة تلك الأديان .
« إن الدين عند الله الإسلام وما اختلفَ الذينَ أوتوا الكِتابَ إلا مِن بعدِ مَا جاءهم العِلمُ بغياً بينهم »



فأنت حين تقرأ سلمان في هذا الكتاب ، ستجد نفسك وجهاً لوجه أمام انسان وقف كل حياته لأجل أن يحظى بنصيب أكبر من عالم الروح والإيمان ، وحين تتعمق في قرائته أكثر ، ستدرك ولا شك أن هذا الانسان المثل كان فريداً من نوعه ، وفي أبناء جنسه وفي مسلكه وفي عمق إدراكه ، حتى ليخيّل إليك أن كان أمةً في جانب ، والناس في جانب ، وستلمس أن هذا الإنسان الذي بدأت حياته بالغرائب والعجائب ، انتهت حياته كذلك .


إنه الرجل الذي استطاع ان يمثل أمةً بأكملها دون أن يستطيع أحد تمثيله ـ إلا ما يعلم الله ـ لا أقول هذا جزافاً أو إعجاباً ، بل أقوله للحق ، وللحق وحده ، فلقد كنت ألوم بعض الذين كتبو عن « سلمان » وأمعنوا في سرد كراماته ومآثره ، بل كنت أعتبر ذلك غلواً منهم وتطرفاً دافعهما الحب والإخلاص ، لكنني حين تأملت ما كتبه المؤرخون حوله ، وجدت أن الأمر كما قالوا ، وأن الصورة التي رسمت له هي الصورة الصحيحة .
رحم الله سلمان ، هلالاً أطل من سماء فارس ليشرق بدراً في دنيا الإسلام .


« واصـْبِرْ نفسـَك معَ الـذِينَ يـَدعُونَ رَبَّـهُم بالغـَدَاةِ والعشي ـ يُرِيدُونَ وجهَهُ وَلا تَعدُو عيناكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدنيا ولا تُطِـع مَن أغفلنَا قلبَهُ عَن ذِكـرِنَا وإتَّبَـعَ هـَواهُ وَكـَانَ أَمـرُهُ فـُرُطـَا » الـكـهـف ـ 28 .
نزلت في سلمان
سلمانُ مِنَّـا أهـل البيـت . لو كَـانَ الـدين في الثُريَّـا لنـالـَهُ سـلمـان .
سلمانُ يُبعـَثُ أُمةً ، لـقد أُشبعَ مِنَ العِلـمِ .
الرسول الاكرم صلى الله عليه واله
سلمان : إمروءٌ مِنَّا وإلينَا أهلَ البيت ، مَن لَكُم بِمثلِ لقمانَ الحَكيم ، عَلِمَ العِلمَ الأول والعِلمَ الآخر ، وقرأَ الكِتَابَ الأوَل والكِتابَ الآخِر ، وكَانَ بَحراً لا يُنزَف .
امير المؤمنين عليه السلام