المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - لمقاتل بن عطية (الجزء الأول)


حـــمـــادة
23-07-2010, 07:56 AM
:55555":
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم الى يوم الدين.
-----------------------------------------------------------------------------------------------
مكتبة أهل البيت (ع) - الإصدار الأول
المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة
مرض مقاتل في آخر عمره وتوفي حوالي عام ( 505 ه‍ ) . . ( 3 ) . ‹ صفحة 14 › قصة المناظرة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين محمد النبي العربي وآله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه المطيعين . دخل على الملك شاه أحد العلماء الكبار واسمه : ( الحسين بن علي العلوي ) وكان من كبار علماء الشيعة . . ولما خرج العالم من عند الملك استهزأ به بعض الحاضرين وغمزه . فقال الملك : لماذا استهزأت به ؟ قال الرجل : ألا تعرف أيها الملك أنه من الكفار الذين غضب الله عليهم ولعنهم ؟ فقال الملك متعجبا : ولماذا . أليس مسلما ؟ فقال الرجل : كلا إنه شيعي ! فقال الملك : وما معنى الشيعي ؟ أليس الشيعة هم فرقة من فرق المسلمين ؟ قال الرجل : كلا إنهم لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان . قال الملك : وهل هناك مسلم لا يعترف بإمامة هؤلاء الثلاثة ؟ قال الرجل : نعم هؤلاء الشيعة . قال الملك : وإذا كانوا لا يعترفون بإمامة هؤلاء الصحابة فلماذا يسميهم الناس مسلمين ؟ قال الرجل : ولذا قلت لك أنهم كفار . . فتفكر الملك مليا ، ثم قال : لا بد من إحضار الوزير نظام الملك لنرى جلية الحال . ولما جاء الوزير : نظام الملك وسأله الملك عن الشيعة : هل هم مسلمون ؟ قال نظام الملك : اختلف أهل السنة فطائفة منهم يقولون أنهم مسلمون لأنهم - أي الشيعة - يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلون ويصومون ، وطائفة منهم يقولون أنهم كفار . ‹ صفحة 15 › قال الملك : وكم عددهم ؟ فقال نظام الملك : لا أحصي عددهم كاملا ولكنهم يشكلون نصف المسلمين تقريبا . قال الملك : فهل نصف المسلمين كفار ؟ قال الوزير : إن بعض العلماء يعتبرونهم كفارا وإني لا أكفرهم قال الملك : فهل لك أيها الوزير أن تحضر علماء الشيعة وعلماء السنة لنرى جلية الحال ؟ قال الوزير : هذا أمر صعب وأخاف على الملك والمملكة ؟ قال الملك : لماذا ؟ قال الوزير : لأن قضية الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة ، بل هي قضية حق وباطل قد أريقت فيها الدماء ، وأحرقت فيها المكتبات ، وأسرت فيها نساء وألفت فيها كتب وموسوعات وقامت لأجلها حروب ! ! تعجب الملك الشاب من هذه القضية ، وفكر مليا ثم قال : أيها الوزير إنك تعلم أن الله أنعم علينا بالملك العريض ، والجيش الكثيف فلا بد أن نشكر الله على هذه النعمة ، ويكون شكرنا أن نتحرى الحقيقة ونرشد الضال إلى الصراط المستقيم ، ولا بد أن تكون إحدى هاتين الطائفتين على حق والأخرى على باطل ، فلا بد أن نعرف الحق فنتبعه ونعرف الباطل فنتركه ، فإذا هيأت - أيها الوزير - مثل هذا المؤتمر وبحضور العلماء من الشيعة والسنة بحضور القواد والكتاب وسائر أركان الدولة فإذا رأينا أن الحق مع السنة أدخلنا الشيعة في السنة بالقوة . قال الوزير : وإذا لم يقبل الشيعة أن يدخلوا مذهب السنة فماذا تفعل ؟ قال الملك الشاب : نقتلهم ! فقال الوزير : وهل يمكن قتل نصف المسلمين ؟ قال الملك : فما هو العلاج والحل ؟ قال الوزير : أن تترك هذا الأمر ‹ صفحة 16 › إنتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم ، ولكن بات الملك تلك الليلة متفكرا قلقا ولم ينم إلى الصباح . وفي الصباح الباكر دعى نظام الملك . . وقال الملك : لقد تفكرت في الأمر ورأيت أن نستدعي علماء الطرفين ، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات التي تدور بينهما أن الحق مع أيهما ، فإذا كان الحق مع مذهب السنة دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهم بالمال والجاه كما كان يفعل رسول الله ( ص ) مع المؤلفة قلوبهم ، وبذلك نتمكن من خدمة الإسلام والمسلمين . . فقال الوزير : رأيك حسن ولكني أتخوف من هذا المؤتمر ! قال الملك : ولماذا الخوف ؟ فقال الوزير : لأني أخاف أن يتغلب الشيعة على السنة وترجح احتجاجاتهم علينا وبذلك يقع الناس في الشك والشبهة ! فقال الملك : وهل يمكن ذلك ؟ قال الوزير : نعم لأن الشيعة لهم أدلة قاطعة وبراهين ساطعة من القرآن والأحاديث الشريفة على صحة مذهبهم ، وحقيقة عقيدتهم ! فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره ( نظام الملك ) وقال له : لا بد من إحضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميزه عن الباطل ، فاستمهل الوزير الملك شهرا لتنفيذ الأمر ، ولكن الملك الشاب لم يقبل ذلك . . وأخيرا تقرر أن تكون المدة خمسة عشر يوما . وفي هذه الأيام جمع الوزير نظام الملك عشرة رجال من كبار علماء السنة الذين يعتمد عليهم في التاريخ والفقه والحديث والأصول والجدل ، كما أحضر عشرة من كبار علماء الشيعة ، وكان ذلك في شهر شعبان في المدرسة النظامية ببغداد ، وتقرر أن ينعقد المؤتمر على الشروط التالية : أولا : أن يستمر البحث من الصباح إلى المساء باستثناء وقت الصلاة والطعام والراحة . ‹ صفحة 17 › ثانيا : أن تكون المحادثات مستندة إلى المصادر الموثوقة والكتب المعتبرة لا إلى المسموعات والشائعات . ثالثا : أن تكتب المحادثات التي تدور في هذا المؤتمر . نص المناظرة : اليوم الأول وفي اليوم المعين جلس الملك ووزيره وقواد جيشه وجلس العلماء السنة عن يمينه كما جلس علماء الشيعة عن يساره ، وافتتح الوزير نظام الملك المؤتمر باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على محمد وآله وصحبه . . ثم قال : لا بد أن يكون الجدال نزيها ، وأن يكون طلب الحق هو رائد الجميع وأن لا يذكر أحد صحابة الرسول ( ص ) بسب أو سوء . قال كبير علماء السنة ( وهو الملقب بالشيخ العباسي ) : إني لا أتمكن أن أحادث مذهبا يكفر كل الصحابة . قال كبير علماء الشيعة ( وهو الملقب بالعلوي ) : ومن هم الذين يكفرون الصحابة ؟ قال العباسي : أنتم الشيعة هم أولئك الذين يكفرون كل الصحابة . قال العلوي : هذا الكلام منك خلاف الواقع : أليس من الصحابة علي عليه السلام والعباس وسلمان وابن عباس والمقداد وأبو ذر وغيرهم ، فهل نحن الشيعة نكفرهم ؟ قال العباسي : إني قصدت بكل الصحابة أبا بكر وعمر وعثمان وأتباعهم . قال العلوي : نقضت نفسك بنفسك ، ألم يقرر أهل المنطق أن ( الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية ) فإنك تقول مرة : إن الشيعة يكفرون كل الصحابة ، وتقول مرة : إن الشيعة يكفرون بعض الصحابة . وهنا أراد نظام الملك أن يتكلم لكن العالم الشيعي لم يمهله . ‹ صفحة 18 › وقال : أيها الوزير العظيم لا يحق لأحد أن يتكلم إلا إذا عجزنا عن الجواب وإلا كان خلطا للبحث ، وإخراجا للكلام عن مجراه ، من دون نتيجة . ثم قال العالم الشيعي : تبين أيها العباسي إن قولك أن الشيعة يكفرون كل الصحابة كذب صريح . ولم يتمكن العباسي من الجواب واحمر وجهه خجلا . . ثم قال : دعنا عن هذا ولكن هل أنتم الشيعة تسبون أبا بكر وعمر وعثمان ؟ قال العلوي : إن في الشيعة من يسبهم وفيهم من لا يسبهم . قال العباسي : وأنت أيها العلوي من أي طائفة منهم ؟ قال العلوي : من الذين لا يسبون ولكن رأيي أن الذين يسبون لهم منطقهم ، وأن سبهم لهؤلاء الثلاثة لا يوجب شيئا ، لا كفرا ولا فسقا ولا هو من الذنوب الصغيرة . قال العباسي : أسمعت أيها الملك ماذا يقول هذا الرجل ؟ قال العلوي : أيها العباسي إن توجيهك الخطاب إلى الملك مغالطة ، فإن الملك أحضرنا لأجل التكلم حول الحجج والأدلة لا لأجل التحاكم إلى السلاح والقوة . قال الملك : صحيح ما يقوله العلوي ، ما هو ردك أيها العباسي ؟ قال العباسي : واضح أن من يسب الصحابة كافر . قال العلوي : واضح عندك لا عندي ، ما هو الدليل على كفر من يسب الصحابة عن اجتهاد ودليل ، ألا تعترف أن من يسبه الرسول يستحق السب ؟ قال العباسي : أعترف . قال العلوي : فالرسول سب أبا بكر وعمر . قال العباسي : وأين سبهم ؟ هذا كذب على رسول الله . قال العلوي : ذكر أهل التواريخ من السنة أن الرسول هيأ جيشا بقيادة ( أسامة ) وجعل في الجيش أبا بكر وعمر . ‹ صفحة 19 › وقال : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ، ثم أن أبا بكر وعمر تخلفا عن جيش أسامة فشملهم لعن الرسول ومن يلعنه الرسول يحق للمسلم أن يلعنه . وهنا أطرق العباسي برأسه ولم يقل شيئا . فقال الملك ( متوجها إلى الوزير ) : وهل صح ما ذكره العلوي ؟ قال الوزير : ذكر أهل التواريخ ذلك ( 1 ) . قال العلوي : وإذا كان سب الصحابة حراما وكفرا ، فلماذا لا تكفرون معاوية بن أبي سفيان ولا تحكمون بفسقه وفجوره لأنه كان يسب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أربعين سنة وقد سب الإمام إلى سبعين سنة ! ؟ قال الملك : اقطعوا هذا الكلام وتكلموا حول موضوع آخر . قال العباسي : من بدعكم أنتم الشيعة أنكم لا تعترفون بالقرآن ! قال العلوي : بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن والدليل على ذلك أنكم تقولون : إن القرآن جمعه عثمان ، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان ، حيث أنه لم يجمع القرآن حتى جاء عثمان وجمعه ، ثم كيف أن القرآن لم يكن مجموعا في زمن النبي وكان يأمر قومه وأصحابه بختم القرآن فيقول : من ختم القرآن كان له ( كذا ) من الأجر والثواب ، هل يمكن أن يأمر بختم القرآن ما لم يكن مجموعا ، وهل كان المسلمون في ضلال حتى أنقذهم عثمان ( 2 ) ؟ قال الملك ( موجها كلامه إلى الوزير ) وهل يصدق العلوي أن أهل السنة يقولون بأن القرآن من جمع عثمان ؟ ‹ صفحة 20 › قال الوزير : هكذا يذكر المفسرون وأهل التواريخ ( 1 ) . قال العلوي : اعلم أيها الملك أن الشيعة يعتقدون أن القرآن جمع في زمن الرسول ( ص ) كما تراه الآن لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه حرف أما السنة فيقولون إن القرآن زيد فيه ونقص منه ، وأنه قدم وأخر وأن الرسول لم يجمعه وإنما جمعه عثمان لما تسلم الحكم وصار أميرا . قال العباسي : ( وقد انتهز الفرصة ) : هل سمعت أيها الملك أن هذا الرجل لا يسمي عثمان خليفة وإنما يسميه أميرا . قال العلوي : نعم عثمان لم يكن خليفة . قال الملك : ولماذا ؟ قال العلوي : لأن الشيعة يعتقدون بطلان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ! قال الملك : ( بتعجب واستفهام ) ولماذا ؟ قال العلوي : لأن عثمان جاء إلى الحكم بشورى ستة رجال عينهم
عمر وكل أهل الشورى الستة لم ينتخبوا عثمان وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين منهم ، فشرعية خلافة عثمان مستندة إلى عمر ، وعمر جاء إلى الحكم بوصية أبي بكر مستندة إلى السلاح والقوة ولذا قال عمر في حقه : ( كانت بيعة الناس لأبي بكر فلتة من فلتات الجاهلية وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إليها فاقتلوه ) ( 2 ) . ‹ صفحة 21 › وأبو بكر نفسه كان يقول : ( أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ) ( 1 ) ولذا فالشيعة يعتقدون بأن خلافة هؤلاء باطلة من أساسها . قال الملك : ( موجها الكلام إلى الوزير ) : وهل صحيح ما يقوله العلوي من كلام أبي بكر وعمر ؟ قال الوزير : نعم هكذا ذكر المؤرخون ! قال الملك : فلماذا نحن نحترم هؤلاء الثلاثة ؟ قال الوزير : اتباعا للسلف الصالح ! قال العلوي للملك : أيها الملك قل للوزير : هل الحق أحق أن يتبع أن السلف ؟ أليس تقليد السلف ضد الحق مشمول لقوله تعالى : قالوا * ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) * . قال الملك ( موجها الخطاب إلى العلوي ) : إذا لم يكن هؤلاء الثلاثة خلفاء لرسول الله فمن هو خليفة رسول الله ؟ قال العلوي : خليفة رسول الله هو الإمام علي بن أبي طالب . قال الملك : ولماذا هو خليفة ؟ قال العلوي : لأن الرسول عينه خليفة من بعده ، حيث أنه ( ص ) أشار إلى خلافته في مواطن كثيرة جدا ومن جملتها لما جمع الناس في منطقة بين مكة والمدينة يقال لها : ( غدير خم ) ورفع يد علي وقال للمسلمين : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، ثم نزل عن المنبر وقال للمسلمين وعددهم يزيد على مائة وعشرين ألف إنسان : سلموا على بإمرة المؤمنين ، فجاء المسلمون واحدا بعد واحد وهم يقولون لعلي : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فجاء أبو بكر وعمر وسلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وقال عمر : السلام عليك يا أمير المؤمنين ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ) . ‹ صفحة 22 › فإذن الخليفة الشرعي لرسول الله ( ص ) هو علي بن أبي طالب . قال الملك : ( موجها الكلام إلى الوزير ) هل صحيح ما يذكره العلوي ؟ قال الوزير : نعم هكذا ذكر المؤرخون والمفسرون ( 1 ) . ‹ صفحة 23 › قال الملك : دعوا هذا الكلام ، وتكلموا حول موضوع آخر . قال العباسي : إن الشيعة يقولون بتحريف القرآن . قال العلوي : بل المشهور عندكم - أيها ألسنة - أنكم تقولون بتحريف القرآن ! قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألم ترووا في كتبكم أنه نزلت على رسول الله آيات حول ( الغرانيق ) ثم نسخت تلك الآيات وحذفت من القرآن ؟ قال الملك ( للوزير ) : وهل صحيح ما يدعيه العلوي ؟ قال الوزير : نعم هكذا ذكر المفسرون ( 1 ) . قال الملك : فكيف يعتمد على قرآن محرف ؟ قال العلوي : اعلم أيها الملك أنا لا نقول بهذا الشئ وإنما هذه مقالة أهل السنة ، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليه لكن القرآن - عند السنة - لا يمكن الاعتماد عليه ! قال العباسي : وقد وردت بعض الأحاديث في كتبكم وعن علماءكم ؟ قال العلوي : تلك الأحاديث أولا : قليلة ، وثانيا : هي موضوعة ومزورة وضعها أعداء الشيعة لتشويه سمعة الشيعة ، وثالثا : رواتها وأسنادها غير صحيحة ، وما نقل عن بعض العلماء ، فلا يعتمد على كلامهم ، وإنما علماؤنا العظام الذين نعتمد عليهم لا يقولون بالتحريف ولا يذكرون كما تذكرون أنتم حيث تقولون إن الله أنزل آيات في مدح الأصنام فقال - وحاشاه ذلك - تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ( 2 ) . ‹ صفحة 24 › قال الملك : دعوا هذا الكلام وتكلموا بغيره . قال العلوي : والسنة ينسبون إلى الله تعالى ما لا يليق بجلال شأنه . قال العباسي : مثل ماذا ؟ قال العلوي : مثل أنهم يقولون : إن الله جسم ، وأنه مثل الإنسان يضحك ويبكي وله يد ورجل وعين وعورة ويدخل رجله في النار يوم القيامة ، وأنه ينزل من السماوات إلى سماء الدنيا ( 1 ) . ‹ صفحة 25 › قال العباسي : وما المانع من ذلك ، والقرآن يصرح به يقول تعالى : * ( وجاء ربك ) * . ويقول : * ( يوم يكشف عن ساق ) * . ويقول : * ( يد الله فوق أيديهم ) * والسنة وردت بأن الله يدخل رجله في النار ! قال العلوي : أما ما ورد في السنة والحديث فهو باطل عندنا وكذب وافتراء ، لأن أبا هريرة وأمثاله كذبوا على رسول الله ( ص ) حتى أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث وزجره . قال الملك : - موجها الخطاب إلى الوزير - : هل صحيح أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث ؟ قال الوزير : نعم منعه كما في التواريخ . قال الملك : فكيف نعتمد على أحاديث أبي هريرة ؟ قال الوزير : لأن العلماء اعتمدوا على أحاديثه . قال الملك : إذن : يجب أن يكون العلماء أعلم من عمر لأن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله ، ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة ؟ ! قال العباسي : هب - أيها العلوي - إن الأحاديث الواردة في السنة حول الله غير صحيحة ، ولكن ماذا تصنع بالآيات القرآنية ؟ ‹ صفحة 26 › قال العلوي : القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات وفيه ظاهر وباطن فالمحكم الظاهر يعمل بظاهره ، أما المتشابه فاللازم أن تنزله على مقتضى البلاغة من إرادة المجاز والكناية والتقدير وإلا لا يصح المعنى لا عقلا ولا شرعا فمثلا : إذا حملت قوله تعالى * ( وجاء ربك ) * على ظاهره فقد عارضت العقل والشرع لأن العقل والشرع يحكمان بوجود الله في كل مكان وأنه لا يخلو منه مكان أبدا ، وظاهر الآية تقول بجسمية الله ، والجسم له حيز ومكان ، ومعنى هذا أن الله لو كان في السماء خلا منه الأرض ولو كان في الأرض خلا منه السماء ، وهذا غير صحيح لا عقلا ولا شرعا . قال العباسي : إني لا أقبل هذا الكلام ، وعلينا أن نأخذ بظواهر آيات القرآن . قال العلوي : فما تصنع بالآيات المتشابهات ؟ ؟ ، ثم إنك لا يمكنك أن تأخذ بظاهر كل القرآن ، وإلا لزم أن يكون صديقك الجالس إلى جنبك ( وهو من علماء السنة وكان أعمى البصر ) من أهل النار ؟ قال العباسي : ولماذا ؟ قال العلوي : لأن الله تعالى يقول : * ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) * فحيث أن الشيخ أعمى الآن في الدنيا فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، فهل ترضى بهذا يا شيخ - يقصد الشيخ الأعمى - ؟ قال الشيخ : كلا ، كلا فإن المراد ب‍ ( الأعمى ) في الآية : المنحرف عن طريق الحق . قال العلوي : إذن : ثبت أنه لا يتمكن الإنسان أن يعمل بكل ظواهر القرآن . وهنا اشتد الجدال حول ظواهر القرآن ، وهذا والعلوي يفحم العباسي بالأدلة والبراهين . قال الملك : دعوا هذا الموضوع وانتقلوا إلى غيره . قال العلوي : ومن انحرافاتكم وأباطيلكم - أنتم السنة - حول الله سبحانه أنكم تقولون : إن الله يجبر العباد على المعاصي والمحرمات ثم يعاقبهم عليها ؟ ‹ صفحة 27 › قال العباسي : إن الله يقول : * ( ومن يضلل الله ) * . ويقول : * ( طبع الله على قلوبهم ) * . قال العلوي : أما كلامك أنه في القرآن ، فجوابه : إن القرآن فيه مجازات وكنايات يجب المصير إليها ، فالمراد ( بالضلال ) أن الله يترك الإنسان الشقي ويهمله حتى يضل ، وذلك مثل قولنا : ( الحكومة أفسدت الناس ) فالمعنى أنها تركتهم لشأنهم ولم تهتم بهم ، هذا أولا وثانيا : ألم تسمع قول الله تعالى : * ( إن الله لا يأمر بالفحشاء ) * . وقوله سبحانه : * ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) * . وقوله : * ( وهديناه النجدين ) * . وثالثا : لا يجوز عقلا أن يأمر الله بالمعصية ثم يعاقب عليها ، إن هذا بعيد من عوام الناس فكيف من الله العادل المتعال سبحانه وتعالى عما يقول المشركون والظالمون علوا كبيرا . قال الملك : لا ، لا يمكن أن يجبر الله الإنسان على المعصية ثم يعاقبه ، إن هذا هو الظلم بعينه ، والله منزه عن الظلم والفساد * ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) * ، ولكن لا أظن أن أهل السنة يلتزمون بمقالة العباسي ؟ ثم يوجه الملك خطابه إلى الوزير قائلا : هل أهل السنة يلتزمون بذلك ؟ قال الوزير : نعم المشهور بين أهل السنة ذلك ( 1 ) ! قال الملك : كيف يقولون بما يخالف العقل ؟ قال الوزير : لهم في ذلك تأويلات واستدلالات . ‹ صفحة 28 › قال الملك : ومهما يكن من تأويل واستدلال ، فلن يعقل ولا أرى إلا رأي السيد العلوي بأن الله لا يجبر أحدا على الكفر والعصيان ، ثم يعاقبه على ذلك ؟ ! قال العلوي : ثم إن السنة يقولون إن رسول الله ( ص ) كان شاكا في نبوته قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألستم تروون في كتبكم أن رسول الله قال : ( ما أبطأ علي جبرئيل مرة إلا وظننت أنه نزل على ابن الخطاب ) مع العلم أن هناك آيات كثيرة تدل على أن الله أخذ الميثاق من النبي محمد ( ص ) على نبوته ؟ قال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير - : هل صحيح ما يقوله العلوي من أن هذا الحديث موجود في كتب السنة ؟ قال الوزير : نعم يوجد في بعض الكتب ( 1 ) . ‹ صفحة 29 › قال الملك : هذا هو الكفر بعينه . قال العلوي : ثم إن السنة ينقلون في كتبهم أن رسول الله ( ص ) كان يحمل عائشة على كتفيه لتتفرج على المطبلين والمزمرين ، فهل هذا يليق بمقام رسول الله ومكانته ؟ قال العباسي : إنه لا يضر . قال العلوي : وهل أنت تفعل هذا ، وأنت رجل عادي ، هل تحمل زوجتك على كتفك لتتفرج على الطبالين ؟ ؟ قال الملك : إن من له أدنى حياء وغيرة لا يرضى بهذا فكيف برسول الله وهو مثال الحياء والغيرة والإيمان . فهل صحيح أن هذا موجود في كتب أهل السنة ؟ قال الوزير : نعم موجود في بعض الكتب ( 1 ) ! ‹ صفحة 30 › قال الملك : فكيف نؤمن بنبي يشك في نبوته ؟ قال العباسي : لا بد من تأويل هذه الرواية ؟ قال العلوي : وهل تصلح هذه الرواية ؟ ، أعرفت أيها الملك أن أهل السنة يعتقدون بهذه الخرافات والأباطيل والخزعبلات ؟ قال العباسي : وأي أباطيل وخرافات تقصد ؟ قال العلوي : لقد بينت لك أنكم تقولون : 1 - إن الله كالإنسان له يد ورجل وحركة وسكون . 2 - إ
إن القرآن محرف فيه زيادة ونقصان . 3 - إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين من حمل عائشة على كتفه . 4 - إن الرسول كان يشك في نبوته . 5 - إن الذين جاؤوا إلى الحكم قبل علي بن أبي طالب استندوا إلى السيف والقوة في إثبات أنفسهم ، ولا شرعية لهم . ‹ صفحة 31 › 6 - إن كتبهم تروي عن أبي هريرة وأمثاله من الأباطيل . قال الملك : دعوا هذا الموضوع وانتقلوا إلى موضوع آخر . قال العلوي : ثم إن السنة ينسبون إلى رسول الله ( ص ) ما لا يجوز حتى على الإنسان العادي ! قال العباسي : مثل ماذا ؟ قال العلوي مثل أنهم يقولون : إن سورة * ( عبس وتولى ) * نزلت في شأن الرسول ! قال العباسي : وما المانع من ذلك ؟ قال العلوي : المانع قول الله تعالى : * ( وإنك لعلى خلق عظيم ) * وقوله : * ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) * ، فهل يعقل أن الرسول الذي يصفه الله تعالى بالخلق العظيم ورحمة للعالمين أن يفعل بذلك الأعمى المؤمن هذا العمل الإنساني ؟ قال الملك : غير معقول أن يصدر هذا العمل من رسول الإنسانية ونبي الرحمة ، فإذن أيها العلوي : فيمن نزلت هذه السورة ؟ قال العلوي : الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول إنها نزلت في عثمان بن عفان ، وذلك لما دخل عليه ابن أم مكتوم فأعرض عنه عثمان وأدار ظهره إليه ( 1 ) . وهنا انبرى السيد جمال الدين ( وهو من علماء الشيعة وكان حاضرا في المجلس ) وقال : قد وقعت لي قصة مع هذه السورة وذلك : أن أحد علماء النصارى قال لي : إن نبينا عيسى أفضل من نبيكم محمد ( ص ) قلت لماذا ؟ قال : لأن نبيكم كان سيئ الأخلاق يعبس للعميان ويدير إليهم ظهره ، بينما نبينا عيسى كان حسن الأخلاق يبرئ الأكمه والأبرص . ‹ صفحة 32 › قلت : أيها المسيحي اعلم أننا نحن الشيعة نقول إن السورة نزلت في عثمان بن عفان لا في رسول الله ( ص ) ، وأن نبينا محمد ( ص ) كان حسن الأخلاق ، جميل الصفات ، حميد الخصال . وقد قال فيه تعالى : * ( وإنك لعلى خلق عظيم ) * . وقال : * ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) * . قال المسيحي : لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته لك من أحد خطباء المسجد في بغداد ! قال العلوي : المشهور عندنا أن بعض رواة السوء وبائعي الضمائر نسبوا هذه القصة ليبرؤوا ساحة عثمان بن عفان فإنهم نسبوا الكذب إلى الله والرسول حتى ينزهوا خلفاءهم وحكامهم ! اليوم الثاني قال العباسي : إن الشيعة تنكر إيمان الخلفاء الثلاثة ، وهذا غير صحيح إذ لو كانوا غير مؤمنين فلماذا صاهرهم رسول الله ( ص ) ؟ قال العلوي : الشيعة يعتقدون أنهم - أي الثلاثة - كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا وإن أظهروا الإسلام لسانا وظاهرا ، والرسول الأعظم ( ص ) كان يقبل إسلام كل من تشهد بالشهادتين ولو كان منافقا واقعا وكان يعاملهم معاملة المسلمين ، فمصاهرة النبي لهم ومصاهرتهم للنبي من هذا الباب ! قال العباسي : وما هو الدليل على عدم إيمان أبي بكر ؟ قال العلوي : الأدلة القطعية على ذلك كثيرة جدا ، ومن جملتها : أنه خان الرسول في مواطن كثيرة جدا ، منها : تخلفه عن جيش أسامة ومعصية أمر الرسول في ذلك ، والقرآن الكريم نفي الإيمان عن كل من يخالف الرسول ، يقول تعالى : * ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) * . فأبو بكر عصى أمر الرسول وخالفه فهو داخل في الآية التي تنفي إيمان مخالف الرسول . ‹ صفحة 33 › وأضف إلى ذلك أن رسول الله ( ص ) لعن المتخلف عن جيش أسامة : فهل يلعن رسول الله المؤمن ( 1 ) ؟ قال الملك : إذن يصح كلام العلوي أنه لم يكن مؤمنا ! قال الوزير : لأهل السنة في تخلفه تأويلات ( 2 ) . ‹ صفحة 34 › قال الملك : وهل التأويل يدفع المحذور ؟ ولو فتحنا هذا الباب لكان لكل مجرم أن يأتي لإجرامه بتأويلات . . فالسارق يقول : سرقت لأني فقير ، وشارب الخمر يقول : شربت لأنني كثير الهموم ، والزاني يقول كذا وهكذا . . يختل النظام ويتجرأ الناس على العصيان ، لا . . لا . . التأويلات لا تنفعنا . فاحمر وجه العباسي ، وتحير ، ماذا يقول ، وأخيرا . . تلعثم وقال : وما هو الدليل على عدم إيمان عمر ؟ قال العلوي : الأدلة كثيرة جدا ، منها : أنه صرح بنفسه بعدم إيمانه ! قال العباسي : في أي موضع ؟ قال العلوي : حيث قال : ( ما شككت في نبوة محمد ( ص ) مثل شكي يوم الحديبية ) وكلامه هذا يدل : على أنه كان شاكا دائما في نبوة نبينا ( ص ) ، وكان شكه يوم الحديبية أكثر وأعمق وأعظم من تلك الشكوك ، فهل الشاك في نبوة محمد ( ص ) يعتبر مؤمنا ؟ فسكت العباسي وأطرق برأسه خجلا . فقال الملك - موجها الخطاب إلى الوزير - : هل صحيح قول العلوي أن عمر قال هكذا ؟ ‹ صفحة 35 › قال الوزير : هكذا ذكر الرواة ( 1 ) ! قال الملك : عجيب : عجيب جدا . . أني كنت أعتبر عمر من السابقين إلى الإسلام ، واعتبر إيمانه مثاليا ، والآن ظهر لي أن في أصل إيمانه شك وشبهة ! قال العباسي : مهلا أيها الملك ، ابق على عقيدتك ، ولا يخدعك هذا العلوي الكذاب . فأعرض الملك بوجهه عن العباسي وقال مغضبا : إن الوزير نظام الملك يقول : إن العلوي صادق في كلامه ، وأن أقول عمر وارد في الكتب وهذا الأبله - يعني العباسي - يقول إنه كاذب ، أليس هذا العناد بعينه ؟ وساد المجلس سكون رهيب ، فقد غضب الملك وانزعج من كلام العباسي . وأطرق العباسي وسائر علماء السنة . . وصمت الوزير . . . وبقي العلوي رافعا رأسه ينظر في وجه الملك ، ليرى النتيجة ؟ مرت لحظات صعبة على العباسي ، تمنى فيها أن تنشق الأرض تحته فيغيب فيها ، أو يأتيه ملك الموت فيقبض روحه فورا ، من شدة الخجل وحرج الموقف ، فلقد ظهر بطلان مذهبه ، ولقد ظهرت خرافة عقيدته أمام الملك ووزيره وسائر العلماء والأركان . . ولكن : ماذا يصنع ؟ لقد أحضره الملك للسؤال والجواب ، ولتمييز الحق من الباطل ، ولهذا استجمع قواه ورفع رأسه وقال : وكيف تقول أيها العلوي أن عثمان لم يكن مؤمنا في قلبه ، وقد زوجه الرسول ببنتيه رقية وأم كلثوم ؟ قال العلوي : الأدلة في عدم إيمانه كثيرة ويكفي في ذلك ما يلي : إن المسلمين - وفيهم الصحابة - اجتمعوا عليه فقتلوه ، وأنتم تروون أن النبي قال : ( لا تجتمع أمتي على خطأ ) فهل يجتمع المسلمون - وفيهم الصحابة - على قتل مؤمن ؟ ‹ صفحة 36 › ولقد كانت عائشة تشبهه باليهود وتأمر بقتله وتقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، اقتلوا نعثلا قتله الله ، بعدا لنعثل وسحقا ( 1 ) . وقد ضرب عثمان عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل حتى أصيب بالفتق وصار طريح الفراش ومات ( 2 ) . سفر أبا ذر الغفاري ، ذلك الصحابي الجليل الذي قال فيه الرسول : ( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) ( 3 ) . ونفاه وأبعده من المدينة المنورة إلى الشام مرة أو مرتين ثم إلى الربذة - وهي أرض جرداء بين مكة والمدينة - حتى مات أبو ذر في الربذة جوعا وعطشا في الوقت الذي كان عثمان يتقلب في بيت المال المسلمين ويوزع الأموال على أقاربه من الأمويين والمراونيين ! قال الملك للوزير : وهل يصدق العلوي في كلامه هذا ؟ قال الوزير : ذكر ذلك المؤرخون ( 4 ) ! ‹ صفحة 37 › قال الملك : فكيف اتخذه المسلمون خليفة ؟ قال الوزير : بالشورى . قال العلوي : مهلا أيها الوزير ، لا تقل ما ليس بصحيح ! قال الملك : ماذا تقول أيها العلوي ؟ قال العلوي : إن الوزير أخطأ في كلامه ، إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر وانتخاب ثلاثة فقط وهم : طلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، فهل هؤلاء الثلاثة يمثلون المسلمين جميعا ( 1 ) ؟ ‹ صفحة 38 › ثم إن التواريخ تذكر أن هؤلاء المنتخبين عدلوا عن عثمان عندما رأوا طغيانه وهتكه لأصحاب رسول الله ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار اليهودي وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان ، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان ! قال الملك : موجها الخطاب إلى الوزير : هل صحيح كلام العلوي ؟ قال الوزير : نعم ، كذا يذكر المؤرخون ( 1 ) ! قال الملك : فكيف قلت إنه جاء إلى الخلافة بالشورى ؟ قال الوزير : كنت أقصد شورى هؤلاء الثلاثة ! قال الملك : وهل اختيار ثلاثة أشخاص يصحح الشورى ؟ قال الوزير : إن هؤلاء الثلاثة شهد لهم رسول الله ( ص ) بالجنة ؟ ! قال العلوي : مهلا أيها الوزير ، لا تقل ما ليس بصحيح ، إن حديث ( العشرة المبشرة بالجنة ) كذب وافتراء على رسول الله ( ص ) ! قال العباسي : وكيف تقول إنه كذب وقد رواه الرواة الموثقون ؟ قال العلوي : هناك أدلة كثيرة على كذب هذا الحديث وبطلانه ، أذكر لك منها ثلاثة : ‹ صفحة 39 › الأول : كيف يشهد رسول الله بالجنة لمن آذاه وهو طلحة ؟ فقد ذكر بعض المفسرين والمؤرخين أن طلحة قال : " لئن مات محمد لننكحن أزواجه من بعده - أو - لأتزوجن عائشة " فتأذى رسول الله من كلام طلحة وأنزل الله قوله : * ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) * ( 1 ) . الثاني : إن طلحة والزبير قاتلا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد قال رسول الله ( ص ) في حق علي عليه السلام : " يا علي حربك حربي وسلمك سلمي " ( 2 ) . وقال : " من أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني " ( 3 ) . وقال : " علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ( 4 ) . وقال : " علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق معه حيثما دار " ( 5 ) . فهل محارب رسول الله وعاصيه يكون في الجنة ؟ وهل محارب الحق والقرآن يكون مؤمنا ؟ الثالث : إن طلحة والزبير سعيا في قتل عثمان ، فهل من الممكن أن يكون عثمان وطلحة والزبير كلهم في الجنة ، وقد قاتل بعضهم بعضا ، ويقول رسول الله ( ص ) - في حديث له - : القاتل والمقتول كلاهما في النار ( 6 ) ؟ ‹ صفحة 40 › قال الملك متعجبا : هل كل ما يقوله العلوي صحيح ؟ فسكت الوزير ، ولم ينطقوا شيئا . وهنا مزق السيد العلوي ستار الصمت والسكوت فقال : أيها الملك : إن الوزير والعباسي وكل هؤلاء العلماء يعلمون صدق كلامي وصحة مقالتي ، وحقيقة حديثي ، ولو أنكروا ذلك ، فإن في بغداد من العلماء من يشهد ‹ صفحة 41 › على صدق كلامي وصحته وحقيقته ، وأن في خزانة هذه المدرسة كتب تشهد بصدق كلامي ، ومصادر معتبرة تصرح بصحة مقالتي وحقيقته . . فإن اعترفوا بصدق كلامي فهو المطلوب وإلا فأنا مستعد الآن أن آتي إليك بالكتب والمصادر والشهود ! قال الملك للوزير : هل كلام العلوي صحيح من أن الكتب والمصادر تصرح بصحة مقالته وصدق حديثه ؟ قال الوزير : نعم . قال الملك : فلماذا سكت في أول الأمر ؟ قال الوزير : لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله ( ص ) ! قال العلوي : عجيب ! أنت تكره ذلك والله ورسوله لم يكرها ذلك حيث أنه تعالى عرف بعض الصحابة بالمنافقين وأمر رسوله بجهادهم كما يجاهد الكفار ، والرسول بنفسه لعن بعض أصحابه ! قال الوزير : ألم تسمع أيها العلوي قول العلماء : إن كل أصحاب الرسول عدول ؟ قال العلوي : سمعت ذلك ، ولكني أعرف أنه كذب وافتراء ، إذ كيف يمكن أن يكون كل أصحاب الرسول عدولا وقد لعن الله بعضهم ، ولعن الرسول بعضهم ، ولعن بعضهم بعضا ، وقاتلبعضهم بعضا ، وشتم بعضهم بعضا ، وقتل بعضهم بعضا ( 1 ) ؟ ؟ ‹ صفحة 42 › وهنا وجد العباسي الباب مسدودا أمامه ، فجاء من باب آخر وقال : أيها الملك : قل لهذا العلوي إذا لم يكن الخلفاء مؤمنين فكيف اتخذهم المسلمون خلفاء ، واقتدوا بهم ؟ قال العلوي : أولا : لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء وإنما أهل السنة فقط . ثانيا : إن هؤلاء الذين يعتقدون بخلافتهم ينقسمون إلى قسمين : جاهل ومعاند . . أما الجاهل فلا يعرف فضائحهم وحقائقهم ، وإنما يتصورهم أناسا طيبين مؤمنين . وأما المعاند فلا ينفعه الدليل والبرهان ما دام قد أصر على العناد واللجاج . . يقول تعالى : " ولو جئتهم بكل آية لا يؤمنون " . ويقول سبحانه : * ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) * . ثالثا : إن هؤلاء الذين اتخذوهم خلفاء أخطأوا في الاختيار ، كما أخطأ المسيحيون حيث قالوا : ( المسيح ابن الله ) ، فالانسان يجب عليه أن يطيع الله والرسول وأن يتبع الحق لا أن يتبع الناس على الخطأ والباطل . . يقول تعالى : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) * . قال الملك : دعوا هذا الكلام ، وتكلموا حول موضوع آخر . ‹ صفحة 43 › قال العلوي : ومن اشتباهات أهل السنة وأخطائهم أنهم تركوا علي بن أبي طالب عليه السلام وتبعوا كلام الأولين . قال العباسي : ولماذا ؟ قال العلوي : لأن علي بن أبي طالب عينه الرسول ( ص ) وأولئك الثلاثة لم يعينهم الرسول ثم أردف قائلا : أيها الملك : إنك لو عينت في مكانك ولخلافتك إنسانا فهل يجب أن يتبعك الوزراء وأعضاء الحكومة ؟ أم يحق لهم أن يعزلوا خليفتك ، ويعينوا إنسانا آخر مكانك ؟ قال الملك : بل الواجب أن يتبعوا خليفتي الذي عينته أنا ، وأن يقتدوا به ويطيعوا أمري فيه . قال العلوي : وهكذا فعل الشيعة ، فقد اتبعوا خليفة رسول الله الذي عينه ( ص ) وهو علي بن أبي طالب وتركوا غيره . قال العباسي : لكن علي بن أبي طالب لم يكن أهلا للخلافة ، حيث أنه كان صغير العمر بينما كان أبو بكر كبير العمر ، وكان علي بن أبي طالب قد قتل صناديد العرب وأباد شجعانهم فلم تكن العرب ترضى به ، ولم يكن أبو بكر كذلك ! قال العلوي : أسمعت أيها الملك إن العباسي يقول : إن الناس أعلم من الله ورسوله في تعيين الأصلح ، لأنه لا يأخذ بكلام الله ورسوله في تعيين علي بن أبي طالب ، ويأخذ بكلام بعض الناس في أصلحية أبي بكر ، كأن الله العليم الحكيم لا يعرف الأصلح والأفضل حتى يأتي بعض الناس الجهال فيختاروا الأصلح ؟ ألم يقل الله تعالى : * ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) * ؟ ألم يقل سبحانه : * ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) * ؟ قال العباسي : كلا إني لم أقل أن الناس أعلم من الله ورسوله . ‹ صفحة 44 › قال العلوي : إذن لا معنى لكلامك ، فإن كان الله والرسول قد عينا إنسانا واحدا للخلافة والإمامة ، فاللازم أن تقتدي به ، سواء رضي به الناس أم لا ! قال العباسي : لكن المؤهلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة ؟ قال العلوي : إن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في علي بن أبي طالب ، بينما لم تكن متوفرة في غيره ! قال العباسي : وما هي تلك المؤهلات ؟ قال العلوي : إن مؤهلاته عليه السلام كثيرة جدا ، فأول المؤهلات تعيين الرسول له عليه السلام . وثانيها : إنه كان أعلم الصحابة على الإطلاق ، فهذا رسول الله يقول : " أقضاكم علي " ويقول عمر بن الخطاب : ( أقضانا علي ) ( 1 ) . ويقول رسول الله : " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة والحكمة فليأت الباب " ( 2 ) . ومن الواضح أن العالم مقدم على الجاهل يقول تعالى : * ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) * . وثالثها : أنه عليه السلام كان مستغينا عن غيره ، غيره كان محتاجا إليه . . ألم يقل عمر في أكثر من سبعين موضعا : " لولا علي لهلك عمر " ؟ ( 3 ) . " ولا أبقاني الله لمعضلة لست فيها أبا الحسن " ( 4 ) . ‹ صفحة 45 › ورابعها : إن علي بن أبي طالب عليه السلام لم يكن قد عصى الله ولم يكن قد عبد غير الله ، ولم يكن قد سجد للأصنام طيلة حياته أبدا ، وهؤلاء الخلفاء الثلاثة كانوا قد عصوا الله وعبدوا غيره وسجدوا للأصنام وقد قال الله تعالى : * ( لا ينال عهدي الظالمين ) * ومن الواضح أن العاصي ظالم ، فلا يكون مؤهلا لنيل عهد الله أي : النبوة والخلافة . وخامسها : إن علي بن أبي طالب كان ذا فكر سليم وعقل كبير ورأي صائب منبعث من الإسلام ، بينما كان غيره ذا رأي سقيم منبعث من الشيطان ، فقد قال أبو بكر : إن لي شيطانا يعتريني ، وخالف عمر رسول الله في مواضع عديدة ، وكان عثمان ضعيف الرأي تؤثر فيه حاشيته السيئة أمثال : الوزغ بن الوزغ الذي لعنه رسول الله ولعن من في صلبه - إلا المؤمن وقليل ما هم : ( مروان بن الحكم ) وكعب الأحبار اليهودي وغيرهما ! قال الملك ( موجها الخطاب إلى الوزير ) : هل صحيح أن أبا بكر قال : ( إن لي شيطانا يعتريني ) ؟ قال الوزير : هذا موجود في كتب الروايات ( 1 ) ! قال الملك : وهل صحيح أن عمر خالف رسول الله ؟ قال الوزير : نستفسر من العلوي ماذا يقصد من هذا الكلام ؟ قال العلوي : نعم ذكر علماء السنة في الكتب المعتبرة أن عمر رد على رسول الله ( ص ) في موارد عديدة ، وخالفه من مواطن كثيرة ، منها : 1 - حين أراد النبي أن يصلي على عبد الله بن أبي ، فقد رد عمر على رسول الله ردا قاسيا حتى تأذى منه رسول الله ، والله يقول : * ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) * ( 2 ) . ‹ صفحة 46 › 2 - في متعة النساء ، حيث لم يؤمن بها ، ولما جاء إلى الحكم ، قال : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمها وأعاقب عليهما ) بينما يقول الله تعالى في القرآن الكريم : * ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) * حيث ذكر المفسرون أنها نزلت في جواز المتعة ، وقد كان عمل المسلمين على هذه حتى أيام عمر ، فلما حرمها عمر كثر الزنا والفجور بين المسلمين ( 1 ) . وبهذا العمل عطل عمر حكم الله وسنة رسول الله ، وروج الزنا والفجور ! وصار مشمولا للآية : * ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . . الظالمون . . الفاسقون ) * . 3 - في صلح الحديبية كما مر . . إلى غيرها من الموارد التي كان عمر يخالف رسول الله ويؤذيه بقساوة كلامه ! قال الملك : وفي الحقيقة أني أيضا لا أرضى بمتعة النساء ! قال العلوي : هل أنت تعترف بأنه تشريع إسلامي أم لا ؟ قال الملك : لا أعترف . قال العلوي : فما معنى الآية : * ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) * ؟ وما معنى قول عمر : ( متعتان كانتا . . . الخ ) ؟ ألا يدل قول عمر على أن متعة النساء كانت جائزة وجارية في عهد رسول الله ، وفي أيام حكم أبي بكر ، وفي جزء من حكم عمر ثم نهى عنها ومنعها ؟ بالإضافة إلى سائر الأدلة وهي كثيرة ، أيها الملك : إن عمر نفسه كان يتمتع بالنساء وأن عبد الله بن الزبير ولد من المتعة ! قال الملك : ماذا تقول يا نظام الملك ؟ قال الوزير : حجة العلوي سليمة وصحيحة ، ولكن حيث أن عمر نهى ، يلزم علينا اتباعه . ‹ صفحة 47 › قال العلوي : هل الله والرسول أحق بالاتباع أم عمر ؟ ألم تقرأ أيها الوزير قوله تعالى : * ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) * . وقوله : * ( وأطيعوا الرسول ) * . وقوله : * ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة ) * . والحديث المشهور : ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) . قال الملك : إني أؤمن بكل تشريعات الإسلام ، لكن لا أفهم وجه العلة في تشريع المتعة ، فهل يرغب أحدكم أن يعطي بنته أو أخته لرجل ، كي يتمتع بها ساعة ، أليس هذا قبيحا ؟ قال العلوي : وما تقول في هذا أيها الملك : هل يرغب الإنسان أن يزوج بنته أو أخته عقدا دائما لرجل ، وهو يعلم أنه يطلقها بعد ساعة من الاستمتاع بها ؟ قال : الملك : لا أرغب ذلك . قال العلوي : مع أن أهل السنة يعترفون بأن هذا العقد الدائم صحيح ، والطلاق بعده صحيح أيضا ، فليس الفارق بين عقد المتعة والعقد الدائم إلا أن المتعة تنتهي بانتهاء مدتها والعقد الدائم ينقطع بإطلاق ، وبعبارة أخرى : عقد المتعة بمنزلة الإجارة ، وعقد الدوام بمنزلة الملك ، حيث أن الإجارة تنتهي بانتهاء المدة والملك ينتهي بالبيع - مثلا - ! إذن : فتشريع المتعة سليم وصحيح لأنه قضاء حاجة من حاجات الجسد . كما أن تشريع الدوام الذي ينقطع بالطلاق سليم وصحيح لأنه قضاء حاجة من حاجات الجسد . ثم أسألك - أيها الملك - ما تقول في النساء الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن ولم يتقدم أ

وللكتاب بقية سأكملها فيما بعد ان شاء الله تعالى

اريج الجنه
24-07-2010, 10:23 AM
بوركت اخي العزيز
لكن آلآ يوجد رابط للكتاب للتحميل ؟!!
لكي يتنسى قرائته على مهل ..