:55555":
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين اللطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم الى يوم الدي
-------------------------------------------------------------------------------------------------
حد لخطبتهن : أليس عقد المتعة هو العلاج الوحيد لصيانتهن من الفساد والفجور ؟ أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى ؟ ‹ صفحة 48 › وما تقول في الشباب والرجال الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالزواج الدائم أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية الطائشة ؟ ! وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش واللواط والعادة السرية ؟ إنني أعتقد - أيها الملك - إن كل جريمة زنا أو لواط أو استمناء ، تقع بين الناس ، يعود سببها إلى عمر ، ويشترك في إثمها عمر ، لأنه الذي منعها ، ونهى الناس عنها ! وقد ورد في أخبار متعددة : أن الزنا كثر بين الناس منذ أن منع عمر المتعة ! أما قولك - أيها الملك - أني لا أرغب : الخ ، فالإسلام لم يجبر أحدا على هذا ، كما لم يجبرك على أن تزوج بنتك لمن تعلم أنه يطلقها بعد ساعة من عقد النكاح ، بالإضافة إلى أن عدم رغبتك ورغبة الناس في شئ لا يقوم دليلا على حرمته ، فحكم الله ثابت لا يتغير بالأهواء والآراء ! قال الملك - موجها الخطاب للوزير - : حجة العلوي في جواز المتعة قوية ! قال الوزير : لكن العلماء اتبعوا رأي عمر . قال العلوي : أولا : إن الذين اتبعوا رأي عمر هم علماء السنة فقط لا كل العلماء . ثانيا : حكم الله ورسوله أحق بالاتباع أم قول عمر ؟ وثالثا : إن علماءكم ناقضوا بأنفسهم قول عمر وتشريعه . قال الوزير : كيف ؟ قال العلوي : لأن عمر قال : ( متعتان كانتا في عهد رسول الله أنا أحرمهما : متعة الحجج ومتعة النساء ) فإن كان قول عمر صحيحا فلماذا لم يتبع علماؤكم رأيه في متعة الحج ؟ حيث أن علماءكم خالفوا عمر وقالوا : بأن متعة الحج صحيحة ، على الرغم من تحريم عمر ! وإن كان قول عمر باطلا فلماذا اتبع علماؤكم رأيه في حرمة متعة النساء ، ووافقوه ؟ ( 1 ) ‹ صفحة 49 › اليوم الثالث : قال العباسي : إن هؤلاء الشيعة يزعمون أنه لا فضل لعمر ، وكفاه فضلا أنه فتح تلك الفتوحات الإسلامية . قال العلوي : عندنا لذلك أجوبة : أولا : إن الحكام والملوك يفتحون البلاد لأجل توسعة أراضيهم وسلطانهم ، فهل هذه فضيلة ؟ ثانيا : لو سلمنا أن فتوحاته فضيلة ، لكن هل الفتوحات تبرر غصبه لخلافة الرسول ؟ والحال أن الرسول لم يجعل الخلافة له وإنما جعلها لعلي بن أبي طالب عليه السلام فإذا أنت - أيها الملك - عينت خليفة لمقامك ، ثم جاء إنسان وغصب الخلافة من خليفتك وجلس مجلسه ، ثم فتح الفتوحات وعمل الصالحات ، فهل ترضى أنت بفتوحاته أم تغضب عليه ، لأنه خلع من عينته ، وعزل خليفتك وجلس مجلسك بغير إذنك ؟ قال الملك : بل أغضب عليه وفتوحاته لا تغسل جريمته ! قال العلوي : وكذلك عمر ، غصب مقام الخلافة ، وجلس مجلس الرسول بغير إذن من الرسول ! ثالثا : إن فتوحات عمر كانت خاطئة وكان لها نتائج سلبية معكوسة ، لأن رسول الإسلام ( ص ) لم يهاجم أحدا ، بل كانت حروبه دفاعية ولذلك رغب الناس في الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا لأنهم عرفوا أن الإسلام دين سلم وسلام . . ‹ صفحة 50 › أما عمر فإنه هاجم البلاد وأدخلهم في الإسلام بالسيف والقهر ، ولذلك كره الناس الإسلام واتهموه بأنه دين السيف والقوة ، لا دين المنطق واللين وصار سببا لكثرة أعداء الإسلام ، فإذن : فتوحات عمر شوهت سمعة الإسلام وأعطت نتائج سلبة معكوسة ( 1 ) . ولو لم يغصب أبو بكر وعمر وعثمان الخلافة من صاحبها الشرعي : الإمام علي عليه السلام ، وكان الإمام يتسلم مهام الخلافة بعد الرسول مباشرة لكان يسير ‹ صفحة 51 › بسيرة الرسول ويقتفي أثره ، ويطبق منهاجه ، وكان ذلك موجبا لدخول الناس في دين الإسلام أفواجا ، ولكانت رقعة الإسلام تتسع حتى تشمل وجه الكرة الأرضية ! ولكن : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال الملك - موجها الكلام إلى العباسي - : ما جوابك على كلام العلوي ؟ قال العباسي : إني لم أسمع بمثل هذا الكلام من ذي قبل ! قال العلوي : الآن وحيث سمعت هذا الكلام ، وتجلى لك الحق فاترك خلفاءك ، واتبع خليفة رسول الله الشرعي ( علي ابن أبي طالب عليه السلام ) . ثم أردف قائلا : عجيب أمركم معاشر السنة تنسون وتتركون الأصل وتأخذون بالفرع . قال العباسي : وكيف ذلك ؟ قال العلوي : لأنكم تذكرون فتوحات عمر ، وتنسون فتوحات علي بن أبي طالب ! قال العباسي : وما هي فتوحات علي بن أبي طالب ؟ قال العلوي : أغلب فتوحات الرسول حصلت وتحققت على يد الإمام علي بن أبي طالب مثل بدر وفتح خيبر وحنين وأحد والخندق وغيرها . . ولولا هذه الفتوحات التي هي أساس الإسلام لم يكن عمر ، ولم يكن هنالك إسلام ولا إيمان . والدليل على ذلك أن النبي ( ص ) قال - لما برز علي لقتل عمرو بن عبد ود في يوم الأحزاب ( الخندق ) : ( برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، إلهي إن شئت أن لا تعبد فلا تعبد ) أي : إن قتل علي تجرأ المشركون على قتلي وقتل المسلمين جميعا ، فلا يبقى بعده إسلام ولا إيمان . وقال ( ص ) : ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ( 1 ) . ‹ صفحة 52 › قال العباسي : لو فرضنا أن قولكم في أن عمر كان مخطئا وغاصبا وأنه غير وبدل صحيح ولكن لماذا تكرهون أبا بكر ؟ قال العلوي : نكرهه لعدة أمور ، أذكر لك منها أمرين : الأول : ما فعله بفاطمة الزهراء بنت رسول الله ، وسيدة نساء العالمين - عليها الصلاة والسلام - . الثاني : رفعه الحد عن المجرم الزاني : خالد بن الوليد . قال الملك - متعجبا - : وهل خالد بن الوليد مجرم ؟ قال العلوي : نعم قال الملك : وما هي جريمته ؟ قال العلوي : جريمته أنه : أرسله أبو بكر إلى الصحابي الجليل : ( مالك بن نويرة ) - الذي بشره رسول الله أنه من أهل الجنة - وأمره أي : أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه ، وكان مالك خارج المدينة المنورة فلما رأى خالدا مقبلا إليه في سرية من الجيش أمر مالك قومه بحمل السلاح ، فحملوا السلاح فلما وصل خالد إليهم احتال وكذب عليهم وحلف لهم بالله أنه لا يقصد بهم سوءا . وقال : إننا لم نأت لمحاربتكم بل نحن ضيوف عليكم الليلة ، فاطمأن مالك - لما حلف خالد بالله - ووضع هو وقومه السلاح وصار وقت الصلاة فوقف مالك وقومه للصلاة فهجم عليهم خالد وجماعته وكتفوا مالكا وقومه ثم قتلهم خالد عن آخرهم ، ثم طمع خالد في زوجة مالك ( لما رآها جميلة ) وزنى بها في نفس الليلة التي قتل زوجها ، ووضع رأس مالك وقومه أثافي ( 1 ) للقدر وطبخ طعام الزنا وأكل هو وجماعته ! ولما رجع خالد إلى المدينة أراد عمر أن يقتص منه لقتله المسلمين ويجري عليه الحد لزناه بزوجة مالك ولكن أبا بكر ( المؤمن ! ) منعه عن ذلك منعا شديدا ، وبعمله هذا أهدر دماء المسلمين وأسقط حدا من حدود الله ! ‹ صفحة 53 › قال الملك ( متوجها إلى الوزير ) : هل صحيح ما ذكره العلوي في حق خالد وأبي بكر ؟ قال الوزير : نعم هكذا ذكر المؤرخون ( 1 ) ! قال الملك : فلماذا يسمي بعض الناس خالدا ب ( سيف الله المسلول ) ؟ قال العلوي : إنه سيف الشيطان المشلول ولكن حيث أنه كان عدوا لعلي بن أبي طالب وكان مع عمر في حرق باب دار فاطمة الزهراء سماه بعض السنة بسيف الله ( 2 ) ! ‹ صفحة 54 › قال الملك : وهل أهل السنة أعداء علي بن أبي طالب ؟ قال العلوي : إذا لم يكونوا أعداءه فلماذا مدحوا من غصب حقه والتفوا حول أعدائه وأنكروا فضائله ومناقبه حتى بلغ بهم الحقد والعداء إلى أن يقولوا : ( إن أبا طالب مات كافرا ) والحال إن أبا طالب كان مؤمنا وهو الذي نصر الإسلام في أشد ظروفه ودافع عن النبي في رسالته ! قال الملك : وهل أن أبا طالب أسلم ؟ قال العلوي : لم يكن أبو طالب كافرا حتى يسلم ، بل كان مؤمنا يخفي إيمانه ، فلما بعث رسول الله ( ص ) أظهر أبو طالب الإسلام على يده فهو ثالث المسلمين : أولهم علي بن أبي طالب . والثاني : السيدة خديجة الكبرى زوجة النبي ( ص ) : والثالث : هو أبو طالب عليه السلام . قال الملك للوزير : هل صحيح كلام العلوي في حق أبي طالب ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك بعض المؤرخين ( 1 ) . قال الملك : فلماذا اشتهر بين أهل السنة أن أبا طالب مات كافرا ؟ قال العلوي : لأن أبا طالب أبو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام فحقد أهل السنة على علي ابن أبي طالب أوجب أن يقولوا : إن أباه مات كافرا ، كما أن حقد السنة على ( علي ) أوجب أن يقتلوا ولديه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ( 2 ) . ‹ صفحة 55 › قال الملك للعباسي : فما جوابك عن قصة خالد بن الوليد ؟ قال العباسي : إن أبا بكر رأى المصلحة في ذلك ! قال العلوي - متعجبا - : سبحان الله ! وأي مصلحة تقتضي أن يقتل خالد الأبرياء ويزني بنسائهم ثم يبقى بلا حد ولا عقاب ، بل يفوض إليه قيادة الجيش ، ويقول فيه أبو بكر إنه سيف الله ، فهل سيف الله يقتل الكفار أو المؤمنين ؟ وهل سيف الله يحفظ أعراض المسلمين أو يزني بنساء المسلمين ؟ ؟ قال العباسي : هب - أيها العلوي - أن أبا بكر أخطأ ، لكن عمر تدارك الأمر ! قال العلوي : تدارك الأمر هو أن يجلد خالد للزنا ، ويقتله لقتله الأبرياء المؤمنين ، ولم يفعل ذلك عمر ، فعمر أخطأ كما أخطأ أبو بكر من قبله . قال الملك : إنك أيها العلوي قلت في أول الكلام إن أبا بكر أساء إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( ص ) فما هي إساءته إلى فاطمة ؟ قال العلوي : إن أبا بكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والتهديد والقوة أرسل عمرا وقنفذا وخالد بن الوليد وأبا عبيدة الجراح وجماعة أخرى - من المنافقين - إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام وجمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة ( ذلك الباب الذي طالما وقف عليه الرسول وقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان وأحرق الباب بالنار ، ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة ، فانهالت السياط على حبيبة ر
ول الله وبضعته حتى أدموا جسمها ! وبقيت آثار هذه العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة ، فأصبحت مريضة عليلة حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام - ففاطمة شهيدة بيت النبوة ، وهي قتلت بسبب عمر بن الخطاب ! ‹ صفحة 56 › قال الملك للوزير : هل ما يذكره العلوي صحيح ؟ قال الوزير : نعم إني رأيت في التواريخ ما يذكره العلوي ( 1 ) ! قال العلوي : وهذا هو السبب لكراهة الشيعة أبا بكر وعمر ! ثم أضاف قائلا : ويدلك على وقوع هذه الجريمة من أبي بكر وعمر أن المؤرخين ذكروا أن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر وقد ذكر الرسول ( ص ) في عدة أحاديث له : ( إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ) وأنت أيها الملك تعرف ما هو مصير من غضب الله عليه ! ؟ قال الملك ( موجها الخطاب للوزير ) : هل صحيح هذا الحديث ؟ وهل صحيح أن فاطمة ماتت وهي واجدة - أي غاضبة - على أبي بكر وعمر ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك أهل الحديث والتاريخ ( 2 ) ! ‹ صفحة 57 › قال العلوي : ويدلك أيها الملك على صدق مقالتي : أن فاطمة أوصت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن لا يشهد أبا بكر وعمر وسائر الذين ظلموها جنازتها ، فلا يصلوا عليها ، ولا يحضروا تشييعها ، وأن يخفي علي قبرها حتى لا يحضروا على قبرها ، ونفذ علي عليه السلام وصاياها ! قال الملك : هذا أمر غريب ، فهل صدر هذا الشئ من فاطمة وعلي ؟ قال الوزير : هكذا ذكر المؤرخون ( 1 ) ! قال العلوي : وقد آذى أبو بكر وعمر فاطمة أذية أخرى ! قال العباسي : وما هي تلك الأذية ؟ قال العلوي : هي أنهما غصبا ملكها ( فدك ) . قال العباسي : وما هو الدليل على أنهما غصبا ( فدك ) ؟ قال العلوي : التواريخ ذكرت أن رسول الله ( ص ) أعطى فدكا لفاطمة فكانت فدك في يدها - في أيام رسول الله - فلما قبض النبي ( ص ) أرسل أبو بكر وعمر من أخرج عمال فاطمة من ( فدك ) بالجبر والسيف ، واحتجت فاطمة على أبي بكر وعمر لكنهما لم يسمعا كلامها ، بل نهراها ومنعاها ، ولذلك لم تكلمهما حتى ماتت غاضبة عليهما ( 2 ) ! . ‹ صفحة 58 › قال العباسي : لكن عمر بن عبد العزيز رد فدك على أولاد فاطمة - في أيام خلافته - ؟ قال العلوي : وما الفائدة ؟ فهل لو أن إنسانا غصب منك دارك وشردك ثم جاء إنسان آخر بعد أن مت أنت ، ورد دارك على أولادك كان ذلك يمسح ذنب الغاصب الأول ؟ قال الملك : يظهر من كلامكما - أيها العباسي والعلوي - أن الكل متفقون على غصب أبي بكر وعمر فدكا ؟ قال العباسي : نعم ذكر ذلك التاريخ ( 1 ) . قال الملك : ولماذا فعلا ذلك ؟ قال العلوي : لأنهما أرادا غصب الخلافة ، وعلما بأن فدك لو بقيت بيد فاطمة لبذلت ووزعت واردها الكثير ( مائة وعشرون ألف دينار ذهب - على قول بعض التواريخ - ) في الناس ، وبذلك يلتف الناس حول علي عليه السلام ، وهذا ما كان يكرهه أبو بكر وعمر ! قال الملك : إذا صحت هذه الأقوال فعجيب أمر هؤلاء ! وإذا بطلت خلافة هؤلاء الثلاثة ، فمن يا ترى يكون خليفة الرسول ( ص ) ؟ قال العلوي : لقد عين الرسول بنفسه - وبأمر من الله تعالى - خلفاءه من بعده ، في الحديث الوارد في كتب الحديث حيث قال : ( الخلفاء بعدي اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل وكلهم من قريش ) ( 2 ) . قال الملك للوزير : هل صحيح أن الرسول قال ذلك ؟ ‹ صفحة 59 › قال الوزير : نعم . قال الملك : فمن هم أولئك الاثنا عشر ؟ قال العباسي : أربعة منهم معروفون وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . قال الملك : فمن البقية ؟ قال العباسي : خلاف في البقية بين العلماء ( 1 ) . قال الملك : عدهم . فسكت العباسي . قال العلوي : أيها الملك : الآن أذكرهم بأسمائهم حسب ما جاء في كتب علماء السنة وهم : علي ، الحسن ، الحسين ، علي ، محمد ، جعفر ، موسى ، علي ، محمد ، علي ، الحسن ، المهدي عليهم الصلاة والسلام ( 2 ) . ‹ صفحة 60 › قال العباسي : اسمع أيها الملك : إن الشيعة يقولون بأن ( المهدي ) حي في دار الدنيا منذ سنة ( 255 ) وهل هذا معقول ؟ ويقولون : إنه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا بعد أن تملأ جورا . قال الملك ( موجها الخطاب إلى العلوي ) : هل صحيح أنكم تعتقدون بذلك ؟ قال العلوي : نعم صحيح ذلك ، لأن الرسول قال بذلك ، والرواة من الشيعة والسنة . قال الملك : وكيف يمكن أن يبقى إنسان هذه المدة الطويلة ؟ قال العلوي : الله يقول في القرآن حول نوح النبي : ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) فهل يعجز الله أن يبقي إنسانا هذه المدة ؟ أليس الله بيده الموت والحياة وهو على كل شئ قدير ؟ ثم إن الرسول قال ذلك وهو صادق مصدق . قال الملك ( موجها الخطاب إلى الوزير ) : هل صحيح أن الرسول أخبر بالمهدي ، على ما يقوله العلوي ؟ قال الوزير : نعم . . ( 1 ) . قال الملك للعباسي : فلماذا أنت تنكر الحقائق الواردة عندنا نحن السنة ؟ قال العباسي : خوفا على عقيدة العوام أن تتزلزل ، وتميل قلوبهم نحو الشيعة ! ‹ صفحة 61 › قال العلوي : إذن أنت أيها العباسي مصداق لقوله تعالى : * ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) * فشملتك اللعنة من الله تعالى . . ثم قال العلوي : أيها الملك اسأل هذا العباسي هل يجب على العالم المحافظة على كتاب الله وأقوال رسول الله . أم يجب عليه المحافظة على عقيدة العوام المنحرفة عن كتاب الله وأقوال رسول الله . أم يجب عليه المحافظة على عقيدة العوام المنحرفة عن الكتاب والسنة ؟ قال العباسي : إني أحافظ على عقيدة العوام حتى لا تميل قلوبهم إلى الشيعة لأن الشيعة أهل البدعة ! قال العلوي : إن الكتب المعتبرة تحدثنا أن أمامكم ( عمر ) هو أول من أدخل البدعة في الإسلام ، وصرح هو بنفسه حين قال : ( نعمت البدعة في هذه ) وذلك في صلاة التراويح لما أمر الناس أن يصلوا النافلة جماعة مع العلم أن الله والرسول حرما النافلة جماعة ، فكانت بدعة عمر مخالفة صريحة لله والرسول ! ثم : ألم يبدع عمر في الأذان بإسقاط ( حي على خير العمل ) . وزيادة ( الصلاة خير من النوم ) ؟ ألم يبدع بإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم خلافا لله والرسول ؟ ألم يبدع في إلغاء متعة الحج ، خلافا لله والرسول ؟ ألم يبدع في إلغاء إجراء الحد على المجرم الزاني : خالد بن الوليد ، خلافا لأمر الله والرسول في وجوب إجراء الحد على الزاني والقاتل ؟ إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر . فهل أنتم أهل بدعة أم نحن الشيعة ؟ قال الملك للوزير : هل صحيح ما ذكره العلوي من بدع عمر في الدين ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك جماعة من العلماء في كتبهم ! ( 1 ) . ‹ صفحة 62 › قال الملك : إذن كيف نتبع نحن إنسانا أبدع في الدين ؟ قال العلوي : ولهذا يحرم اتباع هكذا إنسان ، لأن رسول الله ( ص ) . قال : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) فالذين يتبعون عمر في بدعه - وهم عالمون بالأمر - فهم من أهل النار قطعا ! قال العباسي : لكن أئمة المذاهب أقروا فعل عمر ؟ قال العلوي : وهذه بدعة أخرى أيها الملك ! قال الملك : وكيف ذلك ! قال العلوي : لأن أصحاب هذه المذاهب وهم : وأبو حنيفة ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) ، بل جاؤوا بعده بمائتي سنة - تقريبا - فهل المسلمون الذين كانوا بين عصر الرسول وبين عصر هؤلاء كانوا على باطل وضلال ؟ وما هو المبرر في حصر المذاهب في هؤلاء الأربعة وعدم اتباع سائر الفقهاء ؟ وهل أوصى الرسول بذلك ؟ قال الملك : ما تقول يا عباسي ؟ قال العباسي : كان هؤلاء أعلم من غيرهم ! قال الملك : فهل أن علم العلماء جف دون هؤلاء ! قال العباسي : ولكن الشيعة أيضا يتبعون مذهب ( جعفر الصادق ) ؟ ‹ صفحة 63 › قال العلوي : إنما نحن نتبع مذهب جعفر لأن مذهبه مذهب رسول الله لأنه من أهل البيت الذين قال الله عنهم : * ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) * وإلا فنحن نتبع كل الأئمة الاثني عشر لكن حيث أن الإمام الصادق عليه السلام تمكن أن ينشر العلم والتفسير والأحاديث الشريفة أكثر من غيره ( بسبب وجود بعض الحرية في عصره ) حتى كان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذ ، وحتى استطاع الإمام الصادق أن يجدد معالم الإسلام بعدما حاول الأمويون والعباسيون القضاء عليها ، ولهذا سمي الشيعة ب ( الجعفرية ) نسبة إلى مجدد المذهب وهو الإمام جعفر الصادق عليه السلام ( 1 ) . قال الملك : ما جوابك يا عباسي ؟ قال العباسي : تقليد أئمة المذاهب الأربعة عادة اتخذناها نحن السنة ! قال العلوي : بل أجبركم على ذلك بعض الأمراء ، وأنتم اتبعتم أولئك متابعة عمياء لا حجة لكم فيها ولا برهان ! فسكت العباسي . قال العلوي : أيها الملك : إني أشهد أن العباسي من أهل النار ، إذا مات على هذه الحالة . قال الملك : ومن أين علمت أنه من أهل النار ؟ قال العلوي : لأنه ورد عن رسول الله ( ص ) قوله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) فاسأل أيها الملك : من هو إمام زمان العباسي ؟ قال العباسي : لم يرد هذا الحديث عن رسول الله . ‹ صفحة 64 › قال الملك للوزير : هل ورد هذا الحديث عن رسول الله ؟ قال الوزير : نعم ورد ( 1 ) ! قال الملك : مغضبا : كنت أظن أنك أيها العباسي ثقة ، والآن تبين لي كذبك ! قال العباسي : إني أعرف إمام زماني ! قال العلوي : فمن هو ؟ قال العباسي : الملك ! قال العلوي : اعلم أيها الملك أنه يكذب ، ولا يقول ذلك إلا تملقا لك ! قال الملك : نعم إني أعلم أنه يكذب ، وإني أعرف نفسي بأني لا أصلح أن أكون إمام زمان الناس ، لأني لا أعلم شيئا ، وأقضي غالب أوقاتي بالصيد والشؤون الإدارية ! ثم قال الملك : أيها العلوي فمن هو إمام الزمان في رأيك ؟ قال العلوي : إمام الزمان في نظري وعقيدتي هو ( الإمام المهدي ) عليه السلام كما تقدم الحديث حوله عن رسول الله ( ص ) فمن عرفه مات ميتة المسلمين . وهو من أهل الجنة ، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية وهو في النار مع أهل الجاهلية
وهنا تهلل وجه الملك شاه وظهرت آثار الفرح والسرور في وجهه والتفت إلى الحاضرين قائلا : اعلموا أيتها الجماعة أني قد اطمأننت ووثقت من هذه المحاورة ( وقد كانت دامت ثلاثة أيام ) وعرفت وتيقنت أن الحق مع الشيعة في كل ما يقولون ويعتقدون ، وأن أهل السنة باطل مذهبهم ، منحرفة عقيدتهم ، وأني أكون ممن إذا رأى الحق أذعن له واعترف به ، ولا أكون من أهل الباطل في الدنيا وأهل النار في الآخرة ولذلك فإنني أعلن تشيعي أمامكم ، ومن أحب أن يكون معي فليتشيع على بركة الله ورضوانه ويخرج نفسه من ظلمات الباطل إلى نور الحق ! ‹ صفحة 65 › فقال الوزير نظام الملك : وأنا كنت أعلم ذلك ، وأن التشيع حق ، وأن المذهب الصحيح فقط هو مذهب الشيعة منذ أيام دراستي ولذا أعلن أنا أيضا تشيعي . وهكذا دخل أغلب العلماء والوزراء والقواد الحاضرين في المجلس ( وكان عددهم يقارب السبعين ) في مذهب الشيعة . وانتشر خبر تشيع الملك ونظام الملك والوزراء والقواد والكتاب في كافة البلاد ، فدخل في التشيع عدد كبير من الناس ، وأمر نظام الملك - وهو والد زوجتي - أن يدرس الأساتذة مذهب الشيعة في المدارس النظامية في بغداد ! لكن بقي بعض علماء السنة الذين أصروا على الباطل على مذهبهم السابق مصداقا لقوله تعالى : * ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) * وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ونظام الملك وحملوه تبعة هذا الأمر إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة - بإيعاز من هؤلاء المعاندين السنة - فاغتالوه في 12 رمضان سنة ( 485 ه ) ، وبعد ذلك اغتالوا الملك شاه سلجوقي . فإنا لله وإنا إليه راجعون فلقد قتلا في سبيل الله ومن أجل الحق والإيمان ، فهنيئا لهم ولكل من يقتل في سبيل الله ومن أجل الحق والإيمان . وقد نظمت قصيدة رثاء للشيخ العظيم نظام الملك ومنها هذه الأبيات : كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * نفيسة صاغها الرحمن من شرف عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف اختار مذهب حق في محاورة * تبدي الحقيقة في برهان منكشف دين التشيع حق لا مراء له * وما سواه سراب خادع السجف لكن حقدا دفينا حركوه له * فبات بدر الدجي في ظل منخسف عليه ألف سلام الله تالية * تترى على روحه في الخلد والغرف ‹ صفحة 66 › هذا وقد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة ، وقد سجلت كل ما دار في المجلس ، ولكني حذفت الزوائد ، واختصرت المجلس في هذه الرسالة . والحمد لله وحده والصلاة على محمد وآله الأطياب وأصحابه الأنجاب . كتبته في بغداد في المدرسة النظامية . مقاتل بن عطية ‹ صفحة 67 › المناظرة الثانية ‹ صفحة 68 › . . . ‹ صفحة 69 › بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أنعم به فكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمد النبي الأمي وأهل بيته ذوي الكرم والوفاء . أما بعد : فهذه صورة بحث وقع لهذا الفقير إلى رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الجبعي في حلب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ( 1 ) . ( 1 ) أضافني بعض فضلاء حلب ، وكان ذكيا بحاثا ، ولي معه خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا أتقيه ، وكان أبوه من أعيانها . فقلت له : إنه يقبح بمثلي ومثلك - بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الإسلامية ، وتحقيق مقدماتها - أن يقلد في مذهبه الذي يلقى الله به ، والتقليد مذموم بنص القرآن ، وليس حجة منجية لأن كل أحد يقلد سلفه ، فلو كان حجة كان الكل ناجين ، وليس كذلك . فقال : هلم حتى نبحث . فقلت : هل عندكم نص من القرآن ، أو من الرسول ( ص ) على وجوب اتباع أبي حنيفة ؟ فقال : لا . فقلت : هل أجمع أهل الإسلام على وجوب اتباعه ؟ فقال : لا . ‹ صفحة 70 › فقلت : فما سوغ لك تقليده ؟ فقال : إنه مجتهد وأنا مقلد ، والمقلد فرضه أن يقلد مجتهدا من المجتهدين . فقلت : فما تقول في جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، هل كان مجتهدا من المجتهدين ؟ فقال : هو فوق الاجتهاد ، وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب وعظم الشأن ، وقد عد بعض علمائنا من تلاميذه نحو أربعمائة رجل كلهم علماء فضلاء مجتهدون ، وأبو حنيفة أحدهم ( 1 ) . فقلت : قد اعترفت باجتهاده وتقواه ، وجواز تقليد المجتهد ، ونحن قد قلدناه ، فمن أين تعلم أنا على الضلالة وأنكم على الهداية ؟ ! مع أنا نعتقد عصمته ، وأنه لا يخطئ ، بل ما يحكم به هو حكم الله ، ولنا على ذلك أدلة مدونة ، وليس كأبي حنيفة يقول بالقياس والرأي والاستحسان ويجوز عليه الخطأ ( 2 ) . ‹ صفحة 71 › وبعد التنزل عن عصمته ، والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون ، فلنا دلائل على وجوب اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها . ( أحدهما ) : إجماع كل أهل الإسلام - حتى الأشاعرة والمعتزلة - على غزارة علمه ، ووفور تقواه ، وعدالته ، وعظم شأنه ، بحيث أني إلى يومي هذا - مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك - لم أر قط طاعنا عليه بشئ من مخالفيه . وأعداء شيعته مع كثرتهم ، وعظم شأنهم في الدنيا ، لأنهم كانوا ملوك الأرض ، والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب ، ولم يقدر أحد أن يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره ، وما ذاك إلا لعلمه أنه إن افترى كذبا كذبه كل من سمعه ، وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق ( 1 ) . فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده ، ويقلد من وقع فيه الشك والطعن ؟ ! مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر في موضعه . وهذا إمامكم الغزالي صنف كتابا سماه " المنخول " ( 2 ) موضوعه الطعن على أبي حنيفة ، وإثبات كفره بأدلة يطول شرحها ( 3 ) . ‹ صفحة 72 › وصنف بعض فضلاء الشافعية كتابا سماه " النكت الشريفة في الرد على أبي حنيفة " ( 1 ) رأيته في مصر ، ذكر فيه جميع ما ذكره الغزالي وزاد أشياء أخر . ولا شبهة في وجوب تقليد المتفق على علمه وعدالته ، لأن ظن الصواب معه أغلب ، ولا يجوز العمل بالمرجوح مع وجود الراجح إجماعا ، والجرح مقدم على التعديل كما تقرر . ثانيها : أنه ( عندنا ) من أهل البيت المطهرين بنص القرآن ، والتطهر هو : " التنزه عن الآثام ، وعن كل قبيح " كما نص عليه ابن فارس ( 2 ) في مجمل اللغة ( 3 ) ، وهذا نفس العصمة التي يدعيها الشيعة . وأبو حنيفة ليس منهم إجماعا ، ويتحتم تقليد المطهر بنص القرآن ليتقن النجاة معه . ‹ صفحة 73 › قال : نحن لا نسلم أنه من أهل البيت عليهم السلام ، إذ قد صح في أحاديثنا أنهم خمسة ( 1 ) . فقلت : سلمنا أنه ليس من الخمسة ، ولكن حكمه حكمهم في العصمة ، ووجوب الاتباع لوجهين : الأول : إن كل من قال بعصمة الخمسة قال بعصمته ، ومن لا فلا ، وقد ثبتت عصمة الخمسة بنص القرآن ، فثبتت عصمته لأنه قد وقع الإجماع على أنه لا فرق بينه وبينهم ، فالقول بعصمتهم دونه خلاف إجماع المسلمين . الثاني : إنه اشتهر بين أهل النقل والسير أن جعفر الصادق وآباءه عليهم السلام لم يترددوا إلى مجالس العلماء أصلا ، ولم ينقل أنهم ترددوا إلى مخالف ولا مؤالف ، مع كثرة المصنفين في الرجال ، وطرق النقل ، وتعداد الشيوخ والتلاميذ ، وإنما ذكروا أنه أخذ العلم عن أبيه محمد الباقر عليه السلام ، وهو أخذه عن أبيه زين العابدين عليه السلام ، وهو أخذه عن أبيه الحسين عليه السلام وهو من أهل البيت عليهم السلام إجماعا . وقد صح عندنا أنهم عليهم السلام لم يكن قولهم بطريق الاجتهاد ، ولهذا لم يسأل أحد قط صغيرا ولا كبيرا عن مسألة فتوقف في جوابها ، أو أحتاج إلى مراجعة . وقد صرحوا عليهم السلام أن قول الواحد منهم كقول آبائهم ، وقول آبائهم كقول النبي ( ص ) ، وثبت ذلك عندنا بالطرق الصحيحة المتصلة بهم ( 2 ) . ‹ صفحة 74 › فقوله عليه السلام هو قول المطهرين بنص القرآن . وثالثها : ما ثبت في صحاح أحاديثكم بالطرق الصحيحة المتكثرة ، المتحدة المعنى ، المختلفة اللفظ ، من قوله عليه السلام : " إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " . وفي بعض الطرق : " إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله وعترتي " ( 1 ) . فصرح عليه السلام بأن المتمسك بكتاب الله وعترته لن يضل ، ولم يتمسك بهما إلا الشيعة كما لا يخفى لأن الباقين جعلوا عترته كباقي الناس ، وتمسكوا بغيرهم . ولم يقل : مخلف فيكم كتاب الله وأبا حنيفة ، ولا الشافعي . ‹ صفحة 75 › فكيف يجوز ترك التمسك بمن تتحقق النجاة بالتمسك به ، ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه ؟ ! إن هذا إلا لمحض السفه والضلال . وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم ، وإن نوزع فيه فلا ريب في اقتضائه ظن وجوب الاتباع ، وذلك كاف لوجوب العمل بالراجح ، واختيارهم عليهم السلام بهذه المرجحات على غيرهم من المجتهدين ، فلا يكون العدول عنهم إلا اتباعا للهوى والتقليد المألوف . فقال : أنا لا أشك في اجتهادهم ، وغزارة علمهم ، ونجاة مقلدهم ، ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر ، كما نقلت المذاهب الأربعة . فقلت : إن كان مرادك أن الحنفية والشافعية لم ينقلوه ، فمسلم ، ولكن لا يضرنا ، لأنا لم ننقل مذهبهما أيضا ، والشافعية لم ينقلوا مذهب أبي حنيفة ، وبالعكس ، وكذا باقي المذاهب ، وليس ذلك طعنا فيها عندكم . وإن كان مرادك أنه لم ينقله أحد من المسلمين ، فهذه مكابرة محضة ، لأن شيعتهم ، وكثيرا من أهل السنة وباقي الطوائف قد نقلوا أقوالهم وآدابهم وعباداتهم ، واعتنى الشيعة بذلك أشد الاعتناء ، وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرحهم وتعديلهم أشد البحث ، وهذه صحاح أحاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم مدونة مشهورة بينهم لا يمكن إنكارها . وعلماء الشيعة وإن كانوا أقل من علماء السنة ، ولكن ليسوا أقل من فرقة من فرق المذاهب الأربعة ، خصوصا الحنابلة والمالكية ، فإن الشيعة أكثر منهم يقينا . ولم يزل - بحمد الله - علماء الشيعة في جميع الأعصار أعلم العلماء وأتقاهم ، وأحذقهم في فنون العلوم : أما في زمن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
انتظروا بقية الكتاب في الأيام المقبلة ان شاء الله تعالى
:65: :65: :65: تقبلوا تحياتي :65: :65: :65:
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين اللطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم الى يوم الدي
-------------------------------------------------------------------------------------------------
حد لخطبتهن : أليس عقد المتعة هو العلاج الوحيد لصيانتهن من الفساد والفجور ؟ أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى ؟ ‹ صفحة 48 › وما تقول في الشباب والرجال الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالزواج الدائم أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية الطائشة ؟ ! وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش واللواط والعادة السرية ؟ إنني أعتقد - أيها الملك - إن كل جريمة زنا أو لواط أو استمناء ، تقع بين الناس ، يعود سببها إلى عمر ، ويشترك في إثمها عمر ، لأنه الذي منعها ، ونهى الناس عنها ! وقد ورد في أخبار متعددة : أن الزنا كثر بين الناس منذ أن منع عمر المتعة ! أما قولك - أيها الملك - أني لا أرغب : الخ ، فالإسلام لم يجبر أحدا على هذا ، كما لم يجبرك على أن تزوج بنتك لمن تعلم أنه يطلقها بعد ساعة من عقد النكاح ، بالإضافة إلى أن عدم رغبتك ورغبة الناس في شئ لا يقوم دليلا على حرمته ، فحكم الله ثابت لا يتغير بالأهواء والآراء ! قال الملك - موجها الخطاب للوزير - : حجة العلوي في جواز المتعة قوية ! قال الوزير : لكن العلماء اتبعوا رأي عمر . قال العلوي : أولا : إن الذين اتبعوا رأي عمر هم علماء السنة فقط لا كل العلماء . ثانيا : حكم الله ورسوله أحق بالاتباع أم قول عمر ؟ وثالثا : إن علماءكم ناقضوا بأنفسهم قول عمر وتشريعه . قال الوزير : كيف ؟ قال العلوي : لأن عمر قال : ( متعتان كانتا في عهد رسول الله أنا أحرمهما : متعة الحجج ومتعة النساء ) فإن كان قول عمر صحيحا فلماذا لم يتبع علماؤكم رأيه في متعة الحج ؟ حيث أن علماءكم خالفوا عمر وقالوا : بأن متعة الحج صحيحة ، على الرغم من تحريم عمر ! وإن كان قول عمر باطلا فلماذا اتبع علماؤكم رأيه في حرمة متعة النساء ، ووافقوه ؟ ( 1 ) ‹ صفحة 49 › اليوم الثالث : قال العباسي : إن هؤلاء الشيعة يزعمون أنه لا فضل لعمر ، وكفاه فضلا أنه فتح تلك الفتوحات الإسلامية . قال العلوي : عندنا لذلك أجوبة : أولا : إن الحكام والملوك يفتحون البلاد لأجل توسعة أراضيهم وسلطانهم ، فهل هذه فضيلة ؟ ثانيا : لو سلمنا أن فتوحاته فضيلة ، لكن هل الفتوحات تبرر غصبه لخلافة الرسول ؟ والحال أن الرسول لم يجعل الخلافة له وإنما جعلها لعلي بن أبي طالب عليه السلام فإذا أنت - أيها الملك - عينت خليفة لمقامك ، ثم جاء إنسان وغصب الخلافة من خليفتك وجلس مجلسه ، ثم فتح الفتوحات وعمل الصالحات ، فهل ترضى أنت بفتوحاته أم تغضب عليه ، لأنه خلع من عينته ، وعزل خليفتك وجلس مجلسك بغير إذنك ؟ قال الملك : بل أغضب عليه وفتوحاته لا تغسل جريمته ! قال العلوي : وكذلك عمر ، غصب مقام الخلافة ، وجلس مجلس الرسول بغير إذن من الرسول ! ثالثا : إن فتوحات عمر كانت خاطئة وكان لها نتائج سلبية معكوسة ، لأن رسول الإسلام ( ص ) لم يهاجم أحدا ، بل كانت حروبه دفاعية ولذلك رغب الناس في الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا لأنهم عرفوا أن الإسلام دين سلم وسلام . . ‹ صفحة 50 › أما عمر فإنه هاجم البلاد وأدخلهم في الإسلام بالسيف والقهر ، ولذلك كره الناس الإسلام واتهموه بأنه دين السيف والقوة ، لا دين المنطق واللين وصار سببا لكثرة أعداء الإسلام ، فإذن : فتوحات عمر شوهت سمعة الإسلام وأعطت نتائج سلبة معكوسة ( 1 ) . ولو لم يغصب أبو بكر وعمر وعثمان الخلافة من صاحبها الشرعي : الإمام علي عليه السلام ، وكان الإمام يتسلم مهام الخلافة بعد الرسول مباشرة لكان يسير ‹ صفحة 51 › بسيرة الرسول ويقتفي أثره ، ويطبق منهاجه ، وكان ذلك موجبا لدخول الناس في دين الإسلام أفواجا ، ولكانت رقعة الإسلام تتسع حتى تشمل وجه الكرة الأرضية ! ولكن : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال الملك - موجها الكلام إلى العباسي - : ما جوابك على كلام العلوي ؟ قال العباسي : إني لم أسمع بمثل هذا الكلام من ذي قبل ! قال العلوي : الآن وحيث سمعت هذا الكلام ، وتجلى لك الحق فاترك خلفاءك ، واتبع خليفة رسول الله الشرعي ( علي ابن أبي طالب عليه السلام ) . ثم أردف قائلا : عجيب أمركم معاشر السنة تنسون وتتركون الأصل وتأخذون بالفرع . قال العباسي : وكيف ذلك ؟ قال العلوي : لأنكم تذكرون فتوحات عمر ، وتنسون فتوحات علي بن أبي طالب ! قال العباسي : وما هي فتوحات علي بن أبي طالب ؟ قال العلوي : أغلب فتوحات الرسول حصلت وتحققت على يد الإمام علي بن أبي طالب مثل بدر وفتح خيبر وحنين وأحد والخندق وغيرها . . ولولا هذه الفتوحات التي هي أساس الإسلام لم يكن عمر ، ولم يكن هنالك إسلام ولا إيمان . والدليل على ذلك أن النبي ( ص ) قال - لما برز علي لقتل عمرو بن عبد ود في يوم الأحزاب ( الخندق ) : ( برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، إلهي إن شئت أن لا تعبد فلا تعبد ) أي : إن قتل علي تجرأ المشركون على قتلي وقتل المسلمين جميعا ، فلا يبقى بعده إسلام ولا إيمان . وقال ( ص ) : ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ( 1 ) . ‹ صفحة 52 › قال العباسي : لو فرضنا أن قولكم في أن عمر كان مخطئا وغاصبا وأنه غير وبدل صحيح ولكن لماذا تكرهون أبا بكر ؟ قال العلوي : نكرهه لعدة أمور ، أذكر لك منها أمرين : الأول : ما فعله بفاطمة الزهراء بنت رسول الله ، وسيدة نساء العالمين - عليها الصلاة والسلام - . الثاني : رفعه الحد عن المجرم الزاني : خالد بن الوليد . قال الملك - متعجبا - : وهل خالد بن الوليد مجرم ؟ قال العلوي : نعم قال الملك : وما هي جريمته ؟ قال العلوي : جريمته أنه : أرسله أبو بكر إلى الصحابي الجليل : ( مالك بن نويرة ) - الذي بشره رسول الله أنه من أهل الجنة - وأمره أي : أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه ، وكان مالك خارج المدينة المنورة فلما رأى خالدا مقبلا إليه في سرية من الجيش أمر مالك قومه بحمل السلاح ، فحملوا السلاح فلما وصل خالد إليهم احتال وكذب عليهم وحلف لهم بالله أنه لا يقصد بهم سوءا . وقال : إننا لم نأت لمحاربتكم بل نحن ضيوف عليكم الليلة ، فاطمأن مالك - لما حلف خالد بالله - ووضع هو وقومه السلاح وصار وقت الصلاة فوقف مالك وقومه للصلاة فهجم عليهم خالد وجماعته وكتفوا مالكا وقومه ثم قتلهم خالد عن آخرهم ، ثم طمع خالد في زوجة مالك ( لما رآها جميلة ) وزنى بها في نفس الليلة التي قتل زوجها ، ووضع رأس مالك وقومه أثافي ( 1 ) للقدر وطبخ طعام الزنا وأكل هو وجماعته ! ولما رجع خالد إلى المدينة أراد عمر أن يقتص منه لقتله المسلمين ويجري عليه الحد لزناه بزوجة مالك ولكن أبا بكر ( المؤمن ! ) منعه عن ذلك منعا شديدا ، وبعمله هذا أهدر دماء المسلمين وأسقط حدا من حدود الله ! ‹ صفحة 53 › قال الملك ( متوجها إلى الوزير ) : هل صحيح ما ذكره العلوي في حق خالد وأبي بكر ؟ قال الوزير : نعم هكذا ذكر المؤرخون ( 1 ) ! قال الملك : فلماذا يسمي بعض الناس خالدا ب ( سيف الله المسلول ) ؟ قال العلوي : إنه سيف الشيطان المشلول ولكن حيث أنه كان عدوا لعلي بن أبي طالب وكان مع عمر في حرق باب دار فاطمة الزهراء سماه بعض السنة بسيف الله ( 2 ) ! ‹ صفحة 54 › قال الملك : وهل أهل السنة أعداء علي بن أبي طالب ؟ قال العلوي : إذا لم يكونوا أعداءه فلماذا مدحوا من غصب حقه والتفوا حول أعدائه وأنكروا فضائله ومناقبه حتى بلغ بهم الحقد والعداء إلى أن يقولوا : ( إن أبا طالب مات كافرا ) والحال إن أبا طالب كان مؤمنا وهو الذي نصر الإسلام في أشد ظروفه ودافع عن النبي في رسالته ! قال الملك : وهل أن أبا طالب أسلم ؟ قال العلوي : لم يكن أبو طالب كافرا حتى يسلم ، بل كان مؤمنا يخفي إيمانه ، فلما بعث رسول الله ( ص ) أظهر أبو طالب الإسلام على يده فهو ثالث المسلمين : أولهم علي بن أبي طالب . والثاني : السيدة خديجة الكبرى زوجة النبي ( ص ) : والثالث : هو أبو طالب عليه السلام . قال الملك للوزير : هل صحيح كلام العلوي في حق أبي طالب ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك بعض المؤرخين ( 1 ) . قال الملك : فلماذا اشتهر بين أهل السنة أن أبا طالب مات كافرا ؟ قال العلوي : لأن أبا طالب أبو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام فحقد أهل السنة على علي ابن أبي طالب أوجب أن يقولوا : إن أباه مات كافرا ، كما أن حقد السنة على ( علي ) أوجب أن يقتلوا ولديه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ( 2 ) . ‹ صفحة 55 › قال الملك للعباسي : فما جوابك عن قصة خالد بن الوليد ؟ قال العباسي : إن أبا بكر رأى المصلحة في ذلك ! قال العلوي - متعجبا - : سبحان الله ! وأي مصلحة تقتضي أن يقتل خالد الأبرياء ويزني بنسائهم ثم يبقى بلا حد ولا عقاب ، بل يفوض إليه قيادة الجيش ، ويقول فيه أبو بكر إنه سيف الله ، فهل سيف الله يقتل الكفار أو المؤمنين ؟ وهل سيف الله يحفظ أعراض المسلمين أو يزني بنساء المسلمين ؟ ؟ قال العباسي : هب - أيها العلوي - أن أبا بكر أخطأ ، لكن عمر تدارك الأمر ! قال العلوي : تدارك الأمر هو أن يجلد خالد للزنا ، ويقتله لقتله الأبرياء المؤمنين ، ولم يفعل ذلك عمر ، فعمر أخطأ كما أخطأ أبو بكر من قبله . قال الملك : إنك أيها العلوي قلت في أول الكلام إن أبا بكر أساء إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( ص ) فما هي إساءته إلى فاطمة ؟ قال العلوي : إن أبا بكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والتهديد والقوة أرسل عمرا وقنفذا وخالد بن الوليد وأبا عبيدة الجراح وجماعة أخرى - من المنافقين - إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام وجمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة ( ذلك الباب الذي طالما وقف عليه الرسول وقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان وأحرق الباب بالنار ، ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة ، فانهالت السياط على حبيبة ر
ول الله وبضعته حتى أدموا جسمها ! وبقيت آثار هذه العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة ، فأصبحت مريضة عليلة حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام - ففاطمة شهيدة بيت النبوة ، وهي قتلت بسبب عمر بن الخطاب ! ‹ صفحة 56 › قال الملك للوزير : هل ما يذكره العلوي صحيح ؟ قال الوزير : نعم إني رأيت في التواريخ ما يذكره العلوي ( 1 ) ! قال العلوي : وهذا هو السبب لكراهة الشيعة أبا بكر وعمر ! ثم أضاف قائلا : ويدلك على وقوع هذه الجريمة من أبي بكر وعمر أن المؤرخين ذكروا أن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر وقد ذكر الرسول ( ص ) في عدة أحاديث له : ( إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ) وأنت أيها الملك تعرف ما هو مصير من غضب الله عليه ! ؟ قال الملك ( موجها الخطاب للوزير ) : هل صحيح هذا الحديث ؟ وهل صحيح أن فاطمة ماتت وهي واجدة - أي غاضبة - على أبي بكر وعمر ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك أهل الحديث والتاريخ ( 2 ) ! ‹ صفحة 57 › قال العلوي : ويدلك أيها الملك على صدق مقالتي : أن فاطمة أوصت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن لا يشهد أبا بكر وعمر وسائر الذين ظلموها جنازتها ، فلا يصلوا عليها ، ولا يحضروا تشييعها ، وأن يخفي علي قبرها حتى لا يحضروا على قبرها ، ونفذ علي عليه السلام وصاياها ! قال الملك : هذا أمر غريب ، فهل صدر هذا الشئ من فاطمة وعلي ؟ قال الوزير : هكذا ذكر المؤرخون ( 1 ) ! قال العلوي : وقد آذى أبو بكر وعمر فاطمة أذية أخرى ! قال العباسي : وما هي تلك الأذية ؟ قال العلوي : هي أنهما غصبا ملكها ( فدك ) . قال العباسي : وما هو الدليل على أنهما غصبا ( فدك ) ؟ قال العلوي : التواريخ ذكرت أن رسول الله ( ص ) أعطى فدكا لفاطمة فكانت فدك في يدها - في أيام رسول الله - فلما قبض النبي ( ص ) أرسل أبو بكر وعمر من أخرج عمال فاطمة من ( فدك ) بالجبر والسيف ، واحتجت فاطمة على أبي بكر وعمر لكنهما لم يسمعا كلامها ، بل نهراها ومنعاها ، ولذلك لم تكلمهما حتى ماتت غاضبة عليهما ( 2 ) ! . ‹ صفحة 58 › قال العباسي : لكن عمر بن عبد العزيز رد فدك على أولاد فاطمة - في أيام خلافته - ؟ قال العلوي : وما الفائدة ؟ فهل لو أن إنسانا غصب منك دارك وشردك ثم جاء إنسان آخر بعد أن مت أنت ، ورد دارك على أولادك كان ذلك يمسح ذنب الغاصب الأول ؟ قال الملك : يظهر من كلامكما - أيها العباسي والعلوي - أن الكل متفقون على غصب أبي بكر وعمر فدكا ؟ قال العباسي : نعم ذكر ذلك التاريخ ( 1 ) . قال الملك : ولماذا فعلا ذلك ؟ قال العلوي : لأنهما أرادا غصب الخلافة ، وعلما بأن فدك لو بقيت بيد فاطمة لبذلت ووزعت واردها الكثير ( مائة وعشرون ألف دينار ذهب - على قول بعض التواريخ - ) في الناس ، وبذلك يلتف الناس حول علي عليه السلام ، وهذا ما كان يكرهه أبو بكر وعمر ! قال الملك : إذا صحت هذه الأقوال فعجيب أمر هؤلاء ! وإذا بطلت خلافة هؤلاء الثلاثة ، فمن يا ترى يكون خليفة الرسول ( ص ) ؟ قال العلوي : لقد عين الرسول بنفسه - وبأمر من الله تعالى - خلفاءه من بعده ، في الحديث الوارد في كتب الحديث حيث قال : ( الخلفاء بعدي اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل وكلهم من قريش ) ( 2 ) . قال الملك للوزير : هل صحيح أن الرسول قال ذلك ؟ ‹ صفحة 59 › قال الوزير : نعم . قال الملك : فمن هم أولئك الاثنا عشر ؟ قال العباسي : أربعة منهم معروفون وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . قال الملك : فمن البقية ؟ قال العباسي : خلاف في البقية بين العلماء ( 1 ) . قال الملك : عدهم . فسكت العباسي . قال العلوي : أيها الملك : الآن أذكرهم بأسمائهم حسب ما جاء في كتب علماء السنة وهم : علي ، الحسن ، الحسين ، علي ، محمد ، جعفر ، موسى ، علي ، محمد ، علي ، الحسن ، المهدي عليهم الصلاة والسلام ( 2 ) . ‹ صفحة 60 › قال العباسي : اسمع أيها الملك : إن الشيعة يقولون بأن ( المهدي ) حي في دار الدنيا منذ سنة ( 255 ) وهل هذا معقول ؟ ويقولون : إنه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا بعد أن تملأ جورا . قال الملك ( موجها الخطاب إلى العلوي ) : هل صحيح أنكم تعتقدون بذلك ؟ قال العلوي : نعم صحيح ذلك ، لأن الرسول قال بذلك ، والرواة من الشيعة والسنة . قال الملك : وكيف يمكن أن يبقى إنسان هذه المدة الطويلة ؟ قال العلوي : الله يقول في القرآن حول نوح النبي : ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) فهل يعجز الله أن يبقي إنسانا هذه المدة ؟ أليس الله بيده الموت والحياة وهو على كل شئ قدير ؟ ثم إن الرسول قال ذلك وهو صادق مصدق . قال الملك ( موجها الخطاب إلى الوزير ) : هل صحيح أن الرسول أخبر بالمهدي ، على ما يقوله العلوي ؟ قال الوزير : نعم . . ( 1 ) . قال الملك للعباسي : فلماذا أنت تنكر الحقائق الواردة عندنا نحن السنة ؟ قال العباسي : خوفا على عقيدة العوام أن تتزلزل ، وتميل قلوبهم نحو الشيعة ! ‹ صفحة 61 › قال العلوي : إذن أنت أيها العباسي مصداق لقوله تعالى : * ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) * فشملتك اللعنة من الله تعالى . . ثم قال العلوي : أيها الملك اسأل هذا العباسي هل يجب على العالم المحافظة على كتاب الله وأقوال رسول الله . أم يجب عليه المحافظة على عقيدة العوام المنحرفة عن كتاب الله وأقوال رسول الله . أم يجب عليه المحافظة على عقيدة العوام المنحرفة عن الكتاب والسنة ؟ قال العباسي : إني أحافظ على عقيدة العوام حتى لا تميل قلوبهم إلى الشيعة لأن الشيعة أهل البدعة ! قال العلوي : إن الكتب المعتبرة تحدثنا أن أمامكم ( عمر ) هو أول من أدخل البدعة في الإسلام ، وصرح هو بنفسه حين قال : ( نعمت البدعة في هذه ) وذلك في صلاة التراويح لما أمر الناس أن يصلوا النافلة جماعة مع العلم أن الله والرسول حرما النافلة جماعة ، فكانت بدعة عمر مخالفة صريحة لله والرسول ! ثم : ألم يبدع عمر في الأذان بإسقاط ( حي على خير العمل ) . وزيادة ( الصلاة خير من النوم ) ؟ ألم يبدع بإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم خلافا لله والرسول ؟ ألم يبدع في إلغاء متعة الحج ، خلافا لله والرسول ؟ ألم يبدع في إلغاء إجراء الحد على المجرم الزاني : خالد بن الوليد ، خلافا لأمر الله والرسول في وجوب إجراء الحد على الزاني والقاتل ؟ إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر . فهل أنتم أهل بدعة أم نحن الشيعة ؟ قال الملك للوزير : هل صحيح ما ذكره العلوي من بدع عمر في الدين ؟ قال الوزير : نعم ذكر ذلك جماعة من العلماء في كتبهم ! ( 1 ) . ‹ صفحة 62 › قال الملك : إذن كيف نتبع نحن إنسانا أبدع في الدين ؟ قال العلوي : ولهذا يحرم اتباع هكذا إنسان ، لأن رسول الله ( ص ) . قال : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) فالذين يتبعون عمر في بدعه - وهم عالمون بالأمر - فهم من أهل النار قطعا ! قال العباسي : لكن أئمة المذاهب أقروا فعل عمر ؟ قال العلوي : وهذه بدعة أخرى أيها الملك ! قال الملك : وكيف ذلك ! قال العلوي : لأن أصحاب هذه المذاهب وهم : وأبو حنيفة ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) ، بل جاؤوا بعده بمائتي سنة - تقريبا - فهل المسلمون الذين كانوا بين عصر الرسول وبين عصر هؤلاء كانوا على باطل وضلال ؟ وما هو المبرر في حصر المذاهب في هؤلاء الأربعة وعدم اتباع سائر الفقهاء ؟ وهل أوصى الرسول بذلك ؟ قال الملك : ما تقول يا عباسي ؟ قال العباسي : كان هؤلاء أعلم من غيرهم ! قال الملك : فهل أن علم العلماء جف دون هؤلاء ! قال العباسي : ولكن الشيعة أيضا يتبعون مذهب ( جعفر الصادق ) ؟ ‹ صفحة 63 › قال العلوي : إنما نحن نتبع مذهب جعفر لأن مذهبه مذهب رسول الله لأنه من أهل البيت الذين قال الله عنهم : * ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) * وإلا فنحن نتبع كل الأئمة الاثني عشر لكن حيث أن الإمام الصادق عليه السلام تمكن أن ينشر العلم والتفسير والأحاديث الشريفة أكثر من غيره ( بسبب وجود بعض الحرية في عصره ) حتى كان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذ ، وحتى استطاع الإمام الصادق أن يجدد معالم الإسلام بعدما حاول الأمويون والعباسيون القضاء عليها ، ولهذا سمي الشيعة ب ( الجعفرية ) نسبة إلى مجدد المذهب وهو الإمام جعفر الصادق عليه السلام ( 1 ) . قال الملك : ما جوابك يا عباسي ؟ قال العباسي : تقليد أئمة المذاهب الأربعة عادة اتخذناها نحن السنة ! قال العلوي : بل أجبركم على ذلك بعض الأمراء ، وأنتم اتبعتم أولئك متابعة عمياء لا حجة لكم فيها ولا برهان ! فسكت العباسي . قال العلوي : أيها الملك : إني أشهد أن العباسي من أهل النار ، إذا مات على هذه الحالة . قال الملك : ومن أين علمت أنه من أهل النار ؟ قال العلوي : لأنه ورد عن رسول الله ( ص ) قوله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) فاسأل أيها الملك : من هو إمام زمان العباسي ؟ قال العباسي : لم يرد هذا الحديث عن رسول الله . ‹ صفحة 64 › قال الملك للوزير : هل ورد هذا الحديث عن رسول الله ؟ قال الوزير : نعم ورد ( 1 ) ! قال الملك : مغضبا : كنت أظن أنك أيها العباسي ثقة ، والآن تبين لي كذبك ! قال العباسي : إني أعرف إمام زماني ! قال العلوي : فمن هو ؟ قال العباسي : الملك ! قال العلوي : اعلم أيها الملك أنه يكذب ، ولا يقول ذلك إلا تملقا لك ! قال الملك : نعم إني أعلم أنه يكذب ، وإني أعرف نفسي بأني لا أصلح أن أكون إمام زمان الناس ، لأني لا أعلم شيئا ، وأقضي غالب أوقاتي بالصيد والشؤون الإدارية ! ثم قال الملك : أيها العلوي فمن هو إمام الزمان في رأيك ؟ قال العلوي : إمام الزمان في نظري وعقيدتي هو ( الإمام المهدي ) عليه السلام كما تقدم الحديث حوله عن رسول الله ( ص ) فمن عرفه مات ميتة المسلمين . وهو من أهل الجنة ، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية وهو في النار مع أهل الجاهلية
وهنا تهلل وجه الملك شاه وظهرت آثار الفرح والسرور في وجهه والتفت إلى الحاضرين قائلا : اعلموا أيتها الجماعة أني قد اطمأننت ووثقت من هذه المحاورة ( وقد كانت دامت ثلاثة أيام ) وعرفت وتيقنت أن الحق مع الشيعة في كل ما يقولون ويعتقدون ، وأن أهل السنة باطل مذهبهم ، منحرفة عقيدتهم ، وأني أكون ممن إذا رأى الحق أذعن له واعترف به ، ولا أكون من أهل الباطل في الدنيا وأهل النار في الآخرة ولذلك فإنني أعلن تشيعي أمامكم ، ومن أحب أن يكون معي فليتشيع على بركة الله ورضوانه ويخرج نفسه من ظلمات الباطل إلى نور الحق ! ‹ صفحة 65 › فقال الوزير نظام الملك : وأنا كنت أعلم ذلك ، وأن التشيع حق ، وأن المذهب الصحيح فقط هو مذهب الشيعة منذ أيام دراستي ولذا أعلن أنا أيضا تشيعي . وهكذا دخل أغلب العلماء والوزراء والقواد الحاضرين في المجلس ( وكان عددهم يقارب السبعين ) في مذهب الشيعة . وانتشر خبر تشيع الملك ونظام الملك والوزراء والقواد والكتاب في كافة البلاد ، فدخل في التشيع عدد كبير من الناس ، وأمر نظام الملك - وهو والد زوجتي - أن يدرس الأساتذة مذهب الشيعة في المدارس النظامية في بغداد ! لكن بقي بعض علماء السنة الذين أصروا على الباطل على مذهبهم السابق مصداقا لقوله تعالى : * ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) * وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ونظام الملك وحملوه تبعة هذا الأمر إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة - بإيعاز من هؤلاء المعاندين السنة - فاغتالوه في 12 رمضان سنة ( 485 ه ) ، وبعد ذلك اغتالوا الملك شاه سلجوقي . فإنا لله وإنا إليه راجعون فلقد قتلا في سبيل الله ومن أجل الحق والإيمان ، فهنيئا لهم ولكل من يقتل في سبيل الله ومن أجل الحق والإيمان . وقد نظمت قصيدة رثاء للشيخ العظيم نظام الملك ومنها هذه الأبيات : كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * نفيسة صاغها الرحمن من شرف عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف اختار مذهب حق في محاورة * تبدي الحقيقة في برهان منكشف دين التشيع حق لا مراء له * وما سواه سراب خادع السجف لكن حقدا دفينا حركوه له * فبات بدر الدجي في ظل منخسف عليه ألف سلام الله تالية * تترى على روحه في الخلد والغرف ‹ صفحة 66 › هذا وقد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة ، وقد سجلت كل ما دار في المجلس ، ولكني حذفت الزوائد ، واختصرت المجلس في هذه الرسالة . والحمد لله وحده والصلاة على محمد وآله الأطياب وأصحابه الأنجاب . كتبته في بغداد في المدرسة النظامية . مقاتل بن عطية ‹ صفحة 67 › المناظرة الثانية ‹ صفحة 68 › . . . ‹ صفحة 69 › بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أنعم به فكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمد النبي الأمي وأهل بيته ذوي الكرم والوفاء . أما بعد : فهذه صورة بحث وقع لهذا الفقير إلى رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الجبعي في حلب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ( 1 ) . ( 1 ) أضافني بعض فضلاء حلب ، وكان ذكيا بحاثا ، ولي معه خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا أتقيه ، وكان أبوه من أعيانها . فقلت له : إنه يقبح بمثلي ومثلك - بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الإسلامية ، وتحقيق مقدماتها - أن يقلد في مذهبه الذي يلقى الله به ، والتقليد مذموم بنص القرآن ، وليس حجة منجية لأن كل أحد يقلد سلفه ، فلو كان حجة كان الكل ناجين ، وليس كذلك . فقال : هلم حتى نبحث . فقلت : هل عندكم نص من القرآن ، أو من الرسول ( ص ) على وجوب اتباع أبي حنيفة ؟ فقال : لا . فقلت : هل أجمع أهل الإسلام على وجوب اتباعه ؟ فقال : لا . ‹ صفحة 70 › فقلت : فما سوغ لك تقليده ؟ فقال : إنه مجتهد وأنا مقلد ، والمقلد فرضه أن يقلد مجتهدا من المجتهدين . فقلت : فما تقول في جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، هل كان مجتهدا من المجتهدين ؟ فقال : هو فوق الاجتهاد ، وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب وعظم الشأن ، وقد عد بعض علمائنا من تلاميذه نحو أربعمائة رجل كلهم علماء فضلاء مجتهدون ، وأبو حنيفة أحدهم ( 1 ) . فقلت : قد اعترفت باجتهاده وتقواه ، وجواز تقليد المجتهد ، ونحن قد قلدناه ، فمن أين تعلم أنا على الضلالة وأنكم على الهداية ؟ ! مع أنا نعتقد عصمته ، وأنه لا يخطئ ، بل ما يحكم به هو حكم الله ، ولنا على ذلك أدلة مدونة ، وليس كأبي حنيفة يقول بالقياس والرأي والاستحسان ويجوز عليه الخطأ ( 2 ) . ‹ صفحة 71 › وبعد التنزل عن عصمته ، والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون ، فلنا دلائل على وجوب اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها . ( أحدهما ) : إجماع كل أهل الإسلام - حتى الأشاعرة والمعتزلة - على غزارة علمه ، ووفور تقواه ، وعدالته ، وعظم شأنه ، بحيث أني إلى يومي هذا - مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك - لم أر قط طاعنا عليه بشئ من مخالفيه . وأعداء شيعته مع كثرتهم ، وعظم شأنهم في الدنيا ، لأنهم كانوا ملوك الأرض ، والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب ، ولم يقدر أحد أن يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره ، وما ذاك إلا لعلمه أنه إن افترى كذبا كذبه كل من سمعه ، وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق ( 1 ) . فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده ، ويقلد من وقع فيه الشك والطعن ؟ ! مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر في موضعه . وهذا إمامكم الغزالي صنف كتابا سماه " المنخول " ( 2 ) موضوعه الطعن على أبي حنيفة ، وإثبات كفره بأدلة يطول شرحها ( 3 ) . ‹ صفحة 72 › وصنف بعض فضلاء الشافعية كتابا سماه " النكت الشريفة في الرد على أبي حنيفة " ( 1 ) رأيته في مصر ، ذكر فيه جميع ما ذكره الغزالي وزاد أشياء أخر . ولا شبهة في وجوب تقليد المتفق على علمه وعدالته ، لأن ظن الصواب معه أغلب ، ولا يجوز العمل بالمرجوح مع وجود الراجح إجماعا ، والجرح مقدم على التعديل كما تقرر . ثانيها : أنه ( عندنا ) من أهل البيت المطهرين بنص القرآن ، والتطهر هو : " التنزه عن الآثام ، وعن كل قبيح " كما نص عليه ابن فارس ( 2 ) في مجمل اللغة ( 3 ) ، وهذا نفس العصمة التي يدعيها الشيعة . وأبو حنيفة ليس منهم إجماعا ، ويتحتم تقليد المطهر بنص القرآن ليتقن النجاة معه . ‹ صفحة 73 › قال : نحن لا نسلم أنه من أهل البيت عليهم السلام ، إذ قد صح في أحاديثنا أنهم خمسة ( 1 ) . فقلت : سلمنا أنه ليس من الخمسة ، ولكن حكمه حكمهم في العصمة ، ووجوب الاتباع لوجهين : الأول : إن كل من قال بعصمة الخمسة قال بعصمته ، ومن لا فلا ، وقد ثبتت عصمة الخمسة بنص القرآن ، فثبتت عصمته لأنه قد وقع الإجماع على أنه لا فرق بينه وبينهم ، فالقول بعصمتهم دونه خلاف إجماع المسلمين . الثاني : إنه اشتهر بين أهل النقل والسير أن جعفر الصادق وآباءه عليهم السلام لم يترددوا إلى مجالس العلماء أصلا ، ولم ينقل أنهم ترددوا إلى مخالف ولا مؤالف ، مع كثرة المصنفين في الرجال ، وطرق النقل ، وتعداد الشيوخ والتلاميذ ، وإنما ذكروا أنه أخذ العلم عن أبيه محمد الباقر عليه السلام ، وهو أخذه عن أبيه زين العابدين عليه السلام ، وهو أخذه عن أبيه الحسين عليه السلام وهو من أهل البيت عليهم السلام إجماعا . وقد صح عندنا أنهم عليهم السلام لم يكن قولهم بطريق الاجتهاد ، ولهذا لم يسأل أحد قط صغيرا ولا كبيرا عن مسألة فتوقف في جوابها ، أو أحتاج إلى مراجعة . وقد صرحوا عليهم السلام أن قول الواحد منهم كقول آبائهم ، وقول آبائهم كقول النبي ( ص ) ، وثبت ذلك عندنا بالطرق الصحيحة المتصلة بهم ( 2 ) . ‹ صفحة 74 › فقوله عليه السلام هو قول المطهرين بنص القرآن . وثالثها : ما ثبت في صحاح أحاديثكم بالطرق الصحيحة المتكثرة ، المتحدة المعنى ، المختلفة اللفظ ، من قوله عليه السلام : " إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " . وفي بعض الطرق : " إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله وعترتي " ( 1 ) . فصرح عليه السلام بأن المتمسك بكتاب الله وعترته لن يضل ، ولم يتمسك بهما إلا الشيعة كما لا يخفى لأن الباقين جعلوا عترته كباقي الناس ، وتمسكوا بغيرهم . ولم يقل : مخلف فيكم كتاب الله وأبا حنيفة ، ولا الشافعي . ‹ صفحة 75 › فكيف يجوز ترك التمسك بمن تتحقق النجاة بالتمسك به ، ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه ؟ ! إن هذا إلا لمحض السفه والضلال . وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم ، وإن نوزع فيه فلا ريب في اقتضائه ظن وجوب الاتباع ، وذلك كاف لوجوب العمل بالراجح ، واختيارهم عليهم السلام بهذه المرجحات على غيرهم من المجتهدين ، فلا يكون العدول عنهم إلا اتباعا للهوى والتقليد المألوف . فقال : أنا لا أشك في اجتهادهم ، وغزارة علمهم ، ونجاة مقلدهم ، ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر ، كما نقلت المذاهب الأربعة . فقلت : إن كان مرادك أن الحنفية والشافعية لم ينقلوه ، فمسلم ، ولكن لا يضرنا ، لأنا لم ننقل مذهبهما أيضا ، والشافعية لم ينقلوا مذهب أبي حنيفة ، وبالعكس ، وكذا باقي المذاهب ، وليس ذلك طعنا فيها عندكم . وإن كان مرادك أنه لم ينقله أحد من المسلمين ، فهذه مكابرة محضة ، لأن شيعتهم ، وكثيرا من أهل السنة وباقي الطوائف قد نقلوا أقوالهم وآدابهم وعباداتهم ، واعتنى الشيعة بذلك أشد الاعتناء ، وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرحهم وتعديلهم أشد البحث ، وهذه صحاح أحاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم مدونة مشهورة بينهم لا يمكن إنكارها . وعلماء الشيعة وإن كانوا أقل من علماء السنة ، ولكن ليسوا أقل من فرقة من فرق المذاهب الأربعة ، خصوصا الحنابلة والمالكية ، فإن الشيعة أكثر منهم يقينا . ولم يزل - بحمد الله - علماء الشيعة في جميع الأعصار أعلم العلماء وأتقاهم ، وأحذقهم في فنون العلوم : أما في زمن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
انتظروا بقية الكتاب في الأيام المقبلة ان شاء الله تعالى
:65: :65: :65: تقبلوا تحياتي :65: :65: :65:
تعليق