المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - لمقاتل بن عطية (الجزء الثالث)


حـــمـــادة
28-07-2010, 10:27 AM
:55555":

الللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم الى يوم الدين.
---------------------------------------------------------

فواضح أنه لم يساوهم أحد في علم ولا عمل ، حتى فاق تلاميذهم واشتهروا بغزارة العلم ، وقوة الجدل كهشام ابن الحكم ، وهشام بن سالم ، وجميل بن دراج ، وزرارة بن أعين ، ومحمد بن مسلم ، وأشباههم ، ممن عرفهم مخالفوهم في المذهب وأثنوا عليهم بما لا مزيد عليه . ‹ صفحة 76 › وأما بعد زمان الأئمة فمنهم مثل ابن بابويه ، والشيخ الكليني ، والشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والسيد المرتضى ، وأخيه ، وابني طاووس ، والخواجة نصير الدين الطوسي ، وميثم البحراني ، والشيخ أبي القاسم المحقق ، والشيخ جمال الدين ابن المطهر الحلي ، ووله فخر المحققين ، وأشباههم من المشايخ المشاهير الذين قد ملأوا الخافقين بمصنفاتهم ومباحثهم ، ومن وقف عليها علم علو شأنهم ، وبلوغهم مرتبة الاجتهاد وقوة الاستنباط . وإنكار ذلك إما لتعصب أو جهل . فقد لزمك القول بصحة مذهبنا وأرجحية من قلدناه ، بل يلزم ذلك كل من وقف نفسه على جادة الإنصاف ، ولا يلزمنا القول بصحة مذهبك لأنا قد شرطنا في المتبع " العصمة " ، فنكون نحن الفرقة الناجية إجماعا . وأنتم وإن لم تقولوا بصحة مذهبنا ، ولكن يلزمكم ذلك بحسب قواعدكم ، للدليل المسلم المقدمات عندكم ، إذ سبب نجاتكم أنكم قد قلدتهم مجتهدا ، وهذا بعينه حاصل لنا باعترافكم ، مع ترجيحات فيمن اتبعناه لا يمكنكم إنكارها . فبهت ، ولم يجب بشئ ، ولكن عدل عن سوق البحث ، وقال : إني أسألكم عن سبكم أكابر الصحابة ، وأقربهم من رسول الله ( ص ) الذين نصروه بأموالهم وأنفسهم ، حتى ظهر الدين بسيوفهم ، في حياته وبعد موته ، حتى فتحوا البلاد ونصروا دين الله بكل ما أمكنهم ، والفتوحات التي فتحها عمر لم يقع مثلها في زمن النبي ( ص ) ، كمصر والشام ، وبيت المقدس ، والروم والعراق وخراسان ، وعراق العجم ( 1 ) ، وتوابع ذلك مما يطول شرحه ولا يمكن إنكاره ، كما لا يمكن إنكار قوته في الدين وسطوته ، وشدة بأسه ، وإني إذا نظرت في أدلتكم وجدتها واضحة قوية . وإذا رأيت مذهبكم سب أكابر أصحاب رسول الله ( ص ) وخواصه الذين سبقوا في الإسلام ، وكانوا من المقربين عنده حتى تزوج بناتهم وزوجهم بناته ، ومدحهم الله في كتابه بقوله : * ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء ‹ صفحة 77 › بينهم تراهم ركعا سجدا . . . ) * [ الفتح : 29 ] إلى آخر الآية ، فإذا رأيت ذلك نفرت نفسي ، وجزمت بفساد مذهبكم . فقلت له : ليس في مذهبنا وجوب سبهم ، وإنما يسبهم عوام الناس المتعصبون ، وأما علماؤنا فلم يقل أحد بوجوب سبهم ، وهذه كتبهم موجودة . وأقسمت له أيمانا مغلظة بأنه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتدين بمذهب أهل البيت عليهم السلام ويتولاهم ، ويتبرأ من أعدائهم ، ولم يسب الصحابة قط ، لم يكن مخطئا ، ولا في إيمانه قصور . فتهلل وجهه ، وأنس بذلك لأنه صدقني فيه . فقلت له : إذا ثبت عندك غزارة علم أهل البيت عليهم السلام ، واجتهادهم ، وعدالتهم ، وترجيحهم على غيرهم ، فهم أولى بالاتباع ، فتابعهم . فقال : أشهد على أني متابع لهم ، ولكني لا أسب الصحابة . فقلت : لا تسب أحدا منهم ، ولكن إذا اعتقدت عظم شأن أهل البيت عليهم السلام عند الله ورسوله ( ص ) ، فما تقول فيمن عاداهم وآذاهم ؟ فقال : أنا برئ منهم . فقلت : هذا يكفيني منك . فأشهد الله ورسوله وملائكته أنه محب لهم ، ومتابع ، وبرئ من أعدائهم وطلب مني كتابا في فقههم ، فدفعت إليه " النافع " ( 1 ) وتفرقنا . ‹ صفحة 78 › ( 2 ) ثم رأيته بعد ذلك في غضب وتكدر من التشيع ، بواسطة ما رسخ في قلبه من عظم شأن الصحابة ، واعتقاده أن الشيعة تسبهم . فقلت له في ليلة أخرى : إن عاهدت الله على الإنصاف ، وكتم الأمر علي ، بينت لك أمر السب فعاهد الله على ذلك ما دمت حيا بأيمان مغلظة ، ونذور مؤكدة . وسألته : ما تقول في الصحابة الذين قتلوا عثمان ؟ فقال : إن ذلك وقع باجتهادهم ، وإنهم غير مأثومين ، وقد صرح أصحابنا بذلك . فقلت : وما تقول في عائشة وطلحة والزبير وأتباعهم الذين حاربوا عليا عليه السلام ( يوم الجمل ) ، وقتل في حربهم من الفريقين نحو ستة عشر ألفا ؟ وما تقول في معاوية وأصحابه الذين حاربوا في صفين ، وقتل من الفريقين ( نحو ) ستين ألفا ؟ فقال : كالأول . فقلت : هل جواز الاجتهاد مقر على فرقة من المسلمين دون فرقة ؟ قال : لا كل أحد له صلاحية الاجتهاد . فقلت : إذا جاز الاجتهاد في قتل أكابر الصحابة ، وقتل خلفاء المؤمنين ، وحرب أخي رسول الله ( ص ) ، وابن عمه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين ، أعلم الخلق ، وأزهدهم ، وأقربهم من رسول الله ( ص ) ، ووارث علمه ، الذي قام الإسلام بسيفه ، ومن أثنى عليه الله ورسوله بما لا يمكن إنكاره ، حتى جعله الله ولي الناس كافة بقوله تعالى : * ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) * ( 1 ) يعني عليا عليه السلام بالإجماع . ‹ صفحة 79 › وقال النبي ( ص ) : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ( 1 ) . ‹ صفحة 80 › " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ( 1 ) . " اللهم آتني بأحب خلقك إليك " ( 2 ) . و " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ( 3 ) ، وأشباه ذلك مما يطول تعداده فلم لا ‹ صفحة 81 › يجوز الاجتهاد في سب بعض الصحابة ؟ ! فإنا لا نسب إلا من علمنا أنه أظهر العداوة لأهل البيت ، ونحب المخلصين منهم ، الحافظين وصية الله ورسوله فيهم ، كسلمان ، والمقداد وعمار ، وأبي ذر ، ونتقرب إلى الله بحبهم ، ونسكت عن المجهول حالهم ، هذا اعتقادنا فيهم . وهذا معاوية قد سب عليا وأهل بيته عليهم السلام ، واستمر ذلك في زمن بني أمية ثمانين سنة ، ولم ينقص ذلك من قدره عندكم . وكذلك الشيعة اجتهدوا في جواز سب أعداء أهل البيت منهم ، ولو كانوا مخطئين فيهم غير مأثومين . ومدح الله تعالى لهم في القرآن نقول به ، لأنهم ممدوحون بقول مطلق ، لأن فيهم أتقياء أبرارا ، وليس كلهم كذلك جزما ، وحديث الحوض يوضح ذلك ( 1 ) . وأيضا فيهم منافقون بنص القرآن ، فلا يمنع مدح الله لهم فسق بعضهم أو كفره ، واجتهادنا في جواز سب ذلك البعض . فقال : كالمتعجب - : أو يجوز الاجتهاد بغير دليل ؟ ! فقلت : أدلتهم في ذلك كثيرة واضحة . فقال كالمستبعد : بين لي منها واحدا . فقلت : سأذكر لك ما لا يمكنك إنكاره ، وذلك أنه قد ثبت عندكم وعندنا أن النبي ( ص ) لما جعل أسامة بن زيد أميرا وجهزه إلى الشام ، أمر الصحابة عموما باتباعه ، وخصص أبا بكر وعمر وأمرهما باتباعه وقال : " جهزوا جيش أسامة ، لعن الله ‹ صفحة 82 › من تأخر عن جيش أسامة " ( 1 ) وقد تخلف الرجلان بإجماع المسلمين ، فكانا ملعونين بنص الرسول ونص الله ، لأنه لم ينطق عن الهوى . فقال : إنما تخلفا باجتهاد ، وشفقة على الرسول والمسلمين ، وقالا : " كيف نمضي ونترك نبينا مريضا ، نسأل عنه الركبان ؟ ! " ورأيا صلاح المسلمين في تخلفهما . فقلت : هذا خطأ محض ، فإن الاجتهاد إنما يجوز في مسألة 7 نص فيها ، ولا يجوز مقابل النص بإجماع علماء الإسلام ، وقد قال الله تعالى : * ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) * [ النجم : 3 و 4 ] فاجتهادهما هذا رد على الله وعلى رسوله ، وذلك كفر . وهل يتصور مسلم أنهما أعلم بصلاح المسلمين من الله ورسوله ؟ ! ما هذا ( إلا ) العمى عن الحق والتلبس بالشبهات . فقال : أمهلني حتى أنظر . فقلت : قد أمهلتك إلى يوم القيامة . ثم ذكرت له - بعد ذلك - حديث الحوض ، وهو ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي ، في الحديث الحادي والثلاثين بعد المائة ، من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك قال : إن النبي ( ص ) قال : ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي رؤوسهم اختلجوا ، فأقولن : أي رب أصحابي ! فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ( 2 ) . ورواه أيضا في الجمع بين الصحيحين من مسند ابن عباس بلفظ آخر ، والمعنى متفق ، وفي آخره زيادة : " إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " ( 3 ) . ‹ صفحة 83 › ورواه أيضا في الجمع بين الصحيحين من مسند سهل بن سعد ، في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه ، وفي آخره زيادة : " فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي " ( 1 ) . ورواه أيضا في الحديث السابع والستين بعد المائتين من مسند أبي هريرة ، من عدة طرق ، وفي آخره زيادة " فلا يخلص منهم إلا همل النعم " ( 2 ) . وقد روى مثل ذلك من مسند عائشة بعدة طرق ( 3 ) . ‹ صفحة 84 › ومن مسند أسماء بنت أبي بكر بعدة طرق ( 1 ) . ومن مسند أم سلمة بعدة طرق ( 2 ) . ومن مسند سعيد بن المسيب بعدة طرق ( 3 ) . وهذا ذم لهم على لسان الرسول ( ص ) الثابت في صحاحكم ، قد بلغ حد التواتر ، وهو عين ما ندعيه من ميل كثير منهم إلى الملك والرئاسة والحياة الدنيا ، وبسبب ذلك أظهروا العداوة لأهل البيت عليهم السلام وجدوا في أذاهم . وقد سمعنا بسير الملوك الذين قتلوا أبناءهم ، والأبناء الذين قتلوا آباءهم حرصا على الملك ، وأظهر من ذلك في القرآن ، فقد أخبر بوقوع أكبر الكبائر منهم ، وهي الفرار من الزحف ، قال الله تعالى : * ( ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) * ( 4 ) . وقد كانوا أكثر من عشرة آلاف فلم يختلف معه إلا علي عليه السلام والعباس وجماعة أخرى ، والباقون سلموا نبيهم إلى القتل ولم يخشوا العار ولا النار ، ولم يستحيوا من الله ولا من رسوله ، ومما يشاهدانهما عيانا . وقال الله تعالى : * ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) * كانوا يتركون الصلاة خلفه للتفرج على القافلة ، فيكف يستبعد ميلهم إلى الدنيا بعده ، ‹ صفحة 85 › واتباعهم هوى أنفسهم في طلب الملك ، وقد أخبر النبي ( ص ) بذلك في الأخبار المتقدمة . وذكرت له قول أبي بكر : " إن لي شيطانا يعتريني " ( 1 ) ، وعزله عن براءة ، فلم يؤمن عليها ، وهي سورة واحدة ( 2 ) ، وهزيمته وهزيمة عمر في خبير وعدة مواطن ( 3 ) . ‹ صفحة 86 › ومنعه فاطمة إرثها بحديث تفرد بروايته ، مخالف للقرآن يجب رده ، وقالت له عليها السلام : " أترث أباك ولا أرث أبي ؟ ! أفي كتاب الله ذلك ؟ ! " . ويلزم أن
يكون النبي ( ص ) قد قصر في أنه لم ينذر إلا أبا بكر ، ولم ينذر أهل البيت عليهم السلام ، وقد قال الله تعالى : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * ( 1 ) . ومنها فدك التي أنحلها إياها أبوها ( 2 ) ، وشهد لها علي والحسنان عليهم السلام ، وأم أيمن ، ورد شهادتهم - وهم مطهرون - تعصبا وعنادا ، أو جهلا بالأحكام ، فماتت مغضبة عليهما ، وأوصت ألا يصليا عليها ، وأن تدفن ليلا ( 3 ) ، وقد قال أبوها ( ص ) : " فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني " ومن آذى رسول الله فقد آذى الله . ‹ صفحة 87 › وقد قال الله تعالى : * ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) * [ الأحزاب : 57 ] . وذكرت له منع عمر من الكتاب الذي لا يضل بعده ، وشتمه للنبي بقوله : " دعوه فإن نبيكم يهجر " ( 1 ) وهذا رد على رسول الله وعلى الله ، وهو كفر . ومنع من المغالاة في المهور فنبهته امرأة ، فقال : " كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات ( في الحجال ) " ( 2 ) . وقال : " متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما ، وأعاقب عليهما " ( 3 ) وهذا يقدح في إيمانه . وأبدع في ( قيام ) نوافل رمضان جماعة ، وأعترف بأنهما بدعة ، مع أن كل بدعة ضلالة ( 4 ) . ‹ صفحة 88 › وذكرت له أن عثمان ولى أمور المسلمين للفساق ، لمحض القرابة ، بعد أن نهاه الصحابة ، ولم يلاحظ الله في ذلك حتى أظهروا المناكير من القتل وشرب الخمر ( 1 ) ، وضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه ، وضرب عمار بن ياسر حتى حدث به فتق ( 2 ) ، ونفى أبا ذر مع عظم شأنه ، وتقدمه في الإسلام ، ولا ذنب له سوى إنكاره على بعض منكراته ( 3 ) . ‹ صفحة 89 › وآوى طريد رسول الله ( ص ) إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله منها ، وسئل قبل ذلك أبا بكر وعمر في رده فلم يقبلا ( 1 ) ، فعند ذلك ثار عليه الناس فقتلوه ، وكان الصحابة والتابعون بين قاتل ( 2 ) وراض ، ولم يحم عنه منهم أحد وترك ثلاثة أيام بغير دفن ( 3 ) . وقد شهد عمار بن ياسر ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة بن اليمان ، وجماعة آخرون بكفره وقالوا : * ( من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) * [ المائدة : 44 ] وكانوا يقولون علانية : " قتلناه ( بحمد الله ) كافرا " ( 4 ) . ثم بينت له أن عمر قد فتح البلاد بسيوف الصحابة وإمداد أهل البيت عليهم السلام كما نقل ، ومع ذلك لا يدل على مدعاكم فيه ، لأن ذلك للزيادة في ملكه ، ونحن نجد الملوك يسفكون الدماء لفتح البلاد والزيادة في الملك ، وإن استوجب ‹ صفحة 90 › العقاب في الآخرة ، وما فعله عمر لزيادة ملكه وإظهار صيته ، وليس عليه في الآخرة منه لوم فأي دليل على صلاح باطنه ؟ ! وذكرت له أمثال ذلك مما يطول شرحه ، واتفق أهل النقل من الشيعة والسنة والمعتزلة على نقله وصحته ، فلم يمكنهم إنكاره ، ولهذا تأولوه بتكلفات تصغر عن النقل ، ويحكم بفسادها كل ذي عقل . وكان يجيبني في المجلس عن بعضها بما ذكروه من التكلفات ، فأرده بأيسر وجه ، وقلت له : إن اتباع الحق يحتاج إلى إنصاف ، وترك الهوى ، والتقليد المألوف ، وإلا فمعاجز نبينا ( ص ) والدالة على صدقه ، كالقرآن وانشقاق القمر لا تبقي لأحد شكا ، والكفار لما سلكوا التعصب والعناد والتقليد المألوف لهم ، نشزت أنفسهم عن قبول ذلك ، وقابلوه بالشبهات ، فبقوا على كفرهم . فاعترف بذلك . ودخلت إلى عنده يوما ، فرأيت بين يديه كتبا منها " صحيح البخاري " فتذكرت الأحاديث التي فيه " أن الأئمة اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : ( إنه قال : ) كلهم من قريش " ( 1 ) . وثانيهما : إلى ابن عيينة قال : قال رسول الله ( ص ) : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا . ثم تكلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ؟ فقال : قال : كلهم من قريش ( 2 ) . وروى بطريق آخر إلى ابن عمر قال : قال رسول الله ( ص ) : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ( 3 ) . ‹ صفحة 91 › وذكرت له أن مسلما روى في صحيحه هذا الحديث بلفظه ، وروى مسلم أيضا في صحيحه الحديث الأول بطرق متعددة ، وكان صحيح مسلم عنده فأتى به ، فأريته ذلك فيه . وفي بعض طرقه : لا يزال هذا الدين عزيزا ( 1 ) . فقلت له : هذا عين ما تقوله الشيعة وشاهد بصحة معتقدهم ، فلا يتم إلا على مذهبهم ، فيكونون هم " الفرقة الناجية " لأنهم هم المتمسكون بالخليفتين اللذين لن يفترقا حتى يردا الحوض ، القائلون بالاثني عشر خليفة ، الموادون أهل البيت نبيهم عليهم السلام ، الذين جعل الله ودهم أجر الرسالة بقوله تعالى : * ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) * [ الشورى : 23 ] فإن غير الشيعة لم يميزوهم ، بل قدموا غيرهم عليهم ، فلا يضرهم تلبيس المتلبسين بالشبهات ، ولا معاداة المعاندين . ثم باحثته في مسائل كلامية ، كالرؤية ، والقضاء ، والقدر ، وفي مسائل فرعية كالمسح والمتعة ، وذلك بعد أن كان قد أذعن واستقر الإيمان في قلبه ، وسب أعداء أهل البيت عموما ، لما تبين له أحوالهم ، وما وقع منهم ، واتضحت له حقيقة الحال ، وصار من خواص الشيعة . ولله الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين . ‹ صفحة 92 › . . . ‹ صفحة 93 › المناظرة الثالثة ‹ صفحة 94 › . . . ‹ صفحة 95 › مناظرة الشيخ المفيد ( 1 ) حول زواج المتعة قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى : حضرت دار بعض قواد الدولة وكان بالحضرة شيخ من الإسماعيلية ( 2 ) يعرف بابن لؤلؤ ، فسألني : ما الدليل على إباحة المتعة ؟ فقلت له الدليل على ذلك قوله الله جل جلاله * ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ) * فأحل جل أسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر أوصافه من الأجر عليها والتراضي بعد الفرض له من الازدياد في الأجل وزيادة في الأجر فيها . فقال : ما أنكرت أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : * ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) * فحظر الله تعالى النكاح إلا لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد أسقط قول من أحلها . فقلت له : قد أخطأت في هذه المعارضة من وجهين : الأول : إنك ادعيت أن المستمتع بها ليست بزوجة ومخالفك يدفعك عن ذلك ويثبتها زوجة في الحقيقة . الثاني : إن سورة المؤمنون مكية وسورة النساء مدنية والمكي متقدم للمدني فكيف يكون ناسخا له وهو متأخر عنه ، وهذه غفلة شديدة . ‹ صفحة 96 › فقال : لو كانت المتمتع بها زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق وفي إجماع الشيعة على أنها غير وارثة ولا مطلقة دليل على فساد هذا القول . فقلت له : وهذا أيضا غلط منك في الديانة ، وذلك أن الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط ، وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية والدليل على ذلك أن الأمة إذا كانت زوجة لم ترث والذمية لا ترث والأمة المبيعة تبين بغير طلاق ، والملاعنة تبين أيضا بغير طلاق ، وكذلك المختلعة والمرتد عنها زوجها والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأم ، والزوجة تبين بغير طلاق ، وكل ما عددناه زوجات في الحقيقة . فقال صاحب الدار وهو رجل أعجمي لا معرفة له بالفقه وإنما يعرف الظواهر ، أنا أسألك في هذا الباب عن مسألة خبرني هل تزوج رسول الله ( ص ) متعة ، أو تزوج أمير المؤمنين عليه السلام متعة ؟ فقلت له : لم يأت بذلك خبر ولا علمته . فقال : لو كان في المتعة خير ما تركها رسول الله ( ص ) وأمير المؤمنين عليه السلام . فقلت له : أيها القائل ليس كل ما لم يفعله رسول الله ( ص ) كان محرما ، وذلك أن رسول الله ( ص ) والأئمة عليهم السلام كافة لم يتزوجوا بالإماء ولا نكحوا الكتابيات ولا خالعوا ولا تزوجوا ولا نكحوا السند ولا اتجروا إلى الأمصار ولا جلسوا باعة للتجار وليس ذلك كله محرما ، ولا منه شئ محظور إلا ما خصت به الشيعة دون مخالفيها من القول في نكاح الكتابيات ( 1 ) . فقال : فدع هذا وأخبرني عن رجل ورد منكم يريد الحج فدخل إلى مدينة السلام ، فاستمتع فيها بامرأة ثم انقضى أجلها فتركها وخرج إلى الحج وكانت حاملا منه ولم يعلم بحالها فحج ومضى إلى بلده ، وعاد بعد عشرين سنة وقد ولدت بنتا ‹ صفحة 97 › وشبت ثم عاد إلى مدينة السلام فوجد فيها تلك الابنة فاستمتع بها وهو لا يعلم ، أليس يكون قد نكح ابنته وهذا فظيع جدا ؟ فقلت له : إن أوجب هذا الذي ذكرته تحريم المتعة وتقبيحها ، فلقد أوجب تحريم نكاح الميراث وكل نكاح وتقبيحه ، وذلك أنه قد يتفق في مثل ما وصفت وجعلته طريقا إلى حظر المتعة ، وذلك أنه لا يمنع أن يخرج رجل من أهل السنة وأصحاب أحمد بن حنبل من خوارزم قاصدا للحج فينزل مدينة دار السلام ويحتاج إلى النكاح فيستدعي امرأة من جيرانه حنبلية سنية فيسألها أن تلتمس له امرأة ينكحها فتدله على امرأة شابة ستيرة ثيب لا ولي لها فيرغب فيها وتجعل المرأة أمرها إلى إمام المحلة وصاحب مسجدها فيحضر رجلين ممن يصل معه ويعقد عليها النكاح للخوارزمي السني الذي لا يرى المتعة ، ويدخل بالمرأة ويقيم معها إلى وقت رحيل الحج إلى مكة ، فيستدعي الشيخ الذي عقد عليه النكاح فيطلقها بحضرته ويعطيهم عدتها وما يجب عليه من نفقتها ثم يخرج فيحج وينصرف من مكة على طريق البصرة ويرجع إلى بلده ، وقد كانت المرأة حاملا وهو لا يعلم ، فيقيم عشرين سنة ثم يعود إلى مدينة السلام للحج فينزل في تلك المحلة بعينها ويسأل عن العجوز فيفقدها لموتها أو لسبب ما فيسأل عن غيرها فتأتيه قرابة لها أو نظيرة لها في الدلالة فتذكر له جارية هي ابنة المتوفاة بعينها فيرغب فيها ، ويعقد عليها كما عقد على أمها بولي وشاهدين ثم يدخل بها فيكون قد وطأ ابنته فيجب على القائل أن يحرم لهذا الذي ذكرناه كل نكاح . فقال السائل أولا : عندنا أنه يجب على هذا الرجل أن يوصي إلى جيرانه باعتبار حالها وهذا يسقط هذه الشناعة . فقلت له : إن كان هذا عندكم واجبا فعندنا أوجب منه وأشد لزوما أن يوصي المستمتع ثقة من إخوانه في البلد باعتبار حال المستمتع بها فإن لم يجد أخا يوصي قوما من أهل البلد ، ويذكر أنها كانت زوجته ولم يذكر المتعة وهذا شرط عندنا ، فقد سقط أيضا ما توهمته . ثم أقبلت على صاحب المجلس وقلت له : إن أمرنا مع هؤلاء المتفقهة عجيب ، وذلك أنهم مطبقون على تبديعنا في نكاح المتعة مع إجماعهم على أن رسول الله ( ص ) ‹ صفحة 98 › قد كان أذن فيها وأنها عملت على عهده ومع ظاهر كتاب الله عز وجل في تحليلها وإجماع آل محمد عليهم السلام على إباحتها والاتفاق على أن عمر هو الذي حرمها في أيامه مع إقراره بأنها كانت حلالا على عهد الرسول ( ص ) فلو كنا على ضلالة فيها لكنا في ذلك على شبهة تمنع ما يعتقده المخالف فينا من الضلال والبراءة منا . . وقال الشيخ المفيد : فقد كنت استدللت بالآية التي قدمت تلاوتها على تحليل المتعة في مجلس كان صاحبه رئيس زمانه فاعترض أبو القاسم الدراكي : فقال : ما أنكرت أن يكون المراد بقوله تعالى : * ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) * . إنما أراد به نكاح الدوام وأشار بالاستمتاع إلى الالتذاذ دون نكاح المتعة الذي تذهب إليه . فقلت له : إن الاستمتاع وإن كان في الأصل هو الالتذاذ فإنه إذا علق بذكر النكاح وأطلق بغير تقييد لم يرد به إلا نكاح المتعة خاصة لكونها علما ؟ ؟ ؟ عليها في الشريعة وتعارف أهلها ، ألا ترى أنه لو قال قائل نكحت أمس امرأة متعة ، أو هذه المرأة نكاحي لها ، أو عقدي عليها متعة ، أو أن فلانا يستحل نكاح المتعة لما فهم من قوله إلا النكاح الذي يذهب إليه الشيعة خاصة ، وإن كانت المتعة قد تكون بوطء الإماء والحرائر على الدوام كما أن الوطء في اللغة هو وطء القدم وممارسة باطنه للشئ على سبيل الاعتماد . ولو قال قائل وطأت جاريتي ، ومن وطأ امرأة غيره فهو زان وفلان يطأ امرأته وهي حائض ، لم يعقل من ذلك مطلقا على أصل الشريعة إلا النكاح دون وطء القدم وكذلك الغائط هو الشئ المحوط ، وقيل هو الشئ المنهبط . ولو قال قائل هل يجوز أن آتي الغائط ثم لا أتوضأ وأصلي ، أو قال فلان أتى الغائط ولم يستبرئ لم يفهم من قوله إلا الحديث الذي يجب منه الوضوء وأشباه ذلك مما قد قرر في الشريعة ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد ثبت أن إطلاق لفظ نكاح المتعة لا يقع إلا على النكاح الذي ذكرناه ، وإن كان الاستمتاع في أصل اللغة هو الالتذاذ كما قدمناه . فقال القاضي أبو محمد بن معروف معترضا : هذا الاستدلال يوجب عليك أن لا يكون الله تعالى أحل بهذه الآية غير نكاح المتعة ، لأنها لا تتضمن سواه وفي الإجماع على انتظامها تحليل نكاح الدوام دليل على بطلان ما اعتمدته . ‹ صفحة 99 › فقلت له : ليس يدخل هذا الكلام على أصل الاستدلال ولا يتضمن معتمدي ما ألزمنيه القاضي فيه وذلك أن قوله سبحانه : * ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ) * يتضمن تحليل المناكح المخالفة للسفاح في الجملة ويدخل فيه نكاح الدوام من الحرائر والإماء ، ثم يختص نكاح المتعة بقوله تعالى : * ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) * ويجري ذلك مجرى قول القائل ( وقد حرم الله عليك نساء بأعيانهن ، وأحل لكم من عداهن فإن استمعت منهن فالحكم فيه كذا وكذا ، وإن نكحت الدوام فالحكم فيه كيت وكيت ) فيذكر فيه المحللات في الجملة ، وتبين له حكم نكاح بعضهن كما ذكرهن له ، ثم بين له أحكام نكاحهن كلهن . فما أعلمه زاد عليها شيئا . . ثم قال الشيخ المفيد قد كنت حضرت مجلس الشريف أبي الحسن أحمد بن القاسم المحمدي وحضره أبو القاسم الدراكي ، فسأله بعض الشيعة عن الدلالة على تحريم نكاح المتعة عنده فاستدل بقول الله تعالى : * ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) * والمتعة باتفاق الشيعة ليست بزوجة ولا بملك يمين فبطل أن تكون حلالا . . فرد السائل : ما أنكرت أن تكون زوجة ، وما حكيته عن الشيعة في ذلك لا أصل له . فقال الداركي : لو كانت زوجة لكانت وارثة لأن الاتفاق حاصل على أن كل زوجة فهي وارثة وموروثة إلا ما أخرجه الدليل في الأمة والذمية والقاتلة . فرد عليه السائل : ما أنكرت أن تكون المتعة أيضا زوجة تجري مجرى الذمية والرق والقاتلة في خروجها عن استحقاق الميراث ، وضايقه في هذه المطالبة . فلما طال الكلام بينهما في هذه النكتة تردد وقال الداركي : الدليل على أنها ليست بزوجة أن القاصد إلى الاستمتاع بها إذا قال لها تمتعيني نفسك فأنعمت له حصلت متعة ليس بينها وبينه ميراث ولا يلحقها الطلاق . . وإذا قال لها زوجيني نفسك فأنعمت حصلت زوجية يقع بها الطلاق ويثبت بينها وبينه الميراث ، فلو كانت المتعة زوجة ما اختلف حكمها باختلاف الألفاظ ولا وقع ‹ صفحة 100 › الفرق بين أحكامها بتغاير الكلام لوجب أن يقع الاستمتاع في العقد بلفظ التزويج ويقع التزويج بلفظ الاستمتاع ، وهذا باطل بإجماع الشيعة وما هم عليه في الاتفاق فلم يدر السائل ما له لعدم فقهه وضعف بصيرته بأهل المذهب . فرد عليه الشيخ المفيد قائلا للداركي : لم زعمت أن الأحكام قد تتغير باختلاف ما ذكرت في الكلام وما أنكرت أن يكون العقد عليها بلفظ الزوجية وأن يكون لفظ الزوجية يقوم مقام لفظ الاستمتاع فهل تجد لما أدعيت في هذين الأمرين برهانا وعليه دليلا أو فيه بيان ، وبعد فكيف استجزت أن تدعي إجماع الشيعة على ما ذكرت ولم يسمع ذلك أحد منهم ولا قرأت لهم في كتاب ونحن معك في المجلس نفتي بأنه لا فرق بين اللفظين في باب العقد للنكاح سواء كان نكاح الدوام أو نكاح الاستمتاع وإنما الفصل بين النكاحين في اللفظ من جهة الكلام ذكر الأجل في نكاح الاستمتاع وترك ذكره في الميراث ، فلقد قال : تمتعيني نفسك ولم يذكر الأجل لوقع نكاح الميراث ولا ينحل إلا بالطلاق ، ولو قال تزوجيني نفسك إلى أجل كذا فأنعمت به لوقع نكاح الاستمتاع ، وهذا ما ليس فيه بين الشيعة خلاف فلم يرد شيئا تجب حكايته وظهر عليه بحمد الله . ‹ صفحة 101 › ملحق المناقشة المزعومة بين ابن تيمية وابن مطهر الحلي . . ‹ صفحة 102 › [ . . . ] ‹ صفحة 103 › المناقشة المزعومة بين ابن تيمية وابن المطهر الحلي نشرت هذه المناقشة المزعومة تحت عنوان : مطارق النور تبدد أوهام الشيعة . . وقد بحثت كثيرا عن أصل هذه المناقشة وما يؤكد وقوعها من خلال المراجع التاريخية والعقائدية لدى الطرفين . فلم أجد ما يؤكد وقوعها أو يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد . فليس هناك ما يثبت حدوث مناظرة بين ابن تيمية وابن المطهر على الرغم من كونهما أبناء عصر واحد وفترة واحدة وهي فترة القرن الثامن . . ( 1 ) . وما ثبت لدينا هو أن هذه المناقشة المزعومة تعد حوارا من طرف واحد وهو طرف ابن تيمية في مواجهة طرف غائب هو ابن المطهر . . يقول معد هذه المناقشة : هذه شذرات اخترتها من كتاب ( المنتقى ) للذهبي لتكون بين يدي القراء . . وهي محاولة منا في نشر الأجوبة السليمة للشبهات التي يثيرها أدعياء الإسلام . . ( 2 ) . وكتاب المنتقى هو اختصار كتاب ( منهاج السنة النبوية ) لابن تيمية والذي كتبه خصيصا للرد على كتاب ابن المطهر ( منهاج الكرامة ) . وهذا يعني أن هذه المناقشة مقتبسة من كتاب ابن تيمية . أو بمعنى أصح هي مجموعة ردوده على كتاب ابن المطهر . . ‹ صفحة 104 › يقول ابن تيمية في مقدمة كتابه : أحضر إلى طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا لهذه البضاعة يدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم من أهل الجاهلية ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ولم يعرفوا أصل دين المسلمين وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة الرافضة من المتظاهرين بالإسلام من أصناف الباطنية الملحدين الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان . بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ أتباعها وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت المصلحة العامة في الدنيا . فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها . ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال . ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال . وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا . بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون به من تلك الخلال . فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات . والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الباطنية وغيرهم من المنافقين وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير ( مذاهبهم ) عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم . وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه ( خدا بنده ) وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين وبيان أقوال المفترين الملحدين . فأخبرتهم أن هذا الكتاب وإن كان من أعلى ما يقولون في باب الحجة والدليل فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل . فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية . والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول في المذاهب والتقرير . . ( 1 ) . ‹ صفحة 105 › وهذا المصنف سمى كتابه ( منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ) وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة . كما أن من ادعى الطهارة وهو من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم بل من أهل الجبت والطاغوت والنفاق . كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير . . ( 1 ) . ويظهر لنا من هذا الكلام أن ابن تيمية رد على كتاب ابن المطهر الذي أتى به إليه بعض أنصاره . فمن ثم هو لم ير الرجل ولم يناظره . . وسوف نعرض من خلال كلام ابن تيمية وردوده ما يثبت بطلان دعواه وجهله وتسرعه بالحكم على المخالفين ووقوعه في التناقض . ومحاولة التشويش والتعمية على الأدلة الصحيحة والصريحة . . ( 2 ) . نص المناقشة ابن المطهر : الإمامة هي أهم المطالب في أحكام الدين ، والتي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة ، وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه للخلود في الجنان . فقد قال رسول الله ( ص ) ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ( 3 ) . ‹ صفحة 106 › ابن تيمية : إن الإمامة ( أهم المطالب ) كذب بالإجماع إذ الإيمان أهم ، فمن المعلوم بالضرورة أن الكفار على عهد النبي ( ص ) كانوا إذا أسلموا أجري عليهم أحكام الإسلام ولم تذكر لهم الإمامة بحال ، فكيف تكون أهم المطالب ( 1 ) ؟ ‹ صفحة 108 › أم كيف يكون الإيمان بإمامة محمد بن الحسن المنتظر من أربعمائة ونيف وستين ليخرج من سرداب سامراء أهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ( 1 ) ؟ وإن كان ما بأيديكم كافيا في الدين فلا حاجة إلى المنتظر ، وإن لم يكن كافيا فقد أقررتم بالنقص والشقاء حيث كانت سعادتكم موقوفة على أمر آمر لا تعلمون بماذا أمر ( 2. وقولك " إن الإمامة أحد أركان الدين " جهل وبهتان فإن النبي ( ص ) فسر ( الإيمان ) وشعبه ، ولم يذكر " الإمامة " في أركانه ولا جاء ذلك في القرآن ( 3 ) . ‹ صفحة 109 › وأما قولك في الحديث " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " فنقول : من روى هذا ؟ وأين إسناده ؟ بل والله ما قاله الرسول ( ص ) هكذا ( 1 ) . ثم لو صح الحديث الذي أوردته لكان عليكم . فمن منكم يعرف إمام الزمان أو رآه أو رأى من رآه أو حفظ عنه مسألة ؟ بل تدعون إلى صبي - ابن ثلاث أو خمس سنين - دخل سردابا من أربعمائة وستين عاما ولم ير له عين ولا أثر ، ولا سمع حس ولا خبر وإنما أمرنا بطاعة أئمة موجودين معلومين لهم سلطان ، وأن نطيعهم في المعروف دون المنكر ( 2 ) . ‹ صفحة 111 › ابن مطهر : إن الله ( تعالى ) نصب أولياء معصومين لئلا يخلي العالم من لطفه ( 1 ) ابن تيمية : أنتم تقولون أن الأئمة المعصومون مقهورون مظلومون عاجزون ليس لهم سلطان ولا قدرة ، حتى أنكم تقولون ذلك في علي ( رضي الله عنه ) منذ مات النبي ( ص ) إلى أن استخلف ، وفي الاثني عشر ، وتقرون أن الله ( تعالى ) ما مكنهم ولا ملكهم وقد قال الله تعالى : * ( فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) * ( 2 ) . ‹ صفحة 112 › فإن قيل : المراد بنصبهم أنه أوجب عليهم طاعتهم فإذا أطاعوهم هدوهم ، ولكن الخلق عصوهم . فيقال : لم يحصل - بمجرد ذلك - في العالم لا لطف ولا رحمة ، بل حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم والمنتظر ما انتفع به من أقر به ولا من جحده . وأما سائر الاثني عشر - سوى علي ( رضي الله عنه ) - فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أئمة الدين والعلم . وأما المنفعة المطلوبة من أولي الأمر فلم تحصل بهم . فتبين أن ما ذكرته من اللطف تلبيس وكذب ( 1 ) . ابن مطهر : أخذ المعصومون عن جدهم ( 2 ) . ابن تيمية : إنما تعلموا حديث جدهم من العلماء ، وهذا متواتر ، فعلي بن الحسين يروي عن أبان بن عثمان عن أسامة بن زيد ، ومحمد بن علي يروي عن جابر وغيره . وما فيهم من أدرك النبي ( ص ) إلا علي وولداه . وهذا علي يقول : إذا حدثتكم عن رسول الله ( ص ) فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض ، أحب إلي من أن أكذب عليه . وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة ، ولهذا كان يقول القول ويرجع عنه . وكتب الشيعة مملوءة بالروايات المختلفة عن الأئمة ( 3 ) . ‹ صفحة 113 › ابن المطهر : إننا نتناقل ذلك خلفا عن سلف إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين . ابن تيمية : إن كان ما تقول حقا فالنقل عن المعصوم الواحد كاف . فأي حاجة في كل زمان إلى معصوم ؟ وإذا كان النقل كافيا فأنتم في نقصان وجهل من أربعمائة وستين سنة ( 1 ) . ثم الكذب من الرافضة على هؤلاء يتجاوزون به الحد ، لا سيما على جعفر الصادق حتى كذبوا عليه كتاب ( الجفر ، والبطاقة ، وكتاب اختلاج الأعضاء ، وأحكام الرعود والبروق ومنافع القرآن ) فكيف يثق القلب بنقل من كثر منهم الكذب ، إن لم يعلم صدق الناقل ، واتصال السند ، وقد تعدى شرهم إلى غيرهم من أهل المدينة يتوقون أحاديثهم ، وكان مالك يقول : نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم . والرافضة أكذب من كل طائفة باتفاق أهل المعرفة بأحوال الرجال ( 2 ) . ‹ صفحة 115 › ابن المطهر : أنهم أخذوا مذهبهم عن المعصومين . ابن تيمية : لا نسلم أنكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت ، فإنكم تخالفون عليا ( رضي الله عنه ) وأئمة أهل بيته في الأصول والفروع : فإنهم يثبتون الصفات ، والقدر وخلافة الثلاثة وفضلهم إلى غير ذلك . وليس لكم أسانيد . تصله حتى ننظر فيها ، والكذب متوفر عندكم ، فإن ادعوا تواتر نص على هذا كان معارضا بدعوى غيرهم مثل هذا التواتر ، فإن سائر القائلين بالنص إذا ادعوا مثل هذه الدعوة لم يكن بين الدعوتين فرق . ثم هم محتاجون في مذهبهم إلى مقدمتين : إحداهما : عصمة من يضيفون المذهب إليه . والثاني : ثبوت ذلك النقل عنه . ‹ صفحة 116 › وكلاهما لا دليل لهم عليها ( 1 ) . ابن المطهر : أهل السنة لم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد وحرموا القياس . . ( 2 ) . ابن تيمية : الشيعة في ذا كالسنة : فيهم أهل رأي وأهل قياس . وفي السنة من لا يرى ذلك . والمعتزلة البغداديون لا يقولون بالقياس . وخلق من المحدثين يذمون القياس . وأيضا فالقول بالرأي والقياس خير من الأخذ بما نقله من عرف بالكذب . نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم . ولا ريب أن الاجتهاد في تحقيق الأئمة الكبار لمناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها خير من التمسك بنقل الرافضة عن العسكريين . فإن مالكا ‹ صفحة 117 › والليث والأوزاعي والثوري وأبا حنيفة والشافعي وأحمد وأمثالهم أعلم من العسكريين بدين الله والواجب على مثل العسكريين أن يتعلموا من الواحد من هؤلاء ( 1 ) ومن المعلوم أن علي بن الحسين وأبا جعفر بن محمد كانوا هم العلماء الفضلاء . وأن من بعدهم لم يعرف عنه من العلم ما عرف عن هؤلاء ومع هذا فكانوا يتعلمون من علماء زمانهم ويرجعون إليهم ( 2 ) . ابن مطهر : أهل السنة لم يثبتوا العدل والحكمة . ابن تيمية : هذا نقل باطل عنهم من وجهين : ‹ صفحة 118 › أحدهما أن كثيرا من أهل النظر الذين ينكرون النص يثبتون العدل والحكمة كالمعتزلة ومن وافقهم ( 1 ) . ثم سائر أهل السنة ما فيهم من يقول إنه تعالى ليس بحكيم ولا أنه يفعل قبيحا فليس في المسلمين من يتكلم بإطلاق هذا إلا حل دمه ( 2 ) . ابن مطهر : أهل السنة يقولون إن الله يفعل الظلم والعبث . ابن تيمية : إن هذا القول لم يقل به مسلم . تعالى الله عن ذلك . بل يقولون خلق أفعال العباد - إذا قال * ( هو خالق كل شئ ) * - التي هي من فاعلها لا هي ظلم من خالقها . كما أنه إذا خلق عبادتهم وحجهم وصومهم لم يكن هو حاجا ولا صائما ولا عابدا . وكذا إذا خلق في محل صفة أو فعلا لم يتصف هو بتلك الصفة ولا بذلك الفعل . ولو كان كذلك لاتصف بكل ما خلقه من الأعراض . ابن مطهر : إنهم - أي أهل السنة - يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا . والعاصي لا يستحق عقابا بل قد يعذب النبي ويرحم إبليس . ابن تيمية : هذه فرية أخرى على أهل السنة . وما فيهم من يقول : إنه يعذب نبيا . ولا أنه يثيب إبليس . بل قالوا يجوز أن يعفو عن المذنب وأن يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أهل التوحيد أحدا . ‹ صفحة 119 › وأما الاستحقاق فهم يقولون : إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا . ويقولون إنه لا بد أن يثيب المطيعين كما وعد فإن الله ( تعالى ) لا يخلف وعده . وأما إيجاب ذلك على نفسه وإمكان معرفة ذلك بالعقل فهذا فيه نزاع ، لكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه كما قال تعالى : * ( قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ) * ( 1 ) المائدة . وهو تعالى لو ناقش من ناقشه من خلقه لعذبه كما قال عليه السلام ( من نوقش الحساب عذب ) . وقال ( ص ) : ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله . قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته ) ( 2 ) . والتحقيق إن قدر أن الله ( تعالى ) عذب أحدا فلا يعذبه إلا بحق ، لأنه يتعالى عن الظلم ( 3 ) . ابن المطهر : إن أهل السنة يقولون إن النبي ( ص ) لم ينص على إمامة أحد . وأنه مات عن غير وصية . ابن تيمية : هذا ليس قول جميعهم . بل ذهب من أهل السنة جماعة أن إمامة أبي بكر بالنص ما أسنده البخاري عن جبير ابن مطعم قال ( أتت امرأة إلى النبي ( ص ) فأمرها أن ترجع إليه ، فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك ؟ ‹ صفحة 120 › كأنها تريد الموت - قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر ) ( 1 ) . ابن مطهر : إنهم يقولون : إن الأنبياء غير معصومين . ابن تيمية : باطل . بل اتفقوا على عصمتهم فيما يبلغونه ، وهو مقصود الرسالة . وهم منزهون عن كل ما يقدح في نبوتهم ( 2 ) . ابن مطهر : لا يجوز على الأنبياء سهو . ابن تيمية : لا أعلم أحدا قاله ( 3 ) . ابن مطهر : ذهبت الأشاعرة إلى أن الله يرى بالعين ، مع أنه مجرد عن الجهات وقد قال الله تعالى * ( لا تدركه الأبصار ) * [ الأنعام : 103 ] . ابن تيمية : أما رؤيته في الآخرة بالأبصار فهو قول السلف والأئمة . وتواترت به الأحاديث ثم جمهور القائلين بالرؤية يقولون : يرى عيانا مواجهة كما هو المعروف بالعقل . قال عليه السلام " إنكم سترون ربكم عز وجل يوم القيامة كما ترون الشمس لا تضامون في رؤيته " . وفي لفظ " هل تضارون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب ؟ " قالوا لا قال " فهل تضارون في رؤية القمر صحوا ليس دونه سحاب ؟ " قالوا : لا ‹ صفحة 121 › قال : " فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر " ( 1 ) . ابن مطهر : هم يرون القول بالقياس والرأي . فأدخلوا في دين الله ما ليس منه .

ابو محسد
01-08-2010, 09:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله بهذا الجهد ايها الموالي الاخ حمادة
جزاك الله خير الجزاء... سلمت وبوركت
ابو محسد

حـــمـــادة
03-08-2010, 02:54 PM
الأخ العزيز أبو محسد لك مني جزيل الشكر على مرورك العطر ... أنرت أخي العزيز

ساره ]|~
06-08-2010, 08:05 PM
رَبِّيَ يُ‘ـسَعْدُكِ :
لَآَإَ عِدَمْنَآإِ جَدِيْدَكَ ..
إِحْتِرَآمْ‘ـــيُ ....