ترجمة النبي الأكرم محمد الأمين ( صل الله عليه وآله )
اسمه ونسبه ( صل الله عليه وآله ) :
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وينتهي نسبه الشريف إلى النبي إبراهيم ( عليه السلام) .
أُمُّهُ ( صل الله عليه وآله ) :
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب .
كُنيته ( صل الله عليه وآله ) :
أبو القاسم ، وأبو إبراهيم .
ألقابه ( صلى الله عليه وآله ) :
إنّ من ألقابه هو : المصطفى ، وله ( صلى الله عليه وآله ) أسماء وردت في القرآن الكريم مثل : خاتم النبيين ، الأمِّي ، المُزَّمِّل ، المُدَّثِر ، النذير ، المُبين ، الكريم ، النور ، النعمة ، الرحمة ، العبد ، الرؤوف ، الرحيم ، الشاهد ، المبشر ، النذير ، الداعي ، وغيرها .
تاريخ ولادته ( صل الله عليه وآله ) :
وُلد النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) في ( 17 ) ربيع الأول في عام الفيل ( 571 م ) على المشهور بين الشيعة .
وقيل في ( 12 ) ربيع الأول ، في العام المذكور – عام الفيل – .
محل ولادته ( صل الله عليه وآله ) :
مكة المكرمة .
مبعثه ( صل الله عليه وآله ) :
بعث ( صلى الله عليه وآله ) بمكة في ( 27 ) رجب ، بعد أن بلغ عمره الشريف ( 40 ) سنة .
تعاليمه ( صل الله عليه وآله ) :
جاء ( صلى الله عليه وآله ) بالمساواة بين جميع الخلق ، وبالأخوَّة ، والعفو العام عمَّن دخل في الإسلام ، ثم سنَّ شريعةً باهرةً ، وقانوناً عادلاً ، تلقَّاه عن الله عزَّ وجل ثم تَلقَّاه المسلمون منه .
معجزاته ( صل الله عليه وآله ) :
معجزته الخالدة هي ( القرآن الكريم ) ، أما المعجزات التي حصلت في صدر الإسلام فهي كثيرة لا يمكن حصرها .
دعوته ( صل الله عليه وآله ) :
دعا الناس في مكة إلى التوحيد سراً مدة ثلاث سنين ، ودعاهم علناً مدة عشر سنين .
هجرته ( صلى الله عليه وآله ) :
هجرته ( صلى الله عليه وآله ) :
هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) من مكة إلى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الأول بعد مرور ( 13 ) عاماً من مبعثه ، وذلك لشدة أذى المشركين له ولأصحابه .
حروبه وغزواته ( صل الله عليه وآله ) :
أذن الله عزَّ وجل للرسول ( صلى الله عليه وآله ) بقتال المشركين والكفار والمنافقين ، فخاض معهم معارك كثيرة ، نذكر أبرزها :
1 - معركة بَدْر .
2 - معركة أُحُد .
3 - معركة الخَنْدَقِ أو ( الأَحْزَاب ) .
4 - معركة خَيْبَر .
5 - معركة حُنَيْن .
2 - معركة أُحُد .
3 - معركة الخَنْدَقِ أو ( الأَحْزَاب ) .
4 - معركة خَيْبَر .
5 - معركة حُنَيْن .
زوجاته ( صلى الله عليه وآله ) :
1 - خديجة بنت خويلد ، وهي الزوجة الأولى له ( صلى الله عليه وآله ) .
2 - سودة بنت زمعة .
3 - عائشة بنت أبي بكر .
4 - غزية بنت دودان ( أم شريك ) .
5 - حفصة بنت عمر .
6 - رملة بنت أبي سفيان ( أم حبيبة ) .
7 - أم سلمة بنت أبي أميَّة .
8 - زينب بنت جحش .
9 - زينب بنت خزيمة .
10 - ميمونة بنت الحارث .
11 - جويرية بنت الحارث .
12 - صفية بنت حيي بن أخطب .
13 ـ السيّدة مارية بنت شمعون القبطية .
2 - سودة بنت زمعة .
3 - عائشة بنت أبي بكر .
4 - غزية بنت دودان ( أم شريك ) .
5 - حفصة بنت عمر .
6 - رملة بنت أبي سفيان ( أم حبيبة ) .
7 - أم سلمة بنت أبي أميَّة .
8 - زينب بنت جحش .
9 - زينب بنت خزيمة .
10 - ميمونة بنت الحارث .
11 - جويرية بنت الحارث .
12 - صفية بنت حيي بن أخطب .
13 ـ السيّدة مارية بنت شمعون القبطية .
أولاده ( صلى الله عليه وآله ) :
1 - عبد الله
2 - القاسم
3 - إبراهيم
4 - فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
وقيل أيضاً :
5 - زينب .
6 - رقية .
7 - أم كلثوم .
2 - القاسم
3 - إبراهيم
4 - فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
وقيل أيضاً :
5 - زينب .
6 - رقية .
7 - أم كلثوم .
أَعْمَامُهُ ( صلى الله عليه وآله ) :
1 - الحارث
2 - الزبير .
3 - أبو طالب .
4 - حمزة .
5 - الغيداق .
6 - ضرار المقوّم .
7 - أبو لهب .
8 - العباس .
2 - الزبير .
3 - أبو طالب .
4 - حمزة .
5 - الغيداق .
6 - ضرار المقوّم .
7 - أبو لهب .
8 - العباس .
عَمَّاتُه ( صلى الله عليه وآله ) :
وله عمات سِت من أمهات شتى وهنَّ :
1 - أميمة
2 - أم حكيمة .
3 - برَّة .
4 - عاتكة .
5 - صفية .
6 - أَرْوَى .
1 - أميمة
2 - أم حكيمة .
3 - برَّة .
4 - عاتكة .
5 - صفية .
6 - أَرْوَى .
أوصياؤه ( صلى الله عليه وآله ) :
وهمُ الأئمة المعصومون الإثنا عشر ( عليهم السلام ) :
1 - أمير المُؤمِنين عَلي بن أَبي طَالب ( عليه السلام ) .
2 - الحَسَن بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
3 - الحُسين بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
4 - عَلي بن الحُسين ( عَليهِمَا السلام ) .
5 - مُحَمَّد بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
6 - جَعفَر بن مُحَمَّد ( عَليهِمَا السلام ) .
7 - مُوسَى بن جَعفَر ( عَليهِمَا السلام ) .
8 - عَلي بن مُوسَى ( عَليهِمَا السلام ) .
9 - مُحَمَّد بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
10 - عَلي بن مُحَمَّد ( عَليهِمَا السلام ) .
11 - الحَسَن بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
12 - الحجه بن الحَسَن المَهْدِي المُنْتَظَر ( عَجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَه ) .
1 - أمير المُؤمِنين عَلي بن أَبي طَالب ( عليه السلام ) .
2 - الحَسَن بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
3 - الحُسين بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
4 - عَلي بن الحُسين ( عَليهِمَا السلام ) .
5 - مُحَمَّد بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
6 - جَعفَر بن مُحَمَّد ( عَليهِمَا السلام ) .
7 - مُوسَى بن جَعفَر ( عَليهِمَا السلام ) .
8 - عَلي بن مُوسَى ( عَليهِمَا السلام ) .
9 - مُحَمَّد بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
10 - عَلي بن مُحَمَّد ( عَليهِمَا السلام ) .
11 - الحَسَن بن عَلي ( عَليهِمَا السلام ) .
12 - الحجه بن الحَسَن المَهْدِي المُنْتَظَر ( عَجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَه ) .
شعراؤه ( صلى الله عليه وآله ) :
1 - حسان بن ثابت .
2 – عبد الله بن رواحة .
3 - كعب بن مالك .
2 – عبد الله بن رواحة .
3 - كعب بن مالك .
مُؤذِّنوه ( صلى الله عليه وآله ) :
1 - بلال الحبشي .
2 - ابن أم مكتوم .
3 - سعد القرط .
2 - ابن أم مكتوم .
3 - سعد القرط .
نقش خاتمه ( صلى الله عليه وآله ) :
مُحَمَّد رَسُولُ الله .
مُدَّة عمره ( صلى الله عليه وآله ) :
( 63 ) عاماً .
مُدَّة نبوته ( صلى الله عليه وآله ) :
( 23 ) سنة .
تاريخ وفاته ( صلى الله عليه وآله ) :
تُوفِّيَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ( 28 ) صفر 11 هـ .
مكان وفاته ( صلى الله عليه وآله ) :
المدينة المنورة .
محل دفنه ( صلى الله عليه وآله ) :
المدينة المنورة / المسجد النبوي الشريف .
.................
مركز ال البيت العالمي
نسبه الشريف
ـ عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن ألياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشعب بن شيث بن جميل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن أشوع بن أرعوس بن فالغ بن عابر ـ وهو هود النبي ـ بن شاع بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أقنوخ ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن قينان بن أنوس بن شيث بن آدم (

2 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كنت وآدم في الجنة في صلبه، ورُكب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقُذف بي في النار في صلب إبراهيم، لم يلتق أبواي قط على سفاح، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة، صفي مهدي، لا ينشعب شعبتان إلاّ كنت في خيرها، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي، وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري وبين كل نسبي صفتي، تشرق الأرض بنوري، والغمام لوجهي وعلمني كتابه، ورقاني في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، وعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم آخر جني من خير قرن لأمتي، وهم الهادون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(2).
حال (آمنة بنت وهب) أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(3)
كانت أفضل امرأة في قريش نسباً وموطناً، ويؤخذ من اللهجة التي كانت تتكلم بها السيدة آمنة أن أصلها من المدينة، وأن أخوتها كانوا يقطنون المدينة.
وقال ابن قتيبة: ولا يعلم أنه كان لآمنة أخ فيكون خال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بنو زهرة يقولون نحن أخوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن آمنة منهم.
وكانت السيدة آمنة وفيّة لزوجها عبد الله والد الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته.
فكانت تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره، فلما أتى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم (أيمن) حاضنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها.
حملها برسول الله
ذكر السيد حسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في باب حملها بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حملت به أيام التشريق قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته، ثم خرج أبوه عبد الله وأمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض ومات، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل، وقيل عمره سنتين وأربعة أشهر، وقيل كان عمره سبعة أشهر، وقيل شهرين، وكان عبد الله فقيراً لم يخلف غير خمسة من الإبل وقطيع غنم وجارية اسمها بركة، وتكنَّى أم أيمن وهي التي حضنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولادة النبي (محمد صلى الله عليه وآله)
ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة يوم الجمعة أو يوم الاثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال (على اختلاف الأقوال) في السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية، وقال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت منه، وهو المشهور عند غيرهم.
واتفق الرواة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوماً أو خمسة وأربعين أو ثلاثين يوماً من هلاك أصحاب الفيل، لأربع وثلاثين سنة وثمانية أشهر أو لاثنتين وأربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان ولسبع بقين من ملكه.
وأرسلت آمنة إلى عبد المطلب تُبشره فسُرَّ بذلك ودخل عليها وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وقال:
هـــذا الغـــلام الطـيــب الأردان
الحمـــد لله الـــذي أعطـــانـــي
أعيـــذه بـــــالله ذي الأركـــــان
قـد ساد في المهد على الغلمان
أعيـــذه مــن شــرِّ ذي شـــنان
حتــــى أراه بـــالــــغ البـــنـيان
مـــن حـاســـد مضطرب العنان
نسبها:
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها برة بنت أسد بن عبد العزى، وكان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله زوجه بها أبوه عبد المطلب، وكان سنُّ عبد الله يومئذ أربعاً وعشرين سنة.1 ـ كنز العمال ـ المتقي الهندي: ج 6 ص 200.
2 ـ كنز العمال ـ المتقي الهندي: ج 6 ص 106.
3 ـ تنقيح المقال: ج 3 ص 69.
البشائر بمولده
اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم على أن ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت في سابع عشر شهر ربيع الأول يوم الجمعة عند طلوع الفجر في عام الفيل بمكة المعظمة في الدار المعروف بدار محمد بن يوسف، وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فوهبه لعقيل بن أبي طالب فباعه أولاده محمد بن يوسف أخا الحجاج فأدخله في داره فلما كان زمن هارون أخذته الخيزران أمه فاخرجته وجعلته مسجداً فصار مكاناً معروفاً يزار ويصلى فيه ويتبرك به.روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله الصادق
قال: كان أبليس لعنه الله يخترق السموات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سموات وكان يخترق أربع سموات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش هذا قيام الساعة التي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه. وقال عمرو بن أمية وكان من أزجر أهل الجاهلية انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ويعرف بها زمان الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه وارتجس في تلك الليلة ايوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة وغاضت بحيرة ساوه وفاض وادي السماوة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ورأى المرزبان في تلك الليلة في المنام ابلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم وانفصم طاق الملك كسرى في وسطه وانخرقت عليه دجلة وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً والملك مخرساً لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنه وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها وعظمت قريش في العرب وسموا آل الله قال أبو عبد الله عليه السلام إنما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام وقالت آمنة ان ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء وسمعت في الضوء قائلاً يقول انك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً واتى به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه فاخذه ووضعه في حجره ثم قال:
هـــذا الغلام الطيــب الاردان
الحمـــد لله الــذي اعطـــاني
قد ساد في المهد على الغلمان
ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه أشعاراً، وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا ما الذي افزعك يا سيدنا فقال لهم ويلكم لقد انكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد أحدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم (عليهما السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا ما وجدنا شيئاً فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرا فقال له جبرئيل
وراك لعنك الله فقال له حرف أسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل لي فيه نصيب؟ قال لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم. قال: رضيت.
وروى ابن شهر آشوب عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القيت الأصنام في الكعبة على وجوهها فلما أمسى سمع صيحة من السماء جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وروي أنه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا وضحك كل حجر ومدر وشجر وسبح كل شيء في السموات والأرض لله عز وجل وانهزم الشيطان وهو يقول خير الأمم وخير الخلق واكرم العبيد وأعظم العالم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
هـــذا الغلام الطيــب الاردان
الحمـــد لله الــذي اعطـــاني
قد ساد في المهد على الغلمان
ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه أشعاراً، وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا ما الذي افزعك يا سيدنا فقال لهم ويلكم لقد انكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد أحدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم (عليهما السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا ما وجدنا شيئاً فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرا فقال له جبرئيل

وروى الشيخ الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملأ من قريش فيهم هشام بن المغيرة والوليد بن المغيرة والعاص بن هشام وأبو دخرة بن أبي عمرو بن أمية وعتبة بن ربيعة فقال أولد فيكم مولود الليلة فقالوا لا قال فولد إذاً بفلسطين غلام اسمه أحمد بن شامة كلون الخز الادكن ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه قد اخطاكم والله يا معشر قريش فتفرقوا وسألوا فاخبروا انه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فطلبوا الرجل فلقوه فقالوا انه قد ولد فينا والله غلام قال قبل ان أقول لكم أو بعد ما قلت لكم قالوا قبل ان تقول لنا قال فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه فانطلقوا حتى أتوا أمه فقالوا أخرجي ابنك حتى ننظر إليه فقالت ان ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان لقد اتقى الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى وسمعت هاتفاً في الجو يقول لقد ولدتيه سيد الأمة فقولي اعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمداً قال الرجل فاخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخر مغشياً عليه فاخذوا الغلام فادخلوه إلى أمه وقالوا بارك الله لك فيه فلما خرجوا افاق فقالوا له مالك ويلك قال ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة هذا والله من يبيرهم ففرحت قريش بذلك فلما رآهم قد خرجوا قال فرحتم أما والله ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أصل المشرق والمغرب وكان أبو سفيان يقول يسطو بمضر.
في قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)(1).
قال الطبرسي: قال ابن عباس: كان اليهود يستفتحون، أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم.. فأنزل الله تعالى هذه الآية(2).
في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجبت له النبوة وآدم بين الروح والجسد
[صحيح الترمذي: ج 2 ص 282] روى بسنده عن أبي هريرة (قال) قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة. (قال) وآدم بين الروح والجسد.
[مستدرك الصحيحين: ج 2 ص 600] روى بسنده عن العرباض ابن سارية السلمي (قال) سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إني عند الله في أول الكتاب لخاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته.
[حلية الأولياء: ج 7 ص 122] روى بسنده عن ميسرة الفخر (قال) قلت يا رسول الله متى كتبت؟ (قال) فقال الناس مه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوه كتبت نبياً وآدم بين الروح والجسد.
[تاريخ بغداد: ج 3 ص 70] روى بسنده عن أبي هريرة (قال) سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متى وجبت لك النبوة؟ (قال) بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.
في صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التوراة والإنجيل
[مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 2 ص 174] روى بسنده عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التوراة، فقال أجل والله أنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً) وحرزاً للأميين وأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، (قال) يونس: ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً (قال عطاء) لقيت كعباً فسألته فما اختلفا في حروف إلا أن كعباً يقول بلغته: أعيناً عمومى، وآذاناً صمومى، وقلوباً غلوفى، قال يونس غلفاً.
[حلية الأولياء: ج 5 ص 386] روى بسنده عن ابن أخي كعب (قال) قال كعب: إنا لنجد نعت النبي (صلى الله عليه وآله) في سطر من كتاب الله نجده في سطر محمد رسول الله، وأمّته الحمادون يحمدون الله على كل حال، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس، يصلون الصلوات الخمس لوقتهن ولو على كناسة، يأتزرون على أوساطهم، ويوضؤن أطرافهم، لهم في جو السماء دوي كدوي النحل، ونجده في سطر آخر محمد المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة، ومهاجره بطيبة وملكه بالشام.
[طبقات ابن سعد: ج 1 القسم 2 ص 89] روى بسنده عن سهل مولى عتيبة انه كان نصرانياً من أهل مريس وأنه كان يتيماً في حجر أمه وعمه وانه كان يقرأ الإنجيل (قال) فاخذت مصحفاً لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة فانكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي (قال) فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء قال ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد (صلى الله عليه وآله) انه لا قصير ولا طويل، أبيض، ذو ضفيرتين، بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصاً مرقوعاً ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك، وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد (قال سهل) فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد (صلى الله عليه وآله) جاء عمي فلما رأى الورقة ضربني وقال ما لَكَ وفتح هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت فيها نعت النبي (صلى الله عليه وآله) أحمد فقال انه لم يأت بعد.
1 ـ سورة البقرة: الآية 89.
2 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ الطبرسي: ج 1 ص 158.
مولده الشريف
ولد صلى الله عليه وآله وسلم سابع عشرة ليلة من شهر ربيع الأول في عام الفيل، عند طلوع الفجر من يوم الجمعة بعد خمس وخمسين يوماً من هلاك أصحاب الفيل، وحملت به أمه في منزل عبد الله بن عبد المطلب وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى.
في تولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
[طبقات ابن سعد: ج 1 القسم 1 ص 63] روى بأسناد متعددة ان آمنة بنت وهب قالت: لقد علقت به ـ تعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل مني خرج معه نور اضاء له ما بين المشرق إلى المغرب ثم وقع على الأرض معتمداً على يديه، ثم أخذ قبضة من تراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء (وقال بعضهم) وقع جاثيا على ركبتيه رافعاً رأسه إلى السماء وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى.[طبقات ابن سعد: ج 1 القسم 1 ص 64] روى بسنده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب (قال) ولد النبي (صلى الله عليه وآله) مختوناً مسروراً واعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده، وقال ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن.
[الهيثمي في مجمعه: ج 8 ص 220] قال: وعن عثمان بن أبي العاص (قال) أخبرتني أمي قالت شهدت آمنة لما ولدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما ضربها المخاض نظرت إلى النجوم تنزل حتى أني أقول لتقعن عليّ فلما ولدت خرج لها نور أضاء له البيت الذي نحن فيه والدار، فما شيء أنظر إليه إلا نور (قال) رواه الطبراني.
[تاريخ بغداد: ج 1 ص 329] روى بسنده عن أنس (قال) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كرامتي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي.
ذكر ارضاع الأظئار لنبينا المختار (صلى الله عليه وآله وسلم)
روى الكليني (رحمه الله) عن الصادق عليه السلام قال لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكث أياماً ليس له لبن حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها.قال أهل السير ارضعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمه آمنة ثلاثة أيام وقيل سبعة ثم أرضعته ثويبة الأسلمية جارية أبي لهب أياماً قبل قدوم حليمة السعدية.
قال صاحب أزهار بستان الناظرين وكانت ثويبة عتيقة أبي لهب أعتقها حين بشرته بولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكرمها وتكرمها خديجة رضي الله عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر (وفي سيرة مغلطاي) ماتت سنة سبع من الهجرة فبلغت وفاتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل لم يبق منهم أحد وكانت ثويبة هذه قد ارضعت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ولما مات أبو لهب رآه أخوه العباس في المنام بعد سنة فقال له ما حالك؟ قال في النار إلا انه خفف عني العذاب كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي هاتين ماء وأشار إلى ما بين الإبهام والسبابة وان ذلك باعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأرضاعها له (قال) ابن الجوزي فإذا كان هذا مع أبي لهب الكافر الذي أنزل القرآن بذمه جوزي وهو في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما بالك بالمسلم الموحد من أمته صلى الله عليه وآله وسلم يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه يده ولا يزال أهل الإسلام يختلفون بشهر مولده الشريف خصوصاً عندنا في مكة المشرفة ورأيت في الهند أعظم من أهل مكة فيعملون الولائم ويرفعون المظالم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور والمسرات ويزيدون في النفقة والمبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم ومما جرب من خواصه صلى الله عليه وآله وسلم انه أمان في ذلك العام وبشرى لفاعله بنيل البغية والمرام وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح وسلك بنا وإياكم سبيل السنة فإنه حسبنا ونعم الوكيل انتهى.
(الثانية) من مرضعاته حليمة السعدية رضي اللله عنها بنت أبي ذويب واسمه عبد الله بن حرث ينتهي نسبه إلى قيس عيلان وهي التي أرضعته وأخوته من الرضاعة عبد الله وضمرة ابنا الحرث وأنيسة بنت الحرث وخذامة بنت الحرث وهي الشيماء غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به وكانت الشيماء تحضن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أمها إذا كان صلى الله عليه وآله وسلم عندهم.
روى القطب الراوندي مرسلاً انه لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمت حليمة بنت أبي ذويب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعا بمكة قالت فخرجت معهن على اتان ومعي زوجي ومعنا شارف لنا ما تبض بقطرة من لبن ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله به وما نام ليلتنا جوعاً فلما قدمنا مكة لم تبق معنا امرأة إلا عرض عليها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرهناه فقلنا يتيم وإنما يكرم الظئر الوالد فكل صواحبي أخذن رضيعاً ولم آخذ شيئاً فلما لم أجد غيره رجعت إليه فاخذته فاتيت به الرحل فامسيت واقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت ولدي أيضاً وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده فإذا هي حافل فحلبها وارواني من لبنها وروي الغلمان فقال يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة فبتنا بخير ورجعنا فركبت اتاني ثم حملت محمد صلى الله عليه وآله وسلم معي فو الذي نفس حليمة بيده لقد طفت بالركب حتى ان النسوة يقلن يا حليمة أمسكي علينا اهذه اتانك التي خرجت عليها؟! قلت نعم ما شأنها قلن حملت غلاماً مباركاً ويزيدنا الله كل يوم وليلة خيراً والبلاد قحط والرعاة يسرحون ثم يريحون فتروح أغنام بني سعد جياعاً وتروح غنمي شباعاً بطاناً حفلاء فتحلب وتشرب.
(بيان) الشارف المسنة من النوق (ما تبض) بالتاء ثم الباء التحتانية الموحدة المكسورة ثم الضاد المشددة أي ما يقطر منها لبن (حفلاء) من قولهم ضرع حافل أي ممتليء لبناً ولقد قيل في ذلك شعر:
مقاماً على في ذروة العز والمجد
لــقـــــد بلغــت بالهـاشــمي حــليــمة
وقــد عـم هذا السعد كل بني سعد
وزادت مــواشــيـها واخصب أرضها
مقاماً على في ذروة العز والمجد
لــقـــــد بلغــت بالهـاشــمي حــليــمة
وقــد عـم هذا السعد كل بني سعد
وزادت مــواشــيـها واخصب أرضها
(وفي الأخبار) ان حليمة قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وقد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة فاعطتها أربعين شاة وبعيراً وانصرفت إلى أهلها ثم قدمت عليه بعد الإسلام فاسلمت هي وزوجها.
وروى الطبرسي في أعلام الورى انه سبيت فيما سبى بنت حليمة في يوم حنين فقامت على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت يا محمد أختك سبيت فيما سبي بنت حليمة في يوم حنين فنزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برده فبسطه لها فاجلسها عليه ثم أكب عليها يسائلها وهي التي كانت تحضنه إذا كانت أمها ترضعه وكلمته في الأسارى قال صلى الله عليه وآله وسلم أما نصيبي وبني عبد المطلب فهو لك وأمّا ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت وتكلموا فوهب لها الناس أجمعون إلا الاقرع بن حابس وعيينة بن حصن وروي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء يصيبه فردوا إلى الناس نسائهم وأبنائهم.
تواضعه صلوات الله عليه واله :
فكان أشد الناس تواضعاً وحسبك أنه خُيّر بين أن يكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً ولا ينقصه مما عند ربه شيئاً فأختار أن يكون عبداً متواضعاً رسولاً.
وعن أبي إمامة قال: خرج علينا رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) متوكئاً على عصا فقمنا له فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته وكان (صل الله عليه وآله وسلم) إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد.
قال الصادق (عليه السلام): ما أكل رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) متكئاً منذ بعثه الله عز وجل نبياً حتى قبضه الله إليه متواضعاً لله عز وجل.
وقال: مرت امرأة بذيئة برسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه فقال لها رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم): ويحك أي عبدٍ أعبدَ مني؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت: لا والله إلا التي في فمك فأخرج رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) اللقمة من فمه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا روحها.
وعنه (عليه السلام): كان رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) يحب الركوب على الحمار موكفاً والأكل على الحضيض مع العبيد ومناولة السائل بيديه وكان يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار. وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه أكاف من ليف.
وعن أبي جعفر (عليه السلام): قال خرج رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) يريد حاجة فإذا با لفضل بن العباس فقال: احملوا هذا الغلام خلفي قال: فاعتنق رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) بيده من خلفه على الغلام ثم قال: يا غلام خف الله تجده أمامك يا غلام خف الله يكفك ما سواه.
وروي أنه أردف أسامة في حجة الوداع حين دفع من الموقف وأردف الفضل لما دفع من المشعر.
وقال أهل السير: وكان في بيته في مهنة أهله ويقطع اللحم ويجلس على الطعام محقراً وكان يلطع أصابعه ولم يتجشأ قط يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويطحن مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق ويضع طهوره بالليل بيده ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده.
وعن أبي إمامة قال: خرج علينا رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) متوكئاً على عصا فقمنا له فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته وكان (صل الله عليه وآله وسلم) إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد.
قال الصادق (عليه السلام): ما أكل رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) متكئاً منذ بعثه الله عز وجل نبياً حتى قبضه الله إليه متواضعاً لله عز وجل.
وقال: مرت امرأة بذيئة برسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه فقال لها رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم): ويحك أي عبدٍ أعبدَ مني؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت: لا والله إلا التي في فمك فأخرج رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) اللقمة من فمه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا روحها.
وعنه (عليه السلام): كان رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) يحب الركوب على الحمار موكفاً والأكل على الحضيض مع العبيد ومناولة السائل بيديه وكان يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار. وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه أكاف من ليف.
وعن أبي جعفر (عليه السلام): قال خرج رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) يريد حاجة فإذا با لفضل بن العباس فقال: احملوا هذا الغلام خلفي قال: فاعتنق رسول الله (صلّ الله عليه وآله وسلم) بيده من خلفه على الغلام ثم قال: يا غلام خف الله تجده أمامك يا غلام خف الله يكفك ما سواه.
وروي أنه أردف أسامة في حجة الوداع حين دفع من الموقف وأردف الفضل لما دفع من المشعر.
وقال أهل السير: وكان في بيته في مهنة أهله ويقطع اللحم ويجلس على الطعام محقراً وكان يلطع أصابعه ولم يتجشأ قط يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويطحن مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق ويضع طهوره بالليل بيده ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده.
خلقه العظيم
[طبقات ابن سعد: ج 1 القسم 2 ص 120] روى بسنده عن رجل من الأنصار أنه سأل علياً ـ وهو محتب بحمائل سيفه في مسجد الكوفة ـ عن نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصفته (قال) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبيض اللون مشرباً حمرة ادعج العين سبط الشعر كث اللحية سهل الخد، ذا وفرة دقيق المسربة، كأن عنقه أبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته، تجري كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شئن الكف والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، إذا التفت التفت جميعاً كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه اطيب من المسك الأذفر، ليس بالقصير، ولا بالطويل، ولا بالعاجز، ولا اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله.[كنز العمال: ج 4 ص 34] قال عن أبي هريرة (قال) توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فلما كان صبيحة الخميس إذا نحن بشيخ قد جاء فقال أنا حبر من أحبار بيت المقدس، فقال يا علي صف لنا صفات رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأني أنظر إليه فقال: بأبي وأمي لم يكن بالطويل الذاهب، ولا بالقصير، كان ربعة من الرجال، أبيض مشرباً حمرة، جعد المفرق، شعره إلى شحمة أذنيه، صلت الجبين، واضح الخدين مقرون الحاجبين، ادعج العينين، سبط الأشفار أقنى الأنف، دقيق المسربة، مفلج الثنايا، كث اللحية، كأن عنقه أبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، شئن الكفين والقدمين، له شعرات ما بين لبته إلى صدره تجري كالقضيب لم يكن على بطنه ولا على ظهره شعرات غيرها، يفوح منه ريح المسك إذا قام غرم الناس وإذا مشى فكأنما يتقلع من صخرة إذا التفت التفت جميعاً وإذا انحدر فكأنما ينحدر في صبب اطهر الناس خلقاً واشجع الناس قلباً واسخى الناس كفاً لم يكن قبله مثله ولا يكون بعده مثله أبداً (قال) الحبر يا عليّ أني أصبت في التوراة هذه الصفة، ايقنت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أخرجه ابن عساكر (أقول): وذكر المحب الطبري في الرياض النضرة (ج 2 ص 195) حديثاً عن ابن عمر ان اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا صف لنا صاحبك فاحالهم على علي ابن أبي طالب (

قيل ايضا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمس لا أدعهن حتى الممات الأكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفا، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان، ليكون ذلك سُنَّة من بعدي.
.........
في معاني الفاظ خلقه

عن أبيه، عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: سألت هند بن أبي هالة التميمي وكان وصّافاً للنبي (صلى الله عليه وآله) ـ: أنا اشتهي أن تصف(144) لي منه شيئاً لعلّي أتعلّق به. فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخماً(145)، مفخّماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذَّب، عظيم الهامة رجل الشعر، إن انفرقت(146) عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب(147)، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ، كث اللّحية، سهل الخدين ضليع الفم، أشنب، مفلّج الأسنان، دقيق المسربة، كان عنقه جيد دُمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا، متماسكاً، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس، عريض الصدر، أنور المتجرَّد، موصول ما بين اللبّة والسرة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر.
طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب خمصان الأخمسين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفؤاً ويمشي هوناً، ذريع المشية إذا مشى كأنّما ينحطُّ في صببٍ وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء. جلُّ نظره الملاحظة يبدر من لقيه بالسلام. قال: فقلت: فصف لي منطقه. فقال: كان (

قال الحسن ـ صلوات الله عليه ـ وكتمتها الحسين (عليه السلام) زماناً ثمّ حدّثته به فوجدته قد سبقني إليه فسألته عمّا سألته عنه فوجدته قد سأل أباه عن مدخل النبي (صلى الله عليه وآله) ومخرجه ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئاً. قال الحسين (عليه السلام): سألت أبي (عليه السلام) عن مدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك فإذا أوى إلى منزله جزء دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه؛ ثم جزء جزءه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدّخر عنهم منه شيئاً وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم في ما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم وبإخبارهم بالّذي ينبغي، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبّت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلاّ ذلك ولا يقيد(149) من أحد عثرة، يدخلون روّاداً(150)، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدّلة.
قال: فسألته عن مخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخزن لسانه إلاّ عمّا يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كلّ قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويهونه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخالفة أن يغفلوا أو يملّوا، ولا يقص عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة للمسلمين وأعظمهم عنده منزلةأحسنهم مؤاساة ومؤازرة. فسألته عن مجلسه فقال: كان (صلى الله عليه وآله) لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب من جلسائه أنّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلاّ بها أو بميسور من القول، قد وسع النّاس منه خلقه وصار لهم أباً وصاروا عنده في الخلق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ولا ترتفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرم(151)، ولا تنثى فلتاته(152)، متعادلين، متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.فقلت: فكيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائمَ البشر(153)، سهل الخُلق، لين الجانب، ليس بغظٌ(154)، ولا غليظ، ولا صخّاب(155)، ولا فحّاش، ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمّليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، ومالا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمُّ أحداً، ولا يعيّره(156)، ولا يطلب عثراته ولا عورته. ولا يتكلّم إلاّ في ما رجا ثوابه، إذا تكلّم أطرق(157) جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطيّر، فإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده الحديث. من تكلّم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوّلهم. يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه(158)، ولا يقبل الثّناء إلاّ من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.
قال: فسألته عن سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر، والتقدير، والتفكر. فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس وأما تفكّره ففيما يبقى أو يفنى؛ وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه وجمع له الحذر في أربع، أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرّأي في صلاح أُمّته، والقيام فيما جمع لهم من خير الدّنيا والآخرة.
قال محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: سألت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن تفسير هذا الخبر. فقال: قوله (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخماً مفخّماً، معناه كان عظيماً معظماً في الصدور والعيون ولم يكن خلقته في جسمه الضّخامة وكثرة اللّحم. وقوله: (يتلألأ تلألؤ القمر) معناه يُنير ويُشرق كإشراق القمر. وقوله: (أطول من المربوع وأقصر من المشذّب) فالمشذّب عند العرب الطويل الذي ليس بكثير اللّحم، يقال: جذع مشذّب إذا طرحت عنه قشوره وما يجري مجريها، ويقال لقشور الجذع التي تقشر عند الشذب. قال الشاعر في صفة فرس:
فـــي العيـــن جــذع مـن أول مشذَّب
أمــا إذا اســــتقـــبلته فــكأنّه
وقوله: (رجل الشعر) معناه في شعره تكسّر وتعقّف. ويقال: (شعر رجل) إذا كان كذلك، وإذا كان الشعر [منبسطاً] لا تكسر فيه قيل: (شعر سبط ورسل) وقوله: (إن تفرّقت عقيقته) العقيقة: الشعر المجتمع في الرأس، وعقيقة المولود: الشعر الذي يكون على رأسه من الرّحم، ويقال لشعر المولود المتجدّد بعد الشعر الأول الذي حلق: (عقيقة) ويقال للذّبحة التي تذبح عن المولود: (عقيقة) وفي الحديث: كلُّ مولود مرتهن بعقيقته؛ وعقّ النبي (صلى الله عليه وآله) عن نفسه بعد ما جاءته النبوّة؛ وعقّ عن الحسن والحسين (عليهما السلام) كبشين وقوله: (أزهر اللّون) معناه نيّر اللّون. يقال: أصفر يزهر إذا كان نيّراً، والسرّاج يزهر معناه ينير. وقوله: (أزجّ الحواجب) معناه طويل امتداد الحاجبين بوفور الشعر فيهما وجبينه إلى الصدغين. قال الشاعر:ونـــظراً فـــي الحــاجب المزجّج
إنّ ابـــتساماً بـــالنــقيّ الأفلــج
مئنّة(159) من الفعال الأعوج
(مئنّة): علامة. وفي حديث النبي (صلى الله عليه وآله): إنّ في طول صلاة الرجل وقصر خطبه مئنّة من فقهه. إنّما جمع الحاجب على التثنية ويحتجُّ بقول الله (جل ثناؤه): (وكنّا لحكمهم شاهدين) يريد لحكم داود وسليمان (عليهما السلام) وقال النبي: الإثنان وما فوقهما جماعة. وقال بعض العلماء: يجوزأن يكون جمعاً فقال: (أزجُّ الحواجب) على أنّ كل قطعة من الحاجب اسمها حاجب فأوقعت الحواجب على القطع المختلفة.إنّ ابـــتساماً بـــالنــقيّ الأفلــج
مئنّة(159) من الفعال الأعوج
(صاك) معناه: لصقَ. وقوله: (في غير قَرن) معناه أنّ الحاجبين إذا كان بينهما انكشاف وابيضاض يقال لهما: البلج والبلجة، يقال: (حاجبه أبلج) إذا كان كذلك، وإذا اتصل الشعر في وسط الحاجب فهو القرن. وقوله: (أقنى العِرنين) القنا أن يكون في عظم الأنف أحديدابٌ(160) في وسطه، والعِرنين(161): الأنف. وقوله: (كَثُ اللّحية) معناه أنّ لحيته قصيرة كثيرة الشعر فيها. وقوله: (ضليع الفم) معناه كبير الفم ولم تزل العرب تمدح بكبر الفم وتهجو بصغره.
قال الشاعر ـ يهجو رجلاً ـ:
بين العواسج أجنى حوله المصع
إن كان كدّي وإقدامي لفي جرذ
معناه: ن كان كدّي وإقدامي لرجل فمه مثل فم الجرذ في الصغر. والمُصع: ثمر العوسج. وقال بعض الشعراء:إن كان كدّي وإقدامي لفي جرذ
لحى الله أفواه(162) الدّباء من قبيلة.
فعيّرهم بصغر الأفواه كما مدحوا الخطباء بسعة الأشداق(163) وإلى هذا المعنى يصرف قوله أيضاً: (كان فتتح الكلام ويختمه بأشداقه) لأنَّ الشدق جميل مستحسن عندهم، يقال: خطيب أهرت الشدقين، وهريتُ الشدق. وسمّي عمرو بن سعيد (الأشدق)
وقولـه: (الأشنب) من صفة الفم، قالوا: إنّه الذي لريقه عذوبة وبردٌ، وقالوا أيضاً: إنّ الشنب في الفم محدّد ورقّة وحدّة في أطراف الأسنان، ولا يكاد يكون هذا إلاّ مع الحداثة والشّباب.
وقوله: (دقيق المسربة) فالمسربة: الشعر المستدقُّ الممتد من اللبة(164) إلى السرّة(165)
وقوله: (كان عنقه جيد دمية) فالدمية: الصورة، وجمعها دُمى. قال الشاعر:
أودرّة ســـيقت إلـــى تــاجر
أو دميــة صــور محرابها
والجيد: العنق. وقوله: (بادنا متماسكاً) معناه تامُّ خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللّحم ولا بكثيره، وقوله: (سواء البطن والصدر) معناه أنّ بطنه ضامر(166) وصدره عريض فمن هذه الجهة ساوى بطنه صدره و (الكراديس) رؤوس العظام. وقوله: (أنور المتجرد) معناه نيّر الجسد الذي تجردّ من الثياب. وقوله: (طويل الزندين) في كل ذراع زندان، وهما جانبا عظم الذّراع، فرأس الزّند الذي يلي الإبهام يقال له: (الكوع) ورأس الزند الّي يلي الخنصر يقال له: (الكرسوع) وقوله: (رحب الراحة) معناه واسع الراحة كبيرها والعرب تمدح بكبر اليد وتهجو بصغرها.
وقالوا: رحب الراحة أي كثير العطاء، كما قالوا: ضيّق الباع في الذّم. وقوله: (شثن الكفّين) معناه خشن الكفّين والعرب تمدح الرجال بخشونة الكفّ والنساء بنعومة الكفّ. وقوله: (سائل الأطراف) أي تامّها غير طويلة ولا قصيرة. وقوله: (سبطُ القصب) معناه ممتدُّ القصب غير منعقدة والقصب العظام المجوّف التي فيها مخٌّ نحو الساقين والذراعين. وقوله: (خمصان أخمصين) معناه أنّ أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض، والأخمص ما ارتفع عن الأرض من وسط باطن الرجل وأسفلها، وإذا كان أسفل الرجل مستوياً ليس فيه أخمص فصاحبه أرحّ، يقال: (رجل أرحٌ) إذا لم يكن لرجله أخمص. وقوله: (زال قلعاً) معناه متثبتاً. وقوله: (يخطو تكفّوءاً) معناه خطاه كأنّه يتكسّر فيها أو يتبختر لقلّة الاستعجال معها ولا تبختر فيها ولا خيلاء وقوله: (ويمشي هوناً) معناه السكينة والوقار. وقوله: (ذريع المشية) معناه واسع المشية من غير أن يظهر فيه استعجال وبدار، وقوله: (كأنّما ينحطُ في صبب) الصبب الانحدار. وقوله: (دمثاً) الدّمث اللّين الخلق فشبّه بالدّمث من الرّمل وهو اللّين.
و(المهين) الحقير، وقد رواه بعضهم (المهين) يعني لا يحقر أصحابه ولا يذلّهم. (تعظم عنده النعمة) معناه من حسن خطابه أو معونته بما يقلُّ من الشأن كان عنده عظيماً. وقوله: (فإذا تعوطي الحقّ) معناه: وإذا تنوول غضب لله تبارك وتعالى.
وقولـه: (إذا غضب أعرض وأشاح) قالوا: في (أشاح) جدّ في الغضب وانكمش. وقالوا: جدّ وجزع واستعدّ لذلك.
وقوله: (يسوقُ أصحابه) معناه يقدّمهم بين يديه تواضعاً وتكرمةً لهم. ومن رواه (يفوق) أراد يفضلهم ديناً وحلماً وكرماً. وقوله: (يفتر عن مثل حب الغمام) معناه يكشف شفتيه عن ثغر أبيض(167) يشبه حبّ الغمام، يقال: (قد فررت الفرس) إذا كشفت عن اسنانه، و (فررت الرجل عمّا في قلبه) إذا كشفته عنه. وقوله: (لكلَّ حال عنده عتاد) فالعتاد: العدَّة، يعني أنّه أعدَّ للأمور أشكالها ونظائرها ومن رواه (فلا يقيد من أحد عثرة) ـ بالدال: أي من جنى عليه جناية اغتفرها وصفح عنها تصفّحاً وتكرّماً إذا كان تعطيلها لا يضيّع من حقوق الله شيئاً ولا يفسد متعبّداً به ولا مفترضاً؛ ومن رواه (يقيل) ـ باللاّم ـ ذهب إلى أنّه (عليه السلام) لا يضيّع من حقوق الناس التي تجب لبعضهم على بعض. وقوله: (ثم يرد ذلك بالخاصّة على العامّة) معناه: أنّه كان يعتمد في هذه الحال على أنّ الخاصة ترفع إلى العامة علومه وآدابه وفوائده. وفيه قول آخر، فيرد ذلك بالخاصّة على العامّة أن يجعل المجلس للعامّة بعد الخاصّة وقوله: (يدخلون روّاداً) الروّاد: جمع (رائد) وهو الذي يتقدّم إلى المنزل يرتاد لهم الكلاء، يعني أنهم ينفعون بما يسمعون من النبي (صلى الله عليه وآله) من رواءهم كما ينفع الرّائد من خلفه. وقوله: (ولا يفترقون إلاّ عن ذواق) معناه عن علوم يذوقون من حلاوتها ما يذاق من الطعام المشتهي والأدّلة التي تدلُّ الناس على أمور دينهم. وقوله: (لا تؤبن فيه الحرم) أي لا تُعاب. أبنت الرجل فأنا آبن، والمابون: المعيب: والابنة: العيب.
وقوله: (ولا تنثى فلتاته) معناه: من غلط فيه غلطة لم يشنّع ولم يتحدّث بها. يقال: نثوت الحديث أنثوه نثواً: إذا حدّثت به. وقوله: (إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنَّ على رؤوسهم الطير، معناه: أنّهم كانوا لإجلالهم نبيّهم (صلى الله عليه وآله) لا يتحرّكون، فكانت صفتهم صفة من على رأسه طائرٌ يريد أن يصيده فهو يخاف إن تحرّك طيران الطائر وذهابه. وفيه قول آخر: أنّهم كانوا يسكنون ولا يتحرّكون حتّى يصيروا بذلك عند الطائر كالجدران والأبنية التي لا يخاف الطير وقوعاً عليها.
وقوله: (ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ) معناه: من صحّ عنده إسلامه حسن موقع ثنائه عليه عنده، ومن استشعر منه نفاقاً وضعفاً في ديانته القى ثناءه عليه ولم يحفل(168) به وقوله: (إذا جاءكم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه) معناه: فأعينوه وأسعفوه على طلبته يقال. رفدت رفداً ـ بفتح الرّاء ـ في المصدر، والرفد ـ بكسر الراء ـ الاسم يعني به الهبة والعطيّة. تمّ الخبر بتفسيره والحمد لله كثيراً.
قال الله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجراً غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم).
اعلم وفقك الله تعالى أن الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلاً عما فوقه هي المسمى بحسن الخلق وهو الاعتدال في قوى النفس وأوصافها والتوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها فجميعها قد كانت خلق نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) على الانتهاء في كمالها والاعتدال إلى غايتها حتى أثنى الله بذلك عليه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم).
ولــم يـــدانوه فـــي عــلم ولا كرم
فــاق النبيين في خـــلقٍ وفي خُلُق
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
وكــــلهم مـــن رسـول الله ملتمس
ثـــم اصـطفاه حبيباً بارئ النسم
ثـــم اصـطفاه حبيباً بارئ النسم
فــهو الــذي تــم مــعناه وصــورته
فجـوهر الحسن فيه غير منقسم
فجـوهر الحسن فيه غير منقسم
مــنزه عــــن شـريك فـــي محاسنه
قال السيد جعفر البرزنجي في الرسالة المولودية كان (صلى الله عليه وآله وسلم) أكمل الناس خلقاً وخلقاً ذا وصفات سنية مربوع القامة أبيض اللون مشرباً بحمرة واسع العينين أكحلها أهدب الأشفار قد منح الزجج حاجباه مفلج الأسنان واسع الفم حسنه واسع الجبين ذا جبهة هلالية سهل الخدين يرى في أنفه بعض احديداب حسن العرنين اقناه بعيد ما بين المنكبين سبط الكفين ضخم الكراديس قليل لحم العقب كث اللحية عظيم الرأس شعره إلى الشحمة الاذنية وبين كتفيه خاتم النبوة قد عمه النور وعلاه وعرقه كاللؤلؤ وعرقه أطيب من النفحات المسكية يتكفأ في مشيته كأنما ينحط من صبب ارتقاه وكان يصافح المصافح بيده الشريفة فيجد منها سائر اليوم رائحة عبهرية ويضعها على رأس الصبي فيعرف مسه له من بين الصبية وقد رآه يتلألأ وجهه الشريف تلألؤ القمر في الليلة البدرية يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله ولا بشر يراه.وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) شديد الحياء والتواضع يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويسير في خدمة أهله بسيرة سوية ويحب الفقراء والمساكين ويجلس معهم ويعود مرضاهم ويشيع جنائزهم ولا يحقر فقيراً أوقعه الفقر وأشواه ويقبل المعذرة ولا يقابل أحداً بما يكره ويمشي مع الأرملة وذي العبودية ولا يهاب الملوك ويغضب لله تعالى ويرضى لرضاه ويمشي خلف أصحابه ويقول: خلوا ظهري للملائكة الروحانية.
ويركب البعير والفرس والبغلة وحماراً بعض الملوك إليه أهداه ويعصب على بطنه الحجر من الجوع وقد أوتي مفاتيح الخزائن الأرضية وراودته الجبال بأن تكون له ذهباً فأباه وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يبدأ من لقيه بالسلام ويطيل الصلاة ويقصر الخطب الجمعية ويتألف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ويمزح ولا يقول إلا حقاً يحبه الله تعالى ويرضاه.
قال بعض العلماء كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كثير الضراعة والابتهال دائم السؤال من الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق فكان يقول في دعائه: اللهم حسن خلقي وخلقي ويقول:
اللهم جنبني منكرات الأخلاق واستجاب الله دعاءه وأنزل عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرن وأدبه بمثل قوله عز وجل: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)، (واصبر على ما أصابك)، (فأعف عنهم واصفح)، (ادفع بالتي هي أحسن) إلى غير ذلك ثم لما أكمل الله تعالى خلقه وخلقه أثنى عليه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) فانظر إلى عميم فضل الله كيف أعطى ثم أثنى ثم بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للخلق أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ثم رغب الخلق في ذلك أشد ترغيب.
أما الحلم والاحتمال والعفو مع القدرة والصبر على ما يكره فهذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه فقال عز وجل: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) والإخفاء بما يؤثر من حلمه واحتماله وإن كل حليم قد عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبراً وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً.
قال القاضي عياض في الشفاء:روي أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شديداً وقالوا: لو دعوت عليهم فقال: إني لم أُبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
وروي عن عمر أنه قال في بعض كلامه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً) ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلاخيراً فقلت: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
قال القاضي انظر ما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم إذ لم يقتصر (صلى الله عليه وآله وسلم) على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا لهم وشفع لهم فقال: اللهم اغفر أو اهد ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله: (لقومي) ثم اعتذر عنهم بجهلهم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنهم لا يعلمون.
وروي أيضاً عن أنس قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) المال مال الله وأنا عبده ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي، قال: لا قال: لم، قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة فضحك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً وعلى الآخر تمر.
والحديث عن حلمه وصبره وعفوه عند المقدرة أكثر من أن تأتي عليه وحسبك ما جرى عليه من كفار قومه من الأذى وصبره على مقاساة قريش ومصابرته الشدائد الصعبة معهم إلى أن أظفره الله عليهم وحكمه فيهم وهم لا يشكون في استئصال شأفتهم وإبادة خضرائهم فما زاد على أن صفح وعفا وقال: ما تقولون إني فاعل بكم قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم فقال: أقول كما قال أخي يوسف: (لا تثريب عليكم…) اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وعفا عن جماعة كثيرة بعد أن كان أباح دمهم وأمر بقتلهم.
منهم عكرمة بن أبي جهل وكان يشبه أباه في إيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعداوته والإنفاق على محاربته.ومنهم صفوان بن أمية بن خلف وكان أيضاً شديداً على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).ومنهم هبار بن الأسود بن المطلب وهو الذي روع زينب ربيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فألقت ذا بطنها فأباح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه لذلك فروي أنه اعتذر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من سوء فعله.
وقال: وكنا يا نبي الله أهل شرك فهدانا الله تعالى بك وأنقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له: قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام والإسلام يجب ما قبله وهبار هذا أخو حزن جد سعيد بن المسيب ابن حزن.
ومنهم وحشي قاتل حمزة سلام الله عليه روي أنه لما أسلم قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أوحشي قال: نعم قال: أخبرني كيف قتلت عمي فأخبره فبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): غيب وجهك عني.
ومنهم عبد الله بن الزبعري السهمي وكان يهجو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة ويعظم القول فيه فهرب يوم الفتح ثم رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتذر فقبل (صلى الله عليه وآله وسلم) عذره فقال حين أسلم:
راتـــــق مـــــا فتــــــقت إذا نــــابور
يــا رســـــول المليـــــك إن لسانــي
ومــــن مــــــال ميــــــــله مثــــــبور
ومــــن مــــــال ميــــــــله مثــــــبور
إذا بـــارى الشيطان في سنن الغـي
ثم قلبي (نفسي خ) الشهيد أنت نذير
ثم قلبي (نفسي خ) الشهيد أنت نذير
آمـــن اللحــــم والعظــــام بــــربــي
وقال أيضاً في أبيات كثيرة يعتذر فيها:أســديت إذ أنا في الضلال أهيم
إنــــي لمعتــــذر إليك من الذي
زللـــي فـــإنك راحـــم مــرحوم
زللـــي فـــإنك راحـــم مــرحوم
فـــاغفـــر فـداك والداي كلاهما
حـــق وإنـــك فــي العباد جسيم
حـــق وإنـــك فــي العباد جسيم
ولقـــد شهدت بأن دينك صادق
وعفا عن هند وأبي سفيان مع ما جرى منهما على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأذية مما لا يطيقه البيان.وروي أنه لما قتل النضر بن الحرث وهو من مجاهري أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصفراء في قفولهم من بدر انشدت بنته فتيلة أبياتاً تحسراً وتعطفاً، منها:
فــــي قــــومــــها والفـحل فحل معرق
أمــحمــــــد ولأنــــت نــــجل نجيــــــبة
من الفتى وهو المغيظ المحنق(169)
من الفتى وهو المغيظ المحنق(169)
مــــا كــــان ضـــــــرك لو مننت وربما
بــــأعــــز مــــا يغــــلو لــــديك وينفق
بــــأعــــز مــــا يغــــلو لــــديك وينفق
لـــو كنــــت قــــابــــل فــــــدية فلنأتين
وأحقــــهم إن كــــان عــــتق يعــــــتق
وأحقــــهم إن كــــان عــــتق يعــــــتق
فــــالنضر أقــــرب مـــن أصبت وسيلة
فروي أن النبي (صل الله عليه وآله وسلم) لما سمع الأشعار قال: لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته ومن عظيم خبره (صلى الله عليه وآله وسلم) في العفو عفوه عن اليهودية التي سمته في الشاة بعد اعترافها فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) أتى باليهودية التي سمت الشاة فقال لها: ما حملك على ما صنعت فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره وإن كان ملكاً أرحت الناس منه قال: فعفا رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) عنها.الهوامش
144 ـ في بعض النسخ [وأنا أشتهي أن يضف…].
145 ـ سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفسير الحديث من المؤلف (رحمه الله) في المتن.
146 ـ في بعض النسخ [ان تفرقت…].
147 ـ زج حاجبه: أي رق في طول فهو أزج.
148 ـ افتر الرجل: ضحك ضحكاً حسناً.
149 ـ في بعض النسخ [يقبل] ويأتي معناها من المؤلف.
150 ـ رواد: جمع رائد بمعنى طالب الشيء.
151 ـ أبنه: عابه؛ والحرم ـ بضم الحاء وفتح الراء المهملتين ـ جمع الحرمة وهي مالا يحل انتهاكه. و (لا تؤبن فيه الحرم) أي لا يعاب الناس في مجلسه ولا تنتهك الحرمات فيه.
152 ـ نثى الخبر: حدث به واشاعه. الفلتات هي الزلات والهفوات و (لا تنثى فلتاته) أي لا يحدث بما وقع في مجلسه من الهفوات والزلات ولا تذاع بين الناس.
153 ـ البشر ـ بالكسر ـ بشاشة الوجه.
154 ـ الفظ: الغليظ السيء الخلق الخشن الكلام.
155 ـ الصخاب: الشديد الصياح.
156 ـ عيره تعييراً: نسبه إلى العار وقبح عليه فعله.
157 ـ أطرق الرجل: سكت وجعل ينظر إلى الأرض.
158 ـ رفده: أعطاه.
159 ـ بفتح اليميم وكسر الهمزة. (م).
160 ـ أحد يداب: مصدر (أحدودب) إذا ارتفع ضد (تقعر) وقنى الأنف ـ بكسر النون ـ قناً ـ بفتحتين ـ فهو (أقنى) إذا كان في وسط عظمه أحديداب وارتفاع. (م).
161 ـ بكسر العين والنون. (م).
162 ـ لحى الله فلاناً: قبحه ولعنه والدبا أصغر الجراد.
163 ـ الأشداق: جمع الشدق بكسر الشين وفتحها وهوزاوية الفم من باطن الخدين.
164 ـ اللبة ـ بفتحتين ـ. موضع القلادة من الصدر.
165 ـ السرة ـ بضم السين المهملة ـ: التجويف الصغير المعهود في وسط البطن.
166 ـ الضامر: قليل اللحم.
167 ـ الثغر ـ بفتح المثلثة وسكون الغين المعجمة ـ: مقدم الأسنان.
168 ـ أي لم يبال به ولم يهتم له.
169 ـ حنق منه وعليه اغتاظوا، حنقه أغضبه (منه).
وصاياه :
يا علي: إن من اليقين أن لا تُرضي أحداً بسخط الله ولا تحمد أحداً بما آتاك الله ولا تذمّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره، إن الله بحكمه وفضله جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرّضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.يا علي: إنه لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل(1) ولا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أحسن من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكّر.
يا علي: آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة(2) وآفة السماحة المن وآفة الشجاعة البغي وآفة الجمال الخيلاء وآفة الحسب الفخر.
يا علي: عليك بالصدق ولا تُخرج من فيك كذبة أبداً ولا تجترئن على خيانة أبداً، والخوف من الله كأنك تراه، وابذل مالك ونفسك دون دينك وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها وعليك بمساوئ الأخلاق فاجتنبها.
يا علي: أحب العمل إلى الله ثلاث خصال: من أتى الله بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، ومن ورع من محارم الله فهو من أورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.
يا علي: ثلاث من مكارم الأخلاق: تَصل من قطعك. وتعطي من حرمك. وتعفو عمن ظلمك.
يا علي: ثلاث منجيات: تكُفّ لسانك. وتبكي على خطيئتك. ويسعك بيتك.
يا علي: سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك. ومساواة الأخ في الله وذكر الله على كل حال.
يا علي: ثلاثة من حُلل الله(3): رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله وحقٌّ على الله أن يكرم زوره ويعطيه ما سأل، ورجل صلى ثم عقَّب إلى الصلاة الأخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر فهما وفدا الله وحق على الله أن يكرم وفده.
يا علي: ثلاث ثوابهن في الدنيا والآخرة: الحج ينفي الفقر. والصدقة تدفع البلية. وصلة الرحم تزيد في العمر.
يا علي: ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل, وعلم يرد به جهل السفيه. وعقل يداري به الناس.
يا علي: ثلاثة تحت ظل العرش يوم القيامة: رجل أحبّ لأخيه ما أحب لنفسه. ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك الأمر لله رضى أو سخط. ورجل لم يعِبْ أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنه كلما أصلح من نفسه عيباً بدا له منها آخر، وكفى بالمرء في نفسه شغلاً.
يا علي: ثلاث من أبواب البر: سخاء النفس. وطيب الكلام. والصبر على الأذى.
يا علي: في التوراة أربع إلى جنبهن أربع: من أصبح على الدنيا حريصاً أصبح وهو على الله ساخط, ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت فيه فإنما يشكو ربه. ومن أتى غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه. ومن دخل النار من هذه الأمة فهو من اتخذ آيات الله هزواً ولعباً.
يا علي: أربع إلى جنبهن أربع: من ملك استأثر(4). ومن لم يستشر يندم. كما تدين تدان. والفقر الموت الأكبر، فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: الفقر من الدين.
يا علي: كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله. وعين فاضت من خشية الله.
يا علي: طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي على ذنب لم يطلع على ذلك الذنب أحد غير الله.
يا علي: ثلاث موبقات، وثلاث منجيات، فأما الموبقات: فهوىً متّبع. وشح مطاع. وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات فالعدل والرضا والغضب. والقصد في الغنى والفقر. وخوف الله في السر والعلانية كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يا علي: ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب. وعِدتك زوجتك. والإصلاح بين الناس.
يا علي: ثلاث يقبح فيهن الصدق: النميمة. وإخبارك الرجل عن أهله بما يكره. وتكذيبك الرجل عن الخير.
يا علي: أربع يذهبن ضلالاً: الأكل بعد الشبع. والسراج في القمر. والزرع في الأرض السبخة. والصنيعة عند غير أهلها.
يا علي: أربع أسرع شيء عقوبة: رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة. ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك. ورجل عاقدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك. ورجل تصل رحمه ويقطعها.
يا علي: أربع من يكنّ فيه كمل إسلامه: الصدق. والشكر. والحياء. وحسن الخلق.
يا علي: قلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر وكثرة الحوائج إلى الناس مذلة وهو الفقر الحاضر.
وصية أُخرى إلى أمير المؤمنين (عليهِ السَّلام) مختصرة
يا علي: إن للمؤمن ثلاث علامات: الصيام. والصلاة. والزكاة. وإن للمتكلف(5) من الرجال ثلاث علامات: يتملق إذا شهد. ويغتاب إذا غاب. ويشمت بالمصيبة. وللظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه بالغلبة. ومن فوقه بالمعصية. ويظاهر الظلمة. وللمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا كان عند الناس. ويكسل إذا كان وحده. ويحب أن يحمد في جميع الأمور. وللمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب. وإن ائتمن خان. وإن وعد أخلف. وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرّط. ويفرط حتى يضيع. ويضيع حتى يأثم. وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً(6) إلا في ثلاث: مرمة لمعاش. أو خطوة لمعاد. أو لذة في غير محرّم.
يا علي: إنه لا فقر أشد من الجهل. ولا مال أعود من العقل. ولا وحدة أوحش من العُجب. ولا عمل كالتدبير. ولا ورع كالكف. ولا حسب كحُسن الخلق، إن الكذب آفة الحديث وآفة العلم النسيان. وآفة السماحة المن.
يا علي: إذا رأيت الهلال فكبّر ثلاثاً وقل: الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدَّرك منازل وجعلك آية للعالمين.
يا علي: إذا نظرت في مرآة فكبّر ثلاثاً وقل: اللهم كما حسَّنت خَلْقي فحسِّن خُلُقي.
يا علي: إذا هالك أمر فقل: اللهم بحق محمد وآل محمد إلا فرجت عني.
قال علي (عليهِ السَّلام): قلت: يا رسول الله (فتلقى آدم من ربه كلمات) ما هذه الكلمات؟ قال: يا علي إن الله أهبط حواء بجدة والحية بإصبهان وإبليس بميسان(7) ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحية والطاووس وكان للحية قوائم كقوائم البعير، فدخل إبليس جوفها فغرَّ آدم وخدعه فغضب الله على الحية وألقى عنا قوائمها، وقال: جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك لا رحم الله من رحمك، وغضب على الطاووس، لأنه كان دل إبليس على الشجرة، فمسخ منه صوته ورجليه، فمكث آدم بالهند مائة سنة، لا يرفع رأسه إلى السماء واضعاً يده على رأسه يبكي على خطيئته فبعث الله إليه جبرائيل فقال: يا آدم الرب عز وجل يقرئك السلام ويقول: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أُسجد لك ملائكتي؟ ألم أُزوجك حواء أمتي؟ ألم أُسكنك جنتي؟ فما هذا البكاء يا آدم؟ تكلم بهذه الكلمات، فإن الله قابل توبتك، قل: سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
يا علي: إذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليك ثلاثاً، فإن رأيتها الرابعة فاقتلها فإنها كافرة.
يا علي: إذا رأيت حية في طريق فاقتلها، فإني قد اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحياة.
يا علي: أربع خصال من الشقاء: جمود العين،. وقساوة القلب. وبعد الأمل. وحب الدنيا من الشقاء.
يا علي: إذا أُثني عليك في وجهك فقل: اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون.
يا علي: إذا جامعت فقل: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن قضى أن يكون بينكما ولد لم يضره الشيطان أبداً.
يا علي: ابدأ بالملح واختم، فإن الملح شفاء من سبعين داء، أذلها الجنون والجذام والبرص.
يا علي: أدهن بالزيت، فإن من أدهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة.
يا علي: لا تجامع أهلك ليلة النصف ولا ليلة الهلال، أما رأيت المجنون يصرع في ليلة الهلال وليلة النصف كثيراً!
يا علي: إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أُذنه اليمنى، وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان أبداً.
يا علي: ألا أُنبئك بشر الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من لا يغفر الذنب ولا يقيل العثرة، ألا أُنبئك بشر من ذلك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من لا يؤمن شره، ولا يرجى خيره.
وصية له أُخرى إلى أمير المؤمنين (عليهِ السَّلام)
يا علي: إياك ودخول الحمام بغير مئزر فإنّ من دخل الحمام بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه.
يا علي: لا تتختم بالسبابة والوسطى، فإنه كان يتختم قوم لوط فيهما ولا تعر الخنصر.
يا علي: إن الله يعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول: يا ملائكتي عبدي هذا قد علم أنه لا يغفر الذنوب غيري، اشهدوا أني قد غفرت له.
يا علي: إياك والكذب فإن الكذب يسود الوجه، ثم يُكتب عند الله كذاباً وإن الصدق يبيّض الوجه ويكتب عند الله صادقاً. واعلم أن الصدق مبارك والكذب مشؤوم.
يا علي: احذر الغيبة والنميمة، فإن الغيبة والنميمة توجب عذاب القبر.
يا علي: لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة ولا تجعل الله عرضة ليمينك، فإن الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً.
يا علي: لا تهتم لرزق غد، فإن كل غد يأتي برزقه.
يا علي: إياك واللجاجة، فإن أولها جهل وآخرها ندامة.
يا علي: عليك بالسواك، فإن السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب ومجلاة للعين، والخلال يحببك إلى الملائكة، فإن الملائكة تتأذى بريح فم من لا يتخلل بعد الطعام.
يا علي: لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحمله عنهم وإذا قيل لك: اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك.
يا علي: احتسب بما تنفق على نفسك تجده عند الله مذخوراً.
يا علي: أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس تكتب عند الله في الدرجات العلى.
يا علي: ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك محبباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض احفظ وصيتي إن شاء الله تعالى.
الهوامش
1 - الأعواد: الأنفع، والمظاهرة: المعاونة.
2 - الفترة: الانكسار والضعف وأيضاً الهدنة. وزاد في المحاسن: وآفة الحسب الفخر.
3 - الحلل جمع الحلة-بالضم،5 - كقلل وقلّة- وهي الثوب الساتر لجميع البدن.
4 - الاستئثار: الاستبداد،- يقال استأثر بالشيء: استبدّ به وخص به نفسه.
5 - المتكلف: المتصنع والمتدلس والذي هو غير متصف بما يتراءى به في نفس الأمر.
6 - (شاخصاً) أي ذاهباً. والمرمة مصدر من رم الشيء يرمه أي أصلحه.
7 - ميسان: كورة معروفة بين البصرة وواسط والنسبة ميساني،11 - كما في القاموس.
شعر :
ـ يقول أبو طالب(1) في رائعته اللامية التي تزيد على المائة بيت:
ولما نُطاعـــن دونـــه ونـناضل(2)
كـــذبتم وبيـــت الله نــــبزي محمدا
ونُـــذهل عـــن أبــــــنائنا والحلائل
ونُـــذهل عـــن أبــــــنائنا والحلائل
ونـــسلمه حتـــى نصـــرّع حــــوله
ويقول فيها:
يحوط الذمار غير ذرب مـواكـل(3)
يحوط الذمار غير ذرب مـواكـل(3)
ومــا تـــرك قـــوم لا أبـلً لك سيّداً
ثمال اليتامى عصـــمة لـــــــلأرامل
ثمال اليتامى عصـــمة لـــــــلأرامل
وأبــيض يُســـتسقى الغمام بوجهه
فهــم عنـــده فــي رحمــة وفواضل
فهــم عنـــده فــي رحمــة وفواضل
يــلوذ بــه الهـــلاك مـن آل هــاشم
ويقول فيها:
وأخـــوتــه دأب المحـــب المواصلِ
وأخـــوتــه دأب المحـــب المواصلِ
لعـــمري لقـــد كـــلفت وجداً بأحمد
وزيناً لمـــن والاه ربّ المـــــشاكل
وزيناً لمـــن والاه ربّ المـــــشاكل
فـــلا زال فـــي الـدنيا جمالاً لأهلها
إذا قــاســـه الحكّـــام عند التفاضل
إذا قــاســـه الحكّـــام عند التفاضل
فمـــن مثــله فــي الناس أيّ مؤمل
يـــوالـــي الاهاً ليــــس عنه بغافلِ
يـــوالـــي الاهاً ليــــس عنه بغافلِ
حليـــم رشــــيد عـــادل غيـر طاش
ويقول فيها:
لدينـــا ولا يُـــعني بقـــول الأبــاطلِ
لدينـــا ولا يُـــعني بقـــول الأبــاطلِ
لقـــد علمـــوا ان ابنـــــنا لا مكذّب
تقصّر عنه ســــورة المتطـاولِ(4)
تقصّر عنه ســــورة المتطـاولِ(4)
فـاصبــــــح فيـــنا أحمد في أرومة
ودافـــعت عنـه بالذرا والكلاكلِ(5)
ودافـــعت عنـه بالذرا والكلاكلِ(5)
حـــدبت بنـــفسي دونـــــه وحميته
وأظـــهر ديـــناً حقه غير باطلِ(6)
وأظـــهر ديـــناً حقه غير باطلِ(6)
فـــأيّده رب العبـــاد بـــنــــــصـــره
ويقول في قصيدة أخرى:
لـــؤيّاً وخصـــا من لؤي بني كعبِ
لـــؤيّاً وخصـــا من لؤي بني كعبِ
ألا أبـــلغا عـنــــي عـــلى ذات بيننا
نبيّاً كموسى خطَّ في أول الكتبِ(7)
نبيّاً كموسى خطَّ في أول الكتبِ(7)
ألـــم تعـــلموا أنـــا وجـــدنا محمداً
2 ـ وقال أيضاً:
فذو العرش محمود وهذا محمّد(8)
فذو العرش محمود وهذا محمّد(8)
وشقَّ له من اسمه كي يجلّه
وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة يحثّه على نصرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتباعه:
نــبيٌّ كموســى والمسـيح ابن مريمِ
نــبيٌّ كموســى والمسـيح ابن مريمِ
تعـــلّم مليــك الحبش أنَّ محمداً
وكـــلَّ بـــأمــر الله يــهــدي ويعـصم
وكـــلَّ بـــأمــر الله يــهــدي ويعـصم
أتـــى بالهدى مثل الذي أتيا به
بصــدق حديــث لا حديث مرجّـم(9)
بصــدق حديــث لا حديث مرجّـم(9)
وإنــكم تــتــلونه فـــي كتـــابكم
فإنَّ طريق الحق لـيــس بمظلمِ(10)
فإنَّ طريق الحق لـيــس بمظلمِ(10)
فــلا تجـــعلوا لله نــدّاً وأسلموا
3 ـ وقال عند إسلام حمزة:
وكــــن مظــهراً للــدين وفـقـت صابرا
وكــــن مظــهراً للــدين وفـقـت صابرا
فــصــبراً أبـــا يعــلى على دين أحمد
بصـــدق وحــقّ لا تــكن حــمـز كـافرا
بصـــدق وحــقّ لا تــكن حــمـز كـافرا
وحـــط مــن أتى بالدين من عند ربّه
فـكــــن لـــرســـول الله فــي الله ناصرا
فـكــــن لـــرســـول الله فــي الله ناصرا
فقد ســرَّنـــي إذ قـلــت: إنـــك مؤمن
جهـاراً وقل: ما كان أحمد ساحرا(11)
جهـاراً وقل: ما كان أحمد ساحرا(11)
ونـــاد قـــريــشـــاً بـالــذي قـــد أتيته
4 ـ وقال أيضاً:
والصـــادق القـــول لا لهــو ولا لعبُ
والصـــادق القـــول لا لهــو ولا لعبُ
أنــــت الأمــيــن أميــن الله لا كذب
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب(12)
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب(12)
أنــــت الرســول رسـول الله نعلمه
1 ـ وشعر أبي طالب رضوان الله عليه مستمسك عظيم على إسلامه وإيمانه، ألا تراه وهو زعيم قريش وابن زعيم العرب يخاطب يتيماً ربّاه بما يخاطب الشعراء الملوك، في الوقت الذي كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو المحتاج لرعايته والمحاماة عنه.
إن من تتبع طريقته في مدح النبي (صلّ الله عليه وآله وسلّم) إيمانه في كل بيت من شعره، ولكن المصيبة جاءته من قبل ابنه علي (عليه السلام)، ولو قدّر ان يكون ابنه معاوية لكان المسلم الأول. إن الحاقدين على الإمام (عليه السلام) لا يستطيعون النيل من مقامه الشامخ، ومنزلته العظيمة، عند الله جلّ جلاله والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فحاولوا الحط منه بأن أباه مات كافراً، وفي ضحضاح من نار، والله حسبهم، وسيعلم الذين ظلموا لمن عقبى الدار.
2 ـ نبزى: نسلب ونغلب.
3 ـ الذمار: الحمى. والذرب: الفاحش المنطق. والمواكل: من يكل أمره إلى غيره.
4 ـ السورة: الشدة والبطش.
5 ـ الذرا ـ جمع ذروة: أعلى ظهر البعير. والكلاكل: عظام الصدر.
6 ـ السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 251.
7 ـ السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 4.
8 ـ أعلام الورى: 16. وقال سفيان بن عيينة: أحسن بيت قالته العرب قول أبي طالب: وشق له الخ.
9 ـ مرجم: لا يوقف على حقيقته.
10 ـ أعلام الورى: 55.
11 ـ أعلام الورى: 58.
12 ـ مناقب آل أبي طالب: 1 / 56.
كتبه :
كتابه إلى النجاشي (ملك الحبشة):
كان أول رسول بعثه رسول الله (ص) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.
كتابه إلى النجاشي (ملك الحبشة):
كان أول رسول بعثه رسول الله (ص) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.
كتابه إلى هرقل (ملك الروم):
أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن اسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى ايليا (القدس) فلما اخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا المترجم فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الاكاريين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة، سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
قال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه، وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم اقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم انه نبي فقال أبو سفيان: أنا، فقال ما قرابتك منه؟ قال: ابن عمي، قال: ادن مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم: إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب، قال أبو سفيان: فوالله لو لا الحياء أن يردوا علي لكذبت، فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟، قلت: هو منا ذو نسب، قال: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟، قلت: لا، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟، قلت: لا، قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر إذا عاهد؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في ذمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال، قال: فما يأمركم به؟ قلت: امرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة، فقال لترجمانه: قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسالتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل لان الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطه لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت انه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت أنه نبي.
أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن اسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى ايليا (القدس) فلما اخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا المترجم فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الاكاريين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة، سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
قال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه، وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم اقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم انه نبي فقال أبو سفيان: أنا، فقال ما قرابتك منه؟ قال: ابن عمي، قال: ادن مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم: إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب، قال أبو سفيان: فوالله لو لا الحياء أن يردوا علي لكذبت، فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟، قلت: هو منا ذو نسب، قال: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟، قلت: لا، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟، قلت: لا، قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر إذا عاهد؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في ذمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال، قال: فما يأمركم به؟ قلت: امرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة، فقال لترجمانه: قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسالتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل لان الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطه لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت انه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت أنه نبي.
كتابه إلى كسرى (ملك الفرس):
أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وقيل مع غيره، فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.
أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك إثم المجوس الذين هم أتباعك.
قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله (ص) فقرىء عليه فأخذه ومزقه
أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وقيل مع غيره، فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.
أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك إثم المجوس الذين هم أتباعك.
قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله (ص) فقرىء عليه فأخذه ومزقه
كتابه إلى المقوقس (ملك القبط):
واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي عندما انصرف من الحديبية وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم القبط، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالاسكندريه فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم؟ قال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم، واكرم حاطباً وأهدى إلى النبي (ص) جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وكتب إلى النبي (ص) قد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم، ووضع كتاب النبي (ص) في حُق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.
واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي عندما انصرف من الحديبية وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم القبط، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالاسكندريه فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم؟ قال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم، واكرم حاطباً وأهدى إلى النبي (ص) جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وكتب إلى النبي (ص) قد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم، ووضع كتاب النبي (ص) في حُق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.
..........
عن مؤسسة الامام الكاظم
حجه الوداع :
حجة الوداع:قال ابن هشام سميت بذلك لأنه لم يحج بعدها وقيل لأنه ودع فيها الناس وأعلمهم بدنو اجله، قال ابن سعد في الطبقات: وهي التي يسميها الناس حجة الوداع وكان المسلمون يسمونها حجة الإسلام وكان ابن عباس يكره أن يقال حجة الوداع ويقول حجة الإسلام ولم يحج غيرها منذ تنبأ. ولو قال منذ هاجر لكان صوابا فانه (ص) لم يحج بعد الهجرة غيرها وإنما أراد الاعتمار عام الحديبية فصُد ثم اعتمر عمرة القضاء واعتمر يوم حنين ولم يحج أما قبل الهجرة فقد حج (ص) حجتين يقينا وهما اللتان بايع فيهما الأنصار عند العقبة.
خطبته في حجة الوداع:
وكانت يوم العيد بمنى، رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد، والحسن بن علي بن شعبة الحلبي، في تحف العقول وغيرهما.الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله أحثكم على طاعة الله واستفتح بالذي هو خير. أما بعد: أيها الناس اسمعوا مني ما أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا أيها الناس أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها، وان ربا الجاهلية موضوع، وان أول ربا أبدا به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وان مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية، والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، ففيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. أيها الناس! أن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس ! إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله، وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس ! أن لنسائكم عليكم حقا وان لكم عليهن حقا، لكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه لبيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن، ضربا غير مبرح، فان انتهين أطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس ! المؤمنون اخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض!!! فإني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس أن ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، أن أكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. إلا هل بلغت ؟ قالوا: نعم ، قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب! أيها الناس : أن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصيةٌ في اكثر من الثلث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصية النبي لأمته:
اتفق المسلمون جميعا على أن رسول الله (ص) خرج إلى المسجد في حالة شديدة من المرض والضعف حتى انه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض وصلى جالسا.قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله ،استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم اخرج لأني لم احب أن اسأل عنك الركب، فقال النبي (ص): انفذا جيش أسامه! يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغميا عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين، فأفاق رسول الله (ص) فنظر إليهم ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: ارجع فانه يهجر، فرجع.
وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (ص) فلما أفاق قال بعضهم: إلا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: ابعد الذي قلتم؟، لا ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا.
وفاته (ص):
وكانت وفاته (ص) يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند اكثر الإمامية، وكان عمره ثلاث وستون سنة، قال علي (ع): أوصى النبي (ص) أن لا يغسله أحد غيري، فكان الفضل وأسامة، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين (ع) وقال لهم: أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
و لما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك، فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له: احفر لرسول الله، فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (ص) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (ص) أن يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (ص)، فقال: ليدخل اوس بن خولي، وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (ع): انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (ص) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له: اخرج فخرج ونزل علي (ع) القبر فكشف عن وجه رسول الله (ص) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر.
و روي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه (ص) كان في اليوم الذي توفي فيه ولم يحضر دفنه (ص) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.
............
عن مؤسسة الامام الكاظم
وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم):
وكانت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند اكثر الإمامية، وكان عمره ثلاث وستون سنة، قال علي (عليه السلام): أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يغسله أحد غيري، فكان الفضل وأسامة، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين (عليه السلام) وقال لهم: أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
و لما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك، فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له: احفر لرسول الله، فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ليدخل اوس بن خولي، وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (

و روي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في اليوم الذي توفي فيه ولم يحضر دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.
زيارته 
قلاً عن كتاب مفاتيح الجنان آية الله الشيخ عباس القمي:
قال الشّيخ المفيد والشّهيد والسّيد ابن طاووس (رحمهم الله): اذا أردت زيارة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما عدا المدينة الطيّبة من البِلاد فاغتسل ومثّل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه الشّريف ثمّ قف وتوجّه بقلبك اليه وقُل: اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّهُ سَيِّدُ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، وَاَنَّهُ سَيِّدُ الاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الاَئِمَّةِ الطَّيِّبينَ، ثمّ قل: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليلَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَبِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَحْمَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَجيبَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خاتَمَ النَّبِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ الْمُرْسَلينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا قائِماً بِالْقِسْطِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا فاتِحَ الْخَيْرِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَعْدِنَ الْوَحْيِ وَالتَّنْزيلِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُبَلِّغاً عَنِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا السِّراجُ الْمُنيرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُبَشِّرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَذيرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُنْذِرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يُسْتَضاءُ بِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ الْهادينَ الْمَهْدِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى جَدِّكَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَعَلى اَبيكَ عِبْدِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى اُمِّكَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهَب، اَلسَّلامُ عَلى عَمِّكَ حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَداءِ، اَلسَّلاُمُ عَلى عَمِّكَ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، اَلسَّلامُ عَلى عَمِّكَ وَكَفيلِكَ أبي طالِب، اَلسَّلامُ عَلى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَر الطَّيّارِ في جِنانِ الْخُلْدِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَحْمَدُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ عَلَى الاَْوَّلينَ وَالاْخَرينَ وَالسّابِقُ اِلى طاعَةِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَالْمُهَيْمِنُ عَلى رُسُلِهِ، وَالْخاتَمُ لاَِنْبِيائِهِ، وَالشّاهِدُ عَلى خَلْقِهِ، وَالشَّفِيعُ اِلَيْهِ، وَالْمَكينُ لَدَيْهِ، وَالْمُطاعُ في مَلَكُوتِهِ، الاَْحْمَدُ مِنَ الاَْوْصافِ، الُْمحَمَّدُ لِسائِرِ الاَْشْرافِ، الْكَريمُ عِنْدَ الرَّبِّ، وَالْمُكَلَّمُ مِنْ وَراءِ الْحُجُبِ، الْفائِزُ بِالسِّباقِ، وَالْفائِتُ عَنِ اللِّحاقِ، تَسْليمَ عارِف بِحَقِّكَ مُعْتَرِف بِالتَّقْصيرِ في قِيامِهِ بِواجِبِكَ، غَيْرَ مُنْكَر مَا انْتَهى اِلَيْهِ مِنْ فَضْلِكَ، مُوقِن بِالْمَزيداتِ مِنْ رَبِّكَ، مُؤْمِن بِالْكِتابِ الْمُنْزَلِ عَلَيْكَ، مُحَلِّل حَلالَكَ، مُحَرَّم حَرامَكَ، اَشْهَدُ يا رَسُولَ اللهِ مَعَ كُلِّ شاهِد، وَاَتَحَمَّلُها عَنْ كُلِّ جاحِد، اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لاُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ رَبِّكَ، وصَدَعْتَ بِاَمْرِهِ، وَاحْتَمَلْتَ الاَْذى في جَنْبِهِ، وَدَعَوْتَ اِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الْجَميلَةِ، وَاَدَّيْتَ الْحَقَّ الَّذي كانَ عَلَيْكَ، وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ، وَغَلُظْتَ عَلَى الْكافِرينَ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ، فَبَلَغَ اللهُ بِكَ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ، حَيْثُ لا يَلْحَقُكَ لاحِقٌ، وَلا يَفُوقُكَ فائِقٌ، وَلا يَسْبِقُكَ سابِقٌ، وَلا يَطْمَعُ في اِدْراكِكَ طامِعٌ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَهَدانا بِكَ مِنَ الضَّلالَةِ، وَنوَّرَنا بِكَ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَجَزاكَ اللهُ يا رَسُولَ اللهِ مِنْ مَبْعُوث اَفْضَلَ ما جازى نَبِيَّاً عَنْ اُمَّتِهِ، وَرَسُولاً عَمَّنْ اُرْسِلَ اِلَيْهِ، بَاَبي اَنْتَ وَاُمّي يا رَسُولَ اللهِ، زُرْتُكَ عارِفاً بِحَقِّكَ، مُقِرّاً بِفَضْلِكَ، مُسْتَبْصِراً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ وَخالَفَ اَهْلَ بَيْتِكَ، عارِفاً بِالْهُدَى الَّذي اَنْتَ عَلَيْهِ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي وَنَفْسي وَاَهْلي وَمالي وَوَلَدي، اَنَا اُصَلّي عَلَيْكَ كَما صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وَصَلّى عَلَيْكَ مَلائِكَتُهُ وَاَنْبِياؤُهُ وَرُسُلُهُ، صَلاةً مُتَتابِعَةً وافِرَةً مُتَواصِلَةً لاَ انْقِطاعَ لَها وَلا اَمَدَ وَلا اَجَلَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ كَما اَنْتُمْ اَهْلُهُ.
ثمّ ابسط كفّيك وقل: اَللّـهُمَّ اجْعَلْ جَوامِعَ صَلَواتِكَ، وَنَوامِيَ بَرَكاتِكَ، وَفَواضِلَ خَيْراتِكَ، وَشَرائِفَ تَحِيّاتِكَ وَتَسْليماتِكَ وَكَراماتِكَ وَرَحَماتِكَ وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَاَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلينَ، وَاَئِمَّتِكَ الْمُنْتَجَبينَ، وَعِبادِكَ الصّالِحينَ، وَاَهْلِ السَّماواتِ وَالاَْرَضينَ، وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَشاهِدِكَ وَنَبِيِّكَ وَنَذيرِكَ وَاَمينِكَ وَمَكينِكَ وَنَجِيِّكَ وَنَجيبِكَ وَحَبيبِكَ وَخَليلِكَ وَصَفيِّكَ وَصَفْوَتِكَ وَخاصَّتِكَ وَخالِصَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَخَيْرِ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَخازِنِ الْمَغْفِرَةِ، وَقائِدِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَمُنْقِذِ الْعِبادِ مِنَ الْهَلَكَةِ بِاِذْنِكَ، وَداعيهِمْ اِلى دينِكَ الْقَيِّمِ بِاَمْرِكَ، اَوَّلِ النَّبيّينَ ميثاقاً، وَآخِرِهِمْ مَبْعَثاً، الَّذي غَمَسْتَهُ في بَحْرِ الْفَضيلَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْجَليلَةِ، وَالدَّرَجَةِ الرَّفيعَهِ، وَالْمَرْتَبَةِ الْخَطيرَهِ، وَاَوْدَعْتَهُ الاَْصْلابَ الطّاهِرَةَ، وَنَقَلْتَهُ مِنْها اِلَى الاَْرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ، لُطْفاً مِنْكَ لَهُ وَتَحَنُّناً مِنْكَ عَلَيْهِ، اِذْ وَكَّلْتَ لِصَوْنِهِ وَحِراسَتِهِ وَحِفْظِهِ وَحِياطَتِهِ مِنْ قُدْرَتِكَ عَيْناً عاصِمَةً، حَجَبْتَ بِها عَنْهُ مَدانِسَ الْعُهْرِ، وَمَعائِبَ السِّفاحِ، حَتّى رَفَعْتَ بِهِ نَواظِرَ الْعِبادِ، وَاَحْيَيْتَ بِهِ مَيْتَ الْبِلادِ، بِاَنْ كَشَفْتَ عَنْ نُورِ وِلادَتِهِ ظُلَمَ الاَْسْتارِ، وَاَلْبَسْتَ حَرَمَكَ بِهِ حُلَلَ الاَْنْوارِ، اَللّـهُمَّ فَكَما خَصَصْتَهُ بِشَرَفِ هذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْكَريمَةِ وَذُخْرِ هذِهِ الْمَنْقَبَةِ العَظِيْمَة، صَلِّ عَلَيْهِ كَما وَفي بِعَهْدِكَ، وَبَلَّغَ رِسالاتِكَ، وَقاتَلَ اَهْلَ الْجُحُودِ عَلى تَوْحيدِكَ، وَقَطَعَ رَحِمَ الْكُفْرِ في اِعْزازِ دينِكَ، وَلَبِسَ ثَوْبَ الْبَلْوى في مُجاهَدَةِ اَعْدآئِكَ، وَاَوْجَبْتَ لَهُ بِكُلِّ اَذَىً مَسَّهُ اَوْ كَيْد اَحَسَّ بِهِ مِنَ الْفِئَةِ الَّتي حاوَلَتْ قَتْلَهُ فَضيلَةً تَفُوقُ الْفَضائِلَ، وَيَمْلِكُ بِهَا الْجَزيلَ مِنْ نَوالِكَ، وَقَدْ اَسَرَّ الْحَسْرَةَ، وَاَخْفَى الزَّفْرَةَ، وَتَجَرَّعَ الْغُصَّةَ، وَلَمْ يَتَخَطَّ ما مَثَّلَ لَهُ وَحْيُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ صَلاةً تَرْضاها لَهُمْ، وَبَلِّغْهُمْ مِنّا تَحِيَّةً كَثيرَةً وَسَلاماً، وَآتِنا مِنْ لَدُنْكَ في مُوالاتِهِمْ فَضْلاً وَاِحْساناً وَرَحْمَةً وَغُفْراناً، اِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ.
ثمّ صلّ أربع ركعات صلاة الزّيارة بسلامين واقرأ فيها ما شئت مِن السّور، فاذا فرغت فسبّح تسبيح الزّهراء (عليها السلام) وقُل:
اَللّـهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ لِنَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلّى اللهُ عَلَيْه وَآلِهِ: (وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً) وَلَمْ اَحْضُرْ زَمانَ رَسُولِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، اَللّـهُمَّ وَقَدْ زُرْتُهُ راغِباً تائِباً مِنْ سَيِّئِ عَمَلي، وَمُسْتَغْفِراً لَكَ مِنْ ذُنُوبي ومُقِرّاً لَكَ بِها وَاَنْتَ اَعْلَمُ بِها مِنّي، وَمُتَوَجِّهاً اِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَاجْعَلْني اَللّـهُمَّ بِمُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَكَ وَجيهاً فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبينَ، يا مُحَمَّدُ يا رَسُولَ اللهِ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يا نَبِيَّ اللهِ يا سَيِّدَ خَلْقِ اللهِ، اِنّي اَتَوَجَّهُ بِكَ اِليَ اللهِ رَبِّكَ وَرَبّي لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي، وَيَتَقَبَّلَ مِنّي عَمَلي، وَيَقْضِيَ لي حَوائِجي، فَكُنْ لي شَفيعاً عِنْدَ رَبِّكَ وَرَبّي، فَنِعْمَ الْمَسْؤُولُ الْمَوْلى رَبّي، وَنِعْمَ الشَّفيعُ اَنْتَ يا مُحَمَّدُ، عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ السَّلامُ، اَللّـهُمَّ وَاَوْجِبْ لي مِنْكَ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالرِّزْقَ الْواسِعَ الطَّيِّبَ النّافِعَ، كَما اَوْجَبْتَ لِمَنْ اَتى نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهُوَ حَيُّ، فَاَقَرَّ لَهُ بِذُنُوبِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، فَغَفَرْتَ لَهُ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمْ الرّاحِمينَ، اَللّـهُمَّ وَقَدْ اَمَّلْتُكَ وَرَجَوْتُكَ وَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَرَغِبْتُ اِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ، وَقَدْ اَمَّلْتُ جَزيلَ ثَوابِكَ، وَاِنّي لَمُقِرٌّ غَيْرُ مُنْكِر، وَتائِبُ اِلَيْكَ مِمَّا اقْتَرَفْتُ، وَعائِذٌ بِكَ في هذَا الْمَقامِ مِمّا قَدَّمْتُ مِنَ الاَْعْمالِ التَّي تَقَدَّمْتَ اِلَيَّ فيها وَنَهَيْتَني عَنْها، وَاَوْعَدْتَ عَلَيْهَا الْعِقابَ، وَاَعُوذُ بِكَرَمِ وَجْهِكَ اَنْ تُقيمَني مَقامَ الْخِزْىِ وَالذُّلِّ يَوْمَ تُهْتَكُ فيهِ الاَْسْتارُ، وَتَبْدُو فيهِ الاَْسْرار وَالْفَضائِحُ، وَتَرْعَدُ فيهِ الْفَرائِصُ، يَوْمَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدامَةِ، يَوْمَ الاْفِكَةِ، يَوْمَ الاْزِفَةِ، يَوْمَ التَّغابُنِ، يَوْمَ الْفَصْلِ، يَوْمَ الْجَزاءِ، يَوْماً كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ اَلْفَ سَنَة، يَوْمَ النَّفْخَةِ، يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَهُ، يَوْمَ النَّشْرِ، يَوْمَ الْعَرَضْ، يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمينَ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ اَخيهِ وَاُمِّهِ وَاَبيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ، يَوْمَ تَشَقَّقُ الاَْرْضُ وَاَكْنافُ السَّماءِ، يَوْمَ تَأتي كُلُّ نَفْس تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها، يَوْمِ يُرَدُّونَ اِلَى اللهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، يَوْمَ لا يُغْني مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ اِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ، يَوْمَ يُرَدُّونَ اِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، يَوْمَ يُرَدُّونَ اِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقُّ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاَْجْداثِ سِراعاً كَاَنَّهُمْ اِلى نُصُب يُوفِضُونَ، وَكَاَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعينَ اِلَى الدّاعِ اِلَى اللهِ، يَوْمَ الْواقِعَةِ، يَوْمَ تَرُجُّ الاَْرْضُ رَجّاً، يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ، وَلا يُسْأَلُ حَميمٌ حَميماً، يَوْمَ الشّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ، يَوْمَ تَكُونُ الْمَلائِكَةُ صَفّاً صَفّاً، اَللّـهُمَّ ارْحَمْ مَوْقِفي في ذلِكَ الْيَوْمِ بِمَوْقِفي في هذَا الْيَوْمِ، وَلا تُخْزِني في ذلِكَ الْمَوْقِفِ بِما جَنَيْتُ عَلى نَفْسي، وَاجْعَلْ يا رَبِّ في ذلِكَ الْيَوْمِ مَعَ اَوْلِيائِكَ مُنْطَلَقي، وَفي زُمْرَةِ مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَحْشَري، وَاجْعَلْ حَوْضَهُ مَوْرِدي، وَفِي الْغُرِّ الْكِرامِ مَصْدَري، وَاَعْطِني كِتابِي بِيَميني حَتّى اَفُوزَ بِحَسَناتي، وَتُبَيِّضَ بِهِ وَجْهي، وَتُيَسِّرَ بِهِ حِسابِي، وَتُرَجِّحَ بِهِ ميزاني، وَاَمْضِيَ مَعَ الْفائِزينَ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ اِلى رِضْوانِكَ وَجِنانِكَ اِلـهَ الْعالَمينَ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَعُوذُ بِكَ مِنْ اَنْ تَفْضَحَني في ذلِكَ الْيَوْمِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلايِقِ بِجَريرَتي، اَوْ اَنْ اَلْقَى الْخِزْيَ وَالنَّدامَةَ بِخَطيئَتي، اَوْ اَنْ تُظْهِرَ فيهِ سَيِّئاتِي عَلى حَسَناتي، اَوْ اَنْ تُنَوِّهَ بَيْنَ الْخَلائِقِ بِاسْمي، يا كَريمُ يا كَريمُ، الْعَفْوَ الْعَفْوَ، السَّتْرَ السَّتْرَ، اَللّـهُمَّ وَاَعُوذُ بِكَ مِنْ اَنْ يَكُونَ في ذلِكَ الْيَوْمِ في مَواقِفِ الاَْشْرارِ مَوْقِفي، اَوْ في مَقامِ الاَْشْقياءِ مَقامي، وَاِذا مَيَّزْتَ بَيْنَ خَلْقِكَ فَسُقْتَ كُلاًّ بِاَعْمالِهِمْ زُمَرَاً اِلى مَنازِلِهِمْ فَسُقْني بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ، وَفي زُمْرَةِ اَوْلِيائِكَ الْمُتَّقينَ اِلى جَنّاتِكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ.
ثمّ ودّعه وقل: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْبَشيرُ النَّذيرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا السِّراجُ الْمُنيرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا السَّفيرُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، اَشْهَدُ يا رَسُولَ اللهِ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الاَْصْلابِ الشّامِخَةِ، وَالاَْرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجاهِلِيَّةُ بِاَنْجاسِها، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهَمّاتِ ثِيابِها، واَشْهَدُ يا رَسُولَ اللهِ اَنّي مُؤْمِنٌ بِكَ وَبِالاَْئِمَّةِ مِنْ اَهْلِ بَيْتِكَ مُوقِنٌ بِجَميعِ ما اَتَيْتَ بِهِ راض مُؤْمِنٌ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ اَهْلِ بَيْتِكَ اَعْلامُ الْهُدى، وَالْعُرْوَةُ الْوُثقى، وَالْحُجَّةُ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا، اَللّـهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَةِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، وَاِنْ تَوَفَّيْتَني فَاِنّي اَشْهَدُ في مَماتي عَلى ما اَشْهَدُ عَلَيْهِ في حَياتي اَنَّكَ اَنْتَ اللهُ لا اِلـهَ إلاّ اَنْتَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، وَاَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَاَنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ اَهْلِ بَيْتِهِ اَوْلِياؤُكَ وَاَنْصارُكَ وَحُجَجُكَ عَلى خَلْقِكَ، وَخُلَفاؤُكَ في عِبادِكَ، وَاَعْلامُكَ في بِلادِكَ، وَخُزّانُ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةُ سِرِّكَ، وَتَراجِمَةُ وحْيِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَبَلِّغْ رُوحَ نَبِيِّكَ مُحَمَّد وَآلِهِ في ساعَتي هذِهِ وَفي كُلِّ ساعَة تَحِيَّةً مِنّي وَسَلاماً، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرُ تَسْليمي عَلَيْكَ.
قال الشّيخ في المِصباح والسّيد في جمال الاسبوع في ضمن أعمال يوم الجمعة: اعلم يستحبّ في يوم الجُمعة زيارة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام)، ورويا عن الصّادق (

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ الْمُرْسَلُ، وَالْوَصِىُّ الْمُرْتَضى، وَالسَّيِّدَةُ الْكُبْرى، وَالسَّيِّدَةُ الزَّهْراءُ، وَالسِّبْطانِ الْمُنْتَجَبانِ، وَالاَْوْلادُ الاَْعْلامُ، وَالاُْمَناءُ الْمُنْتَجَبُونَ، جِئْتُ اِنْقِطاعاً اِلَيْكُمْ وَاِلى آبائِكُمْ وَوَلَدِكُمُ الْخَلَفِ، عَلى بَرَكَةِ الْحَقِّ، فَقَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بِدينِهِ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، اِنّي لَمِنَ الْقائِلينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ، لا اُنْكِرُ للهِ قُدْرَةً وَلا اَزْعُمُ إلاّ ماشاءَ اللهُ سُبْحانَ اللهِ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، يُسَبِّحُ اللهَ بِاَسْمائِهِ جَميعُ خَلْقِهِ، وَالسَّلامُ عَلى اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
أقول: في روايات عديدة انّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يبلغه سلام المُسلمين عليه، وصلوات المُصلّين عليه حيثما كانوا، وفي الحديث انّ ملكاً من الملائكة قد وكلّ على أن يرد على من قال من المؤمنين صَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ فيقُول في جوابه: وعليك، ثمّ يقول الملك: يا رسول الله انّ فلاناً يقرؤك السّلام، فيقول رسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليه السّلام.
وفي رواية معتبرة انّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن زار قبري بعد وفاتي كان كمن هاجر اليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا أن تزوروا قبري فابعثوا اليّ السّلام فانّه يبلغني، وقد وردت لهذا المعنى اخبار جمّة ونحن قد اثبتنا له صلوات الله عليه زيارتين اثنتين في يومِ الاثنين عند ذكر زيارات الحُجج الطّاهرة في أيّام الاسبُوع فراجعها إن شئت وفُز بفضل الزّيارة بهما، وينبغي أن يصلّي عليه بما صلّى به أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خُطبه في يومِ الجُمعة، كما في كتاب الرّوضة من الكافي:
اِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا اَيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَتَحَنَّنْ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَسَلِّمْ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، كَاَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى اِبْراهيمَ وَآلِ اِبْراهيمَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحَمَّدًا الْوَسيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَريمَةَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّد اَعْظَمَ الْخَلائِقِ كُلِّهِمْ شَرَفاً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَاَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَقْعَداً، وَاَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ جاهاً وَاَفْضَلَهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةً وَنَصيباً، اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحَمَّداً اَشْرَفَ الْمَقامِ، وَحِباءَ السَّلامِ، وَشَفاعَةَ الاِْسْلامِ، اَللّـهُمَّ وَاَلْحِقْنا بِهِ غَيْرَ خَزايا وَلا ناكِثينَ وَلا نادِمينَ وَلا مُبَدِّلينَ، اِلـهَ الْحَقِّ آمينَ.
معجزاته :
• القرآن الكريم المعجزة الكبرىلكل نبي مرسل بدعوة جديدة لا بد له أن يقدم إلى جانب منهجه الجديد الذي يطالب الناس بتطبيقه معجزته الدالة على أن هذا المنهج هو من الخالق المدبر أي أنه منهج إلهي حكيم.
وعادةً لا بد أن تكون المعجزة هذه نادرة الحدوث ومتميزة بشكل معين تشد القلوب لها وتفرض نفسها علي ذهن الإنسان ليدخل الإنسان بالتالي في إطار الطاعة التامة وإنها تجري على يد النبي المرسل كرامةً له من الله تعالى ليصدق الناس بأنه رسول بالفعل وإن منهجه هو منهج رباني قويم فيأتمر الناس بأوامر الله ويطيعونه ويطيعون الرسول أيضا. والأنبياء (عليهم السلام) عموماً جاءوا بالمعاجز الدالة على نبوتهم وكانت المعاجز النبوية تتناسب مع مستوى الناس أولاً وتتناسب مع مستوى الحاجة لها ثانيا وتكون مناسبة للظرف السائد وهذه حكمة الله تبارك وتعالى ففي زمن موسى كان يسود السحر بأعتى أشكاله فجاءت عصا موسى على مستوى هذه الظاهرة وإذا بها تلقف ما يأفكون وأمام أعين الناس أول من يؤمن بإله موسى وهارون هم السحرة الذين سحروا أعين الناس وعارضوا موسى ورسالته لا بل إن الطاغية فرعون كان يحتمي بهم فإنهم أدركوا بعمق أن قضية العصا ليست من شؤون السحر. فقد قال سبحانه وتعالى:
(... قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى، قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، فأُلقى السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى) . [سورة طه: الآيات 65-70]
أما النبي عيسى ابن مريم (

(أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله. . ). [سورة آل عمران: الآية 49].
وهكذا نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاء بالقرآن الكريم معجزته الخالدة ليكون القرآن هو المنهج الواضح للحياة وهذه المعجزة مناسبة للتطور البلاغي واللغوي لدى العرب آنذاك والمعروف ان العرب كانوا يتأثرون كثيراً بالأدب شعراً ونثراً حتى برز الشعراء الكبار في الجاهلية بقصائدهم الخالدة لفظاً ومعنى مما دفعهم ليكتبوا بعض القصائد الرائعة والمتفوقة بماء الذهب وعلقوها بالكعبة ـ كما هو معروف ـ.
فجاء القرآن الكريم بكلام لا هو شعر ولا هو نثر بل هو قرآن حكيم لا نستطيع أن نقول عنه شيئاً آخر. وهو معجزة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هذه المعجزة التي امتازت عن غيرها بأنها دائمة على مرّ العصور والأزمان وغير منقطعة بموت النبي كما في المعاجز الأخرى السابقة للأنبياء السابقين فقد كانت مؤقتة ضمن ظروف زمانية ومكانية محدودة لأن رسالتهم كانت محدودة إلى زمن معيّن، بينما القرآن الحكيم هو معجزة الله في كل زمان وكل مكان فهو المعجزة الخالدة التي أثبتت وأكدت معاجز الأنبياء من قبل وتحدّت الفنون والعلوم على مرّ الزمن ما دام الله سبحانه أراد للرسالة الدوام إلى قيام الساعة منهجاً دائماً للبشر.
والقرآن الكريم هذا قد احتوى على قصص الأولين من الأمم السالفة وفيه تبيان لقوانين الحياة وسنن الله وتحديد مصير الإنسان والمجتمع سلباً أو إيجاباً في الدنيا والآخرة ضمن ضوابط معينة وأشار إلى حقائق علمية اكتشف العلم الحديث بعضها بينما لا يزال بعضها لغزاً محيّراً للألباب إلى الوقت الحالي ويبدو أن بعضها سيبقى سراً من الأسرار الدائمة.
فالقرآن رسالة ما بعدها رسالة وإنّه آخر معجزة يبعثها الله تبارك وتعالى للبشرية فالقرآن آخر صورة إعجازية يأتي بها الوحي وإن الإسلام ختم تاريخ الرسل وبدأ بعصره الخالد.
والقرآن الحكيم قد أحاط الإنسان والمجتمع والطبيعة والغيب إحاطة تامة وأفرز البرنامج المتكامل للحياة روحياً ومادياً، معنوياً وطبيعياً. . فحفظ الإنسان من الضياع والمجتمع من الانحراف والغيب من النكران. . وكلما يمر الزمان تتجلى عظمة القرآن أكثر لتقدم العلم بشتى صنوفه وتطور التكنولوجيا كل هذا التقدم بات يخدم القرآن خدمة جليلة وبالفعل يقف القرآن العظيم منذ أربعة عشر قرناً وقفة الشموخ والانتصار ليثبت للعالم بأنه صوت الله للبشرية يصلح لكل ظروف البشر وبأي مستوىً كانوا علمياً وثقافياً وفكرياً. . فهو الدستور الإلهي الذي يضمن بتطبيقه سعادة البشر نفسياً واجتماعياً حيث بينت أحكامه أسس العلاقة بين العبد وربه الجليل وكذلك العلاقة بين الإنسان والإنسان والعلاقة بين الإنسان والمجتمع ضمن الضوابط المشروعة بعيداً عن التمييز الطبقي والعشائري بل الشريعة الإسلامية ذوّبت كل الحواجز المصطنعة بين البشر وجعلتهم متساوين أمام القانون كأسنان المشط (الناس سواسية كأسنان المشط) كما في الحديث النبوي، وفي ظل القرآن الكريم تحققت الحرية للإنسان والمجتمع في اختيار عقيدته وطريقة حياته: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) فقد أثار القرآن دفائن العقول والأفكار ليستنير الإنسان بهدى عقله وطاقاته الذهنية في حرية تامة ليختار الطريق الأصلح له. فقد قال تبارك وتعالى:
(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض) . [سورة آل عمران: الآية 191].
وبالفعل عرف الإنسان قيمته وقدره وانتهى عصر الحرمان والذل والعبودية والاستغلال حينما جاء الإسلام لينشر تعاليمه بين البشر.
وهكذا فقد وجدت العائلة الإنسانية الكريمة نفسها معززة مكرمة في ظل المعجز الإلهي ووجدت المرأة حقوقها بعد أن كشف القرآن أسرار المرأة وحدودها وكرامتها فقد عاملها القرآن بما يناسبها نفسياً.
قال سبحانه: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيبة) . [سورة النحل: الآية 97].
وبمعنى آخر إن هذه المعجزة الخالدة والدستور الخالد استوعب كل مناحي الحياة وما يتصل بالإنسان والمجتمع والطبيعة والغيب من عقيدة وعبادة ومعاملة وحياة وممات في هذه الدنيا وفي الدار الآخرة.
(فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) . [سورة آل عمران: الآية 148].
ونحن إذ نتحدث عن المعجزة الربانية الخالدة لابد أن نشير إلى أن الجاهلية القديمة والحديثة جابهت القرآن بأساليب عديدة ظّناً منها أنها سوف تنهي مسيرة الإيمان وتنتصر لمصالحها ومن هذه الأساليب والأفكار:
1ـ اعتبروا القرآن من تأليف النبي محمد (صلى الله عليه وآله) .
2ـ نسبوا إلى الرسول الأعظم السحر والجنون والرهبنة.
3ـ حاربوا الرسول الأكرم نفسياً وجسمياً ولا زالوا يحاربون تأريخه المجيد وأتباعه الملتزمين.
4ـ أثاروا الشبهات حول حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى القرآن الحكيم بغية التشكيك بهما.
ولو أردنا أن نردّ على هذه الادعاءات نردها بإيجاز لأن البحث الطويل ـ كما أظن ـ غير مجدٍ بعد أن ركع العلم الحديث بكل اطروحاته المتقدمة لعظمة القرآن المجيد فبدأ علماء الذرة والتكنولوجيا والطب والأحياء والنبات يعترفون بمعجزة القرآن حيث يدلهم على قمة الأسرار والخفايا من القوانين والسنن الطبيعية بأسلوب مبسط مبين ومع كل ذلك لنا مع أصحاب هذه الادعاءات حديث موجز وقبل الحديث يمكن أن نقول أن النفوس المريضة تحاول وبشتى الطرق أن تستنتج تبريرات للوقوف مع هذه الادعاءات وإن كانت هذه التبريرات غير مقنعة أساساً إنما يخدعون أنفسهم بها وهم يعلمون ولكن أمراض النفس وضغوط المجتمع الفاسد والمصالح الدنيوية كل ذلك يدفعهم للوقوف إلى جانب الباطل فقد قال سبحانه واصفاً هذه الحالة أدق وصف:
(. . وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا) . [سورة النمل: الآية 14].
وبالضبط مثلهم مثل عمر بن سعد في واقعة كربلاء حيث قال:
أأترك ملك الري والري منيتي***أم أرجــــع مأثوماً بقتل حسينِ
يعني أنه يعرف نفسه لو قتل الحسين بن علي (

والآن الذين يقولون إن القرآن من تأليف محمد (صلى الله عليه وآله) ليعلموا أنه رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب فقد قال تبارك وتعالى:
(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين) . [سورة الجمعة: الآية 2].
وقال أيضاً: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) . [سورة الأعراف: الآية 157].
وقال كذلك: (وكذلك أو حينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتب ولا الإيمان) . [سورة الشورى: الآية 52].
إضافة لذلك إن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) الشخصية قبل البعثة لم يمارس فيها قول الشعر أو النثر بل لم يدخل في مؤسسة أو جامعة تؤهله لذلك وحتى أولئك الذين يدخلون إليها في الوقت الحاضر لا يستطيعون أن يطرحوا شيئاً من هذه التعاليم الإلهية وبهذه القدرة الكبيرة. إضافة ذلك لو كان القرآن من تأليف محمد لانعكست على القرآن الحكيم حالات البشر المتعددة من ضعفٍ وغضب ونحن لا نرى ذلك في الكتاب العزيز قال تبارك وتعالى:
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) . [سورة النساء: الآية 82].
أما تنسيبهم للنبي (صلى الله عليه وآله) السحر والجنون وما شابه فإنه دليل عجزهم ومن المعلوم أن المعجزة تختلف عن السحر اختلافاً عن السحر اختلافاً بارزاً في عدة أمور منها أن الساحر يخلط بين أمور عديدة ليخرج أمام الأعين أمراً نتصوره غريباً بطريقة الإبداع بالتأثير على شعور الإنسان أو عينه أو خياله وفي الآية: (. . يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) في قصة موسى والسحرة بينما المعجزة هي حقيقة واقعة بعيدة عن الخيال والشعور بل كما ترى الشمس وتؤمن بها.
والساحر عادةً يصل إلى هذه الفن عبر دراسة وإمكانيات ذاتية خاصة بينما المعجزة لا تحتاج لذلك لأنها قدرة تسلّم إليه من الله تعالى عبر الأمين، والساحر لا يكون وحده في هذا العمل بل ضمن مجموعة من السحرة يمكن أن يكشف أحدهم الآخر ويوضح ضعفه بينما المعجزة تجري على يد نبي مرسل لا تناقضه معجزة أخرى.
والسحرة لا تكون لديهم أهداف ولربما يسحرون أعين الناس لأغراض شخصية أو شهوات دنيوية لذلك نلاحظهم يكونون ذيولاً للطغاة وفي خدمة أغراضهم ومصالحهم بينما صاحب المعجزة له أهدافه المقدسة وعادة يكون في صف المعارضة للطغاة والمتسلطين ويستعمل المعجزة في محلها ليقنع الناس بأن رسالته من الله تعالى وليست له أهداف غيرها. علماً بأن الناس كانوا يتهمون الأنبياء عموماً بالسحر لعجزهم أمام المعاجز الخارقة للعادات والقوانين السائدة فيقولون إنه ساحر إنه مجنون إنه كاهن. . وبعد الاتهام بالسحر جرت عادة الظالمين أن يبتدئوا حرباً نفسية واقتصادية ثم بالتصفيات الجسدية لأولياء الله تعالى فمن هنا نفهم أسباب الحروب والمعارك في زمن الأنبياء والأولياء فبعد انهزام الظالمين والمغرر بهم أمام المعجزة الربانية يتوسلون بلغة الغاب العنيفة ليعيدوا كرامتهم المهدورة أمام قوة القرآن الكريم والمعاجز الأخرى التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) والأنبياء (عليهم السلام) من قبله، وهكذا بالنسبة لرميهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالجنون بسبب المرض النفسي المتأصل في داخلهم ورغبة منهم للثأر لكبريائهم المسحوق.
قال تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنّه إن هو إلاَّ نذير لكم... ) . [سورة سبأ: الآية 46].
(... وما صاحبكم بمجنون) . [سورة التكوير: الآية 22].
ولنا في كلام النضر بن الحارث الذي يعتبر من أعداء النبي (صلى الله عليه وآله) خير دليل حيث وقف بمكة خاطباً: (يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانةً حتى إذا رأيتموه في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه وقلتم مجنون لا والله ما هو مجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم) (1) .
• القرآن والتحدي، ما هو المعجز وأين موقع الأعجاز؟
• القرآن والتحدي:
منهجية القرآن الكريم منهجية حضارية بعيدة كل البعد عن الأساليب البدائية الحادة بل قدّم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هذا المنهج الرباني الواضح مع دليله وبرهانه وبدأ يتحاجج مع الناس على ضوء عقليتهم وأكثر من مرة يتساءل القرآن المجيد عن سبب الخلقة والوجود والطبيعة ليفتح أذهان الناس كي يتوصلوا إلى المعرفة والعلم، يقول القرآن الحكيم:(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت) . [سورة الغاشية: الآيات 17-20].
وفي آية أخرى: (ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين، وهديناه النجدين. . ) . [سورة البلد: الآيات 8-10].
وقال عز وجل أيضاً: (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) . [سورة الواقعة: الآية 59].
وكثيرة هذه الآيات الاستفهامية التي يتطرق القرآن لها ليثير عقل الإنسان فيفكر في الخلق ويعتبر ويهتدي إلى طريق الصواب. .
ومن ثم كان يوضح (صلى الله عليه وآله) للناس انه رسول الله إلى البشرية أي الوسيط الذي ينقل للناس نصوص الله وما ظهور هذه المعجزة العظمى أي القرآن الكريم والمعاجز الأخرى علي يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلا من عند الله تعالى فقد قال سبحانه:
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) . [سورة الكهف: الآية 110].
فالرسول (صلى الله عليه وآله) بشر مثلنا وإنما اختاره الله واصطفاه لهذه المهمة الكبيرة. فهو إنسان من مجموع البشر وكأحدهم ولكن بفرق الوحي الأمين الذي يهبط إليه ليبلغه رسالات الرب الجليل (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي. . ) و (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) و (إن الله اصطفى آدم ونوحا).
ومظهر آخر من مظاهر القرآن انه كان يتحدث مع المنحرفين والطاغين بأُسلوب المجابهة الهادئة التي تخاطب الوجدان ليعوا أمرهم فيقول سبحانه:
(واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً) . [سورة الفرقان: الآية 3].
وبمظهر آخر كان يعلن إفلاس الآلهة أمام قدرته البالغة فيقول: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) . [سورة الحج: الآية 73].
وبهذا الأسلوب الوجداني استطاع القرآن الحكيم أن يترك الآثار الواضحة في نفوس الناس مهما بلغوا حدةً وغلظة، وحتى أنه ينقل في كتب السيرة أن بعض الكفار من شدة شوقهم وانجذابهم للقرآن الكريم (كانوا يأتون متخفين ويكمنون ليلاً خلف بيت النبي (صلى الله عليه وآله) حتى انتشار ضوء الصباح وذلك لكي ينصتوا إلى تلاوة القرآن الساحرة للقلب التي تتدفق على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تكرر هذا الأمر كثيراً) (2).
هذا الأسلوب الحي هو السر في نجاح النبي (صلى الله عليه وآله) في نشر دعوته فكأنما القرآن، كان يمسك المعول الحديدي بأُسلوبه ليحطم العقائد والعادات المنحرفة ويصحح بعض التقاليد والأفكار السائدة ليبني القيم الإيجابية في نفسية الإنسان والمجتمع فحارب الشرك والإشراك بقوله:
(لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا) . [سورة الأنبياء: الآية 22].
ورّد على نسبة الولد إليه تعالى كما قالت اليهود والنصارى بقوله:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم. . ) . [سورة التوبة: الآية 30].
وقال أيضاً: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) . [سورة المؤمنون: الآية 91].
(وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً، إن كل من في السموات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عدّاً) . [سورة مريم: الآيات 92-94].
وهكذا فتح القرآن الكريم نفوس الناس ليستخرج ما فيها من عقائد وأفكار سقيمة ليبدلها بالخير والأفكار الصحيحة وبين آونة وأخرى يذكر القرآن الكريم هذه المسألة وبأُسلوبه الشيق ليتم اجتثاث جذور الفكر الفاسد والمنحرف من النفس الإنسانية ولن يترك أمراً غامضاً بعيداً عن التحليل بل يأتي إليه ويمدّ شعاعه الطاهر ليحرق به كل الجراثيم العالقة في بواطن الإنسان لتنمو بالتالي الحالة الإيجابية والصحيحة وتأخذ طريقها اليسير في الحياة وحتماً كان يدور في نفس الإنسان الريب والشك من أمر المعجزة العظمي فالقرآن أكد على عقيدة المعاد يوم القيامة وهنالك يجري الحساب الدقيق للناس ومما لا شك فيه قد ظهرت حالة الريب لدى الناس من هذه العقيدة فيأتي القرآن ليعالجها العلاج الحسن فيقول:
(يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم... ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيءٍ قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) . [سورة الحج: الآيات 5-7].
وفي سورة يس وفي نفس الصدد قال عز وجل: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرةٍ وهو بكل خلقٍ عليم) . [سورة يس: الآيتان 78-79].
بهذه الطريقة النفسية السامية التي تتلخص في كشف الخفايا الداخلية وإظهارها إلى السطح بين آونة وأخرى لتتلقى من أشعة القرآن ما يقيها ويحصنها بل ليعطيها القرآن المناعة من الانحراف بعد أن يقتل الجراثيم الفكرية القابعة في اللاشعور. وتكرار هذا الكشف عبر عدة آيات وعدة مواقف وعدة مناسبات مما يطهّر النفس ويزكيها من براثن الشياطين والنفس. وبالفعل استطاع القرآن أن يحول استفسارات وشبهات الناس إلى تساؤلات هادفة منهم من يريد الوصول إلى الحقيقة ومنهم من لا يريد ذلك فعلم الناس التساؤل الهادف والجواب المقنع وكان يبين الحالات النفسية التي تراود المنافقين بالذات وإنهم لا يريدون إلا اللغو والوقوف أمام المد الإسلامي الجارف فاضحاً نفسياتهم العنيدة بقوله سبحانه:
(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون) . [سورة فصلت: الآية 26].
ومع هذا شجع الإنسان على التفكير الجدي والمصيري بمسائل الاعتقاد بعيداً عن التعصب والمصلحة الذاتية والحالة السلبية وذلك للتوصل ـ بتجرد ـ إلى عين الحقيقة ليؤمن الناس عن قناعة تامة بالمبادئ الإسلامية واستطاع بالفعل أن يذوّب هذه المشاحنات الشيطانية التي كانت تحتل قلوباً كثيرة وبذلك تحررت النفوس من العقائد الفاسدة وبدأ التغيير يشمل الجميع عدا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يرون الحق ولا يمتلكون أدوات الرؤية الصحيحة.
(لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) . [سورة الأعراف: الآية 179].
وبهذا أصبح القرآن هو المعجزة الخالدة للنبي (صلى الله عليه وآله) هذه المعجزة توجت المعاجز النبوية السابقة ورفعت عنها وعن الأنبياء أيضاً ما شوهته أيدي اليهود الآثمة حول شخصياتهم الجليلة بالشكل الذي يناسب أهداف اليهود التخريبية فمسحت الآثار السيئة حول شخصيات الأنبياء وأبرزت تأريخهم الجهادي الناصع.
فبذلك أصبح القرآن العظيم وثيقة السماء القانونية التي نسخت الوثائق السابقة وبينت أنها الوثيقة السماوية الصحيحة والخالدة.
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . [سورة آل عمران: الآية 58].
فإذن المشروع الإسلامي أي القرآن الكريم هو المشروع الذي أراد الله له الحياة والبقاء فهو المشروع الوحيد الجدير بمواكبة البشرية على مدى الأزمان والدهور وإنه الذي يستطيع أن يستوعب كل التطورات الحاصلة والتي تحصل في المستقبل بل إنه قادر على تمشية أمور العالم بالرغم من وفاة أو شهادة صاحب المعجزة الكبرى وهو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وفي الواقع هذا سر من أسرار القرآن إنه يقود البشرية بالقيادة الإسلامية الواضحة عبر الزمن فالقرآن منهج دستوري قيادي جاء للبشرية جمعاء منذ زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى أن تقوم الساعة.
هذا الإنجاز الإلهي الكبير بدأ بالتحدي وبأُسلوب علمي مقنع ولم يتحد القرآن الكريم أولئك الذين عاشوا في زمن الرسالة الأول بل تحدى جمع البشرية في أي زمان ومكان وبثقة تامة منذ محاولاتهم الأولى واعتبرها غير مجدية مسبقاً فقال عز من قائل:
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) . [سورة الإسراء: الآية 88].
أي لو يتعاون الجن مع الإنس والواحد يمسك ظهر الثاني في سبيل إتيان مثل هذا الكتاب المعجز فلا يقدرون على ذلك أبداً.
وأكثر من مرة واجه المعاصرين لنزوله المبارك بالتحدي وطلب تعاون الجميع في الإتيان بمثله وبأسلوبه والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالثقة المتكاملة كان يبلغ الرسالة ويؤكد إنها من عند الله وليست من عند نفسه.
فهذه هي الجولة الأولى بالتحدي حيث طلب الله الإتيان بمثل هذا القرآن ثم خفف الطلب بتحدٍ ثان حيث قال:
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) . [سورة هود: الآية 13].
وفي الجولة الثالثة خفف الطلب إلى سورة واحدة فقد قال الكتاب العزيز: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) . [سورة البقرة: الآية 23].
وفي سورة يونس: الآية 38: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) .
وللعلم إن هذا التحدي يعتبر مهولاً بالنسبة للبلغاء والفصحاء آنذاك وبالفعل أثبتوا عجزهم أمام أبسط حالات الاستجابة لهذا التحدي أولئك الذين كتبوا قصائدهم بماء الذهب وعلقوها بالكعبة فخراً واعتزازاً تراهم يتصاغرون أما سورة الكوثر ـ القليلة المقاطع والألفاظ، الكبيرة المعاني ـ وبالفعل ما استطاع الأدباء أن يخوضوا المعركة البلاغية.
والمسألة ليست اعتباطية حيث أن الكلمات في القرآن الكريم ليست ذات مظهر واحد وصحيح أن معناها المقصود هو المعروف والمتداول في كتب التفسير ولكن لكل حرف ولكل كلمة في موقعها لها عدة مظاهر وكلما تقدم العلم واستجدت الثقافة المتطورة ازدادت إشراقة الكتاب العزيز وتبينت أمور ما كان يعرفها ذلك العربي في الحجاز آنذاك وربما كنا نقرأ القرآن دون أن نعي هذه المعاني التي أبرزتها العلوم المعاصرة ـ وعلي سبيل المثال ـ نمثل على عجل لأننا سنفرز حديثاً في الأعجاز العلمي، فقد سمعت من أحد العارفين المتكلمين وكان يفسر الآية الكريمة: (مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان) . [سورة الرحمن: الآية 19-20].
قال إن العلم الحديث اكتشف أن في البحار والمحيطات آباراً من الماء العذب تنبع منها المياه العذبة وهي تسير في اتجاه يعاكس التيار العام للماء المالح في البحر بحيث لا يختلط الماء الحلو بالماء المالح السائد في البحار وبينهما فاصل لا يبغي الواحد على الآخر بل كل من الماءين يحافظ على خصوصيته.
هذا التفسير ما كنا نعرفه سابقاً قبل اكتشاف العلم، المهم أن المتضررين بالرسالة والمعاندين جمعوا قواهم في عدة محاولات حثيثة ليأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور مفتريات أو بسورة من مثله ولكنهم فشلوا فشلا ذريعاً وحقاً إن مجرد التحدي هذا هو انتصار للقرآن الكريم فهو يتحدى بثقة عالية إنها ثقة المبدأ المنتصر.
يقول الدكتور واجليري الأستاذ في جامعة نابل في كتابه (محمد ذلك النبي الذي لا بد أن يعرف من جديد) : (إن الكتاب السماوي للإسلام نموذج معجز لا يمكن تقليده وهو غير مسبوق في أسلوبه وتنظيمه في الآداب العربية وتأثيره في الروح الإنسانية ناشئ من امتيازه وروعته فكيف يمكن أن يكون مثل هذا الكتاب من إبداع محمد (صلى الله عليه وآله) (3) .
والقرآن الكريم ليس كتاباً علمياً يبحث في مسائل العلوم الطبيعية وإنما هو دستور الحياة وإنما يشير إلى سنن الطبيعة وإلى بعض العلوم للمناسبة والأهمية فكان السباق والمبادر في الإشارات العلمية والأدبية يقول الشيخ البوطي: (كان أكثر الميادين الفكرية التي يتسابق فيها أرباب الفصاحة والبيان هي ميادين الفخر والحماسة والموعظة والمدح والهجاء وكان أقل هذه الميادين اهتماماً منهم وحركة بهم ميادين الفلسفة والتشريع ومختلف العلوم وذلك هو السر في أنك قلما تجد الشعر يقتحم شيئاً من هذه الميادين الخالية الأخرى، ومهما رأيت بليغاً كامل البلاغة والبيان فإنه لا يمكن أن يتصرف في مختلف الموضوعات والمعاني على مستوى واحد من البيان الرفيع الذي يملكه بل يختلف كلامه حسب اختلاف الموضوعات التي يطرقها فربما جاء بالغاية من البراعة في معنى من المعاني فإذا انصرف إلى غيره أنخذل عن تلك الغاية ووقف دونها غير أنك لا تجد هذا التفاوت في كتاب الله تعالى فأنت تقرأ آيات منه في الوصف ثم تنتقل إلى آيات أخرى في القصة وتقرأ بعد ذلك مقطعاً في التشريع وأحكام الحلال والحرام فلا تجد الصياغة خلال ذلك إلا في أوج رفيع عجيب من الإشراق والبيان وتنظر فتجد المعاني كلها لاحقة بها شامخة إليها) (4) .
ما هو المعجز؟
المعجز أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة وإنما قلنا أمر لأن المعجز قد يكون إتياناً بغير المعتاد وقد يكون منعاً من المعتاد. وإنما قلنا خارق للعادة ليتميز به المدعى عن غيره وإنما قلنا مقرون بالتحدي لئلا يتخذ الكاذب معجزة من مضى حجة لنفسه وليتميز عن الإرهاص والكرامات وإنما قلنا مع عدم المعارضة ليتميز عن السحر والشعبذة (5) .
يعني ذلك إن المعجز إنما يخالف المعتاد أي يخالف القوانين المألوفة فهو يخرقها أي لا يخضع لها وإنما يكون بقدرة صاحب المعجزة قانوناً له أسبابه ومسبباته ويمتاز بقوة غالبة للقوانين المألوفة السائدة علماً بأن باب التحدي مفتوح على مصراعيه في كل الفنون أدباً وعلماً وبلاغة وفناً وهكذا.
أين موقع الأعجاز؟
سندرس المعجزة الكبرى ـ القرآن الكريم ـ من الزوايا التالية: 1- معجزة القرآن الأدبية البلاغية.
2- معجزة القرآن العلمية.
3- معجزة القرآن الغيبية.
4- معجزة القرآن التربوية والنفسية.
5- معجزة القرآن التشريعية.
الهوامش
1ـ سيرة ابن هشام، ج1، ص 98.
2ـ نفس المصدر، ج2، ص 22.
3ـ محمد ذلك النبي الذي لا بد أن يعرف من جديد د. واجليري ص 45.
4ـ من روائع القرآن للدكتور البوطي ص 135.
5ـ تلخيص المحصل للخواجة الطوسي، ص350.
1- معجزة القرآن الأدبية البلاغية:
إن التاريخ يقدم لنا حقائق كثيرة ومن الحقائق التي نحن بصددها يقول إن القرآن الكريم نزل في الجزيرة العربية وكان العرب قد بلغوا أوج عظمتهم وبراعتهم الأدبية والبلاغية حتى أن الشعر الجاهلي كان يكتب بماء الذهب ويعلق في الكعبة من شدة الإعجاب والاعتزاز ـ كما ذكرنا سابقاً ـ ومع كل هذا التقدم اللغوي في استعمال الألفاظ بالشكل الفني المتطابق لمقتضى الحال والملائم للذوق السليم الحساس بقدرة أدائية فائقة من الفصاحة والبلاغة والأدب وما تحويه هذه الفنون اللغوية من إبداع وتنسيق ودقة في الجرس الموسيقي للألفاظ ومعانيها الدالة عليها مع كل هذا نجد أن البلغاء الفصحاء والشعراء العرب حينما نزل القرآن الكريم اعترفوا بتقصير تقدمهم هذا ووقفوا مبهورين مندهشين للعظمة الكبرى من الناحية الأدبية في القرآن العزيز.
وحتى أعداء الرسالة كانوا يقفون عاجزين عن المواجهة البلاغية للقرآن حيث فشلوا أكثر من مرة وضمن مجالات عديدة والتاريخ يشهد بذلك يروي صاحب (مجمع البيان) (رحمه الله) إن طغاة قريش خافوا من موسم الحج (المعتاد) أن يأتي الناس إلى بني هاشم ويسمعوا ألفاظ القرآن الكريم من النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وينتشر أمره لذلك اجتمعوا في دار الندوة وقرروا أن يسقطوا هيبة الرسول والقرآن الكريم باتهامات رخيصة فقال لهم الوليد في الاجتماع: إنكم ذوو أحساب وذوو أحلام وإن العرب يأتونكم فينطلقون من عندكم على أمر مختلف فأجمعوا أمركم على شيء واحد، ما تقولون في هذا الرجل؟.
قالوا: نقول انه شاعر! فعبس عندها وقال قد سمعنا الشعر فما يشبه قول الشعر فقالوا: نقول إنه كاهن! قال إذا تأتونه فلا تجدونه يحدث بما تحدث به الكهنة قالوا: نقول إنه لمجنون! فقال إذا تأتونه فلا تجدونه مجنوناً.
قالوا: نقول إنه ساحر! قال وما الساحر: فقالوا بشر يحببون بين المتباغضين ويبغضون بين المتحابين فقال فهو ساحر (6) .
المهم إن أعداء الرسالة والمخططين لضرب الشريعة كانوا يتردّدون في نوعية التهمة التي يحاولون أن يلصقوها بالنبي ويترددون في الوقوف أمام القرآن من الناحية البلاغية فلما تبين عجزهم الكامل توسلوا بأساليب أخرى منها الملاحقة والتصفية الجسدية أعني الحروب والمداهمات استجابة لحقدهم الدفين وانتصاراً لمصالحهم المهددة بالانهيار فلذلك نلاحظ أن القرآن الكريم الذي نزل على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتضمن المشروع الإلهي للبشر من كل النواحي العبادية والاجتماعية والعقوبات وقواعد الحرب والزحف وكيفية الصلح والمعاهدات والممارسات الأخلاقية والقوانين الاقتصادية وقصص الأنبياء والعبرة عن الماضين وهكذا نلاحظ كل ذلك ضمن تسلسل أدبي فني رائع، كل مجال من هذه المجالات قد أعطي حقه الكامل توضيحاً وبياناً وعلة ودليلا في العقائد والتشريع والأخلاق والمعاملات في الحياة وحال الموت والوصية والوكالة والكفالة وهكذا أبواب الحياة العملية والفكرية، وتبرز عظمة القرآن البلاغية في استعمال الفنون بصياغة دقيقة تمتاز بالا يجاز والقوة والرصانة والحسم في المواقف المعينة التي تتطلب فيها ذلك حتى في الأسلوب القصصي لبعض الأحداث الماضية كقصة أصحاب الكهف أو قصة النبي موسى (عليه السلام) فنلاحظ متانة الأسلوب في تبيان القصة مما يجعلها تمتاز بكل المميزات الحسنة للأسلوب القصصي الناجح من الإثارة والوضوح والربط المنسجم ما بين العبارات نفسها وما بين الألفاظ والمعاني من جهة أخرى يقول الرافعي في كتابه: (إن القرآن إنما ينفرد بأسلوبه لأنه ليس وضعاً إنسانياً البتة ولو كان من وضع إنسان لجاء على طريقة تشبه أسلوباً من أساليب العرب) (7) .
ويروي لنا هشام الصحابي الجليل للإمام الصادق (

وأعتذر الثاني قائلاً أنه أدهشته آية: (ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) . [سورة الحج: آية 73]. فأشغلته عن عمله...
وقال ثالثهم أدهشتني آية نوح: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين) . [سورة هود:الآية 44]. فأشغلتني الفكرة عن غيرها. وقال رابعهم أدهشتني آية يوسف: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) . [سورة يوسف: الآية 80]. فأشغلتني بلاغتها الموجزة عن التفكير في غيرها.
قال هشام وإذا بأبي عبد الله الصادق (

ومما نستكشفه من عمالقة الأدب والبلاغة في المثل المار الذكر إن القرآن وثيقة متماسكة منسجمة بعضها مع البعض الآخر بالأسلوب والأداء والمعنى حيث أنه يتناول عدة موضوعات مختلفة تاريخية قانونية وتشريعية وأخلاقية وغيرها بروح متفاعلة متماسكة أدباً وموضوعاً وفي خلال المدة الطويلة التي استغرقت نزول الكتاب العزيز وهي ثلاثة وعشرين عاما دون أن نرى تفاوتا أو تغييراً في المستوى والطريقة الأدائية مطلقاً على عكس ما يؤلف الأدباء حيث يراجعون ويستبدلون ألفاظاً بدل ألفاظ وصوراً بدل صور بينما القرآن الكريم نزل كما قد نزل وبقي كما هو الآن وحالة التحدي لن تنتهي أبداً بل تبقي ما بقي الليل والنهار وكلما تجدد الزمان نلاحظ القرآن يزداد إشراقاً ونوراً وثباتاً وتألقاً ومهما تطورت أساليب الأدب والبلاغة نرى القرآن العظيم هو المقياس الخاص الذي تتوفر فيه كل عناصر القوة الإبداعية ـ فنياً وبلاغياً ـ فالتعبير القرآني يظل جارياً على نسق رفيع واحد من السمو في جمال اللفظ ورقة الصياغة وروعة التعبير رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع والقصص والمواعظ والحجج والوعد والوعيد وتلك حقيقة شاقة بل لقد ظلت مستحيلة على الزمن لدى جميع من عرفنا وسمعنا بهم من فحُول العربية والبيان) (9) .
حتى يظهر ذلك بوضوح على النفس الإنسانية فإنها لا تمل من القراءة أو الاستماع للآيات الكريمة فالإنسان يميل إلى التلاوة والاستماع دون ملل في التكرار. فالقوة الإبداعية بالبيان والأداء تسيطر سيطرة تامة على مشاعر الإنسان فلن يمل الإنسان مهما قرأ أكثر أو استمع أكثر للآيات الكريمة بل في كل مرة من تداول القرآن الكريم يكتشف الإنسان أثراً جديداً على نفسيته وروحيته وكلما تدبر الإنسان وتفكر في القرآن أكثر كلما شعر بهذا الإحساس الروحي العالي في داخله وكلما كان الشخص عالماً متفهماً أكثر كان إدراكه لأبعاد وأسرار القرآن أكثر فيشعر بالانعكاسات القرآنية على نفسيته ويلتذ لذلك حيث يطمئن اطمئنان المؤمنين (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
وهذه السيطرة على المشاعر قد تكون من أسرار القوة لدى الكتاب الكريم حيث السباكة الفنية الدقيقة للألفاظ الدالة على المعاني المقصودة وحتى أولئك المنافقين والكافرين كانوا يتأثرون بالاستماع للآيات المباركة وكثير منهم من أعاد النظر في عقيدته بعد القراءة أو الاستماع فعدل عن طريقته العدائية إلى الالتزام بالكتاب الحكيم، ينقل لنا التاريخ أن الشعراء الكبار في الجاهلية كانوا يخجلون من أنفسهم حينما يقرأون أو يسمعون آيات الله العظيمة وتسيطر على أنفسهم ببلاغتها الساحرة وقوتها البيانية حتى قيل لأحد الشعراء الجاهلين ـ وأظنه لبيد ـ حينما سمعت أخته الأديبة أيضاً بالآية الكريمة: (اقتربت الساعة وانشقّ القمر) . [سورة القمر: الآية 1].
جاءت لأخيها قائلة قم وأنزل معلقتك الذهبية واخجل من محمد فهذه الآية الكريمة تحمل عدة وجوه بلاغية بكلماتها القليلة على عكس معلقتك الطويلة.
ويذكر السيد الزنجاني في كتابه بصدد المعلقات السبع المشهورة قوله: (فإذا أنشأ ما هو أبلغ منه رفعوا الأول وعلقوا الثاني فلما نزل قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي) رفعوا المعلقات من الكعبة وأخفوها من الفضيحة) (10) .
وللعلم أن البلاغة بمحاسنها اللفظية وحسن استعمال التشبيه والتزويق والإيجاز وما شابه من فنون الأدب والتعبير كل ذلك وجها من وجوه الإعجاز القرآني فالقرآن لم ينزل لخوض مباريات أدبية وبلاغية وإنما نزل دستوراً للحياة من لدن الله العزيز الكريم فإحدى مظاهر أعجازه هي القضية البلاغية ولأن العرب كانوا في قمة تطورهم اللغوي فكان فرسان الأدب والبلاغة يتضاءلون أمام المتانة البلاغية للقرآن المجيد لذلك ـ كما قلنا ـ سيطر القرآن على الكثير منهم نفسياً وشعورياً فكانوا يقفون أمام آية واحدة من القرآن حيارى من شدة الدقة في التعبير... فيعلن البعض إسلامه كما فعل السحرة أمام موسى فأعلنوا أيمانهم المطلق مما دفع فرعون ليبطش بهم.
كما قال سبحانه: (فألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين) . [سورة الشعراء: الآيتان 46-47].
والبعض الآخر كان يدوس على ضميره وينتقم لمصالحه وعقيدته الخاوية لعصبيةٍ جاهلية منه فيترك البلاغة والأدب منهزماً من الساحة ليدخل إليها بالعنف والغلظة فصارت المعارك والحروب بعد الفشل الذريع للوقوف أمام القرآن أدبياً بلاغياً.
فقد قال تبارك وتعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين، أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) . [سورة العنكبوت: الآيتان 50-51].
فهو من عند الله وقد أحكمت آياته إحكاماً دقيقاً لا يمكن للبشر مهما بلغوا أن يصلوا إلى مستوى التحدي له:
(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) . [سورة هود: الآية 1].
ولنأخذ مثلاً قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق... ) . [سورة الأنبياء: الآية 18].
وفيها: كأن الحق ـ وهو معنى مجرد ولعظم شأنه ـ قذيفة ثقيلة ترمى على الباطل الهش الواهي فيرديه جثة هامدة وقد استخدمت في هذا المشهد العظيم للصراع بين الحق والباطل (الفاء) التعتيبية ولم تستخدم (ثم) أو غيرها لطي المشاهد بسرعة وبيان قدرة الحق الفائقة على دمغ الباطل والسرعة الخاطفة التي تم خلالها إزهاقه، والإزهاق هو خروج الروح لبيان حتمية انهيار الباطل وانعدام وجوده وبطلان أثره.
ولقد أجاد السيد الرضي حين لاحظ إن: (الدمغ إنما يكون عن وقوع الأشياء الثقال على طريق الغلبة والاستعلاء فكأن الحق أصاب دماغ الباطل فأهلكه) (11) .
فحرف الفاء له دلالته وحسابه وموقعه واختيار المفردات الدالة على صميم معناها وأنت تحتار أمام النص المبارك هل المعنى يعكس اللفظ أو اللفظ يعكس المعنى المقصود وكأنهما متساويان بالتأثير والظلال المتبادلة من الواحد للآخر.
وهكذا الآيات القرآنية الأخرى تجسد البلاغة والأداء الأدبي في أرفع صوره وأرقى أشكاله.
2- معجزة القرآن العلمية:
القرآن الكريم ليس كتاباً مختصاً بعلم من العلوم فلا يتلخص هدفه لإثبات شيء علمي أو نفيه ككتب الهندسة والطب والأحياء لأن العلوم هي نتاج العقل البشري فمهما اجتهد العقلاء استطاعوا أن يذللوا صعوبات الطبيعة ويخترعوا وسائل وأجهزة تخدم البشرية جمعاء بينما القرآن كتاب الحياة هدفه تنظيم حياة الفرد والمجتمع من كل النواحي أي كل ما يتصور ضمن الحياة الدنيوية والأخروية من اجتماع وسياسة وثقافة واقتصاد وتربية نجده في القرآن المجيد قانوناً ودستوراً وطريقة لهذه الناحية وتلك الظاهرة... فالقرآن يبني العقيدة الصحيحة في النفس ويهدم التراكمات الفكرية السلبية في ذات الإنسان وهو يبني أسس الأخلاق في الإنسان والمجتمع ويحارب النفاق والالتواء السلوكي ويجاهد الأعداء والمنافقين.
مع كل ما تقدم نلاحظ أن القرآن العزيز ينفرد بالأعجاز العلمي حيث يشير في بعض آياته الكريمة إشارات علمية وهو مستطرد في الكلام أثناء التشبيهات أو لتقريب فكرة معينة هدفها البناء الإيماني ومع ذلك نلاحظ إن هذه الإشارات العلمية قد أثبتها العلم الحديث اليوم بعد جهد متواصل ولفترة طويلة وتبقى بعض الأسرار العلمية في القرآن عسيرة الانكشاف من قبل العلم والعلماء وحتى اليوم وبمعنى آخر لا زال التطور العلمي عاجزاً عن كشف أسرار هذه الإشارات العلمية وحتى الكلمة الواحدة في موقعها لها دلالة علمية معينة يكتشفها العلم هذا اليوم ويقف إجلالاً أمامها ويزداد إعجاباً بهذا الكتاب العظيم بل حتى الحرف الواحد في موقعه له دلالته العلمية الواضحة كالتاء مثلاً فإنها تاء التأنيث أحياناً، هذا الحرف البسيط له دلالته العلمية يقرها العلم هذا اليوم بعد أن كان يمر عليها مرور الكرام فنقرأ مثلا في قضية بيت العنكبوت التي سنتحدث عنها قريباً كيف أن تاء التأنيث لها دلالتها العلمية.
فمن هنا يجزم العقلاء بأن الرسول الأمي (صلى الله عليه وآله) في تلك البيئة المتخلفة عن أساليب التطور العلمي والتكنولوجي لا يمكنه أن يأتي من عنده بهذا الكتاب الذي يحوي أسراراً علمية يكتشفها العلم المتطور في القرن العشرين أو لا تزال غامضة عليه حتى الآن ولربما تبقى أسراراً خاصة لن يفهمها العلم مهما تطور وتقدم كما في معرفة الروح.
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . [سورة الإسراء: الآية 85].
تبقى الروح لغزاً محيراً وان وسائلنا العلمية لا تنهض بمعرفتها لأنه: (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً. . ) .
فيكون إذن هذا الإعجاز العلمي من الدلائل الواضحة لمعجزة القرآن بأنه منزل من قبل القدير العليم بديع السموات والأرض.
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) . [سورة النساء: الآية 82 ].
يقول الدكتور (واجلري) من جامعة نابل:
القرآن: (يضم آيات عديدة تبين القوانين الطبيعية والعلوم المختلفة وتناوله لهذه المواضيع العلمية دقيق وبعيد عن الأخطاء إلى الحد الذي تهبط أمامه منزلة رجال العلم والفلاسفة والسياسيين) (12) .
مع العلم أن القرآن كتاب تربية وهداية وليس كتاباً علمياً وإنما يتناول العلم في بعض الآيات للتوضيح والتقريب ـ كما مر ـ.
ويمكن أن نستعرض بعض هذه الأمثلة لتوضيح المسألة:
(أ) تقول الآية الكريمة: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) . [سورة الحج: الآية 73].
وهذا مثل مازال معجزاً للعلم والعلماء بعد ألف سنة من تطور العلم والتكنولوجيا فمن يستطيع أن يخلق ذبابة على هوانها وتفاهتها؟ وإذا سلبتك الذبابة حياتك بمرض تنقله إليك فمن يستطيع أن يرد لك تلك الحياة؟ بل إنها لو سلبتك ذرة من النشاء من طعامك فإن عباقرة الكيمياء لو اجتمعوا لا يستطيعون استرداد هذه الذرة من أمعائها لأنها تتحول فوراً إلى سكر بفعل الخمائر الهاضمة فما أضعف الطالب والمطلوب، ما أضعف عبقري الكيمياء وما أهون الذبابة وما أتفه ذرة النشاء في عالم هائل بلا حدود) (13) .
(ب) في أكثر من آية حينما يذكر سبحانه حواس الإنسان يتقدم ذكر السمع على البصر هذا التقديم له دلالته العلمية يقول الدكتور مصطفى محمود: (وهي مسألة يعرف سرها الآن علماء الفسيولوجيا والتشريح فهم وحدهم يدركون أن جهاز السمع أرقى واعقد وأدق وأرهف من جهاز الأبصار ويمتاز عليه بإدراك المجردات كالموسيقى وإدراك التداخل مثل حلول عدة نغمات داخل بعضها البعض مع القدرة على تمييز كل نغمة على انفراد كما تميز الأم صوت بكاء ابنها من بين زحام هائل من آلاف الأصوات المتداخلة. . يتم هذا في لحظة. . أما العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالتها يتوه الابن عن عين أمه في الزحام ولا يتوه عن سمعها والعلم يمدنا بألف دليل على تفوق معجزة السمع على معجزة البصر ولم يكن هذا العلم موجوداً أيام نزل القرآن) (14) .
يقول تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) . [سورة النحل: الآية 78].
وفي آية أخرى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) . [سورة الإسراء: الآية 36].
فمجرد تقديم السمع على البصر لفظاً له دلالته العلمية الدقيقة.
(ج) تقول الآية المباركة: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) . [سورة العنكبوت: الآية 41].
فهنا نرى القرآن يختار صفة التأنيث حينما يتحدث عن العنكبوت فيقول:
(كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً) وقد كشف العلم مؤخراً أن أنثى العنكبوت هي التي تنسج البيت وليس الذكر وهي حقيقة بيولوجية لم تكن معلومة أيام نزول القرآن.
والحقيقة الثانية هي وصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت ولم يقل القرآن خيط العنكبوت أو نسيج العنكبوت وإنما قال بيت العنكبوت وهي مسألة لها دلالة ولها سبب. . والعلم كشف الآن بالقياس: إن خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الصلب ثلاث مرات وأقوى من خيط الحرير وأكثر منه مرونة فيكون نسيج العنكبوت بالنسبة لاحتياجات العنكبوت وافياً بالغرض وزيادة ويكون بالنسبة له قلعة أمينة حصينة فلماذا يقول القرآن: (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) ولماذا يختم الآية بكلمة (لو كانوا يعلمون) لا بد أن هنالك سراً.
والواقع أن هناك سراً بيولوجياً كشف العلم عنه فيما كشف لنا مؤخراً فالحقيقة أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن صفة البيت بما يلزم البيت من أمان وسكينة وطمأنينة فالعنكبوت الأنثى تقتل ذكرها بعد أن يلقحها وتأكله. . والأبناء يأكلون بعضهم بعضاً بعد الخروج من البيض ولهذا يعمد الذكر إلى الفرار بجلده بعد أن يلقح أنثاه ولا يحاول أن يضع قدمه في بيتها.
وتغزل أنثى العنكبوت بيتها ليكون فخاً وكميناً ومقتلاً لكل حشرة صغيرة تفكر أن تقترب منه وكل من يدخل البيت من زوار وضيوف يقتل ويلتهم. . إنه ليس بيتاً إذن بل مذبحة يخيم عليها الخوف والتربص وإنه لأوهن البيوت لمن يحاول أن يتخذ منه ملجأ والوهن هنا كلمة عربية تعبر عن غاية الجهد والمشقة والمعاناة وهذا شأن من يلجأ لغير الله ليتخذ منه معيناً ونصيراً. .
ذروة في دقة التعبير وخفاء المعاني ومحكم الكلمات وأسرار العلوم مما كان معروفاً أيام النبي ومما لم يعرف إلا بعد موته بألف عام. . إعجاز قطعي لا شك فيه يتحدى العقل أن يجد مصدراً لهذا العلم غير المصدر الإلهي (15) .
(د) في الآية القرآنية: (والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع) . [سورة الطارق: الآيتان 11-12].
يصف القرآن الكريم ـ السماء في الآية المباركة ـ بأنها ترجع ما يصعد إليها (بخار الماء ترجعه إلينا مطراً) ونعلم الآن إن الأمواج اللاسلكية والتلفزيونية ترتد هي الأخرى من السماء إذا أرسلت إليها بسبب انعكاسها على الطبقات العليا الأيونية. . لهذا نستطيع أن نلتقط إذاعات لندن وباريس وجميع المحطات في الأرض بعد انعكاسها ونستمع إليها ونشاهدها ولولا ذلك لضاعت وتشتتت ولم نعثر عليها فالسماء أشبه بمرآة عاكسة ترجع ما يبث إليها فهي السماء (ذات الرجع) والأرض (ذات الصدع) أي تنصدع ليخرج منها النبات ونافورات الغاز الطبيعي والبترول وينابيع المياه الكبريتية ونفث البراكين (16) .
(هـ) عدد من الآيات القرآنية يتحدث عن عالم الأفلاك مثلا قوله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي) .
[سورة الأنبياء: الآية 30].
وفي مراجعة أحدث النظريات في نشوء الأرض والكواكب السيارة نراها تذهب إلى أن الشمس كانت كبيرة جداً، كتلة ملتهبة في الفضاء فمر بالقرب منها نجم قبل قرون عديدة وبسبب القوى الجاذبة صار تخلخلاً في الضغط أثر على الشمس فتصدعت فانفصلت أجزاء متناثرة من الشمس ظلت تدور حولها أي ما انفلتت من دائرتها الجاذبة فبقيت تدور حولها بانتظام وبردت شيئاً فشيئاً حتى افتقدت حرارتها ولهيبها فأصبحت الكواكب السيارة وأصبحت الأرض، يقول العالم البريطاني جينز: (مر نجم بالقرب من شمسنا فأوجد فيها ضباباً مهيباً وأصبحت المادة المنفصلة من الشمس بصورة سيجارة طويلة ثم انقسمت هذه المادة فالقسم الأكبر من السيجارة كون السيارات الأضخم والقسم الأصغر منها كون السيارات الأقل حجماً) (17) .
وجاء في المجمع: (تقديره كانتا ذواتي رتق فجعلناهما ذواتي فتق والمعنى كانتا ملتزقتين منسدتين ففصلنا بينها بالهواء) (18) .
(و) قال تبارك وتعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغاً للشاربين) . [سورة النحل: الآية 66].
يكشف القرآن الكريم عن سر عميق من أسرار الطبيعة الحيوانية حيث يبين طريقة تحضير اللبن من الحيوان مما نلاحظ أن العلم بأساليبه الحديثة وأدواته المتطورة وصل إلى نفس النتائج يقول الدكتور موريس بوكاي:
(إن المواد الأساسية التي تؤمن للبدن ما يحتاج من غذاء تأتي من التبدلات الكيميائية الحاصلة في طول جهاز الهضم وتتكون هذه المواد من العناصر الموجودة فيها تحتويه الأمعاء وعندما تصل هذه العناصر في الأمعاء إلى مرحلة التغيير الكيميائي تمر عبر جدار الأمعاء نحو التيار العام المتحرك إن هذا العبور يتم عن طريقين: إما مباشرة بواسطة العروق اللمفاوية وإما بطريق غير مباشر بواسطة الدوران وفي هذه الصورة تذهب هذه المواد أولا إلى الكبد وتحدث فيها هناك بعض التغيرات ثم تخرج منه لتلتحق بالتيار العام وعلى هذا فإن جميع المواد تنتقل بواسطة حركة الدم والعوامل المكونة للبن تترشح من الغدد المغروسة في الثدي وتتغذى هذه الغدد من نتائج هضم الغذاء التي تأتيها بواسطة حركة الدم إذن أصبح للدم امتصاص ونقل المواد المستخرجة من الأغذية لحمل الغذاء إلى غدد الثدي المولدة للبن وهو نفس الدور الذي يقوم به لخدمة أي عضو آخر... إن هذه الحقيقة الرائعة من نتائج ومنجزات كيمياء وفسلجة الهضم التي لم تكن معروفة على الإطلاق في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وقد بدأت معرفة ذلك في النهضة الحديثة عندما اكتشفت الدورة الدموية بعد الوحي القرآني بقرون) (19) .
(ز) قال سبحانه وتعالى: (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة، أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه) . [سورة القيامة: الآيات 1-4].
الآيات المباركة في مورد الاحتجاج والرد على بعض الجاحدين والمنكرين للبعث يوم القيامة فقدم القرآن دليلا حيا نعيشه اليوم: (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) والبنان رؤوس أصابع اليد فقد صاغها الله سبحانه صياغة فريدة من حيث خطوطها وتشابكها بشكل متميز بين أفراد البشر جميعا حيث يختص كل منا بهذه الميزة في أصابعه وقد اكتشف ذلك العلم الحديث وبدأ يستفيد من ذلك في ضبط المحاكم والاعترافات أو تصويرها لضبط الجاني في المسائل الجنائية كالقتل والسرقة وما شابه ذلك ـ كما هو معروف للجميع ـ.
(ح) كشف لنا القرآن الكريم عن سر التفاهم في عالم الحيوان حيث اللغة المتبادلة فيما بين الحيوانات فلكل نوع من الحيوانات لغة خاصة يتفاهم بها فتعمل المجاميع الحيوانية أعمالاً اجتماعية مشتركة أو سياسية أو ثوريّة أو دفاعية حينما تتعرض أوكارها لعدو خارجي.
يقول القرآن العظيم: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أُمم أمثالكم). [سورة الأنعام: الآية 38].
وفي آية أخرى: (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي... ) . [سورة النمل: الآيتان 18-19].
وهكذا كشف عن اللغة الخاصة في التخاطب فيما بين النمل، والعلم حديثاً بيّن بعض أسرار هذه اللغة في النمل والدجاج والكلب وغيرها.
ولا بأس أن نشير إلى أن في سورة النمل بيان لقدرة النبي سليمان على فهم لغة الحيوانات بإذن الله تعالى.
فتقرأ: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون... وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين... فمكث غير بعيد فقال (الهدهد) أحطتُ بما لم تحط به (يا سليمان) وجئتك من سبأ بنبأٍ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأُوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. . ) . [سورة النمل: الآيات 17-20-22-23].
فنلمس نوعاً من التحدي يصدر من الهدهد هذا الطائر المعروف للنبي سليمان بقوله أحطت بما لم تحط به. . هذه اللغة كان يفهمها النبي سليمان وهي تبقى لغزاً أمام التطور العلمي مع اعترافه التام بوجود هذه اللغة في عالم الحيوان.
(ط) والقضية العلمية الجديدة أحب أن أسجلها فاليوم تظهر كثير من الدراسات العلمية تثبت إعجاز القرآن الكريم ويصرح العلماء والمفكرون في أكثر من موقع أن هذه المعجزة لا يمكن أن تكون من نتاج إنساني أبداً بل من لدن عليم خبير.
والمعجزة هذه المرة بالأعداد والأرقام: (الله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان) . [سورة الشورى: الآية 17].
فالميزان هو العدل والدقة في الإنصاف وفي الأحكام والتعاليم وكذلك في عدد حروف القرآن الكريم فهي دقيقة ودالة على المعنى المقصود ضبطاً.
والمسألة العددية هذه تتمحور حول الرقم 19 الذي هو عدد حروف البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو السر في الأعجاز العددي الرقمي القرآني الذي لا يقبل القسمة وهذه الفكرة قدمها الدكتور رشاد خليفة المصري بعد دراسة وافية استمرت أكثر من عشر سنوات مستعيناً بالعقل الإلكتروني وعلى ضوء ما يذهب إليه المفسرون المعاصرون في الآية الكريمة:
(سأصليه سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر) . [سورة المدثر: الآيات 26-30].
أي عليها عدد حروف البسملة الذي هو 19 وإن كلمة من البسملة تتكرر في القرآن الكريم أضعاف رقم 19 فكلمة (اسم) الواردة في القرآن عدا الموجود في البسملة فقد وردت بصيغة (اسم الله) (اسم ربك) (اسم ربه) وردت 19 مرة.
والبسملة تكررت على عدد سورة القرآن 114 وحتى في سورة النمل وردت في حكاية كتاب سليمان إلى ملكة سبأ (وإنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) ويعني ذلك 19 × 6 = 114.
وكلمة (الله) تكررت في القرآن: 2698 مرة أي 19 ×142.
وكلمة (الرحمن) تكررت في القرآن: 57 مرة أي 19 × 3.
وكلمة (الرحيم) تكررت: 114 مرة عدد سور القرآن 19 × 6.
ومن جهة ثانية نجد في سورة (ق) : 57 قافاً أي 19 × 3.
والملفت للنظر إن (قوم لوط) ذكروا في القرآن 12 مرة بهذه الصيغة إلاّ في سورة (ق) فقد ذكروا بصيغة (إخوان لوط) محافظة على عد القافات فيها إذ لو ذكروا باسم (قوم لوط) لبلغت القافات فيها 58 مما يحدث الإخلال بعدد القافات في هذه السورة التي هي 57 والتي هي أضعاف عدد 19.
ونجد في سورة الشورى وفي افتتاحها (حم، عسق) وجود حرف القاف وعدد القافات فيها 57 قافاً أي 19 ×3.
ثم لو جمعنا 57 قافاً التي في سورة ق مع 57 قافاً في سورة الشورى لكان عدد مجموع سور القرآن.
ومثال آخر إن حرف (ن) يتكرر في سورة (ن والقلم وما يسطرون) 133 مرة أي 19 ×7 ومن اتجاه آخر ينطلق من التساوي العددي والتناسق الرقمي في موضوعات القرآن الكريم الذي لا حظه الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابه: (الإعجاز العددي للقرآن الكريم) وإنه ـ كما قال ـ وجه جديد من أوجه الإعجاز في القرآن لا يختلف في نتيجة الآراء وليس هو بتفسير أو تأويل تتعارض فيه الاجتهادات وتتباين النظريات ولكنه حساب وأرقام وحقائق الحساب دائماً قاطعة وشواهد الأرقام أبداً دامغة.
فمثلاً الدنيا والآخر ورد ذكر كل منهما في القرآن 115 مرة رغم أنهما لن يذكرا مجتمعين إلاّ في خمسين آية. .
والشياطين والملائكة ورد ذكر كل منهما 68 مرة سواء أكان منها المفرد أو الجمع. والموت ومشتقاته والحياة التي تختص بالخلق دون ما يختص بحياة الأرض ورد فيه ذكر كل منها 71 مرة.
والبصر وهو الرؤية بالحاسة الظاهرة مع مشتقاتها والبصيرة وهي الرؤية القلبية الداخلية تكرر ذكرها 148 مرة.
وبنفس العدد 148 مرة تكرر ذكر لفظ القلب والفؤاد ومشتقاتها والنفع والفساد مع مشتقاتهما تكرر ذكر كل منهما 50 مرة والصيف والحر والشتاء والبرد مع مشتقات البرد والحر ذكر كل منها 5 مرات.
والبعث والصراط ومشتقاتهما ذكرا (45) مرة وهكذا (20) .
وبالنتيجة نلاحظ أن الإعجاز العلمي لدى القرآن الكريم مستمر في بيانه وظهوره ولا زالت بعض آيات الكتاب هي في عداد الأسرار الغامضة على العقل الإنساني فهل بعد ذلك من يقول إنه من صنع بشري أو جاء صدفة أو وضعه ساحر أو كاهن؟.
ونذكر في حاشية بحث رقم 19 في القرآن الكريم أن المسألة ليست لها علاقة بالأفكار الباطنية المنحرفة لا من قريب ولا من بعيد كما يذهب البعض من المفكرين كالأستاذ أحمد السحمراني في كتاب (الحركات الباطنية) .
لعقدة هذا البعض من رقم 19 المقدس لدى بعض الباطنيين والربط بين الأمرين ربط بعيد عن الدقة العلمية وحينما نذكر ذلك إنا نضيف إلى سلسلة الإعجاز القرآني في العصر الحديث ما نسميه بالإعجاز العددي قد ينفع الشباب للاطمئنان بعقائدهم وكتابهم الكريم بشكل أفضل.
6ـ مجمع البيان، الطبرسي ج 9 ص 389.
7ـ عن إعجاز القرآن: ص 269.
8ـ عن المعجزة الخالدة للسيد هبة الدين الشهرستاني.
9ـ من رائع القرآن: للدكتور البوطي ص 134.
10ـ عقائد الإمامية الاثنى عشرية للزنجاني ص 51.
11ـ موجز علوم القرآن: داود العطار ص 59.
12ـ نداء الإسلام من قلب إيطاليا ص 55.
13ـ القرآن محاولة فهم عصري د. مصطفى محمود ص 259.
14ـ نفس المصدر ص 267.
15ـ نفس المصدر ص 272.
16ـ نفس المصدر ص 276.
17ـ نقلاً عن (النجوم بلاتلسكوب) ص 83.
18ـ مجمع البيان للشيخ الطبرسي المجلد 4 ج 17 ص 20.
19ـ نقلاً عن (مقارنة بين التوراة والانجيل والقرآن والعلم) ص 268.
20ـ عقيدتنا في الخالق: الشيخ نعمة ص305-308 بتصرف.
3- معجزة القرآن الغيبية:
قال تبارك وتعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا... ) . [سورة هود: الآية 49].
نبأ القرآن الكريم عن أخبار غيبية تحققت بالمستقبل بالشكل الموعود في القرآن الكريم هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أخبرنا القرآن الكريم عن قصص الأنبياء والأمم السالفة بالشكل الدقيق الذي لا نلاحظه في كتب اليهود والنصارى بعد تحريفها فلذلك كشف القرآن المجيد عن المحاولات الدنيئة في تحريف الكتب السماوية المقدسة التي سبقت الكتاب العزيز:
(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. . ) . [سورة الأعراف: الآية 157].
والآن نحن لا نلاحظ ما يخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في كتبهم المتداولة حالياً من التوراة والإنجيل وهذا دليل صارخ على ما تلعبه أيدي اليهود والصليبية بالكتب المقدسة.
المهم بالنسبة للنوع الأول نذكر أمثلة لتوضيح هذا الجانب من المعجزة الكبرى.
(أ) قال القرآن الكريم: (غُلبت الرومُ، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرحُ المؤمنون، بنصر الله) . [سورة الروم: الآيات 2-5 ].
نزلت هذه الآية الكريمة في السنة الثانية للهجرة أي سنة 625 ميلادية بعدما انهزم جيش الروم المؤمن بالله العزيز: على يد الفرس عبدة النار آنذاك واحتلوا بيت المقدس ففرح المشركون في الحجاز بهذا الانتصار الساحق واعتبروه إعلاناً عن انتصار مقبل على المسلمين عندهم وهكذا دخل الهم والغم على المسلمين وفي الأثناء نزل الوحي لينبئ عن انتصار الروم على أعدائهم الفرس بعد تضميد جراحهم وإعدادهم من جديد لخوض معركة فاصلة وحاسمة وسيكون النصر لهم في بضع سنين يعني أقل من عشر سنوات وبالفعل تم الانتصار وفرح المؤمنون بذلك فهو وعد إلهي غيبي تحقق على الموعد المبرم.
(ب) وتنبأ القرآن العزيز بفتح مكة قبل الفتح فقد جاء في سورة الفتح: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً) . [سورة الفتح: الآية 27].
وبالفعل تم الانتصار على المشركين وتم فتح مكة بالسنة الثامنة للهجرة ـ بإذنه تعالى ـ وهذا التنبؤ كان يصعب على الناس تصديقه تبعاً للظروف الموضوعية المحيطة بالمسلمين بالإضافة إلى الظروف الذاتية غير المتكاملة لشن هكذا حرب كاسحة وهجوم كبير ومع كل ذلك تم النصر والفتح.
ويكشف القرآن عن سر آخر في سورة النصر: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً) حيث كشف عن الفتح ودخول الناس جماعات جماعات للدين الإسلامي المبارك.
(ج) أخبر القرآن الكريم ـ كما قلنا آنفاً ـ عن حياة الأمم السالفة بذكر قصصهم بأسلوب متين معبر فقصة ذي القرنين وأصحاب الكهف وموسى وعيسى ويوسف وغيرهم.
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) . [سورة هود: الآية 49].
وفي هذا دلالة على الإحاطة التامة بالماضي والتاريخ وهو غيب بالنسبة للمتلقين المعاصرين.
(د) أنبأنا الله سبحانه بأن هذا القرآن يبقى كما هو دون أن تستطيع الأيدي الأثيمة أن تنال منه أو تحرفه أو تبدله فقد قال عز وجل:
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . [سورة الحجر: الآية 9].
ونحن نلاحظ ضخامة المؤامرات الدنيئة على الكتب السماوية من الصهيونية والصليبية الحاقدة ومروراً بالماسونية وشبكاتها المدمرة والتي استطاعت أن تنال من الكتب السماوية السابقة وانتهاء بالنفوس المريضة بين بعض المسلمين وحكامهم. . كل هذه المؤامرات استهدفت القرآن المجيد كما استهدفت التوراة والإنجيل من قبل وغيرت فيهما كما يعترف بذلك أبناء وعلماء الديانات المسيحية واليهودية بينما نلاحظ القرآن الكريم يقف شامخاً محفوظاً وذلك بفعل اليد الغيبية الحافظة له وإلاَّ فإن المؤامرة عليه أكبر من دفاع المسلمين عنه ومن حكامهم أن نصبوا أنفسهم حماة لهذا الكتاب الكريم.
وهكذا حينما تحدى القرآن الكريم أولئك البلغاء والفصحاء بقوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) . [سورة الإسراء: الآية 88].
والآية الكريمة الأخرى تقول: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) . [سورة البقرة: الآيتان 23-24].
فقد نفى القرآن نجاح فعلهم إلى الأبد وهكذا كان الأمر في زمن الرسالة وبعد عصر الرسالة ويبقى التحدي ساري المفعول إلى أن تقوم الساعة.
وحتى أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنبأ عن المستقبل بإذن الله تعالى فقال لعمار بن ياسر (تقتلك الفئة الباغية) وأخبر عن شهادة الإمام علي (عليه السلام) وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء، وكثيرة هذه التنبؤات الغيبية التي جاء بها القرآن الكريم والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فإنها قد تحققت فنستدل من ذلك أن اليد الخفية الإلهية هي التي تقف وراء معجزة الإسلام ـ القرآن والرسول ـ.
4- معجزة القرآن التربوية والنفسية:
رسالة الإسلام جاءت متناسبة مع احتياجات النفس الإنسانية فكأنها مطلعة على كل زوايا هذه النفس وأبعادها ـ كيف لا ـ والله سبحانه قد خلقها ووضع لها قوانينها المناسبة لها في القرآن فهي الدواء الطبيعي للأمراض النفسية مهما بلغت من حدتها ومضاعفاتها ولا يمكن أن تتوفر حالة الاطمئنان بالشكل التام إلا بذكر الرحمن سبحانه، وهو القائل: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقد قال الإمام علي (عليه السلام) : (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن)
(21) .
وعلى هذا الضوء نلاحظ أن الأسس التربوية في القرآن الكريم هي الوحيدة التي تكفل سعادة الإنسان والمجتمع لأن القرآن يدرك ما يجري في النفس الإنسانية من حالات مرضية أسبابها ومسبباتها ونتائجها فيبدأ بمعالجة الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض فيقلع جذور الفساد من الأساس حيث قال سبحانه:
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) . [سورة غافر: الآية 19].
ويعلم أن الإنسان ظلوم جهول حيث حمل أمانة السماء: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا) . [سورة الأحزاب: الآية 72].
فلذلك حينما يشرع هذا التشريع المقدس يأتي مطابقاً لمصلحة الإنسان ولا يمكن أن نشك في هذه الحقيقة التي بات كثير من الناس لا يعونها بالشكل التام إثر تخلف معين أو لتأثير الإعلام المعادي للإسلام والمسألة لا تحتاج إلى تفكير هائل مع ما وصلت إليه البشرية من التقدم التكنيكي والصناعة المتطورة لتذليل الصعاب إلاَّ أننا نشاهد التذوق الحقيقي للسعادة والراحة القلبية لا تحققها الرسائل المتقدمة وإنما لا بد من معالجات روحية ونفسية لإنقاذ الإنسان من الأزمات الخطيرة التي تحيطه من كل جانب والتي قد تودي بحياته أحياناً.
فالقدم العلمي لا يحقق للإنسان احتياجاته النفسية فهو لا يوفر العقيدة القلبية والربط الروحي مع حقائق الوجود بل يوفر التفسير الظاهري للوجودات في الحياة فالعلم يكشف عن دقة الكون والإبداع الهائل في تصويره وهندسته وقوانينه من المجرات إلى الذرات من الحيوانات إلى الحشرات وفي داخل الإنسان أعظم الأجهزة العاملة تؤدي أعمالها بالشكل المناسب بينما القرآن الكريم بل الإيمان به يوفر حالة الربط الروحي بين الإنسان والمبدع للكون فيملأ هذا الفراغ بالحب والأمل فنعبده ونتقرب إليه ونخاف من عقابه بل نخاف من يوم الحساب ذلك اليوم العسير حيث المحكمة الكبرى تقام على الإنسان وحينذاك تشهد على أعمالنا أيدنا وأرجلنا.
(يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) . [سورة النور: الآية 24].
فهذه القيم المقدسة لا يعطينا إياها العلم إضافة إلى أن العلم لا يدعي الكمال بل النظريات تتحول إلى عمليات والعمليات في تطور مستمر وفي كل يوم اكتشاف جديد واختراع جديد أما القرآن فهو المنهج التربوي والعقائدي الثابت إنه في قمة الكمال لا يطرأ عليه التغيير أو التبديل:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) . [سورة المائدة: الآية:3].
فإذن هنالك حاجة نفسية للقرآن الكريم أو للعقيدة بشكل عام وعلى ما تذهب إليه البحوث السايكولوجية المتطورة من أن هنالك فراغاً في مخ الإنسان لا يملأ إلا بالتربية الروحية والتعلق الوجداني بقوة كبرى تسندنا لأننا ضعفاء ويظهر ضعفنا جلياً حين المرض أو حين يلوح علينا شبح الموت المخيف فلما لم تجد البشرية ذلك الدين القيم تلجأ إلى الخرافات وعبادة الدنيا أو الأصنام كما كان سابقاً أو عبادة البقر كما عند البعض محاولة يائسة لملء الفراغ الذهني بالمعتقدات السخيفة خوفاً من حالة الضياع القاتلة وأظن أننا لا نحتاج إلى أدلة في هذا الحديث وخاصة حينما نرى البلدان العلمية في أوروبا بالذات فإلى جانب التطور التكنولوجي هنالك الضياع المر القاتل الذي يعاني منه المجتمع وبالذات الشباب وفي كل يوم ومضة جديدة تكتسح الشارع الأوروبي حتى غدا البعض لا يفارق المرآة ليل نهار يعمل في تصفيف شعره وترتيب ملابسه وجلده وحذائه وأظفاره بشكل لم يفعله المجنون حتى رأيت في إحدى البلدان الأوروبية إن بعض شباب (اليانك) قد حلق شعر رأسه من كل جانب بالموس عدا المنطقة العليا من الرأس فجعل الشعر منها طويلاً وملوناً كألوان الطيف الشمسي وقد وضع عليه نوعاً من الزيت الخاص له بريق معين حينما تراه كأنك ترى عشاً للعصافير وبالفعل يستطيع أن يخدع بعض العصافير لتقف على رأسه في الحدائق العامة وبفنية متعبة حينذاك يمتلئ هذا المسكين أو هذه المسكينة سعادةً نفسية وفرحاً كبيراً فينتعش ويضحك ويبتسم لروحه المعذبة وحينما يسأل عن هذه الأعمال يجيب لتحقيق نشوة السعادة الروحية لديه !!.
هذا وإضافة إلى ملء هذا الفراغ الروحي نلاحظ ان التربية الإسلامية لا تسمح للعقد النفسية أن تنمو في المناخ الملائم حيث يهيئ الإسلام مناخات مضادة للعقد النفسية فيحلها دون أن ينميها لكيلا تتحول إلى حالة مرضية عسيرة كمرض الحسد والحقد والتكبر والغيبة والخوف وحب السيطرة والانتقام والغرور وبقية الأمراض النفسية.
هذا السر التربوي يسحب الصواعق النارية من بارود النفس ويمسك صمام الأمان لإيجاد حالة التوازن في النفس والمجتمع دون أن تنمو الحالة السلبية في داخل الإنسان وليمتنع بدوره عن الظلم الاجتماعي وفي حالة الكوارث الطبيعية يفسرها التفسير الهادئ المقبول بدلاً من التفسير السلبي المريض الذي يدفع أعراض المرض النفسي بالظهور.
ومن روائع المعجزة الخالدة من الناحية التربوية أننا نلاحظ هذا المنهج الفريد قد أحاط الإنسان من كل جانب فهو يهتم بالإنسان قبل انعقاد نطفته فيقول (صلى الله عليه وآله) : (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن).
وفي حديث آخر: (إياكم وخضراء الدمن) قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن قال: (المرأة الحسناء في منبت السوء) (22).
ويعتني بالجنين منذ انعقاده نطفة وإلى أن يخرج من رحم أمه طفلاً ومنذ الوهلة الأولى يضع القرآن الكريم والإسلام بشكل عام أسساً تربوية له وكلما كبر الإنسان تنمو معه هذه الأسس التربوية كي تحيط حياته تماما في بلوغه وشبابه ونضوجه وحتى يهرم ويموت ويدفن تلاحقه التعاليم الدينية وهو على صخرة المغتسل حيث الغسل والصلاة والدفن وبعد الدفن أيضا هنالك مراسيم تقام مباشرةً وهنالك مراسيم وخيرات طويلة الأمد وكما هذا الاهتمام التربوي للفرد يكون للمجتمع كذلك فلذلك يقول القرآن الحكيم:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) . [سورة الأنفال: الآية 24].
فدعوة الرسول هي دعوة إلى الأحياء وإلى عمارة القلوب والحياة ومرة أخرى يحيط القرآن الكريم بالإنسان نفسياً ودنيوياً وفي الآخرة كذلك فيضع له القوانين الشرعية لضمان سعادته فهو من ناحية يخلق في داخل الإنسان رقابة ذاتية على سلوكياته وتصرفاته حيث يؤمن الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية إن التبريرات مهما بلغت من قدرتها الكبيرة في الإقناع فإنها لا تقنع بما يحيط بالإنسان إحاطةً تامة ويعرف أسرار الأمور.
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) . [سورة غافر: الآية 19].
و (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) . [سورة ق: الآية 18].
فالتبريرات قد تنجح في إقناع الناس أو الحكام ويمكن أن تنطلي عليهم الحقائق ولكن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية حتى أن في يوم القيامة يتعجب الإنسان من كتابه الذي يعتبر سجلاً لأعماله فيسلم إليه يقول القرآن لسان حال الإنسان هذا:
(ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) . [سورة الكهف: الآية 49].
من تصرفات وأقوال وأعمال كلها مسجلة في كتابه.
فالتربية القرآنية تخلق في الإنسان (بوليسياً داخلياً كما يقول الأوربيون حينما يقيمون النجاح الإسلامي في التربية. ومن ثم نلحظ أن الإسلام يدفع بالمسلمين لإنشاء الأخوة الإنسانية وعلى أوسع دوائرها ضمن قوانين عادلة تحكم السلوك والعلاقات والإخوة الإسلامية ويدفع الإسلام إلى التغاضي والتجاوز عن كثير من الأمور التي تسبب تعكير الصفو الاجتماعي يقول الإمام علي (

وجاء في القرآن الحكيم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) . [سورة الحجرات: الآية 13].
ومن ناحية أخرى يأتي القرآن الكريم بالأسس الأخلاقية لكي لا يتيه الإنسان في بحر الغرور والعجب بماله وجماله أو منزلته الاجتماعية بل يذكره دائماً بالموت والفناء.
(كل نفس ذائقة الموت) . [سورة آل عمران: الآية: 185].
(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) . [سورة النساء: الآية 78].
ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : (أكثروا من ذكر هادم اللذات) فقيل يا رسول الله فما هادم اللذات قال: (الموت، فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت وأشدهم له استعداداً) (23) .
وإن الدنيا عاقبتها الزوال والقرآن يدفع بالإنسان نحو أعمال الخير والصدقات والسلوك المعتدل رهبة ورغبة. . وهكذا في داخل الأسرة والمجتمع والعلاقة بين الأبوين والزوجين والعمل الخارجي مع الناس: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) . [سورة آل عمران: الآية 110].
والإمام الباقر (

وقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان لاستقامة التربية الاجتماعية وإيجاد جهاز المراقبة الاجتماعية الهادفة لنشر الخير والصلاح وللعلم إن حديث المعجزة التربوية والنفسية حديث شيق وما أوردناه يلائم هذه الرسالة والحق أن في المسألة كلام كثير وتفصيلات أكثر.
وأكتفي بنقل هذه الرواية في تفسير العياشي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أتاني جبرائيل فقال يا محمد ستكون في أمتك فتنة قلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله فيه بيان ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ومن التمس الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهوية ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق على التردد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء هو الذي لم تلبث الجن إذا سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرأنا عجباً يهدي إلى الرشد) (25) .
وبالمناسبة أنقل نصاً لبرناردشو (المفكر المعروف) : إذا أراد العالم النجاة من شروره فعليه بهذا الدين (الدين الإسلامي) إنه دين التعاون والسلام والعدالة في ظل شريعة متمدّنة محكمة لم تنس أمراً من أمور الدنيا إلا سمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبداً وقد ألفت كتاباً في محمد ولكنه صودر لخروجه عن تقاليد الإنكليز (26).
5- معجزة القرآن التشريعية:
إن القرآن الكريم وافق الفطرة الإنسانية فغطى كل ما تحتاجه من طلبات روحية وجسمية وتربوية وتشريعية وهنا تبرز المعجزة التشريعية للقرآن الكريم وتبقى هذه المعجزة كسائرها من مظاهر المعجزة القرآنية معلماً شاخصاً يتحدى الزمن بكل ما أوتي من قوة وتطور علمي.
فإذا تأملت في الفقه الإسلامي الذي شرع قبل أربعة عشر قرناً ضمن حياة تسودها أعراف البادية الجافة وهو يتمتع بروح مدنية عالية لعرفت عظمة الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم حيث الطرح القانوني المتكامل للحياة المتحضرة فقد انحنى أمام القوة التشريعية في القرآن أكابر المقننين وعظماء القانون والسياسة إجلالاً واعترافاً فقد بين القرآن أحكام العقوبات وآداب الحكم وحقوق المحكوم وواجبات القاضي والحاكم وكيف يستدل الحاكم على البينة في القضاء حيث الشهادة من العدول على المدعي واليمين على من أنكر، وبين دقة آداب المعاملات من بيع وشراء وإيجار وعارية وسائر العقود، ونظم حياة الأسرة في النكاح والإرث وحقوق الزوج والزوجة وواجباتهما ووضح أحكام الجهاد والدفاع والمعاهدات والاتفاقيات وهكذا وبالرغم من أن البعض من أساتذة القانون كان يشكل على قانون العقوبات في الإسلام ويدعي بأنه تعسفي في بعض الأحيان كقوله تعالى:
(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا. . ) . [سورة المائدة: الآية 38].
و (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. . ) . [سورة النور: الآية 2].
والمرأة في الإسلام يعتبرها هذا البعض! أنها مظلومة في قوله تعالى: (وللذكر مثل حظ الانثيين) وفي التشريع الإسلامي الطلاق بيد الرجل حيث ورد عندنا (الطلاق بيد من أخذ بالساق) ومن هذه الأمثلة.
ولكن بعد الدراسة العلمية والميدانية المستفيضة تبين أن هذه الإشكالات ناتجة عن عدم فهم حالة الرجل أو المرأة نفسياً واجتماعياً ولا بد من هذه العقوبات الرادعة لمن يتجاوز الحدود فالسارق لا يرتدع إلا بقطع يده وبذلك يرتدع الناس من ارتكاب هذه الجريمة ويبقى السارق حاملاً عاره علناً.
وأوضح مثال في تأريخنا بالعصر الإسلامي الطويل حيث لم تقع مثل هذه الجريمة إلاّ مرتين كما هو المشهور وقد اختلف الفقهاء في زمن المعتصم حينما ثبتت السرقة على رجلٍ من المسلمين وكان اختلافهم في مقدار القطع أي من أين تقطع يد السارق؟ فقال أحدهم تقطع من الكرسوع وهو طرف الزند الثاني مما يلي الخنصر وقال آخرون من المرفق ولم يقتنع المعتصم بأدلتهم وطلب الإمام التاسع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهو الإمام محمد الجواد (

ونتيجة اختلاف الفقهاء من عدم تطبيق هذا القانون الرادع لعدم وقوع السرقة والإنسان حينما يعرف مصيره في هكذا عقوبة من الصعوبة أن يقرر ارتكاب هذه الجريمة.
وبالمقابل نلاحظ اليوم في مجتمعاتنا وفي كل مكان فما أكثر السرقات والاعتداءات المتكررة لماذا؟ لان السارق لا يخاف من القانون الذي يسجنه فترة زمنية بسيطة ليخرج بعدها طبيعياً بينما الشريعة الإسلامية تجعله يتذوق مرارة الفعلة الشنيعة وتبقى العلامة في جسمه وصمة عار حتى الموت بل ربما تنتقل هذه الوصمة السوداء إلى أبنائه وأحفاده.
أما بالنسبة للمرأة فلها مكانة في القانون الإسلامي وكرامة وحقوق على كل من يحتويها أبا كان أو زوجاً. . فينفق عليها من الجهات المشروعة وما تحصل عليه الإرث مثلاً فهو لها بالخصوص ومسألة الطلاق بيد الرجل هذا القرار يناسب حالتها العاطفية التي سرعان ما تغضب أو ترضى فهي ريحانة لا قهرمانة كما يصفها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فهذه الصياغة العاطفية الرقيقة للمرأة من غير الصالح أن تسلم قرارات مصيرية كبيرة كالطلاق ويمكنها من جهة ثانية أن ترضي زوجها ببذل مهرها أو غيره في الحالات الشاذة فيكون الطلاق خلعياً من قبل الزوجة. .
ونقل لنا دكتور في القانون في محاضرته إن المحاكم القانونية في باريس قبل سنين منحت للزوجة حق الطلاق كما للزوج تطبيقاً لشعار المساواة بين الرجل والمرأة في كل الميادين وإن هذا القانون سرعان ما رفع من المحاكم وحدد لكثرة المرافعات من قبل الزوجات تطبيقا لهذه الصلاحية المناطة لهن ونقل لنا الأستاذ بأن كثيراً من الأسباب الدافعة للمرأة كي تطلق زوجها كانت أسباباً تافهة وأدنى من التافهة وذكر أن إحدى النساء ذكرت سبب طلاقها لزوجها لأنه خالفها في الرأي في حلاقة رأسه أو لبس ملابسه باللون غير المناسب للون السيارة أو لعدم قبوله الخروج معها للسينما في ليلة معينة وما شابه ذلك.
المهم إن الذي يدرك النفس وحالاتها وأسرارها سيصل في يوم ما إلى أن التشريع القرآني هو الأنسب والأجدر بالتطبيق للمصلحة الإنسانية العامة فالقرآن الكريم حكم بالعدل والمساواة أمام القانون وحرم الزنا والاعتداء وعاقب على الفواحش: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق... ) . [سورة الأعراف: الآية 33].
وشرع الجهاد والدفاع: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) . [سورة التوبة: الآية 41].
و (فقاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا أيمان لهم) . [سورة التوبة: الآية: 12].
والحقيقة إن المعجزة التشريعية لهي التي يفهمها العالم المتحضر اليوم لأن العالم لا يفهم التحدي البلاغي والغيبي بقدر ما يفهم القوانين والدساتير التشريعية فهي انعكاس للحياة الواعية وبذلك يثبت إعجاز القرآن الحكيم بأنه مرسل من الحي القادر وليس من صنع البشر إطلاقاً لأنه يتوج الصياغة النفسية لدى البشر ويطابق الفطرة الإنسانية ويحيط برحمته كل شيء ولا يترك حاجة إلا وسن لها قانوناً صالحاً يماشيها مع الزمن أو زود قانونها بمطاطية خاصة يستطيع القانون أن يتماشى مع جميع الظروف والأحوال بحيث لا يخرج من الإطار التشريعي فنرى الدساتير الإسلامية صالحة لكل الوقائع صغيرة وكبيرة وفي أدق التفصيلات يقف القانون الإسلامي إلى جانبه. قال (سانيلانا) : (إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين تشريعهم المدني إن لم نقل إن فيه ما يكفي للإنسانية كلها) .
وقد أصدر مؤتمر لاهاي للقانون الدولي القرار التالي:
(إن الشريعة الإسلامية حية مرنة تصلح للتطور مع الزمن وإن اللغة العربية قد دخلت من الآن فصاعداً في عداد اللغات التي يجب أن تسمع في المؤتمر) .
وقال الأستاذ (شيرل) عميد كلية الحقوق بجامعة فينا: (إن البشرية لتفخر بانتساب رجل كبير كمحمد إليها إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيون أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي عام).
وقال الأستاذ أدمونت بورك: (القانون المحمدي قانون ضابط للجميع نسج بأحكم نظام حقوقي وأعظم نظام علمي وأسمى تشريع منور لم يسبق قط للعالم إيجاد مثله) (28) .
6- هل للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) معاجز غير القرآن الكريم:
بالتأكيد هنالك معاجز أخرى للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولكن المعجزة الخالدة والحية التي حيرت العقول ـ القرآن الكريم ـ أما المعاجز الأخرى فيمكن أن نذكر بعضها بشكل عاجل. .
ـ مجيء الشجرة إليه قال أمير المؤمنين (

ـ وإنه (صلى الله عليه وآله) أطعم النفر الكثير في منزل جابر الأنصاري وفي منزل أبي طلحة ويوم الخندق بزاد قليل فمرة أطعم ثمانين رجلاً من أربعة أمداد شعير أما في يوم الخندق أكثر من سبعمائة رجل أكلوا من زاد جابر الأنصاري ببركة النبي (صلى الله عليه وآله) وكتب الحديث مليئة بالتفصيلات في مسألة الإطعام.
ـ وقد أشفى الله المرضى على يديه والأمراض هذه مختلفة وأبرز مثل في تأريخنا الإسلامي ما ورد في يوم خيبر حيث كان الإمام علي (

ـ وهذه الظاهرة العظيمة لا زالت ترافق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لمن يلوذ به طالباً حاجة بقلب صادق ومصلحة يعلمها الله سبحانه تقضى تلك الحاجة سواء كانت طبية أو نفسية وبالفعل أصبحت أضرحة النبي وآل بيته من الأئمة الأطهار مستشفيات خاصة للظروف الطارئة وغالباً تستعمل حين ييأس الأطباء من مداواتهم والأمثلة على هذه القضية لا تعد ولا تحصى.
ـ ومن هذه المعاجز ـ عدا القرآن الكريم ـ قد حفلت كتب الروايات كبحار الأنوار والكتب التاريخية والروائية الأخرى. وهنالك سجلات بهذه المعاجز في صدور الناس المؤمنين تحتفظ بقصص الكرامات والمعاجز المعاصرة ولا زالت هذه المعاجز مستمرة وآثارها متناقلة بين الناس.
21ـ أصول الكافي للشيخ الكليني ج 2 ص 599.
22ـ ميزان الحكمة، ري شهري ج 4 ص 280-282.
23ـ نفس المصدر، ج9، ص246.
24ـ الكافي للكليني ج 5 ص 55.
25ـ عقائد الإمامية الاثنى عشرية للسيد الزنجاني ص 54.
26ـ أصول العقيدة للسيد مهدي الصدر ص 304 نقلاً عن كتاب محمد عند علماء الغرب للشيخ خليل العاملي.
27ـ نقلاً عن تفسير نور الثقلين ج 5 ص 439.
28 -أصول العقيدة للسيد مهدي الصدر ص 268،269 نقلاً عن روح الدين الإسلامي لعفيف طباره ص 239 والإسلام والشيوعية لعبد المنعم النمر وقالوا في الإسلام ص 55 وص 235 للشيخ الظالمي - المصادر على التوالي -.
29ـ نقلاً عن الصدر، أصول العقيدة ص 122.
نسالكم الدعاء بحق رسول الله

تعليق