آلـم:ذلِك الْكتَابُ لا رَيبَ فيه هُدىً للمُتقين من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الشيخ الحجاري الرميثي
    • Mar 2009
    • 52

    آلـم:ذلِك الْكتَابُ لا رَيبَ فيه هُدىً للمُتقين من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي




    وَاعلَم يا ابنَ آدَم, ما عِلمِي وَعلْمُكَ فِي سِّرِ هذا
    القـُرآن مِن عِلْـمِ اللـَّه إلاَّ ما أخَـذَ هـذا العُصفُورُ
    مِن هذا البَحرِ قَطْرَة بِمِنقارِه,,

    والحَمدُ لِلهِ الذِي عَلَّمَني حَرفاً وَكُنتُ لا أملِكُ
    قَبلَه, فَأنزَلَهُ بِقلَمِي مُبارَكاً لأتَصَدى بـهِ فِي
    تَفسِير هـذا القـُرآن,,

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    (فَوَجَدَا عَبْـداً مِـنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِـنْ
    عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(الكهف65)
    سُورَة البَقرَة الجـِزء الأوَل مِن القرآن


    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    ( آلـم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ
    يُـؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

    تفسِيرُ (آلم) إنَها آيَةٌ مِنَ المُتَشابَه ما أسْتأثِرَ غَيرُ الله بعِلْمِِِها هِيَّ الآياتُ

    فِي حُكْمِ الساعةِ وَأوْقاتِها والحُرُوفِ المُقطعَةِ في أوائِلِِ السُورِ مِثلُ هذِهِ

    الآيَة التِي لَمْ يَتَصَرَفُ أحَدٌ بِتَفسِيرِها لأنَ لِكُلِّ كِتابٍ سِراً وَإنَ سِرَ القُرآن

    فواتِحِ السُورَةِ بأوَّلِها كأنَكَ قرَأتَ (آلـم) عِندَها عَـرَفَ السامِعُ أنَكَ قرَأتَ

    السُورَةَ التِي افتَتَحتَ (بآلم) بَدَلاً عَن تسْمِيَّّتِها البَقرَة,,

    وَمِـنَ المُتَشابَه آيات الصَافات إنَها ثابتَـةٌ لِلَّهِ تَعالى وَراءِ العَقلِ وَالسَّمْعِ

    البَشَري وتَفسِيرُها بظاهِرِِ الآيَةِ غيرُ مُرادٍ قطْعاً لا اسْتِحالتَه عَليهِ تَعالى

    فإنَ ذاتَـهُ وَصِفاتَهُ مُخالَفةٌ لِذواتِِ المُحَدِثات: كَما أنَ لِلصافاتِ مِِِنْ غيـرِ

    تَفسِيرٍ وَلا تَشبيهٍ وَلا تأوِّيل على سَبيلِ التفصِيلِ,,

    وَكَما أنَ القرآنَ: قـدْ بَيَّـنَ مَجْمُوع السُـوَر التِي افتَتَحَت بأوائِلِ الحِرُوفِ

    المَقَطَعَةِ أوَلهُا سُورَة البَقرَة, وآخِرُها القَلَم بِحَرفِ (ن) وَكانَ المَجْمُوعُ

    تِسْعاً وَعشْرينَ سُورَةً مُعظَّمُها فِي السُوَرِ المَكِيَة: وَبَقِيَّ سِتَة أحرُف لَّمْ

    تَدخِل في أوَائِلِ السُوَر وَهِيَّ: الضاء, وَالذال, وَالشِين, والغَيْن, وَالثاء

    وَالخاء, وَبِها قـد وَقعَ الخِلافُ بَيْـنَ عُلماءِ التَفسِير بتِلْكَ الحِرُوف التِي

    افتَتَحَت بها بَعضِ السُورِ القرآنِيَةِ التِي قَـد عَجَزَتِ العُلماءُ عَنْ إدراكِها
    بالإجْمال,,


    وَعَن الإمامِ عَليٍّ عَليهِ السَلام أنَهُ قالَ: إنَ لِكُلِّ كِتابٍ صَفوَةً وَصَفوَةُ هذا

    الكِتابُ حِرُوف التَهَجِي) يَعني إنَ هذهِ الحِرُوف هِيَّ سِرُ الله فَلا تَطلِبُوها

    وَلكِن لَمْ يَصدِر عَنْها في الحَدِيثِ عَـن رَسُولِ اللهِ أوْ الإمام عَليِّ صَلَواتُ

    اللهِ وَسَلامُهُ عَليِْهِما إنْ كانا يَفهَمَان المُرادُ مِنْها تَفصِلاً لِلأمَةِ,,

    يَعنِي عَجَزَ الكَثِيرُ على مَعرِفَةِ هذِهِ الحرُوف التِي تَألَفَ القرآن بِها وَهِيَّ

    تُخاطِبُ أوْلئِكَ الذِينَ كَفرُوا فلْيَأتُوا بِمِثلِها فِيما تَرْمِز لِسُورَتِها: كَما وَردَ

    بنَحوَّيْها قُرآناً (طس) (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) (النمل:1) وَ (المص) (كِتَابٌ

    أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (لأعراف:2)

    وَعَقَبَ العُلَماءُ: بضِيقِ المَجالِ عَـن ذِكْرِها بأنَها حرُوفٌ قـد جاءَت هكَذا

    فاصِلَةٌ لِلدَلالَةِ عِلى انقِضاءِ سُورَة وَابتِداءِ أخْرى لا يَعلَمُ بتأوِّلِها هَلْ هِيََِّّ

    رمُوزٌ لأسْماءِ اللهِ تَعالى, أمْ هِيَّ أسْماءٌ لا يَعلَمُها إلاَّ الله جَلَّ ثناؤُه,,

    وَفِي تفسِيرِّنا أقولُ لَكُم احتِمالاً إنَ الحِرُوفَ المُقَطعَة تَرْمِـزُ هكذا: الألِف

    مُكَنى بهِ النَبِّي في سِرِّ الحِرُوفِ بأسْمائِهِ المُفتَتَحَة بالألِف كَأحمَدٍ، وَاللامُ

    مُكنيَّ بهِ عَنِ صِفاتِهِ وَخُلِقِه، وَالمِيمُ مُكَنِيَّ بهِ عَنْ مُحَمدٍ: كَما جاءََ نَحوَّهُ

    قرآناً بدَلِيلِ ظهُور تِـلْكَ الحِرُوفِ في (يـس) وَ (طـه) اسْماً لِِلنَبِّي مُحَمدٍ

    صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ,,

    (ذَلِكَ الْكِتَابُ) قالَ النَحوِّيُونَ إذا دَخَلْتَ الكاف فقُلْتَ ذاكَ دَلَ عَلى التَوَسطْ

    كَما لَوْ أدخَلْتَ اللام فقُلْتَ: ذلِكَ دَلَ عَلى البُعد,,

    وَقالَ المُفسِرُونَ العُلَماء: لِماذا أرادَ اللـَّهُ بالقرآنِ البُعد وَقالَ (ذَلِكَ) وَلَـمْ

    يَقُل هذا الكِتابُ: وقالُوا أنَ جَمِيعَ ما ذُكِرَ فِي (ذَلِكَ) أنْ يُُفهَمَ عَلى ظاهِرِهِ

    وَما يُؤدِيَهُ اللَّفظ مِنْ مَعنى بَلا تأوِّيلٍ,,

    وَأبَيِّن لَكُم: أنَ أشارَةَ هـذِهِ الكَلِمَةٌ إنَها نَزَلَت: بثلاثةِ مَعانِي: لأنَ عَظَّمَت

    القُرآنُ مِنْ ثلاثَةِ أوْجُـهٍ, فَجَعَلَهُ اللـَّه مُخْتَصاً لَـهُ دُونَ غَيْـرهِ, وَمِـنْ هـذا

    اختَلفَ العُلَماءُ بكَلِمةِ (ذَلِكَ) فَعَجَزُوا الكَثِير ما لَمْ يَقِفـُوا على سِّرِ تَأوِّلِها

    وَلَمْ تَذكِر الشِيعَةَ عَنْ مَعناها,,

    الأولى الكافُ مِنْ (ذَلِكَ) يَعنِي (ذا) اسْمٌ لِلمُشارِ إلَيهِ وُهُوَ الكِتابُ، وَاللامُ

    مَدلُولَهُ مَعَها: والكَلِمَة هِيَّ حَرُوفُ خِطاب تـُبَّينُ أحـْوال المُخاطِب بِمَعنى

    هـذا: كَأنَكَ تَقول ألَكَ في مَعنى ذلِكَ: يَعنِي هـذا القُرآن الَّذِي سَوفَ يُكْمَل

    نزُولَهُ فِي مَكَـةَ والمَدِينَةِ وَهُوَ حُكْمُ اللـَّه الذِي أنزَلَـهُ في كِتابِهِ، أوْ كَتَبَـهُ

    على عِبادِهِ, وَلَم يُرِد القرآن لأنَ النَفِي والرَّجْم لا ذِكْرَ لهُ فِيه, لأنَهُ قرآناً

    يَـدِلُ عَلى فِهْمِ العَقـلِ ونـُورِ الحِكْمَةِ وَيَنابيعِ العِلْـمِ وَأحدَث الشَرائِعِ الِتي

    نَسَخَت شَرائِعِ الكُتُبِ السابِقَةِ باللهِ عَهْداً,,

    وَالثانِيَة: يَعني أشارَ اللهُ تَعالى إلى (ذَلِكَ الْكِتَابُ) الذِي فِي السَماءِ الدُنيا

    بأنَهُ لَـمْ يَنْزِل كامِلاً على النَبيِّ إلا آيَـةً بعدَ آيَـةٍ, وَسُورَةً بَعـدَ سُورَةٍ كَما

    بَيَّنَ اللهُ عَنهُ وَقال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(القدر:1) لَيْلَةُ القَدر: هِيَّ

    لَيْلةُ تَقدِير الأمُور وَقَضائِها مِنْ قوْلِهِ تَعالى لِشَرفِها وَفضْلِها (فِيهَا يُفْرَقُ

    كُلُّ أَمْـرٍ حَكِيمٍ)(الدخان:4) بِأنَ فِيها لَّقرآنٌ أنزَلَهُ اللهَ تَعالى جُمْلَةً واحِدِةً

    فِي لَيْلَةِ القـدرِ مِنَ اللَّوْحِ المَحفُوظِ إلى السَماءِ الدُنيا فاحتَفظَتهُ المَلائِكَة

    فِي بَيْتِ العِزَةِ، ثـمَ كانَ يَنزِّلُ بـهِ جُبْرائِيل نجُوماً وَيُرَتلُهُ عَلى النَبيِّ بَعدَ

    حَدَثٍ وَآخَر, وَحُكْماً بَعدَ حُكْمٍ في ثلاثةِ وَعشرينَ سَنة,,

    أما الثلاثة: إنَ اللهَ قـد كانَ وَعَدَ النَصارى واليَهُود في التَوراةِ والإنجِيلِ

    أنْ يُنَزِّلَ على مُحَمَدٍ كِتاباً فأشارَ إليهُم إلى (ذَلِكَ) الوَعَـد الَّذِي أنزَلَهُ فِيهِ

    عَلى نبيِّيِهِ وَهُوَ يَوْمُ المِثاقِ وَقالَ (ذَلِكَ الْكِتَابُ) لا شَكٌ فِيهِ فَتَبِعُوهُ بِمُحَمدٍ

    لِتـُفلِحُوا مِنَ الضَّلالِ والكِتابُ مَصْدرٌ: يُقال كُتِبَ يَكْتُبُ كِتاباً وَكِتاَبَة,, ثـُم

    سُميَّ بـهِ المَكْتوب: أو المَنظُومُ الذِي هُـوَ عِبارةٌ قبْـلَ أنْ تـُنْظَّمَ حرُوفَـهُ

    تسْمِيَةً باسْمِهِ قرآناً: وَهُوَ تبْياناً لِلناسِ الذِينَ أشارَ عَنْهُم الإمام الصادِق

    عَليهِ السَلام: فإنَهُ قال (إنَ الناسَ يَعبِدُوَنَ اللهَ عَلى ثلاثـةِ أوْجِـه: فطَبَقةٌ

    يَعبدُونَهُ رَغبَـة فـي ثوابِـهِ فتِلْكَ عِبادَةِ الحُرصاءِ وَهُـوَ الطَمَعُ وَآخَـرُونَ

    يَعبدُونَهُ خَوْفاً مِنَ النارِ فتِلْكَ عِبادَةِ العَبيد وَهِيَّ رَهبَةٌ، وَلكِنِي أعبدُهُ حُباً

    لهُ عَزَّ وَجَل فتِلْكَ عِبادَةِ الكِرام ذلِكَ لِقولِهِِ عَزَّ وَجَل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ

    اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران31) وَهذِهِ عِبادَةُ الأحرار المُتَقِين

    (لارَيْبَ فِيهِ) إنَهُ لَقرآنٌ مَجِيدٌ لا يَريَهُ باطِلٌ مِنْ الرَّيْبِ وَهُوَ الشَكُ وَالظُنةُ

    مَعَ التُّهمَةِ, وَهُـوَ مَصدرٌ:: يُقال رابَنِـى الشَّيءُ, وَأرابَنِى بِمَعْنى شكَّكَني

    وَأوْهَمَنِي الرَّيبَةََ فِيهِ وَالرَّيبَةُ عَدَم التَحَقق على سَبيلِ المُقاربَةِ بِتَصدِيقِهِ

    كحَدِيثِ اليَهُود حِينَ مَرُّوا برَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلهِ فقالَ بَعضُهم

    سَلُوه, وَقالَ بَعضَّهُم ما رَابُكُم إليهِ: أي ما إرْبُكُم وحاجَتُكُم إلى سُؤَالِهِ,,

    واللـَّهُ عالِمٌ بالرَّيبَةِ في الناسِ أفْسَدَهُم إذا اتّهَمُوا وجاهَرُوا بِسُوءِ الظَّنِ

    بينَهُم أدَّاهُم السُوءَ إلى ارْتِكابِ ما ظُنَّ بِهِم فَفَسَدُوا ولِهذا ذكَرَ اللهُ تَعالى

    مِنَ أوَلِ سُورَةِ البَقَرَة أربَعُ آياتٍ نَزَلتْ في نَعـتِ المُؤمِنِينَ وَآيَتان في ذَمِّ

    الكافِرين، وَثلاثُ عشَرَة آيَـة فِي زَجْرِ المُنافقِينَ, وَأربَعُونَ آيَـةً في نَعتِ

    المُشْركِينَ إلى عشْرِيـنَ وَمائَـةِ آيَـةٍ فـي أهْـلِ الكِتابِ اليَهُـود والنَصارى

    فَعَزَلَ اللـَّهُ هؤلاء وَخَصَّصَ وَقال (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) هُوَ قـُرآنٌ يُضِيء لِمَنْ

    صَدَقَّ بِهِ مِنَ الذِينَ يَحذَرُونَ مِنْ أمْـرِ اللـَّهِ عقَوبَتَه فِي تَرْكِ ما يَعرفـُونَ

    مِـنْ الهُـدى، وَيَرجُونَ رََحمَتَهُ في التَصْدِيقِ بما جاءَ مِنـهُ سُبْحانَهُ بأنَـهُ

    قرْآناً يَهْدِي لِمَنْ يَشاءُ,,

    وَبالطَبْعِ إنَهُ قرآنٌ مَجيدٌ مُسْتأنفٌ باسْمِهِ تَعالى الهَادِي الذِي بَصَّرَ عِبَادَهُ

    وعَرَّفَهُم طَريقَ مَعْرِفَتِهِ حتَّى أقرُّوا بِرُبُوبيَّتِهِ, وَهَدَى كُـلَّ مَخْلُوقٍ إلى ما

    لا بُدَّ لهُ مِنهُ في بقائِهِ وَدَوامِ وجُودِهِ, وَالهَدْيُ السِّيرَةُ والهَيئَةُ والطَّريقَة

    وَفِي الحَدِيثِ الَهدْيُ الصَّالِح وَالسَّمْتُ الصَّالح جُزءٌ مِن خَمْسَةِ وعِشْرينَ

    جُزْءاً مِن النُّبُوَّةِ,,

    فـأنَّ هـذهِ الخِصالَ مِـنْ شَمائِـلِ الأنـبياءِ وَأنَّها جُـزءٌ مَعْلـُومٌ مـِِن أجـزاءِ

    أفعالِهِم, فارَادَ اللـَّهُ القرآنَ هَدَىً لِلمُتقِينَ كَهَدْيِّ مَنْ سَارَ بِسِيرَةِ الأنْبياءِ

    والأئمَةِ الإثنَي عَشَر, وقـُل اللّهُمَ اهْدِني وَسَدِّدْني وَاذكُر بالهُدى هِدايَتكَ

    الطَّريقَ وبالسَّدادِ تَسْدِيدَكَ السَّهْمَ الهُدَى وَهُوَ الرَّشادُ والدَّلالةُ: كَما يُقال

    هَداهُ اللَّه تَعالى لِلدِّين هُـدىً, وهَدَيْتـُهُ الطَّريقَ وَإلى الطَّريق هِدايَـةً: أي

    عَرَّفتُهُ, والمَعنى فِيـهِ إذا سَألتَ اللَّه الهُدى فأخْطِرْ بِقَلْبِك هِدايَـة الطَّريق

    وَسَأل اللَّهَ الاسْتِقامَة بأهْلِ البَيْتِ صَلواةُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليهِم أجْمَعِين,,

    وََمِنْ هذا خَصَ اللهُ المُتقِينَ بالهُدى في بابِ التَقوى وَهِيَّ العَمَلُ الصالِح

    بِطاعَتِهِ عَلى نُورٍ مِنْهُ لِتَركِ مَعاصِي اللـَّه في مَخافَةِ عَذابِه: فأشارَ اللـَّهُ

    إلى الذِينَ يَجتَنبُونَ ما يُؤثَم مِنَ الأفعالِ فَيَمتَثِلـُوا ما أمَرَ بِـهِ, ويَجتَنِبُونَ

    ما نَهى عَنهُ وَهُم المُتَقِينَ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) بَلْ يُصَّدِقونَ بما غابَ

    عَن حَواسِهِم مِنْ اليَومِ الآخِرِ وَما فِيهِ مِن الجَزاءِ والحِسابِ,,

    والإيمانُ بالغيبِ هُوَ لُغةِ التَصدِيقِ بأفعالِهِم مَنهُ مَن آمَنَ بهِ وَمِنهُم كَذبَهُ

    وخالَفهُ شَرْعاً, والذِينَ آمَنـُوا بِغيْبِّياتِ اللـَّهِ جَّلَ وَعَـز: آمَّنهُم اللـَّهُ الذِي

    يَصْدُقُ عِبادَهُ وَعْدَه، ويؤمِّنَهُم فِي يَومِ القِيامَةِ مِنْ عَذابِهِ المَوعُودِ فهُوَ

    مِنَ الأَمانِ: وَالأمْنُ ضَّدَ الخَوْفِ,,

    وَالإيمانُ وَالأمانـَةُ: يَقعانِ عَلى الطَّاعَةِ والعِبادَةِ والوَدِيعَةِ وَالثقـةِ: وَقـد

    جاءَ فِـي القرآنِ كُـلٌّ مِنهُما حَدِيثٌ:: وقالَ يَعسُوب المُؤمِنِينَ الإمام عَليّ

    سَلامُ اللهِ عَليهِ (إنَ الإيمانَ مِعرفَةٌ, والمَعرفَةُ تَسْلِيم, والتَسْلِيمُ تَصْدِيق)

    وَلِيُؤيِّد قَوْل الإمام قوْل اللـَّه تَعالى: قالَ (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلـُوبِهِمُ الْأِيمَانَ

    وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(المُجادلة:22)

    أمَّا الإيْمانُ بالغَيْبِ: أنَ عقـُولَ المُؤمِنِينَ قـد سَلَّـمَ إدراكُها وَكَشَّفَت عَنْها

    غَشاوََّتُها وَامْتَدَ نَظَّرُها إلى نِظامِ السَماواتِ وَالأرضِ وَما فِيْهُنَ مِنْ خَلْقٍ

    فَعَرَفَتْ الكائِناتُ أنَ لَها مُبْدِعاً حَكِيْماً,, وَخالِقاً مُدَبِّـراًً قدِّيراً جَعَلَها تَسِّيرُ

    بِنِظامٍ مُحْكَمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَلا تَفاوِّتَ بِـهِ,,

    فَـدلَ الإيمانُ بالغيبِ: هُـوَ صِفَةٌ مَحجُوبَةٌ بشِهُودِ النَفـسِ التِي انحَصَرَت

    فِي هَيْكَلِ ذاتِ العَبْـد ما زالَ يَنْظر إلى الأكْوانِ فهُوَ مُؤمِنٌ بالغيْبِ، وَهُـوَ

    أوَلُ الإيمان بوِّجُودِ الحَّقِ الذِي يَسْتَدِلُ بوِّجُوِدِ أثَرِهِ عَلَيهِ,, وَليْسَ الغيْب

    ما غابَ عَنْ الادراكِ لأن ماهُوَ مَعلُومِ العَقل مِما غابَ عَنْ الحِّسِ وَالنَظَّرِ

    فِي الرِّزقِ وَالمَوْتِ وَالجَنَـةِ وَالنارِ وَالبَرزَخِ وَالبَعـْثِ والنشُـورِ وَأهْـوالِ

    يَومِ القِيامَةِ,,

    وَفِي الحِكَمِ قِيلَ: لَـوْ أشْرَقَ نُور اليَقِين فِي قلْبِكَ لَرَأيْتَ الآخِرَةَ أقرَب مِنْ

    أنْ تَرحَلَ إلَيْها، وَلَرَأيْتَ بَهْجَة الدُنيا وَكُسْوَة الفناءِ ظاهِرَةً عَليْها,,

    والغيْبٌ: هُوَ مَصْدرٌ غابَ عَنْ السَّمعِ وَالنَظَّرِ أُقِيمَ مَقامُ اسْمُ الفاعِل وَهُوَ

    غائِبٌ يَجْعَلهُ كَأنَهُ هُوَ الحاضِرُ بالإيمانِ بِما صَدَّقَهُ قَوْلاً واعتِقادًاً وَعَمَلاً

    لأنَ الغَيْـبَ هُـوَ الخَفِيُ الذِي لا يَدركَـهُ الحِـسْ وَإنما يَعلَّمَـهُ بَديهَة العَقـلُ

    وَإنكارُ الغـَيْب فهُوَ البَهْْتُ والبُهْتانُ,وَعِلْمُ الغَيْب وَالإيمانُ بالغيْبِ هُوَ كُلَّ

    ما غابَ عَن العُيُونِ سَواءُ كانَ مُحَصِّلاً في القِلُوبِ أو غيْرِ مُحَصَّلٍ تَقول

    غابَ عَنهُ غَيْباً وَغَيْبَةً,,

    وَذكَرَ العَياشِي في تَفسِيرِهِ: قالَ عَـنْ أبي الحَسَنِ عَليِّ ابـْن إبراهِيم: قالَ

    حَدَثَنِي أبي عَن يحيى ابن عُمران عَنْ يُونس عَن سعدان ابن مُسْلم عن

    أبي بَصِير عَن أبي عَبدِ اللهِ عَليهِ السَلام: قالَ كِتابُ عَليِّ عَليهِ السَلام لا

    شَكَ فِيهِ هُـدى لِلمُتقين, هُوَ بِيانٌ لِشِيعتِنا وَقوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)

    قالَ أبُو عَبد الله: مِما عَلَّمْناهُم يُنبئُون, وَمِما عَلَّمْناهُم مِنَ القرآنِ يَتلُون

    وَفَسَّرَ (ألـم) هُوَ حِرفٌ مِنْ حِرُوفِ اسْم اللـَّهِ الأعظَّم المُتَقطَِع فِي القُرآن

    الذِي خُوطِبَ بـهِ النَبِّي صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ: والإمامُ فإذا دَّعا بـهِ أجِيْب

    والهِدايَة فِـي كِـتابِ اللـَّهِ عَلى وجُـوهٍ أربَعَةٍ: فمِنها ما هُـوَ لِلبَيانِ لِلذِيـن

    يُؤمِنُونَ بالغيْبِ: قـالَ يُصَدِقـُونَ بالبَعـْثِ, والنِشُـور, وَالوَعـدِ, والوَعِيـدِ

    والإيمان في كِتابِ اللـَّهِ على أربَعَةِ أوْجِـهٍ فِمْنهُ إقرارٌ بالِلِّسانِ قـد سَّماهُ

    الله إيماناً, وَمِنهُ تَصْدِيقٌ بالقلبِ, وَمِنهُ الأداء, ومِنهُ التأيِّيد,,

    كَذلِك: نُفَسِرُ لكُم (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) الصَلاةُ مَوْصُولَةٌ بالمُتَقِينَ على أنَها

    صِفَـة مَجْرُورَة أوْ جاءَتْ عَلـى ابْتِـداءِ الخَبَـرِ بالجُمْلَةِ التِي ذَكَـرَها اللـهُ

    تَبارَكَ وَتعالى كَشْفاً (لِلْمُتَّقِينَ) وَهُم الذِينَ يُؤمنُونَ بالغَيبِ يَعدِلُونَ أرْكانَ

    الصَلاة وَيُؤدُونَ شَرائِطَها,,

    وَفِي الحَدِيثِ الشَريف: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ (بُنِيَ الإسْلامُ

    عَلى خَمْـسٍ:: شَهادَةُ أنْ لا إلَـهَ إلا اللـهُ، وَإقامَةُ الصَلاة، وَإيـتاءُ الزَكاة

    وَصَوْمُ رَمَضان وَحَجُ البَيْت الحَرام)

    والإقامَةُ: هِيَّ الصِلَّةُ باللهِ تَعالى, وَهُم أهْل الفِعل الذِي انْطَوى تَحتَ ذِكْرِ

    الإيِمانِ بِما مَدَحَهُم اللهُ عَلى أساسِ الحَسَّناتِ وَمَناصِبِ الصالِحاتِ,, لأنَ

    الصَلاةَ عَمُودُ الدِين: وَهِيَّ الفاصِلُ بَيْنَ الإسْلامِ وَالكُفْرِ بِعَدَمِ تَرْكِها,,

    فَعَلى المُؤْمِنُ أنْ يُؤْمِنَ نَفسَهُ بإيمانِهِ مِنْ عَذابِ جَهَنَمَ:وَاللهُ تَعالى مُؤْمِّن

    أوْلِيائَهُ مِنْ عَذابِِها,,

    وَالصَّلاةُ والصَّلوات: هِيَّ العِبادَةُ المُخْصُوصَةُ, وَأصْلُها في اللَّغةِ الدُعاءُ

    فسُمَيَّت ببَعضِ أجْزَائِها صِلَةٌ بتَقرُبِ العَبد رَّّبه وَأصْلَها في اللُغةِ التَعظِيم

    سُمَيَّت العِبادَةُ المَخْصُوصَة صَّلاةٌ لِما فِيها مِن تَعْظِيمِ الرَبِّ تَعالى وَقولَّهُ

    فِي التَشْهُدِ وَالتَسْلِيمِ الصَّلواتُ لِلَّّهِ: أي الأدعِيَةُ التي يُرَادُ بِها تَعظِيمُ اللَّه

    هُوَ مُسْتَحِقُّها لا تَلِيقُ بأحَـدٍ سِواه,, وَما كانَ اللـَّهُ لِيُضَيِّعَ إيمانَهُم فسَّمى

    الصُلاة إيْماناً كَما يُؤمِنُونَ بالغَيبِ,,

    فأمَّا قوْلنا اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِ بيتهِ: فمَعناهُ عَظِّمْهُ فِي الدُنيا

    بإعْلاءِ ذِكْرِهِ, وَإظهارِ دَعْوتِهِ, وَإبقاءِ شَريعَتهِ وَفي الآخِرةِ بتَشْفِيِعِهِ فِي

    أمَّتِهِ,وتَضْعيفِ أجْرهِ وَمَثوبَتِهِ,,

    وَفِي المَعنى لمَّا أمَرَ اللَّّهُ بالصَلاةِ عَلى النَبِّي وَلَّمْ نَبْلُغ قـدْرَ الواجِب مِـنْ

    ذلِكَ أحَلْنا دَعَوانا على اللَّهِ، وَقـُلْنا اللَّهُمَ صَلِّ أنتَ على مُحَمَدٍ لأنَكَ أعلَّـمُ

    بِما يَلِيقُ بـهِ,,

    (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) هذِهِ الآيَـة: اختَلفَ فِيها المُفسِرُونَ سُنَة, وَمِنْ

    الشِيعَة آيَـةُ الله مَحَمد حسين الطَباطَبائي في تَفسير المِيزان: قالَ: وَفِي

    تَفسِير العَياشِي, ذَكَـرَ عَـنِ الإمـام الصادِق عَليهِ السَلام فِي قولِـهِ تَعالى

    (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(البَقرَة:3) قالَ: وَفِي المَعانِي عنهُ عَليهِ السَلام

    في الآيَةِ وَمِما عَلَّمْناهُم يَبتـُون, أي وَمّا عَلَّمْناهُم مِنَ القرآن يَتلـُون,,

    وَذكَـرَ الطَباطبائِي: بأنَ الروايَتان مَبنِيتان عَلى حِمْلِ الإنفاقِ عَلى الأعَم

    مِنْ إنفاقِ المالِ قالَ عَن مَصدَرِ الآيَةِ بتَفسِيرِهِ المُختَصَر (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ

    أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِـرّاً وَعَلانِيَةً) في كافَةِ الأزمِنَةِ وَالأحوالِ (فَلَهُمْ

    أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وََسَوفَ يَسْتَوفـُونَ أجْرَهُم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُـمْ

    يَحْزَنُونَ)(البقرة 274) فَهُوَ وَعدٌ حَسِن لِلقاءِ اللهِ,,

    وفي تفسير القمِي في قَولِهِ عَنْ آيَـة الإنفاقِ, الشيطانُ يعدَكُم الفقر: قال

    إن الشيطان يقول لاتنفقوا فإنكم تفتقرون والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً

    أي يغفر لكم إن أنفقتم لله وفضلاً يخلف عليكم,,

    وفي تفسير البرهان: عن ابن شهـر آشوب في المناقب عن ابن عباس

    والسدي ومُجاهـد والكلبي وأبـي صالح والواحدي والطوسي والثعلبـي

    والطبرسي والماوردي والقشيري والثمالي والنقاش والفتال وعبد الله

    بن الحسين وعلي بـْن حرب الطائي في تفاسيرهم قالـُوا: أنـهُ كان عنـد

    ابن أبي طالِب دراهم فضة فتصَّدَق بواحدٍ ليلاً, وبواحدٍ نهارا, وبـواحدٍ

    سِراً, وَبواحدٍ علانية فنزلَ:: الذين ينفقون أموالهم بالليلِ والنهار سِراً

    وعلانية فسمى كل درهم مالاً وبشره بالقبول: أن الآيـة نزلت في أبـي

    بَكْـر تصَّدقَ بأربعينَ ألف دينار عشرة: بالليل وعشرة بالنهار وعشرة

    بالسر وَعشرة بالعلانيةِ,,

    وَفِي تَفسِرُنا نَقول (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقـُونَ) أيْ مِما أعطَيْناهُم وَمَلََّكْناهُم

    يَتَصَّدقونَ وَيُزكُونَ أمْوالَّهُم تَطَوِّعاً أوْ واجِباً مِنَ الإنفاقِ: هُوَ المالُ الذِي

    يَخْرجُ مِن أيْدِيِهِم بَلا تَشَنج وَلا انْهِيار عَما وُجْبَ بإنفاقِهِ في سَبيلِ الخَيْرِ

    كَما أنفَقَ الإمامُ عليٌّ عَليهِ السَلام فأخبَرَ اللـَّهُ تَعالى عَنـْهُ: وَقـال (الَّذِيـنَ

    يُنْفِقـُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا

    خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة:274)

    مَضْمُون الآيَة: أرادَ اللهُ عَزَّ وَجَل تَأوِِّلُها عَلى أربَعةِ عَوامِلِ وَلِكُلِّ عامِلٍ

    يَختَلِفُ مَضمُونَهُ بَينَ السِّرِ والعَلانِيَة, وبَينَ اللَّيل والنَهار,,

    وكَما وَردَ فِي الحَدِيثِ الشَريف: أنَّ هذِهِ الآيَة نَزَلَتْ في حَقِّ الإمامِ عليِّ

    عَليهِ السَلام وَكانَ لا يَملِكُ إلا أربَعَةَ دَراهِمٍ فأنفَقَ مِِنها دُرْهَماً في اللَّـيْلِ

    وَآخِرٌ في النَهارِ, وَثالثٌ علانيَّة, وَرابعٌ سِّراً,,

    وَلكِن مِـنَ المَفهُومِ:: أنَّ نزُولَ هـذهِ الآيَـة كانَ في مَوْردٍ خاصٍ لا يُحدَّدُ

    مَفهُوم تِلكَ الآيَةِ وَلا يَنفِي شمُوليَّة الحُكْم لِغيرهِ مِن مَواردِ الصَّدقاتِ,,

    فأرادَ اللهُ تَعالى أنْ يُبيِّنَ لَنا الإنفاقُ بَينَ السِّرِ والعَلانيَةِ مِـن خِلالِ تَخَّلـُلِ

    الآيَةِ عَـنْ آدابِ الإمامُ عليٍِّ عَليهِِ السَلام, والصَّدَقةُ ما يَخْرجُها الإنسانُ

    مِـن مالِـهِ عَلى سَبيلِ القـُربَةِ وَتَشْملُ الفَرْض وَالتَطَوْع, حَتى قِيـلَ عَنْـهُ

    تَصَدقَ بِصَّدقةٍ فأخْفاها مِنْ حَيثُ لا تَعلَمَ شِمالَهُ ما تُنفَق يَمِينَهُ,,

    وَصَدَقةُ السِّـر: هِيَّ أفضَلُ مِـنَ العَلانِيَةِ, والتَصَدقُ بإخْفائِها أفضَـلُ مِـنْ

    إظهارِها لأنَ شائِبَـةَ الرِّياءُ تَهْتـُك سِـترُ الفـُقراء وَيُـزيل مـاءَ وجُوهَهُـم

    وكَرامَتَهُم, وَإنْ كانَ لا يُـرَدُ إنـْفاقُ الصَدقاتِ بإظهارِها, فالإعـلانُ عَنها

    يُشَجِعُ الآخَرينََ عَلى القِيامِ بمْثلِها وَلكِن صَّدَقةُ السِّـر في التَطِوِّعِ تُفضَّل

    عَلانِيَتها سَبعِيـنَ ضِـعفاً,, وَصَّدَقـةُ الفَريضَة أفضَّـل مِـن سِّـرها بِخَمسَةِ

    وَعشْرينَ ضِعفاً, وإذا تَطلَّبت المَصْلحَة إعلانُ الصَّدقات كَتَعظِيمٍ لِلشَعائِرِ

    الدِينيَّةِ والتَرغِيبُ وَالحَـثُّ على الإنـْفاقِ لإكْـثارِ الخَيراتِ دُونَ أنْ يُـؤدِيَّ

    هَتِكُ حُرمَةِ الفقراءِ, فَيَجِبُ التَصَّدقُ بِها عَلَناً, إلا أنْ يَكُونَ هُناكَ مُوجِبٌ

    لإظهارِها رَغَم أنَهُُ لا يَنبَغِي نِسْيان الإنفاق لَيلاً وَنَهاراً وَسِراً وَعلانِيَة,,

    وَمَعَ هذا بأنَ اللهَ أثنى عَلى المُتَقِينَ بالإنفاقِ وَهُمْ في حاجَةٍ إلى المالِ,,

    وَلكِـن دَخَلـُوا في سَـبيلِ الإنْفاقِ ليَنفِقـُوا مِما رَزَقَهُمُ اللـَّه وإنْ كانَ قَلِيلاً

    وَذلِكَ في قوْلِهِ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) بإنفاقِ الصَّدقاتِ لِلفُقراءِ (وَلَـوْ

    كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) بِما يُنفِقُونَ حَتى وَإنْ كانـُوا عَلى جَّـوْعٍ وَالخَصاصَةُ

    أَصْلُها الفقـرُ وَالحاجَة إِلـى الشَيءِ (وََمَـنْ يُـوقَ شُـحَّ نَفْسِـهِ فَأُولَئِكَ هُـمُ

    الْمُفْلِحُونَ)(الحشر9) الجُمْلَةُ هِيَّ اعتِراضٌ وارِدٌ لِمَدحِ المُفلِحِين وَالثَناءِ

    عَليهِم وَقُرِئَ قوْلهُ (يُوقَ) فالأمْرُ واضِحٌ بِما يُنفِقُون وَهُم يُؤْثِـرُونَ عَلى

    أنفُسِهِم ذلِكَ اخـتِياراً مِنْهُم بالإنـفاقِ فِي سَـبيلِ اللـَّهِ دُونَ الشُـحِّ بحِرْصِ

    النَفسِ عَلى ما مَلَّكَت بإخْراج زَكاتِهِم وَعَفـُوا عَنْ المالِ الذِي لا يُحِّلَ لَهُم

    وَهـذا أعلى دَرَجَةً مِما أفادَهُ اللـَّه تَعالى بِمَدحِهِم: وَقـال (وَلا يَجِدُونَ فِي

    صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتـُوا) دَلِيلاً لِمَعنى الآيَـة في جَزائِهِم الكَريم (فَلَهُمْ

    أَجْرُهُمْ عِنـْدَ رَبِّهِمْ) الأُجُورُ هُوَ مَصْدرٌ بِما أُجِرَّتْ يَدُ المُنْفق فَتُؤجَرُ أجْراً

    وَأجُوراً إذا جُبِـرَتْ عَلى عُقـْدَةٍ وَغيـرِ اسْتِـوَاءٍ: فَبَقِيَّـت لَها خـرُوجٌ عَـن

    هَيْأتِها وَهِيَّ مَأجُورَةٌ, لأنَّ الأجْـرَ هُوَ الثوابُ العَظِيم: وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ

    أَجْـرَ المُتَصَّدقِينَ فيَأجرَهُم أجْـراً وَآجَرَهُم إِيجاراً وَالمُرادُ في زيادَةِ أجْـرِ

    الإنفاقِ مَثلَهُ (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) يَعني: مَثَلُ المُنفِقِينَ في سَبيلِ اللـَّهِ كَمَثلِ باذر

    حَبَةٍ (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) السُنْبُلَة هُيَّ الزَرْعُ من

    البُرِّ والشَعِيرِ والذُّرَةِ, ويَكُون فِي السُنْبُلةِ مِائَةُ حَبَّةٍ (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ

    يَشاءُ) الضِّعفُ: هُنا لـمْ يُرَد بـهِ مِثلاً وَِلا مِثلَينِ, وإنَما أَرادَ اللهُ بالضِّعفِ

    الأَضْعافَ وَأَوْلى الأَشْياء بـهِ أَنْ يَجْعَلَهُ اللـَّه عَشرَةَ أَمثالَهُ: وَهُـوَ جَـزاءُ

    الصَدَقاتِ بالضِّعفِ عَشرُ حَسَناتٍ تأْوِّيلَهُ فأُولئِكَ لهُم جَزاءُ الضِّعف الذِي

    أَعلَّمْناهُم بِـهِ مِقْدارَهُ: وَهُـوَ قولَهُ (مَـنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْـرُ أَمْثَالِهَا)

    (الأنعام:160) أو يُجازِيهُم اللهُ الضِّعف كَما يُضاعِفُ الحَبَةُ بِسَبْعِ سَنابِلِ

    وَفي كُلِّ سُنبُلَّةٍ مائَةُ حَبَةٍ (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

    خِتامُ الآيَةـ هِيَّ بَـيانٌ لِلإنسانِ الذِي يَعلـمُ تَدبَّـرَ أمُـورِ المُعايَشَةِ الحَياتِيَة

    فإنَهُ يَحتاجُ إلى المالِ وَالثـرَوَة، فإذا فقـدَ ثرْوَتَـهُ يَنتابَـهُ الحُـزْنُ وَالهَلَـعُ

    وَالخََّوفُ على ذلِك لأنَّهُ لا يَعلمُ ما يَنتَظرُهُ في مُقبْلاتِ الأيام عِنـدَ الشِّـدَةِ

    فهذهِ الحالَة غالِباً ما تَمْنعُ الإنسانَ مِنَ الإنفاقِ,,

    والانتِفاعُ مِنْ جَوهَرِ مَعنى الآيَة: يَعني وَمَا أنفَقتـُم مِنْ خَيْرٍ سَوفَ يُوَفِ

    اللهُ تَعالى إِلَيْكُمْ بِهِ: بَـلْ يَعُود خَيْرُ الصَّدقاتِ لَكُم فلا تَضِّنُوا إنَ هذا النَفعُ

    لا مِصْداقَ لَهُ بِمَنفَعَتِكُم في الآخِرَةِ أو سَيَعودُ لَكُم كامِلاً بالدُنيا وَفِي اليَومِ

    الذِي تَحتاجُونَ إليهِ بشِدَّةِ الأيامُ التِي فِيها تـُعسِّرُونَ,,

    يا ابْنَ آدَم: ألَيْسَ قـد رَزَقََكَ اللهُ مالاً حَلالاً فاخْتَرَتَ ما حَرَمَ اللهُ عَليْكَ مِنْ

    رِّزْقِهِ وَمَكانَ ما أحَّـلَ اللـَّهُ تَعالى لَّكَ مِـنْ حَلالِـهِ فبَخَلْتَ بِعَطائِكَ مِنهُ فِـي

    عِبادِهِ الضُعَفاءِ: كَما صَرَحَ اللـَّهُ تَعالى بأنَ الإنـفاقَ بالمالِ عِنـدَ البُخَلاءِ

    فِيما لا يُرضِيَّ اللـَّهُ حَسْـرَةً عَلى صاحِبهِ فـي قِوْلِـهِ (إِنَّ فَسَيُنْفِقـُونَهَا ثـُمَّ

    تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً)(الأنفال:36) (انتهى تَفسِير الحَجاري)

    مِـنْ شبَكَة جامِِع البـَيان في تفسِـير القـرآن
    لِلعَلامَـة المُحقِق الشـيخُ ألحجاري الرميثي

يعمل...
X