:55555":
((الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)) النحل : 32 .
اخوتي اخواتي سنمر خلال بحثنا حول هؤلاء المخاطبين , ومن هم , ومن هو أفضلهم ولنمر على فصول الاية فصلاً فصلاً كي تتضح لنا الرؤية حول هؤلاء :
( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ) التوفي هو القبض كما تقول : توفيت حقي أي قبضته , فلماذا إذن تتوفاهم الملائكة وليس ملك الموت ؟ معلوم أن الملك
جسم وإن كان نورياً , والجسم يحتاج إلى حيز يشغله , ومكان خاص يكون فيه , وفي كل لحظة يموت الاف من الناس من شرق الارض وغربها , وعليه فيستحيل
على ملك الموت أن يكون عند كل هؤلاء ليقيضهم ’ فكان لا بد من أعوان يقومون عنه بذلك ويأتمرون بأمره في قيض ارواح الناس .
وللمفسرين في معتى قوله تعالى : ( طيبين ) ثلاثة أراء :
الاول : انه يخرج منها طاهراً
فالله تعالى حينما يخلق الانسان يخلقه نسخة بيضاء طيبة طاهرة نظيفة غير ملوثة , ولذا فإن الرسول حينما كان
يأتي إليه المسلمون بأينائهم حديثي الولادة
ليسميهم صلوات الله عليه كما هي عادتهم - يقبل الطفل ويقول : (( هذا حديث عهد بالله )) .
أي لا زال على فطرته السليمة وطيبته قبل أن يلج المحيط , وإلا فهو بعد أن يدخل المحيط نحوله الى قطعة ملوثة , فنعلمه الكذب والحقد والافتراء والاخلاق الشائنة إلا اللهم ربي إذا اراد الله له ان يربى في بيئة طيبة تعلمه محاسن الاخلاق ومحامدها , اما مع المحيط الذي نحن فيه فلا نتوقع من أن يكون خلاف وصفنا من تلوث نفسه وفطرته التي فطره الله عليها , فلنقرأ قوله تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين امنوا ) .
أي اننا نسلمكم الإنسان صفحة بيضاء فاقومون بتلويثها إلا من آمن .
وهذا الخطاب موجه لكل من يقوم بعملية التربية , وأول من يقوم بهذه العملية هو الاسرة التي عبارة عن الأب والام , وهما أول من تقع عليه مسئولية الطفل وأعباء تربيته , وهذه المسؤلية تارة تكون عملية واخرى نظرية :
فالمسؤلية النظرية تتمثل بكون الطفل حينما يبدأ يرى اُمه وأباه ويراقب تصرفاتهما فيقتبس منهما .
والمسؤلية العملية تتمثل في ان الطفل حينما يسمع أبويه يتكلمان عن الأخلاق الحسنة وانها خير كالأمانة مثلاً , فإنه يراقب تصرفاتهما ليرى ما إذا كانا يفعلان ما يقولان ويكونان في واقعيهما امينين ام لا , فعملياً حينما يمدح قيمة من
القيم الخلقية هل يقوم بتطبيقها على نفسه أم لا ؟ كل هذا يراقبه الطفل ويحفظه .
ثم بعد ذلك – بعد الأبوين في عملية التربية – يأتي دور المعلم الذي إن كان فاضل الأخلاق حسن السيرة فإنه
يترك أثره الطيب الحسن في نفس ذلك الطفل وعلى سلوكه فيخرج لنا طفلاً و فاضلاً , وهذا هو ما كنا عليه سابقاً
حينما كان المعلم ربيب المسجد , فهذا الخلق الذي يكتسبه من المسجد يقوم بتغذيته إلى الطفل وهذا الحال هو
الذي كان سائداً ىنذاك , اما أن يأتي إنسان اليوم ويقول : غن المساجد أصبحت الان تنانير حقد تثير الفرقة بين
المسلمين فهذا مردود , لان هذا شاذ وهو خلاف الرسالة الحقيقية للمسجد , فهذا لا يعدو أن يكون حالة مرضية
في سيرة المساجد , ولا يعنينا في شيء , بل إن الذي يعنينا هو الدور الحقيقي الذي يلعبه المسجد ورواده في
عملية التربية للطفل , وهذه هي القاعدة التي تتمثل في ان المساجد تحمل زاد التقوى لتوصله إلى الطفل وتغذي
نفسه به , وبعد أن جاءت المدارس والجامعات انتقلت هذه المسؤلية من المساجد وروادها إلى هذه المؤسسات
المنهجية ومعلميها الذين يشرفون على عملية التربية , والمدارس في هذه المؤسسات يمكن أن يكون فاضلاً
فيخرج لنا طفلاً فاضلاً , ويمكن أن يكون طالحاً فيحاول أن يربي الطفل على أخلاقه الطالحة .
والمرحلة الثالثة في عملية التربية تتمثل في المحيط الذي هو عبارة عن الشارع والسوق و فإلانسان يتفاعل
حتماً مع هذه الأجواء , وعلى ضوء هذا التفاعل يتولد الطفل اما صالحاً أو طالحاً , وحينما يريد الله أن يسترجع
وديعته فإما أن تكون هذه الوديعة ملوثة أو طيبة حسب تفاعلها مع مراتب عملية التربية الثلاث , فالمؤمن يتوفى
طيباً وغيره , غيره .
ويمكن تقريب ذلك بأنك إذا أودعت عند احد وديعة ثن أردت أن تستردها منه , فتارة يرجعها لك كما هي أي كما أودعتها عنده , وتارة يعيدها سالمة مع زيادة هي انه قام بتطبيقها وحفظها داخل وعاء محكم كي لا تمتد إليها يد عابثة , وتارة يعيدها اليك معيبة ناقصة . وهكذا حال الطفل .
اخوتي اكتفي بهذا اليسير ولي عودة في هذا الخصوص حتى لا يحصل لكم الملل من طول الموضوع ,
اخوكم الصمت لغتي
تعليق