المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ الحرية : ]


لبيك داعي الله
04-02-2011, 01:44 PM
:55555":


الحمد لله رب العالمين باري الخلائق أجمعين الذي سن لهم أحكاما وتشريعات تعود عليهم بالنفع في عاجل الدنيا وآجل الآخرة وجعلها طبقا لمصالح وعلل لا يعلمها الا هو ومن ارتضاه من رسله وعباده المخلصين .
والصلاة والسلام على منقذ البشرية من الظلمات إلى النور ، الذي حلاله حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة ، الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ، وعلى آله الغر الميامين أمناء الله على دينه ومهبط وحيه ومعدن رحمته وخزان علمه . . والذين هم منتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد وأبواب الإيمان ، حجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى المظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .

[ الحرية : ]
الحرية هو شعار ، كثيرا ما دفعته أديان ومذاهب وأحزاب وقوميات و شخصيات في العصر الحديث وفي العصر القديم وجعل هذا الشعار هدفا و مقصدا للإنسان يسعى لتحقيقه ويتغنى به ، وإذا أراد الإنسان أن يبحث عن المبدأ أو الفئة التي أعطت للإنسان حريته وسعادته المنشودة لم يجد لها عين ولا أثر على وجه البسيطة حتى المذاهب التي اتخذت الحرية شعارا أساسا لها كالرأسمالية الغربية أو الاشتراكية الشرقية والذي يوجد عندها انما هو لفظ الحرية ومصداق العبودية بمعنى الكلمة وبما يحمل اللفظ من معنى لهذا رجع الإنسان من هذين المذهبين بل والمذاهب الأخرى الوضعية بخفي حنين الا العبودية الذليلة .
الإنسان لا يجد حريته وسعادته الا في الإسلام وهو الدين والمبدأ الوحيد الذي ضمن للإنسان سعادته وحريته الحقيقية في جميع المجالات : المبدأية والاقتصادية والأخلاقية الفردية والاجتماعية ، وهذه هي الحرية التي تعلو به إلى ما يتناسب مع إنسانيته وكرامته بل وتعلو به إلى أعلى عليين حتى تقربه من مولاه .
[ حرية الفكر في الإسلام : ]
من جملة الحريات التي منحها الإسلام للإنسان هي حرية الفكر ودعاه وحثه على التفكر في جميع المجالات بما فيها الكون والحياة والآخرة وما سوف يؤول إليه وأشار إلى حقيقة قد تخفى على الإنسان وهي ان الذي يستفيد من الكون والحياة ويكون على سبيل نجاة هو الذي يفكر فيما حوله ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ . . )




وان الذي يأخذ عبرة من ذلك هو الإنسان المفكر قال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .
وفي الحث على الفكر وحريته فضله على كثير من العبادات فقد روي عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله قوله : " فكرة ساعة أفضل من عبادة سنة " .
وأرجحية التفكر على العبادة ليس الا لان في التفكر ميزة خاصة لا توجد في كثير من العبادات الجوفاء عن المعرفة والهداية . تلك الميزة هي الوصول إلى الحقيقة فكم إنسان قد اهتدى إلى الإسلام أو من الفسق والعصيان إلى الإيمان وخرج من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة . لانه استعمل فكره وعقله لفترة من الزمن وقد لا تتجاوز الساعات أو الدقائق فيرتبط مصيره بهذه اللحظات القيمة .
والشواهد على ذلك كثيرة جدا فالنقتبس من باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله بعضها قال عليه السلام : " فكرك يهديك إلى الرشاد ، ويحدوك على إصلاح المعاد .
وقال أيضا : " لكل شئ دليل ودليل العاقل التفكر " .
وقال عليه السلام : مشيرا إلى انه كل ما كان تفكير الإنسان أكثر وأعمق كان صوابه وقربه إلى الحق أكثر وكل ما قل تفكيره كثر خطائه وقرب نحو الباطل " طول الفكر يحمد العواقب ، ويستدرك فساد الأمور .
وقال عليه السلام : " تفكرك يفيدك الاستبصار ويكسبك الاعتبار .
وقال عليه السلام : " من فكر قبل العمل كثر صوابه .





[ المبدأ الأول وحرية الفكر : ]
والإسلام حينما دعى إلى حرية الفكر وحث عليه لم يكن ذلك من باب التسلية والشعار الفارغ وانما رتب على ذلك الأثر كبقية الحقائق التي يدعو إليها . فأهم شئ في وجهة نظر الإسلام بل في الوجود ككل هو معرفة المبدأ الأول المنشئ لهذا الكون بما فيه وهذه الحياة التي يعيشها الإنسان على هذا الكوكب .
فالإسلام ابتدأ مع الإنسان من هذه المهمة التي هي أول ما يحتاجه الإنسان ولا يمكن أن يستقل عنها أو ينفصل عن فيضها ولو لحظة واحدة ، فنبه الإسلام الإنسان على أنه لابد له من الاعتراف بوجود الله سبحانه وعدالته من طريق العقل الحر والتفكير العميق ولا يكفي التقليد فيه وكذلك بقية أصول الدين كالنبوة والإمامة والمعاد يلزم أن يعترف بها من طريق فكره وأدلتها متوفرة لجميع الناس مهما اختلفت مستوياتهم ويكتفي من كل بحسب حاله ، والآيات والروايات التي تتحدث كأدلة ليست الا محض ارشاد والا لحصلت المصادرة .
وهذا لا يمنع من ان الإسلام اتخذ موقفا آخر بالنسبة إلى فروع الدين فقد فسح المجال للتقليد فيها لمن ليس أهلا للنظر والفحص وذلك لكثرتها وتشعب

أدلتها خصوصا مع البعد الزمني عن عصر الرسالة وتوقف النظام الاجتماعي لو اشتغل الكل بتحصيل كل ما يحتاجه من مسائل الفقه .


[ حرية اختيار الإسلام : ]

بعد أن عرفنا ان معرفة المبدأ الأول لابد أن يكون من طريق العقل وحريته التامة . نعرف ان كل شئ مهما سما فهو دون المولى سبحانه حتى الإسلام فاختياره يكون بتفكر الإنسان وبحثه وتدقيقاته ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) وعندما يستعمل عقله فالنتيجة هي الاعتراف بالإسلام ومباديه لهذا نرى ان الإسلام يعطي الإنسان حرية التفكير في بحثه وهو مطمأن ان النتيجة هو الوصول إلى الحقيقة والواقع وتراه يضع للإنسان الداعية الطرق الحكيمة والخلقية عندما يدعو الإنسان غيره ولا يحتاج لان يستعمل الأساليب الملتوية من الكذب والغش والبهتان والشتم والتعصب الأعمى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .
واننا على علم ويقين تأمين ان الإنسان مهما كان إذا استعمل فكره ولم يتعصب إلى فكرة معينة أو تقليد أعمى لأبويه أو لبيئته التي يعيش فيها أو لحزب ينتمي إليه أو لمذهب ينتسب إليه وصار موضوعيا في فكره وبحثه وأخلص النية لله تعالى للحق في هدفه فانه سوف يصل إلى الحقيقة وتنكشف له كما سوف يتعرف على الباطل وموارد الاشتباه والالتباس عليه وذلك بعون الله وحسن لطفه وعنايته .


[ منزلة العقل في الإسلام : ]
فإذا عرفنا هذه الأهمية الكبرى للفكر في الإسلام نعرف أهمية العقل في حياة الإنسان وسعادته ووصوله إلى الواقع . فان العقل أداة الفكر الذي يفكر بها الإنسان وقد وردت النصوص الكثيرة في مدح العقل وجعله حجة على الناس كما ان الرسل حجة عليهم .
قال الإمام الكاظم عليه السلام : " يا هشام ان لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة . فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأما الباطنة فالعقول .
بل جعل التمييز بين الخير والشر والنزوع عن الشر انما هو بالعقل . فقد روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : " انما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين لمن لا عقل له .
وهكذا يتتابع المدح والثناء على العقل وما يلازمه من العلم والتفقه ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) .
وقال الإمام الكاظم عليه السلام : " تفقهوا في دين الله فان الفقه مفتاح البصيرة .
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : " أيها الناس لا خير في دين لا تفقه فيه .


[ الموضوعية عند أهل البيت : ]
لا نعجب لما نرى أئمة الهدى من آل الرسول صلى الله عليه وآله ان هدفهم هو الوصول إلى الحق مهما كان طريقه مرا وشائكا وكأودا واننا بملاحظة تعاليمهم عليهم السلام وتربيتهم لأمة جدهم نرى أروع الأمثلة في الموضوعية والتجرد عن التقليد الأعمى والتعصب الجاهلي فمثلا نقرأ قول الإمام الهادي عليه السلام في مناجاته لربه وتضرعه إليه : " اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي إليك . . " .
فالميزان ليس الحسب أو النسب أو العشيرة أو تقليد الآباء مهما بلغوا في عظمتهم وشهرتهم بل المقصد هو الوصول إلى الحق سبحانه والقرب إليه من أي طريق وبأي ثمن وانما يجب التمسك بالمبدأ المعين إذا كان موصلا إلى الله تعالى ومقربا نحوه والا لا قيمة له ، فالإمام الهادي عليه السلام يفترض - وفرض المحال ليس بمحال - انه لو وجد شخص أقرب إلى الله من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لوجب التمسك به ، وهذا غاية الموضوعية والإخلاص إلى الله سبحانه .
* * *
وان الموضوعية في الأبحاث مهما كانت قد تبدو حساسة وشائكة وصعبة الا انها سوف تكون عاملا مساعدا للوحدة ولم شعث الأمة الإسلامية ورص صفوفها في قبال الكفر العالمي ، وأما السكوت عن القضايا المذهبية والخلافية أو إثارتها بالشتم والكذب والبهتان والتعصب فانه لن يجدي نفعا للأمة الإسلامية ووحدتها وعزها وكرامتها ، بل يجب أن تتوحد الصفوف وتنصهر وتحابب القلوب مهما كان بينها من خلاف أو تعدد في المذاهب والأفكار وتكون كالجسد الواحد يتألم بعضه لبعض لتعود خير أمة أخرجت للناس .





وفي الختام ارجوا ان لا اكون قد اطلت عليكم



اخوكم الصمت لغتي