بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصى نعمائه العادون ولا يؤدي حقه المجتهدون
وصل الله على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين هم أهل الهدى وهم سبل النجاة والتقى
اللهم عجل لوليك الفرج
وصل الله على محمد وأل محمد الطيبين الطاهرين هم أهل الهدى وهم سبل النجاة والتقى
اللهم عجل لوليك الفرج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العَـفْـــوُ
والعفو هو ضدُّ الانتقام , وهو إسقاطُ ما يستحقُّه من قصاصٍ أو غرامة . وقد وردت في كتاب الله العزيز آيات كثيرة تدعو إلى العفو وترغِّبُ فيه , منها قولُه تعالى : (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) , وقوله (عزَّ مِن قائل) : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) , وقولُه (عزَّ وجلَّ) : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
العَـفْـــوُ
والعفو هو ضدُّ الانتقام , وهو إسقاطُ ما يستحقُّه من قصاصٍ أو غرامة . وقد وردت في كتاب الله العزيز آيات كثيرة تدعو إلى العفو وترغِّبُ فيه , منها قولُه تعالى : (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) , وقوله (عزَّ مِن قائل) : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) , وقولُه (عزَّ وجلَّ) : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
أمَّا من الأحاديث فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال : (( العفوُ لا يزيد العبدَ إلاَّ عِزَّاً ؛ فاعفُوا يُعزَّكمُ الله . مَن عفا عن مظلمةٍ أبدله الله بها عزَّاً في الدنيا والآخرة . عليكم بمكارم الأخلاق ؛ فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) بعثني بها , وإنَّ مِن مكارم الأخلاق أنْ يعفوَ الرجلُ عمَّنْ ظلمَه , ويُعطيَ مَنْ حرمَه , ويَصلَ مَنْ قطعَه , وأنْ يعودَ مَنْ لا يعودُه )).
ورُوي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أنَّه قال : (( العفوُ تاجُ المكارم . شيئانِ لا يوزن ثوابهما ؛ العفوُ والعدل )) .
وقال (سلام الله عليه) : (( أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم , فما يعثر منهم عاثر إلاّ ويدُ الله بيده يرفعُه )) . كذا قال (صلوات الله عليه) : (( إنَّما ينبغي لأهل العصمةِ والمصنوعِ إليهم في السلامة أنْ يرحموا أهلَ الذنوب والمعصية , ويكونَ الشكرُ هو الغالبَ عليهم )) .
وجاء عنه (عليه السّلام) أيضاً قولُه : (( إذا قدرتَ على عدوّك فاجعلِ العفوَ عنه شكراً للقدرةِ عليه ) وقوله : (( بالعفوِ تنزل الرحمة )) .
والإمام الحسين (عليه السّلام) هو الملبّي لنداء الله تعالى في كلِّ دعوةٍ إلى خُلُقٍ فاضلٍ حميد , وهو أتقى الناس وأولى منهم بالفضائل , ومنها العفو . وهو العزيزُ النفس والجانب بالعفوِ عن المخطئين , وغير ذلك من مكارمِ الأخلاق حتَّى عفا عمَّن ظلمَه , وأعطى مَنْ حرمه , ووصلَ مَن قطعهُ , وعادَ مَن لم يعدْه .
وقد أقالَ عثراتِ الناس جزاءً على مروءاتهم , ورحمةً بحالهم , وتجاوز بعصمته المقدّسة عن ذنوبهم ومعاصيهم , وكان قادراً أنْ يعاقب فعفا , كجدِّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) حين قال لأهل مكّة : (( اذهبوا فأنتمُ الطلقاء )) , من بعد ما آذَوه أشدَّ الإيذاء .
وصدرَ عفوه عن مقدرة فكان أحسنَ العافين , وهو القائل (عليه السّلام) : (( إنَّ أعفى الناس مَنْ عفا عند قدرته )) .
روى ابنُ الصبَّاغ المالكيّ : جنى بعضُ أقاربه جنايةً تُوجب التأديب , فأمر بتأديبه , فقال : يا مولاي , قال الله تعالى : (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) .
قال (عليه السّلام) : (( خلُّوا عنه , فقد كظمتُ غيظي )) .
فقال : (وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ) .
قال (عليه السّلام) : (( قد عفوتُ عنك )) .
فقال : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
قال : (( أنتَ حُرٌّ لوجه الله تعالى )) . وأجازه بجائزة سَنيّة .
وفي رواية الإربلي في كشف الغمّة : قال (عليه السّلام) : (( أنتَ حُرٌّ لوجه الله , ولكَ ضِعفُ ما كنتُ اُعطيك )) .
وجاء عنه (عليه السّلام) أيضاً قولُه : (( إذا قدرتَ على عدوّك فاجعلِ العفوَ عنه شكراً للقدرةِ عليه ) وقوله : (( بالعفوِ تنزل الرحمة )) .
والإمام الحسين (عليه السّلام) هو الملبّي لنداء الله تعالى في كلِّ دعوةٍ إلى خُلُقٍ فاضلٍ حميد , وهو أتقى الناس وأولى منهم بالفضائل , ومنها العفو . وهو العزيزُ النفس والجانب بالعفوِ عن المخطئين , وغير ذلك من مكارمِ الأخلاق حتَّى عفا عمَّن ظلمَه , وأعطى مَنْ حرمه , ووصلَ مَن قطعهُ , وعادَ مَن لم يعدْه .
وقد أقالَ عثراتِ الناس جزاءً على مروءاتهم , ورحمةً بحالهم , وتجاوز بعصمته المقدّسة عن ذنوبهم ومعاصيهم , وكان قادراً أنْ يعاقب فعفا , كجدِّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) حين قال لأهل مكّة : (( اذهبوا فأنتمُ الطلقاء )) , من بعد ما آذَوه أشدَّ الإيذاء .
وصدرَ عفوه عن مقدرة فكان أحسنَ العافين , وهو القائل (عليه السّلام) : (( إنَّ أعفى الناس مَنْ عفا عند قدرته )) .
روى ابنُ الصبَّاغ المالكيّ : جنى بعضُ أقاربه جنايةً تُوجب التأديب , فأمر بتأديبه , فقال : يا مولاي , قال الله تعالى : (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) .
قال (عليه السّلام) : (( خلُّوا عنه , فقد كظمتُ غيظي )) .
فقال : (وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ) .
قال (عليه السّلام) : (( قد عفوتُ عنك )) .
فقال : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
قال : (( أنتَ حُرٌّ لوجه الله تعالى )) . وأجازه بجائزة سَنيّة .
وفي رواية الإربلي في كشف الغمّة : قال (عليه السّلام) : (( أنتَ حُرٌّ لوجه الله , ولكَ ضِعفُ ما كنتُ اُعطيك )) .
فكان عفوُ الحسين (سلام الله عليه) :
أوَّلاً : مكافئة هنيئة على ذلك الغلام ؛ لأنَّه استعانَ بالقرآنِ الكريم , وخاطب به سيّدَ الأخلاق معوِّلاً على كرمه وعفوه , فلم يُخيّبْه الإمامُ الحسين (صلواتُ الله عليه) , بل صفحَ عنه , ثمّ قدَّمَ له هديَّتينِ ؛ الاُولى العتق , وأيُّ هديَّة تلك ! والثانية عطاءٌ مضاعفٌ أو جائزةٌ سنيّة يستعين بها على العيش الحرّ الكريم .
فجمع الإمامُ الحسين (عليه السّلام) أكثرَ مِن خلُق ؛ العفو والتعليم والكرم , وتلك هي أخلاقُه (سلام الله عليه) متعدّدةٌ في الموقف الواحد , متداخلةٌ فيما بينها لا تدري أيّاً منها تُشير إليها .
ثانياً : كان عفوُ الحسين (عليه السّلام) تأديباً وإصلاحاً لذلك الغلام , وإعطاءً لفرصةٍ يستدرك بها خطأَه , ويستفيد من رحمةِ الإمام الحسين (عليه السّلام) وعفوه وحلمه .
ثالثاً : كان عفوه (سلام الله عليه) عن قدرة شكرَها لله تعالى بالعفوِ عن عباده , وإلاّ كان من حقّه (عليه السّلام) أن يعاقب , إلاّ أنَّه اختار العفو بحكمته , وبلطفه ورحمته .
رابعاً : لم يكن عفوُه (عليه السّلام) مجرَّد عفو , أي مجرَّد إسقاطِ حقٍّ من قصاص , بل كان إضافةً إلى ذلك صفحاً جميلاً , والصفحُ الجميل في قوله تعالى : (فاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) هو العفوُ من غير عتاب كما قال الإمام الرضا (عليه السّلام)(2) , أو هو كما قال الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( عفواً مِن غير عقوبة , ولا تعنيف ولا عتب )) .
ولم يجمعِ الإمامُ الحسين (عليه السّلام) ذلك فحسب , إنَّما أضاف إليه الجائزةَ السنيّة ورحمةَ الحرِّيَّة .
وفي كلّ مواقفه (سلام الله عليه) كان يقدِّم عفوَه على غضبه , ويعرضُ العفوَ على مبغضيه وأعدائه علَّهم يهتدون , وإلى الحقِّ يؤوبون , وعن الباطل والضلال يرجعون , ومن فرصةِ السلام يستفيدون .
أوَّلاً : مكافئة هنيئة على ذلك الغلام ؛ لأنَّه استعانَ بالقرآنِ الكريم , وخاطب به سيّدَ الأخلاق معوِّلاً على كرمه وعفوه , فلم يُخيّبْه الإمامُ الحسين (صلواتُ الله عليه) , بل صفحَ عنه , ثمّ قدَّمَ له هديَّتينِ ؛ الاُولى العتق , وأيُّ هديَّة تلك ! والثانية عطاءٌ مضاعفٌ أو جائزةٌ سنيّة يستعين بها على العيش الحرّ الكريم .
فجمع الإمامُ الحسين (عليه السّلام) أكثرَ مِن خلُق ؛ العفو والتعليم والكرم , وتلك هي أخلاقُه (سلام الله عليه) متعدّدةٌ في الموقف الواحد , متداخلةٌ فيما بينها لا تدري أيّاً منها تُشير إليها .
ثانياً : كان عفوُ الحسين (عليه السّلام) تأديباً وإصلاحاً لذلك الغلام , وإعطاءً لفرصةٍ يستدرك بها خطأَه , ويستفيد من رحمةِ الإمام الحسين (عليه السّلام) وعفوه وحلمه .
ثالثاً : كان عفوه (سلام الله عليه) عن قدرة شكرَها لله تعالى بالعفوِ عن عباده , وإلاّ كان من حقّه (عليه السّلام) أن يعاقب , إلاّ أنَّه اختار العفو بحكمته , وبلطفه ورحمته .
رابعاً : لم يكن عفوُه (عليه السّلام) مجرَّد عفو , أي مجرَّد إسقاطِ حقٍّ من قصاص , بل كان إضافةً إلى ذلك صفحاً جميلاً , والصفحُ الجميل في قوله تعالى : (فاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) هو العفوُ من غير عتاب كما قال الإمام الرضا (عليه السّلام)(2) , أو هو كما قال الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( عفواً مِن غير عقوبة , ولا تعنيف ولا عتب )) .
ولم يجمعِ الإمامُ الحسين (عليه السّلام) ذلك فحسب , إنَّما أضاف إليه الجائزةَ السنيّة ورحمةَ الحرِّيَّة .
وفي كلّ مواقفه (سلام الله عليه) كان يقدِّم عفوَه على غضبه , ويعرضُ العفوَ على مبغضيه وأعدائه علَّهم يهتدون , وإلى الحقِّ يؤوبون , وعن الباطل والضلال يرجعون , ومن فرصةِ السلام يستفيدون .
وهذا من الرحمةِ الحسينيّة التي استفاد منها الحرُّ بنُ يزيد الرياحيّ (رضوان الله عليه) ؛ إذ لمّا سمع كلامَ الحسين (عليه السّلام) , ودعوتَه الحقَّة أقبل على عمر بنِ سعد وقال له : أمُقاتلٌ أنتَ هذا الرجل ؟
قال عمر : إي والله قتالاً أيسرُه أنْ تسقط فيه الرؤوس , وتطيحَ الأيدي .
فقال الحرّ : ما لكم في ما عرضه عليكم من الخصال ؟
فقال عمر : لو كان الأمرُ إلَيَّ لقبِلتُ , ولكنَّ أميرَكَ أبى ذلك .
فتركه الحرُّ ووقف مع الناس , وكان إلى جنبهِ قُرَّةُ بنُ قيس , فقال لقُرّة : هل سقيتَ فرسَكَ اليوم ؟
قال : لا .
قال : فهل تُريد أن تَسقيه ؟
فظنَّ قُرَّةُ مِن ذلك أنَّه يُريد الاعتزال ويكرهُ أن يشاهدَه , فتركه , فأخذ الحرُّ يدنو من الحسين قليلاً , فقال له المهاجرُ بنُ أوس : أتريد أن تحمل ؟
فسكتَ الحرُّ , وأخذتْه الرعدة , فارتاب المهاجرُ مِن هذا الحال , وقال له : لو قيل لي : مَنْ أشجعُ أهلِ الكوفةِ لما عدوتُك , فما هذا الذي أراه منك ؟!
فقال الحرّ : إنّي اُخيِّر نفسي بين الجنَّةِ والنار , والله لا أختارُ على الجنَّةِ شيئاً ولو حُرِّقتُ .
ثمَّ ضرب جوادَه نحو الحسين ؛ منكِّساً رمحَه , قالباً ترسَه , وقد طأطأ برأسِه حياءً مِنْ آل الرسول بما أتى إليهم , وجعجعَ بهم في هذا المكان على غير ماءٍ ولا كلأ ,رافعاً صوته : اللَّهمَّ إليك اُنيب فتُبْ عَلَيَّ ؛ فقد أرعبتُ قلوبَ أوليائك وأولادِ نبيِّك . يا أبا عبد الله , إنّي تائب , فهل لي من توبة .
فقال الحسين (عليه السّلام) ـ وهو العفوُّ ـ : (( نعم , يتوبُ الله عليك )) .
فسرَّه قولُه , وتيقَّنَ الحياةَ الأبديَّةَ والنعيمَ الدائم , ووضح له قولُ الهاتف لمّا خرج من الكوفة , فحدّثَ الحسينَ (عليه السّلام) بحديثٍ قال فيه : لمّا خرجتُ من الكوفة نُوديتُ : أبْشِرْ يا حُرُّ بالجَنَّةِ . فقلتُ : ويلٌ للحرِّ ! يُبشَّرُ بالجنَةِ وهو يسير إلى حرب ابن بنتِ رسول الله !
فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( لقد أصبتَ خيراً وأجراً )) . وكان مع الحرّ غلامٌ له تركيّ .
ثمَّ استأذنَ الحرُّ الحسينَ (عليه السّلام) في أنْ يكلِّمَ القوم , فأذِنَ له , فنادى بأعلى صوته : يا أهل الكوفة , لأمَّكم الهبل والعبر ! إذْ دعوتموه وأخذتُم بكظمه , وأحطْتُم به من كلِّ جانب فمنعتموه التوجّهَ إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمَنَ وأهلُ بيته , وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً , وحَلأْتُموه ونساءَه وصبيتَه وصَحبَه عن ماءِ الفراتِ الجاري الذي يشربه اليهودُ والنصارى والمجوس , وتمرغ فيه خنازير السوادِ وكلابُه , وها هم قد صرعهمُ العطش , بئسما خلفتُم محمَّداً في ذرّيّته ! لا سقاكمُ اللّهُ يومَ الظمأ .
فحملتْ على الحرّ رجَّالةٌ ترميه بالنبل , فتقهقر حتّى وقفَ أمامَ الحسين (عليه السّلام) .
وهكذا يتحوّل الحرّ ببركة عفو سيّده الحسين (عليه السّلام) إلى صفّ الإيمان والحقّ , والجهاد والشهادة , ويعلو صوتُه بدعوةِ أهل الكوفة إلى المعروف , ونهيهم عن منكرهم وضلالهم في قتالهم لسيّد شباب أهل الجنّة (عليه السّلام) .
وبعد شهادة حبيب بن مظاهر (رضوان الله عليه) خرج الحرُّ بن يزيد الرياحيّ ومعه زهيرُ بنُ القين يحمي ظهرَه , فكان إذا شدَّ أحدُهما واستلحم شدَّ الآخرُ واستنقذه , ففعلا ساعة, وإنَّ فرس الحرّ لمضروب على اُذُنَيه وحاجبَيْه , والدماءُ تسيل منه , وهو يتمثّل بقول عنترة :
ما زلتُ أرميهم بثغرةِ نحرِه ولبانه حتّى تسربل بالدمِ
فقال الحصين ليزيد بن سفيان : هذا الحرُّ الذي كنتَ تتمنّى قتله .
قال : نعم .
وخرج إليه يطلب المبارزة , فما أسرع أن قتله الحرّ , ثمّ رمى أيُّوبُ بنُ مشرح الخيوانيّ فرسَ الحرّ فعقره , وشبّ به الفرس فوثب عنه كأنَّه ليث, وبيده السيف , وجعل يقاتل راجلاً حتّى قتل نيّفاً وأربعين , ثمَ شدَّتْ عليه الرجَّالةُ فصرعته , وحمله أصحابُ الحسين (عليه السّلام) ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلونَ دونه , وهكذا يُؤتى بكلّ قتيل إلى هذا الفسطاط , والحسينُ (عليه السّلام) يقول : (( قتلةٌ مْثلُ قتْلةِ النبيِّينَ وآل النبيّين )) .
ثمَّ التفتَ (عليه السّلام) إلى الحرّ , وكان به رمق , فقال له وهو يمسح الدمَ عنه : (( أنت الحرّ كما سمّتْك اُمُّك , وأنت الحرُّ في الدنيا والآخرة )) .
ورثاه رجل من أصحاب الحسين (عليه السّلام) , وقيل : عليُّ بن الحسين (عليه السّلام) , وقيل : إنَّها من إنشاء الحسين (عليه السّلام)
قال عمر : إي والله قتالاً أيسرُه أنْ تسقط فيه الرؤوس , وتطيحَ الأيدي .
فقال الحرّ : ما لكم في ما عرضه عليكم من الخصال ؟
فقال عمر : لو كان الأمرُ إلَيَّ لقبِلتُ , ولكنَّ أميرَكَ أبى ذلك .
فتركه الحرُّ ووقف مع الناس , وكان إلى جنبهِ قُرَّةُ بنُ قيس , فقال لقُرّة : هل سقيتَ فرسَكَ اليوم ؟
قال : لا .
قال : فهل تُريد أن تَسقيه ؟
فظنَّ قُرَّةُ مِن ذلك أنَّه يُريد الاعتزال ويكرهُ أن يشاهدَه , فتركه , فأخذ الحرُّ يدنو من الحسين قليلاً , فقال له المهاجرُ بنُ أوس : أتريد أن تحمل ؟
فسكتَ الحرُّ , وأخذتْه الرعدة , فارتاب المهاجرُ مِن هذا الحال , وقال له : لو قيل لي : مَنْ أشجعُ أهلِ الكوفةِ لما عدوتُك , فما هذا الذي أراه منك ؟!
فقال الحرّ : إنّي اُخيِّر نفسي بين الجنَّةِ والنار , والله لا أختارُ على الجنَّةِ شيئاً ولو حُرِّقتُ .
ثمَّ ضرب جوادَه نحو الحسين ؛ منكِّساً رمحَه , قالباً ترسَه , وقد طأطأ برأسِه حياءً مِنْ آل الرسول بما أتى إليهم , وجعجعَ بهم في هذا المكان على غير ماءٍ ولا كلأ ,رافعاً صوته : اللَّهمَّ إليك اُنيب فتُبْ عَلَيَّ ؛ فقد أرعبتُ قلوبَ أوليائك وأولادِ نبيِّك . يا أبا عبد الله , إنّي تائب , فهل لي من توبة .
فقال الحسين (عليه السّلام) ـ وهو العفوُّ ـ : (( نعم , يتوبُ الله عليك )) .
فسرَّه قولُه , وتيقَّنَ الحياةَ الأبديَّةَ والنعيمَ الدائم , ووضح له قولُ الهاتف لمّا خرج من الكوفة , فحدّثَ الحسينَ (عليه السّلام) بحديثٍ قال فيه : لمّا خرجتُ من الكوفة نُوديتُ : أبْشِرْ يا حُرُّ بالجَنَّةِ . فقلتُ : ويلٌ للحرِّ ! يُبشَّرُ بالجنَةِ وهو يسير إلى حرب ابن بنتِ رسول الله !
فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( لقد أصبتَ خيراً وأجراً )) . وكان مع الحرّ غلامٌ له تركيّ .
ثمَّ استأذنَ الحرُّ الحسينَ (عليه السّلام) في أنْ يكلِّمَ القوم , فأذِنَ له , فنادى بأعلى صوته : يا أهل الكوفة , لأمَّكم الهبل والعبر ! إذْ دعوتموه وأخذتُم بكظمه , وأحطْتُم به من كلِّ جانب فمنعتموه التوجّهَ إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمَنَ وأهلُ بيته , وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً , وحَلأْتُموه ونساءَه وصبيتَه وصَحبَه عن ماءِ الفراتِ الجاري الذي يشربه اليهودُ والنصارى والمجوس , وتمرغ فيه خنازير السوادِ وكلابُه , وها هم قد صرعهمُ العطش , بئسما خلفتُم محمَّداً في ذرّيّته ! لا سقاكمُ اللّهُ يومَ الظمأ .
فحملتْ على الحرّ رجَّالةٌ ترميه بالنبل , فتقهقر حتّى وقفَ أمامَ الحسين (عليه السّلام) .
وهكذا يتحوّل الحرّ ببركة عفو سيّده الحسين (عليه السّلام) إلى صفّ الإيمان والحقّ , والجهاد والشهادة , ويعلو صوتُه بدعوةِ أهل الكوفة إلى المعروف , ونهيهم عن منكرهم وضلالهم في قتالهم لسيّد شباب أهل الجنّة (عليه السّلام) .
وبعد شهادة حبيب بن مظاهر (رضوان الله عليه) خرج الحرُّ بن يزيد الرياحيّ ومعه زهيرُ بنُ القين يحمي ظهرَه , فكان إذا شدَّ أحدُهما واستلحم شدَّ الآخرُ واستنقذه , ففعلا ساعة, وإنَّ فرس الحرّ لمضروب على اُذُنَيه وحاجبَيْه , والدماءُ تسيل منه , وهو يتمثّل بقول عنترة :
ما زلتُ أرميهم بثغرةِ نحرِه ولبانه حتّى تسربل بالدمِ
فقال الحصين ليزيد بن سفيان : هذا الحرُّ الذي كنتَ تتمنّى قتله .
قال : نعم .
وخرج إليه يطلب المبارزة , فما أسرع أن قتله الحرّ , ثمّ رمى أيُّوبُ بنُ مشرح الخيوانيّ فرسَ الحرّ فعقره , وشبّ به الفرس فوثب عنه كأنَّه ليث, وبيده السيف , وجعل يقاتل راجلاً حتّى قتل نيّفاً وأربعين , ثمَ شدَّتْ عليه الرجَّالةُ فصرعته , وحمله أصحابُ الحسين (عليه السّلام) ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلونَ دونه , وهكذا يُؤتى بكلّ قتيل إلى هذا الفسطاط , والحسينُ (عليه السّلام) يقول : (( قتلةٌ مْثلُ قتْلةِ النبيِّينَ وآل النبيّين )) .
ثمَّ التفتَ (عليه السّلام) إلى الحرّ , وكان به رمق , فقال له وهو يمسح الدمَ عنه : (( أنت الحرّ كما سمّتْك اُمُّك , وأنت الحرُّ في الدنيا والآخرة )) .
ورثاه رجل من أصحاب الحسين (عليه السّلام) , وقيل : عليُّ بن الحسين (عليه السّلام) , وقيل : إنَّها من إنشاء الحسين (عليه السّلام)
لَنِعْمَ الحُرُّ حُرُّ بَني رِياحِ صبورٌ عندَ مشتَبكِ الرماحِ
وَنِعْمَ الحرُّ إذْ فادى حسين وجاد بنفسه عند الصباحِ
..
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى اخيك ابا الفضل العباس واختك الحوراء زينب
وَنِعْمَ الحرُّ إذْ فادى حسين وجاد بنفسه عند الصباحِ
..
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى اخيك ابا الفضل العباس واختك الحوراء زينب
نسالكم الدعاء في قضاء الحوائج
اختكم } نبراس المحبه
اختكم } نبراس المحبه
تعليق