شهرة البخاري
قطع صحيح البخاري(164) شوطاً بعيداً من الشهرة، ونال قبولاً دون غيره من كتب الحديث، فأصبحت له منزلة لا يشاركه بها غيره، ومن العسير مؤاخذته بشيء، لأنّ ذلك يدعو إلى الرمي بالبدعة والخروج عن سبيل المؤمنين(165).
ولهذا تهيّب أكثر الحفاظ نقده ، ووقفوا أمامه موقف خضوع وتسليم.
يقول الذهبي في ذكره لبعض الأحاديث: ولولا هيبة الصحيح لقلت إنّها موضوعة. وذهب ابن حزم إلى تكذيب بعض أحاديثه(166) فعنّف، لأنّ التسليم بجميع ما في كتاب البخاري أصبح سُنة، وصحيحه أصبح معمولاً به، فلا يمكن لأحد أن يعمل بحرية الرأي، ومع هذا فإنّ بعض الحفاظ من كبار المحدثين تناولوه بالنقد بصراحة وحريّة في الرأي من وجوه أهمها:
1 ـ ترتيب الكتاب والعلاقة بينه وبين الترجمة وما تحتها.
2 ـ إنّه يقطّع الحديث فيذكر بعضه في باب وبعضه في آخر، وقد تختلف الرواية في الأجزاء المختلفة، وقد يذكر بعضها متصل السند وبعضها منقطعه، وقد أخذ عليه في هذا الباب بعض مآخذ لم يستطع المنتصرون له أن يجيبوا عنها(167).
3 ـ انتقده الحفاظ في بعض أحاديث بلغت 110 منها 32 حديثاً اتفق فيها هو ومسلم ومنها ما انفرد بتخريجه وهو 78.
4 ـ إنّ بعض الرجال الذين روى لهم غير ثقات وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين.
وعلى كلّ حال فإنّ صحيح البخاري كان محلاً للوثوق والاعتماد عند أكثر المحدثين فهم يقبلون روايته بدون نقاش تهيّباً لمكانته، وحذراً من المؤاخذات القاسية والتهجم المر، لأنّ أكثر الناس يزعمون أنّه أعظم كتاب على وجه الأرض، أو أنّه: «هو عدل القرآن وأنّه إذا قرئ في بيت أيام الطاعون حفظ أهله منه، وأنّ من ختمه على أيّ نية حصل ما نواه، وأنه ما قرأ في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت»(168).
وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان إذا ألمّ بالبلاد نازلة، يوزّعون أجزاءه على العلماء والطلبة لكشف الخطوب وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدافع والصارم والاسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة، وعلى كلّ حال هو مستنزل الرحمات ومستقرّ البركات(169).
والحاصل أنّ صحيح البخاري قد اُحيط بهالة من التقديس والإكبار، فهو عدل القرآن وهو أصحّ كتاب على وجه الأرض ـ كما يقال ـ ولهذا فقد تهيّب أكثر الحفاظ عن نقد احاديثه ومن أقدم على ذلك عنّف.
ومن أظرف الأشياء: أنّ مجلس (المبعوثان) في عهد الأتراك بالعراق قد قرر مبلغاً جسيماً لوزارة الحربية جعلوه لقراءة البخاري في الاسطول، فقال الزهاوي ـ وكان عضواً في المجلس ـ: أنا أفهم أنّ هذا المبلغ في ميزانية الأوقاف، أمّا الحربية فالمفهوم أنّ الاُسطول يمشي بالبخار لا بالبخاري، فثار عليه المجلس وشغب عليه العامة(170).
ونحن لا ننكر عظمة حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبركة آثاره، ولكن لنا أن نتساءل لأيّ شيء اختصّ صحيح البخاري دون غيره بهذه الخصوصية من كتب الحديث؟ ولماذا كانت له هذه المنزلة دونها؟! ونتساءل لِمَ لم يقرأ القرآن وفيه شفاء للناس ودفع لما يكرهون؟! ولماذا كان صحيح البخاري عدلاً للقرآن، وأصبح التوسل به من العقائد الراسخة يتلى لدفع المجاعة ويوزّع أحزاباً في المساجد والبيوت كما حدث في مجاعة سنة (798 هـ ) في مصر؟ فإن كان لصحة أحاديثه، فلماذا لم تكن هذه الخصوصية لموطأ مالك الذي قيل فيه أنه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه؟ !! وصحيح مسلم الذي قالوا فيه: ماتحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم(171)، ويقول ابن حجر: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ من دون تقطيع ولا رواية بمعنى(172)، وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد يقول: قال لي أبي: أيّ كتاب تجمع؟ قلت اخرّج على كتاب البخاري، قال: عليك بكتاب مسلم فإنّه أكثر بركة(173).
وهذا صحيح الترمذي بحسن ترتيبه وتنميقه وتتبعه للصحيح من غيره لم يكن بمنزلة البخاري؟! وقد قالوا: إنّ كتاب الترمذي أنور من كتاب البخاري. فإن كانت تلك العظمة التي أحرزها صحيح البخاري لما حواه، فالقرآن أولى بأن يتخذ لدفع تلك المشاكل، أو كان لعظمة البخاري نفسه؟ فإنّ مالك بن أنس صاحب الموطأ أعظم منزلة وأعلا كعباً، واعرق نسباً، وأغزر علماً.
ولا نريد أن نقسو على البخاري بالحكم، أو نجحف بحقّه ونقول بمقالة جمال الدين الحنفي: «من نظر في كتاب البخاري تزندق»(174).
ولا نذهب بعيداً عن الواقع فنقول: إنّ كلّ مافيه صحيح يلزم الاعتقاد به والتصديق له، وإنّ عدم التصديق بدعة، أو كفر باللّه وتكذيب لأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما ذهب إلى ذلك كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون.
إنّ كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث لا تتصف بالصحة كما لا يخلو من أحاديث عليها علامة الوضع كحديث «إنّ النبيّ كان مسحوراً ..»(175) وغيره من الأحاديث التي لا يمكن القول بصحتها، لتناقضها أو تعارضها مع غيرها ممّا يصعب الجمع بينها. ولا ننكر أنّ الرجل كان همّه خدمة الدين، ولكنّه كان جمّاعة يتلقى كلّ ما يسمع بالقبول رغم أنّه كان يتنقل من مصر الى مصر، ويتحول من اُفق الى اُفق، وقد جاب العالم الإسلامي من موطنه الأصلي ومحل إقامته حتى الحرمين، ومن السهولة عليه التمييز في النظم والسياق والغرض لكنّه صرف همّه الى الرواية فحسب، ففتح أوعية آذانه ولم يفتح أوعية أفهامه، لأنّ أمر تدقيق الطرق وفحص الروايات يحتاج الى خصائص لا تتوفر إلاّ بعد جهد، ومن الناس من جُبل على خصلة أو فُطر على شيء لا يستطيع تجاوزه، فكان البخاري مقبلاً على الجمع، ولم يحذر إلاّ من أمر واحد ستجدنا مضطرين الى اثباته وهو خوف الملوك الذين يعادون أهل البيت، وليس عليه من خوف إن أخذ الحديث بطريق الخوارج والمارقين والوضّاع والضعفاء. وكلّ ما يسمعه البخاري يراه مادة حتى نجد أنّ بعض الأبواب التي تخصّ السيرة النبويّة تضم من الأحاديث التي تتعلق بحياة الرسول الأعظم التفصيلية فيها توغل لا مبرر له ولا حاجة، بل إنّ عدم ذكرها أولى صيانة للنبيّ الأعظم ومكانته من تسويته بباقي الخلق، ولكنّه الوضع والكذب اللذين جعلا أصحابهما يتناولون كلّ ناحية ليكذبوا على الرسول الكريم وهم تتحكم فيهم أغراض شتّى نفسيّة وسياسيّة واقتصاديّة. والهالة التي أحاط بها الحفّاظ شخصية البخاري، والقدسية التي رفع إليها بتضافر أوساط وجهات مختلفة لم تمنع بعض علماء السنّة (حفاظاً ومحدثين) من التوقف عن الأخذ بكلّ ما جاء به البخاري، وعدم تقليد ما جرى عليه ذوو الشأن في الحديث والسياسة، بل تركوا البخاري في بعض ما لا يصحّ من رواية أو قول كأبي حاتم وابنه عبدالرحمن، وكأبي زرعة، كما ضعّف الحافظ أبو الحسن الدارقطني طائفة كبيرة من أحاديثه.
والعلماء الذين أنكروا صحة بعض أحاديثه لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، ولا ندري كيف يعدّ ذلك طعناً في دين الإسلام، وهدماً للسنّة، كما يذهب بعضهم.
وقد انتقد العلماء من أحاديث البخاري أكثر من مائة حديث، كما انتقدوا رجاله وطعنوا في كثير منهم لأ نّهم اُناس لا قيمة لهم في ميزان الصدق والعدالة، ومنهم ضعفاء لا يتصف حديثهم بالصحة.
ولقد ترك البخاري الرواية عن كثير من علماء الاُمة وأعلام الحديث، ومن هم أدرى بحديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأشدّ عناية فيه وإحاطة له، وفي طليعتهم الإمام الصادق(عليه السلام)فلم يقدح ذلك فيهم أو يحطّ من مقامهم.
وقد خرّج أحاديث اُناس لم يسلموا من الطعن، سواء في العقيدة أو العدالة، أو الوثاقة، فإنّ منهم من اتُهم بالكذب، ووصف بوضع الحديث، وللمثال نذكر منهم:
إسماعيل بن عبد اللّه بن اويس بن مالك المتوفى سنة (226 هـ).
قال يحيى بن معين: إنّ اسماعيل مخلط كذّاب، وقد تكلّم فيه النسائي كما أنّه عرف بوضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا فيما بينهم(176).
وزياد بن عبد اللّه العامري المتوفى سنة (282 هـ ).
فإنّه متّهم بالكذب; قال الترمذي عن وكيع: إنّ زياد بن عبد اللّه على شرفه كان يكذب في الحديث(177).
والحسن بن مدرك السدوسي الطحان. رماه أبو داود بالكذب(178)، وتلقين المشايخ وغير هؤلاء ممن لا نحبّ اطالة الحديث عنهم وبسط القول فيهم.
أما الضعفاء فقد ذكروا منهم عدداً لا يقلّ عن الثمانين أمثال: الحسن بن ذكوان البصري، فقد كان قدريّاً يدلّس، وعُرف بالخطأ، وضعّفه أحمد وابن معين، والنسائي، والترمذي، وابن المديني(179).
ومنهم أحمد بن أبي الطيب البغدادي، وسلمة بن رجاء التميمي، وبسر بن آدم الضرير، وغيرهم ممن نصّ الحفّاظ على ضعفهم.
أمّا القدرية، فهم عدد كثير كعبد اللّه بن أبي لبيد المدني، وعبد اللّه بن أبي نجيح المكّي، وكهمس بن منهال السدوسي، وهارون بن موسى الأزدي وسفيان بن سليمان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم.
والقول: بأنّ تخريج البخاري هو دليل الوثاقة، وشاهد العدالة، وأنّ من يروي له البخاري «فقد جاز القنطرة» كما يقول بعضهم بمعنى أنّه لا يتلفت إلى ما قيل فيه. فهذا مجرّد افتراض لا يدعمه دليل، وتخالفه القرائن والشواهد، فليس قول البخاري في الشخص هو الحكم العدل والقول الفصل، فالخلاف في الجرح والتعديل لم ينته إلى حدّ أو يقف عند قول أحد، على أنّهم قد احصوا على البخاري أخطاء في معرفة الرجال وأسمائهم، كجعله اسم الرجل الواحد اسمين أو ثلاثة، كالوليد بن أبي الوليد مولى عبد اللّه بن عمر، وهارون بن سعد مولى قريش، وكثير بن خنيس وغيرهم، فقد جعل اسمين لكلّ واحد منهم، وكذلك جعل محمد بن أيوب اليمامي ثلاثة أسامي وهو واحد، كما نسب عبد الملك بن أخي القعقاع إلى القعقاع، وذكر في باب النون اسم ناسح الحضرمي، وهو عبداللّه بن ناسح الذي يروي عنه شرحبيل بن شفيعة، إلى غير ذلك من المؤاخذات عليه(180).
وهناك ناحية ذات أهميّة في الموضوع، وهي تخريجه لاُناس عرفوا بالنصب والعداء لعلي(عليه السلام)وبغضهم لآل محمد من خوارج وغيرهم أمثال:
عمران بن حطّان السدوسي البصري المتوفى سنة (84 هـ ) .
كان من رؤوس الخوارج والمعلنين عداء الإمام علي(عليه السلام)، وهو الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي بقوله:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا(181)
فهذا الرجل قد تحدّى مقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فسمّى من وسمه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه أشقى الأولين والآخرين، بأنه تقيّ، وقد صح عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه قال:
«ياعلي أتدري من أشقى الأولين؟ فقال علي(عليه السلام): اللّه ورسوله اعلم فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): عاقر الناقة. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): ياعلي أتدري من أشقى الآخرين؟ فقال علي(عليه السلام) اللّه ورسوله أعلم. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): قاتلك ياعلي».
أخرجه أحمد بن حنبل وابن الضحاك ورواه الطبري(182).
وروى صهيب عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مثله وكان عليّ(عليه السلام) يقول لأهله: واللّه وددت لو انبعث اشقاها. أخرجه أبو حاتم(183).
فأيّ ثقة وأيّ عدالة لمن يخالف قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتجرأ على مقامه، فيسمّي من سماه(صلى الله عليه وآله وسلم)شقياً تقياً ويعلن مدحه والثناء عليه. وقد انبرى للردّ عليه كثير من علماء الإسلام نظماً ونثراً مما لا يتسع المجال لذكرهم.
وأبو الأحمر السائب بن فروخ المتوفى سنة (136 هـ ) وكان شاعراً هجّاءً خبيثاً فاسقاً مبغضاً لآل محمد، وهو القائل لأبي عامر بن واثلة الصحابي المعروف بأبي الطفيل(184).
لعمرك إنني وأبا طفيل *** لمختلفان واللّه الشهيد
لقد ضلّوا بحبّ أبي تراب *** كما ضلّت عن الحقّ اليهود(185)
فهذا الرجل كسابقه أيضاً، قد تحدى ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «علي مع الحق والحق مع علي» وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي مع القرآن والقرآن مع علي» إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)، بأنّ الهدى في اتّباع علي(عليه السلام) والضلالة في خلافه. ولكن هذا الشاعر الاُموي قد ردّ أقوال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدى مقامه، فأيّ عدالة يتصف بها، وأيّ ثقة تدعو إلى الاطمئنان بقوله؟ !
وحريز بن عثمان الحمصي(186) المتوفى سنة (163هـ) ». كان من المشهورين بالنصب والمعلنين العداء لعلي(عليه السلام)، وكان ينال منه ويقول: لا اُحب علياً قتل آبائي. ويقول: لنا إمامنا (يعني معاوية) ولكم إمامكم (يعني عليّاً)(187).
وغير هؤلاء من رجال صحيح البخاري الذين عرفوا بالنصب أمثال إسحاق ابن سويد التميمي المتوفى سنة (131 هـ ) ، وعبد اللّه بن سالم الأشعري المتوفى سنة ( 179هـ )، وزياد بن علاقة أبو مالك الكوفي المتوفى سنة (129 هـ )، وغيرهم من النواصب والخوارج الذين أعلنوا العداء لعلي وتظاهروا بالتحامل عليه، وقد قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ياعلي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»(188). وإنّ االمنافقين لفي الدرك الأسفل من النار.
فكيف تصدّق أخبارهم ويؤخذ بأحاديثهم: (واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون)(189).
فمن الحقّ وواجب العلم أن نستنكر على البخاري تخريج حديث اُناس خالفوا أحايث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب حبّ آله لحبّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأعلنوا العداء لهم وعرفوا بالنصب، ولعلّ هناك أمراً خفي علينا وكان هو الداعي له على اقدامه لروايته عنهم واحتجاجه بهم، ولست أدري أخفي على البخاري قول النبيّ لعلي: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، حتى اشتهر في عصر الصحابة أنّهم كانوا لا يعرفون المنافقين إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب. وبغض علي بغض رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.
أم خفي على البخاري قوله(صلى الله عليه وآله): ياعلي حربك حربي وسلمك سلمي. أليس عليّ هو من النبيّ بمنزلة هارون من موسى، كما يحدّثنا البخاري نفسه في صحيحه ج2 ص199؟!!.
وهناك آلاف من الأحاديث في فضل علي(عليه السلام)وأهل بيته، وقد خرّجها الحفاظ من طرق عديدة، ولكنّ البخاري لم يخرّج إلاّ ثلاثة أحاديث أو أربعة منها(190)، وليس من المعقول أنّ عدم تخريجه لأكثر من هذا كان لعدم وثوقه بصحتها، ولكنّ هناك شيئاً غير هذا، ولعلّه كان يفقد الشجاعة والجرأة الأدبية، كما لاحظ ذلك منه بعض الكتّاب، فقال مامضمونه: إنّ كتاب البخاري لا تتجلى فيه الشجاعة وعدم الخوف من العباسيين كمسند أحمد لأنّه ـ أي مسند أحمد ـ لم يتحرّج من ذكر أحاديث كثيرة في ذكر مناقب علي وشيعته، وعكسه البخاري(191).
وللإيضاح نذكر بعض ما ورد في أهل البيت مما خرّجه حفّاظ الحديث، وعلماء الاُمّة من طرق صحيحة ليتضّح لنا مدى تحفظ البخاري وإعراضه عن ذكر فضائل آل محمد.
قطع صحيح البخاري(164) شوطاً بعيداً من الشهرة، ونال قبولاً دون غيره من كتب الحديث، فأصبحت له منزلة لا يشاركه بها غيره، ومن العسير مؤاخذته بشيء، لأنّ ذلك يدعو إلى الرمي بالبدعة والخروج عن سبيل المؤمنين(165).
ولهذا تهيّب أكثر الحفاظ نقده ، ووقفوا أمامه موقف خضوع وتسليم.
يقول الذهبي في ذكره لبعض الأحاديث: ولولا هيبة الصحيح لقلت إنّها موضوعة. وذهب ابن حزم إلى تكذيب بعض أحاديثه(166) فعنّف، لأنّ التسليم بجميع ما في كتاب البخاري أصبح سُنة، وصحيحه أصبح معمولاً به، فلا يمكن لأحد أن يعمل بحرية الرأي، ومع هذا فإنّ بعض الحفاظ من كبار المحدثين تناولوه بالنقد بصراحة وحريّة في الرأي من وجوه أهمها:
1 ـ ترتيب الكتاب والعلاقة بينه وبين الترجمة وما تحتها.
2 ـ إنّه يقطّع الحديث فيذكر بعضه في باب وبعضه في آخر، وقد تختلف الرواية في الأجزاء المختلفة، وقد يذكر بعضها متصل السند وبعضها منقطعه، وقد أخذ عليه في هذا الباب بعض مآخذ لم يستطع المنتصرون له أن يجيبوا عنها(167).
3 ـ انتقده الحفاظ في بعض أحاديث بلغت 110 منها 32 حديثاً اتفق فيها هو ومسلم ومنها ما انفرد بتخريجه وهو 78.
4 ـ إنّ بعض الرجال الذين روى لهم غير ثقات وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين.
وعلى كلّ حال فإنّ صحيح البخاري كان محلاً للوثوق والاعتماد عند أكثر المحدثين فهم يقبلون روايته بدون نقاش تهيّباً لمكانته، وحذراً من المؤاخذات القاسية والتهجم المر، لأنّ أكثر الناس يزعمون أنّه أعظم كتاب على وجه الأرض، أو أنّه: «هو عدل القرآن وأنّه إذا قرئ في بيت أيام الطاعون حفظ أهله منه، وأنّ من ختمه على أيّ نية حصل ما نواه، وأنه ما قرأ في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت»(168).
وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان إذا ألمّ بالبلاد نازلة، يوزّعون أجزاءه على العلماء والطلبة لكشف الخطوب وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدافع والصارم والاسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة، وعلى كلّ حال هو مستنزل الرحمات ومستقرّ البركات(169).
والحاصل أنّ صحيح البخاري قد اُحيط بهالة من التقديس والإكبار، فهو عدل القرآن وهو أصحّ كتاب على وجه الأرض ـ كما يقال ـ ولهذا فقد تهيّب أكثر الحفاظ عن نقد احاديثه ومن أقدم على ذلك عنّف.
ومن أظرف الأشياء: أنّ مجلس (المبعوثان) في عهد الأتراك بالعراق قد قرر مبلغاً جسيماً لوزارة الحربية جعلوه لقراءة البخاري في الاسطول، فقال الزهاوي ـ وكان عضواً في المجلس ـ: أنا أفهم أنّ هذا المبلغ في ميزانية الأوقاف، أمّا الحربية فالمفهوم أنّ الاُسطول يمشي بالبخار لا بالبخاري، فثار عليه المجلس وشغب عليه العامة(170).
ونحن لا ننكر عظمة حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبركة آثاره، ولكن لنا أن نتساءل لأيّ شيء اختصّ صحيح البخاري دون غيره بهذه الخصوصية من كتب الحديث؟ ولماذا كانت له هذه المنزلة دونها؟! ونتساءل لِمَ لم يقرأ القرآن وفيه شفاء للناس ودفع لما يكرهون؟! ولماذا كان صحيح البخاري عدلاً للقرآن، وأصبح التوسل به من العقائد الراسخة يتلى لدفع المجاعة ويوزّع أحزاباً في المساجد والبيوت كما حدث في مجاعة سنة (798 هـ ) في مصر؟ فإن كان لصحة أحاديثه، فلماذا لم تكن هذه الخصوصية لموطأ مالك الذي قيل فيه أنه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه؟ !! وصحيح مسلم الذي قالوا فيه: ماتحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم(171)، ويقول ابن حجر: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ من دون تقطيع ولا رواية بمعنى(172)، وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد يقول: قال لي أبي: أيّ كتاب تجمع؟ قلت اخرّج على كتاب البخاري، قال: عليك بكتاب مسلم فإنّه أكثر بركة(173).
وهذا صحيح الترمذي بحسن ترتيبه وتنميقه وتتبعه للصحيح من غيره لم يكن بمنزلة البخاري؟! وقد قالوا: إنّ كتاب الترمذي أنور من كتاب البخاري. فإن كانت تلك العظمة التي أحرزها صحيح البخاري لما حواه، فالقرآن أولى بأن يتخذ لدفع تلك المشاكل، أو كان لعظمة البخاري نفسه؟ فإنّ مالك بن أنس صاحب الموطأ أعظم منزلة وأعلا كعباً، واعرق نسباً، وأغزر علماً.
ولا نريد أن نقسو على البخاري بالحكم، أو نجحف بحقّه ونقول بمقالة جمال الدين الحنفي: «من نظر في كتاب البخاري تزندق»(174).
ولا نذهب بعيداً عن الواقع فنقول: إنّ كلّ مافيه صحيح يلزم الاعتقاد به والتصديق له، وإنّ عدم التصديق بدعة، أو كفر باللّه وتكذيب لأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما ذهب إلى ذلك كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون.
إنّ كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث لا تتصف بالصحة كما لا يخلو من أحاديث عليها علامة الوضع كحديث «إنّ النبيّ كان مسحوراً ..»(175) وغيره من الأحاديث التي لا يمكن القول بصحتها، لتناقضها أو تعارضها مع غيرها ممّا يصعب الجمع بينها. ولا ننكر أنّ الرجل كان همّه خدمة الدين، ولكنّه كان جمّاعة يتلقى كلّ ما يسمع بالقبول رغم أنّه كان يتنقل من مصر الى مصر، ويتحول من اُفق الى اُفق، وقد جاب العالم الإسلامي من موطنه الأصلي ومحل إقامته حتى الحرمين، ومن السهولة عليه التمييز في النظم والسياق والغرض لكنّه صرف همّه الى الرواية فحسب، ففتح أوعية آذانه ولم يفتح أوعية أفهامه، لأنّ أمر تدقيق الطرق وفحص الروايات يحتاج الى خصائص لا تتوفر إلاّ بعد جهد، ومن الناس من جُبل على خصلة أو فُطر على شيء لا يستطيع تجاوزه، فكان البخاري مقبلاً على الجمع، ولم يحذر إلاّ من أمر واحد ستجدنا مضطرين الى اثباته وهو خوف الملوك الذين يعادون أهل البيت، وليس عليه من خوف إن أخذ الحديث بطريق الخوارج والمارقين والوضّاع والضعفاء. وكلّ ما يسمعه البخاري يراه مادة حتى نجد أنّ بعض الأبواب التي تخصّ السيرة النبويّة تضم من الأحاديث التي تتعلق بحياة الرسول الأعظم التفصيلية فيها توغل لا مبرر له ولا حاجة، بل إنّ عدم ذكرها أولى صيانة للنبيّ الأعظم ومكانته من تسويته بباقي الخلق، ولكنّه الوضع والكذب اللذين جعلا أصحابهما يتناولون كلّ ناحية ليكذبوا على الرسول الكريم وهم تتحكم فيهم أغراض شتّى نفسيّة وسياسيّة واقتصاديّة. والهالة التي أحاط بها الحفّاظ شخصية البخاري، والقدسية التي رفع إليها بتضافر أوساط وجهات مختلفة لم تمنع بعض علماء السنّة (حفاظاً ومحدثين) من التوقف عن الأخذ بكلّ ما جاء به البخاري، وعدم تقليد ما جرى عليه ذوو الشأن في الحديث والسياسة، بل تركوا البخاري في بعض ما لا يصحّ من رواية أو قول كأبي حاتم وابنه عبدالرحمن، وكأبي زرعة، كما ضعّف الحافظ أبو الحسن الدارقطني طائفة كبيرة من أحاديثه.
والعلماء الذين أنكروا صحة بعض أحاديثه لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، ولا ندري كيف يعدّ ذلك طعناً في دين الإسلام، وهدماً للسنّة، كما يذهب بعضهم.
وقد انتقد العلماء من أحاديث البخاري أكثر من مائة حديث، كما انتقدوا رجاله وطعنوا في كثير منهم لأ نّهم اُناس لا قيمة لهم في ميزان الصدق والعدالة، ومنهم ضعفاء لا يتصف حديثهم بالصحة.
ولقد ترك البخاري الرواية عن كثير من علماء الاُمة وأعلام الحديث، ومن هم أدرى بحديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأشدّ عناية فيه وإحاطة له، وفي طليعتهم الإمام الصادق(عليه السلام)فلم يقدح ذلك فيهم أو يحطّ من مقامهم.
وقد خرّج أحاديث اُناس لم يسلموا من الطعن، سواء في العقيدة أو العدالة، أو الوثاقة، فإنّ منهم من اتُهم بالكذب، ووصف بوضع الحديث، وللمثال نذكر منهم:
إسماعيل بن عبد اللّه بن اويس بن مالك المتوفى سنة (226 هـ).
قال يحيى بن معين: إنّ اسماعيل مخلط كذّاب، وقد تكلّم فيه النسائي كما أنّه عرف بوضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا فيما بينهم(176).
وزياد بن عبد اللّه العامري المتوفى سنة (282 هـ ).
فإنّه متّهم بالكذب; قال الترمذي عن وكيع: إنّ زياد بن عبد اللّه على شرفه كان يكذب في الحديث(177).
والحسن بن مدرك السدوسي الطحان. رماه أبو داود بالكذب(178)، وتلقين المشايخ وغير هؤلاء ممن لا نحبّ اطالة الحديث عنهم وبسط القول فيهم.
أما الضعفاء فقد ذكروا منهم عدداً لا يقلّ عن الثمانين أمثال: الحسن بن ذكوان البصري، فقد كان قدريّاً يدلّس، وعُرف بالخطأ، وضعّفه أحمد وابن معين، والنسائي، والترمذي، وابن المديني(179).
ومنهم أحمد بن أبي الطيب البغدادي، وسلمة بن رجاء التميمي، وبسر بن آدم الضرير، وغيرهم ممن نصّ الحفّاظ على ضعفهم.
أمّا القدرية، فهم عدد كثير كعبد اللّه بن أبي لبيد المدني، وعبد اللّه بن أبي نجيح المكّي، وكهمس بن منهال السدوسي، وهارون بن موسى الأزدي وسفيان بن سليمان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم.
والقول: بأنّ تخريج البخاري هو دليل الوثاقة، وشاهد العدالة، وأنّ من يروي له البخاري «فقد جاز القنطرة» كما يقول بعضهم بمعنى أنّه لا يتلفت إلى ما قيل فيه. فهذا مجرّد افتراض لا يدعمه دليل، وتخالفه القرائن والشواهد، فليس قول البخاري في الشخص هو الحكم العدل والقول الفصل، فالخلاف في الجرح والتعديل لم ينته إلى حدّ أو يقف عند قول أحد، على أنّهم قد احصوا على البخاري أخطاء في معرفة الرجال وأسمائهم، كجعله اسم الرجل الواحد اسمين أو ثلاثة، كالوليد بن أبي الوليد مولى عبد اللّه بن عمر، وهارون بن سعد مولى قريش، وكثير بن خنيس وغيرهم، فقد جعل اسمين لكلّ واحد منهم، وكذلك جعل محمد بن أيوب اليمامي ثلاثة أسامي وهو واحد، كما نسب عبد الملك بن أخي القعقاع إلى القعقاع، وذكر في باب النون اسم ناسح الحضرمي، وهو عبداللّه بن ناسح الذي يروي عنه شرحبيل بن شفيعة، إلى غير ذلك من المؤاخذات عليه(180).
وهناك ناحية ذات أهميّة في الموضوع، وهي تخريجه لاُناس عرفوا بالنصب والعداء لعلي(عليه السلام)وبغضهم لآل محمد من خوارج وغيرهم أمثال:
عمران بن حطّان السدوسي البصري المتوفى سنة (84 هـ ) .
كان من رؤوس الخوارج والمعلنين عداء الإمام علي(عليه السلام)، وهو الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي بقوله:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا(181)
فهذا الرجل قد تحدّى مقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فسمّى من وسمه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه أشقى الأولين والآخرين، بأنه تقيّ، وقد صح عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه قال:
«ياعلي أتدري من أشقى الأولين؟ فقال علي(عليه السلام): اللّه ورسوله اعلم فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): عاقر الناقة. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): ياعلي أتدري من أشقى الآخرين؟ فقال علي(عليه السلام) اللّه ورسوله أعلم. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): قاتلك ياعلي».
أخرجه أحمد بن حنبل وابن الضحاك ورواه الطبري(182).
وروى صهيب عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مثله وكان عليّ(عليه السلام) يقول لأهله: واللّه وددت لو انبعث اشقاها. أخرجه أبو حاتم(183).
فأيّ ثقة وأيّ عدالة لمن يخالف قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتجرأ على مقامه، فيسمّي من سماه(صلى الله عليه وآله وسلم)شقياً تقياً ويعلن مدحه والثناء عليه. وقد انبرى للردّ عليه كثير من علماء الإسلام نظماً ونثراً مما لا يتسع المجال لذكرهم.
وأبو الأحمر السائب بن فروخ المتوفى سنة (136 هـ ) وكان شاعراً هجّاءً خبيثاً فاسقاً مبغضاً لآل محمد، وهو القائل لأبي عامر بن واثلة الصحابي المعروف بأبي الطفيل(184).
لعمرك إنني وأبا طفيل *** لمختلفان واللّه الشهيد
لقد ضلّوا بحبّ أبي تراب *** كما ضلّت عن الحقّ اليهود(185)
فهذا الرجل كسابقه أيضاً، قد تحدى ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «علي مع الحق والحق مع علي» وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي مع القرآن والقرآن مع علي» إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)، بأنّ الهدى في اتّباع علي(عليه السلام) والضلالة في خلافه. ولكن هذا الشاعر الاُموي قد ردّ أقوال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدى مقامه، فأيّ عدالة يتصف بها، وأيّ ثقة تدعو إلى الاطمئنان بقوله؟ !
وحريز بن عثمان الحمصي(186) المتوفى سنة (163هـ) ». كان من المشهورين بالنصب والمعلنين العداء لعلي(عليه السلام)، وكان ينال منه ويقول: لا اُحب علياً قتل آبائي. ويقول: لنا إمامنا (يعني معاوية) ولكم إمامكم (يعني عليّاً)(187).
وغير هؤلاء من رجال صحيح البخاري الذين عرفوا بالنصب أمثال إسحاق ابن سويد التميمي المتوفى سنة (131 هـ ) ، وعبد اللّه بن سالم الأشعري المتوفى سنة ( 179هـ )، وزياد بن علاقة أبو مالك الكوفي المتوفى سنة (129 هـ )، وغيرهم من النواصب والخوارج الذين أعلنوا العداء لعلي وتظاهروا بالتحامل عليه، وقد قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ياعلي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»(188). وإنّ االمنافقين لفي الدرك الأسفل من النار.
فكيف تصدّق أخبارهم ويؤخذ بأحاديثهم: (واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون)(189).
فمن الحقّ وواجب العلم أن نستنكر على البخاري تخريج حديث اُناس خالفوا أحايث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب حبّ آله لحبّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأعلنوا العداء لهم وعرفوا بالنصب، ولعلّ هناك أمراً خفي علينا وكان هو الداعي له على اقدامه لروايته عنهم واحتجاجه بهم، ولست أدري أخفي على البخاري قول النبيّ لعلي: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، حتى اشتهر في عصر الصحابة أنّهم كانوا لا يعرفون المنافقين إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب. وبغض علي بغض رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.
أم خفي على البخاري قوله(صلى الله عليه وآله): ياعلي حربك حربي وسلمك سلمي. أليس عليّ هو من النبيّ بمنزلة هارون من موسى، كما يحدّثنا البخاري نفسه في صحيحه ج2 ص199؟!!.
وهناك آلاف من الأحاديث في فضل علي(عليه السلام)وأهل بيته، وقد خرّجها الحفاظ من طرق عديدة، ولكنّ البخاري لم يخرّج إلاّ ثلاثة أحاديث أو أربعة منها(190)، وليس من المعقول أنّ عدم تخريجه لأكثر من هذا كان لعدم وثوقه بصحتها، ولكنّ هناك شيئاً غير هذا، ولعلّه كان يفقد الشجاعة والجرأة الأدبية، كما لاحظ ذلك منه بعض الكتّاب، فقال مامضمونه: إنّ كتاب البخاري لا تتجلى فيه الشجاعة وعدم الخوف من العباسيين كمسند أحمد لأنّه ـ أي مسند أحمد ـ لم يتحرّج من ذكر أحاديث كثيرة في ذكر مناقب علي وشيعته، وعكسه البخاري(191).
وللإيضاح نذكر بعض ما ورد في أهل البيت مما خرّجه حفّاظ الحديث، وعلماء الاُمّة من طرق صحيحة ليتضّح لنا مدى تحفظ البخاري وإعراضه عن ذكر فضائل آل محمد.
تعليق