المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تدريب الطفل على الصدق


عاشقة النور
08-03-2011, 01:03 AM
قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾(المنافقون:1-2).

الصدق
الصدق من الصفات الحميدة التي تنسجم والطبيعة الإنسانية. كل انسان يميل بفطرته إلى الصدق، وإلى أن يعتبر الكلام الذي يسمعه من الآخرين صادقاً، فالكذب إنحراف عن صراط الفطرة المستقيم.

إذا كسر طفل نافذة في أثناء اللعب ولم يصبه خوف شديد وارتباك زائد من جراء ذلك، فعندما يسأل: من الذي كسر النافذة؟! فإنه سيشرح الحادثة بكل هدوء واتزان، ويجيب على الأسئلة دون أي إضطراب ذاكراً كيف كسرت النافذة في أثناء اللعب. أما عندما يخاف الطفل فإنه يحاول أن يستعين لإثبات براءته بالكذب، حينئذٍ يكون الوضع الشاذ للطفل واضحاً تماماً، فالحركات غير المتزنة للعين، واضطراب الهندام، وجفاف الفم، وسرعة النبض، والكلمات المتقطعة والغامضة... كل ذلك يدل على كذب الطفل وعمله المنافي للفطرة.

لقد جاء الأنبياء، والقسم الأهم من واجباتهم يتمثل في إحياء الفطريات عند الإنسان، يدعون الناس الى الصدق، ويحذرونهم من الكذب بشدة. إن الإسلام يعتبر الكذب عاملاً هداماً للإيمان، ويعده أفظع من كثير من المعاصي الكبيرة.

1- عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "إن الكذب هو خراب الإيمان"

2- قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده"

3- وعن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: "قال رجلٌ له صلّى الله عليه وآله: المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك. قال: المؤمن يسرق؟ قال: قد يكون ذلك. قال: يا رسول الله، المؤمن يكذب؟

قال: لا، قال الله تعالى: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ"

4- وعن الإمام الرضا عليه السلام: "سئل رسول الله: يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم. قيل: ويكون بخيلا؟ قال: نعم، قيل: ويكون كذاباً؟ قال: لا"4.

أسوأ من كل سوء

عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال أمير المؤمنين: ولا سوءة أسوأ من الكذب"5 يفهم من هذا أنه مهما اشتد قبح الشيء فلا يبلغ قبح الكذب.

مما لا شك فيه أن الكذب مخالف للوجدان الأخلاقي الفطري، وكذلك مخالف للوجدان الأخلاقي التربوي. فالكذب قبيح في نظر جميع الشعوب والأمم في العالم، وفي تعاليم رسل السماء كافة.

ومما يبعث على الأسف أن هذا الداء الوبيل لا يختص بالكبار، بل إن الأطفال الصغار يقعون في أسر هذا المرض الهدام أيضاً، فيعتادون على الكذب من الصغر، وقد يستأنسون بهذه الصفة الذميمة الى درجة أنهم يتلذذون باختلاق كذبة، ويرتاحون كثيراً عندما يرون أن الغير قد خُدع بأكاذيبهم.

مفتاح الجرائم
إن الكذب يقرب الإنسان الى سائر الذنوب فيقدم الكذاب على المعاصي الأخر عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: "حُطت الخبائث في بيت، وجُعل مفتاحه الكذب"6.

"الكذب أحد النقائض التي لا يخفى قبحها، فإن الكذب هو الذي يجر وراءه سلسلة من الرذائل الأخر ويفتح باباً على الجرائم الباقية. إن عجزنا عن الوقاية من انتشار هذه الصفة، وضعفنا عن مقاومتها جريمة لا تغتفر"7.

شرب الخمر والكذب
إن شرب الخمر عامل كبير في ارتكاب الجرائم. ما اكثر الناس الذين لا يرتكبون بعض الذنوب في الحالات الإعتيادية، ولكنهم يفقدون عقولهم في حالة السكر فلا يتورعون عن القيام بأي جريمة خطيرة وأي عمل مناف للعفة 8.

إن أثر الظلمة التي يوجدها الكذب في عقل الإنسان وروحه أشد بكثير من أثر الظلمة التي يوجدها شرب الخمر! فالشخص المعتاد على الكذب أشد استهتاراً من شارب الخمر ولا يتورع من أي جريمة. فعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "إن الله عز وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب"9.

وكما أن الكذب يلوّث الإنسان بكثير من الذنوب، فان التوبة الحقيقية عنه تعصم الإنسان عن كثير من الذنوب أيضاً.

"أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله رجلٌ، فقال: إني رجل لا أصلي وأنا أزني واكذب، فمن أي شيء أتوب؟! قال من الكذب فاستقبله فعهد أن لا يكذب فلما أنصرف وأراد الزنا فقال في نفسه: إن قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هل زنيت بعدما عاهدت؟ فان قلت: لا، كذبت. وإن قلت: نعم، يضربني الحد"10.

وفي حديث آخر نجد ترك الكذب داعياً إلى ترك بقية المعاصي. "قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا رسول الله دلّني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى فقال: لا تكذب. فكان ذلك سبباً لاجتنابه كل معصية لله لأنه لم يقصد وجهاً من وجوه المعاصي إلا وجد فيه كذباً، أو ما يدعو إلى الكذب، فزال عنه ذلك من وجوه المعاصي"11.

تنمية الصدق في الحديث
إن من أهم واجبات الوالدين في تربية الطفل هو تنمية فطرة الصدق المودعة عنده. على الوالدين أن يسلكا في محيط الأسرة سلوكاً يجعل الأطفال يعتادون على الصدق والإستقامة، ولا ينحرفون الى طريق الكذب والتزوير والدجل، وهذا الأمر أصعب من تنمية كثير من الصفات في الأطفال، وللوصول الى هذه الغاية لا بد من اتباع كثير من الرقابات العلمية والعملية!

أساس داء الكذب
إن أول طريق لمكافحة الكذب هو معرفة أساس هذا الداء الوبيل. مما لا شك فيه أن حالة نفسيّة خاصة توجد في باطن الشخص الذي يكذب مما يدفعه إلى هذا العمل، وما لم تقتلع جذور هذه الحالة النفسية العارضة لا يمكن معالجة الكذب.

الخوف، الضعف، العجز، الإحساس بالحقارة، أو بعض الحالات النفسية المشابهة لذلك، تستطيع أن تنحرف بالإنسان عن الطريق المستقيم المتمثل في الصدق، وتبعثه على الكذب. عن النبي صلّى الله عليه وآله: "لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه"12.

الضعف والظلم
الكذب أحد أنواع الظلم، والظلم من الناحية النفسية معلول لضعف الظالم. إن الشخص الذي يهرق الدماء البريئة، والذي يظلم الناس بسبّهم وشتمهم، والذي يتجاوز على أموال الناس، وبصورة موجزة كل من يمد يداً للجور والظلم فلا شك في أن ذلك للنقص الذي في باطنه والضعف الذي يحسّ به. يقول الإمام السجاد عليه السلام في بعض أدعيته: "وقد علمتُ أنه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة، وإنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج الى الظلم الضعيف. وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علواً كبيراً"13.

الحقارة والكذب
إن المدين العاجز عن وفاء مبلغ الدين يجلس في البيت ويقول لولده كذباً أن يقول للدائن: إن أبي ليس في البيت. والجاهل الذي يحس بالحقارة في مجلس العلماء ويجد نفسه عاجزاً عن الدخول في البحث والمناقشة يدّعي كذباً أن حالته الصحية لا تساعد على ذلك. والموظف الذي تغيب عن واجبه بلا عذر مشروع يلتجىء إلى الكذب خوفاً من العقوبة أو الغرامة فيدّعي أن أخاه قد مات وكان مشغولاً بتجهيزه... والخلاصة أن الكذابين يلجأون الى الكذب بسبب الحقارة والعجز اللذين يحسون بهما ليدرأوا التهم عن أنفسهم.

لقد عظم أمر المسلمين في المدينة، وبلغ المؤمنون غاية عزهم ومجدهم... كانت الفتوحات المتتالية تعود لصالحهم يوماً بعد يوم. أما غير المؤمنين فقد كان ينظر إليهم بنظر الاحتقار في المجتمع، وهذا ما أدى إلى إضعاف روحياتهم، فأخذوا يحسون بالحقارة والضعفة من جهة، ومن جهة أخرى كانوا يمتنعون عن الإيمان. فاضطروا إلى أن يظهروا خلاف ما يبطنون، ويتظاهروا بالإيمان حتى يجبروا حقارتهم بذلك. وجاء القرآن الكريم كاشفاً عن سرائرهم وفاضحاً نواياهم حيث قال: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾(المنافقون:1-2).

الكذب عبارة عن ردّ فعل لعقدة الحقارة أو الخوف أو الحالات النفسية الاخر. وبعبارة أخرى فان هذه العقد النفسية والإنهيارات الداخلية للناس هي التي تظهر بمظهر الكذب في الصور المختلفة.

كلما كانت عقدة الحقارة في حياة الفرد أو الاسرة أو الأمة أشد كان رواج الكذب فيهم اكثر. إن من يصاب بالفشل في القضايا السياسية أو الاقتصادية وتنحط منزلته في أنظار الناس يكون الدافع إليه نحو الكذب أقوى، والاسرة التي تسوء سمعتها لانحراف خلقي أو لسبب آخر فتصبح مبغوضة في نظر المجتمع ويحس أفرادها بالحقارة والضعة في نفوسهم تلجأ الى الكذب لتدارك النقائص التي أصابتها. وفي الدول التي تنعدم فيها العدالة والحرية ويديرها الحكام بنظام استبدادي مطلق، ويتملك الناس فيها خوف ورعب شديدان تروج سوق الكذب، وكذلك الأمم التي خضعت لسنين طوال الى الظلم والاضطهاد ولم تذق طعم الاستقلال يكون تلوثها بالكذب اكثر... وبصورة موجزة فان الكذابين لا يكذبون الا للحقارة التي يحسون بها، كما صرح بذلك الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله حين قال: "لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه".

داء الكذب
الكذب مرض خطير يمكن أن يصيب الإنسان من أولى أدوار حياته ويظل مصاباً به حتى نهاية العمر. ومما يؤسف له أن بعض الأسر تنظر إلى هذا الداء الخطير نظرة عارية من أي اهتمام. إذا أصيب الطفل بحمى في ليلة من الليالي أو أخذ يعطس اكثر من المعتاد يتألمون لذلك كثيراً، ولكنهم لا يعيرون أي اهتمام لكذبة الطفل. وهناك أناس آخرون يعرفون إن قليلاً أو كثيراً خطورة الكذب ويتألمون إذا وجدوا الطفل يكذب ولكنهم يجهلون طريق معالجة ذلك وتكون النتيجة أن يلوث الكذب أغلب الأسر، ويظل الجميع يئنون من ويلات هذا الداء الفتاك.

عوامل ظهور الداء
لأجل أن يهتم اولياء الأطفال في سبيل تربيتهم بهذا الموضوع الحساس ويعوّدوا أفلاذ أكبادهم على الصدق والاستقامة نتكلم في هذه المقال عن عوامل ظهور هذا الداء في الأطفال راجين أن تكون مفيدة للجميع.

أساليب وقائية
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "رحم الله من أعان ولده على بره".

قال: قلت: كيف يعينه على بره؟

قال: "يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه. ولا يخرق به"14.

إن من علل كذب الأطفال، ثقل عبء الواجبات التي يكلفون بأداءها، إن تشديد الأولياء وتوقعاتهم الشاذة التي هي فوق طاقة الأطفال يقودهم إلى الكذب ويوقظ فيهم هذه الصفة الرذيلة.

"يقول ديموند بيج: أعرف فتاة شابة تأصل الكذب في نفسها بحيث لا يقبل العلاج. إنها عندما كانت في السن السابعة كانت تذهب كل يوم الى المدرسة وكان عدد الطالبات التي يدرسن معها لا يتجاوز ال 25. كان لها مربية تأخذها الى المدرسة كل يوم، وتأتي بعد انتهاء الدرس لأخذها الى البيت. كانت هذه المربية مكلفة بمراقبة الطفلة في واجباتها ودراستها، وبصورة موجزة كانت مسؤولة عن تربيتها بصورة تامة. في تلك العصور كان الأسلوب المتداول الذي تعده التربية الحديثة فاشلاً تماماً يقضي بأن يصنّف الطلاب كل يوم على حسب الدرجات التي حصلوا عليها في الامتحانات التحريرية، وهكذا كان يعين الطالب الأول والثاني والثالث. كانت الطفلة بمجرد أن تخرج من الصف حاملة حقيبتها بيدها تقابل بالسؤال الرتيب للمربية التي كانت تقول: (ما هي مرتبتك في الصف)؟ فإن قالت: (الأولى) أو (الثانية) كان الأمر يجري على ما يرام. ولكن صادف مرة أن كانت مرتبتها الثالثة لثلاث مرات على التوالي، وبالرغم من أن الحصول على المرتبة الثالثة بين 25 طالبة أمر مستحسن، فإن المربية لم تكن تفهم ذلك. لقد حاولت أن تهدىء على نفسها في المرة الأولى والثانية، ولكنها في المرة الثالثة لم تستطع أن تتمالك نفسها، ففي الوقت الذي كانت الطفلة قد تملكتها الحيرة والذهول صاحت بوجهها: ألا ينتهي حصولك على المرتبة الثالثة؟ يجب أن تكوني الأولى غداً هل تسمعين؟ الأولى... يجب أن تصبحي الأولى!

لقد أشغل هذا الأمر الصعب والجاد بال الطفلة طوال اليوم، وفي اليوم الثاني كانت فريسة القلق والتفكير، بذلت كل عنايتها ودقتها في أداء واجباتها، كانت العمليات الحسابية التي أجرتها صحيحة، وأجابت على الأسئلة بنجاح، وكانت نتائجها مرضية الى قبيل الظهر عندما حان درس الاملاء، فقد وقعت لها أربع أخطاء في امتحان الاملاء، وأخيراً حازت على المرتبة الثالثة، في ذلك اليوم أيضاً... وكانت هذه هي الطامة الكبرى.

عندما رنّ جرس الدرس الأخير كانت المربية واقفة بباب الصف منتظرة الطفلة، وما أن وقعت عينها عليها حتى صاحت: ما الخبر؟

كانت الطفلة مذهولة لا تستطيع بيان الحقيقة، فقالت: (صرت الأولى). وهكذا بدأت تكذب.

كثيرون هم الآباء والأمهات الذين يسلكون مثل هذا السلوك، وبهذه الصورة يتحملون مسؤولية انحراف الأطفال وإصابتهم بداء الكذب"15.

الاعتدال في العبادة
من تعاليم الإسلام الاعتدال في العبادة. إن علماء الحديث يوردون في هذا الصدد روايات كثيرة نذكر هنا بعضها:

1- "عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله الى عباد الله"16.

2- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة"17.

3- عن الإمام الصادق أيضاً: "اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبي: يا بنيّ دون ما أراك تصنع، فإن الله إذا أحب عبداً رضي عنه باليسير"18.

4- قال رسول الله صلّى عليه وآله: يا علي، هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربك"19.

5- عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إن للقلوب إقبالاً وإدباراً. فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض"20.

يظن بعض الآباء والأمهات الجهلاء أن عليهم في سبيل تربية أطفالهم تربية دينية أن يحملوهم فوق طاقتهم، ويكلفوهم بأداء النوافل، ويوصوهم باحياء الليل وقراءة القرآن والأدعية المأثورة، ويتصورون أنهم يحسنون صنعاً بذلك. يقولون له: لا تنس قراءة جزء من القرآن بعد صلاة الصبح! لا تترك دعاء كميل في ليالي الجمعة! اقرأ الذكر الفلاني ألف مرة يومياً... وامثال ذلك. إن هؤلاء غافلون عن أن هذه التكاليف الشديدة ليست مرغوباً فيها في الإسلام فقط، بل انهم بعملهم هذا يجعلون الولد ينظر الى الدين نظرة ملؤها التشاؤم، ويؤججون نار البعد عن الإسلام في قلبه... هذا مضافاً إلى أن الولد سيقع في مأزق حرج، فإن الإتيان بجميع تلك النوافل والعبادات المستحبة بصورة مستمرة مما لا يتحمل عادة، ومن جهة أخرى فإنه يخاف من استياء والديه ويحذر من إزعاجهما، ولذلك فإنه يلجأ الى الكذب، فبينما ينام الليل الى الصباح يحاول إرضاء والديه فيدعي كذباً أنه أحيى الليلة حتى الصباح، وصلى كذا ركعات، وقرأ كذا من القرآن... الخ.

لو كان الوالدان يعملان بنصيحة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث يقول: "يقبل ميسوره، ويتجاوز من معسوره" ولم يكونا يحمّلان الولد فوق طاقته من العبادات لم ينشأ على الكذب والتشاؤم نحو الدين.

يجب على الآباء والامهات بالإضافة إلى العناية بالنواحي العلمية والدينية أن يقيسوا القابليات الوسطى للأطفال، ولا يحملوهم فوق ما يطيقون، لأن الطفل يخاف من إغضاب والديه، ويحاول أن لا يعرفه المربي بالكسل وعدم الكفاءة. وعندما يعجز عن أداء العمل الذي يفوق طاقته ومقدرته يلجأ في سبيل الحفاظ على شخصيته الى الكذب، وبتكرر هذه الحالات ينشأ كذاباً. نستنتج مما تقدم أن أحد العوامل المؤثرة في تعود الطفل على الكذب هو تكليفه بالأعمال التي تفوق مقدرته وإجباره على أداء ما لا يطيق.

تحقير الطفل
والعامل الآخر من العوامل النفسية التي تؤدي إلى تعوّد الطفل على الكذب إحساسه بالإهانة والتحقير. يجب على الآباء والأمهات حسب التعاليم الدينية والعلمية أن يحترموا شخصية الأطفال، وهذا الموضوع أحد المسائل المهمة في البحوث التربوية. إن الأطفال الذين يهملون من قبل أفراد الأسرة ولا يحترمون من قبل الناس، يسخرون بهم أو يخدعونهم تارة، ويؤنبونهم بلا مبرر تارة أخرى، وبصورة موجزة يسلك معهم بحيث يحس الأطفال بالحقارة، ويدركون بان أفراد الأسرة يحتقرونهم ولا يحسبون لهم حساباً... هؤلاء يفكرون في الثأر لكرامتهم، ولذلك تظهر فيهم صفات ذميمة بالتدريج فيقدمون على أعمال مضرة.

"توجد الإنحرافات المكتسبة عقيب الإخفاقات، والخدع والأحقاد وفي الغالب عقيب الضربات العاطفية التي تخدر الطفل، هذا كله دون أن يقف الطفل على حقيقة ما وقع. وأحياناً يكتسب الطفل سلوكاً جديداً وطبعاً ثانوياً، قد يقضي على الطبع الأولي له".

"يتحول قلب الطفل على اثر الصدمات التي تؤلمه الى قلب مريض ومنكسر. إن الشخص المنحرف يرى نفسه قبل أي شخص صغيراً وحقيراً، علم بذلك أم لم يعلم. وهكذا يكتسب الطفل أو المراهق الذي يتأثر لاحساسه بالحقارة عادات غريبة وسلوكاً جديداً... يمكن اعتبارها ردود الفعل لتلك الحالة النفسية"21.

رد الفعل للحقارة
إن الطفل الذي يقع موقع السخرية والاحتقار وتهتضم شخصيته، يسعى لإظهار نفسه بأي طريقة كانت، أن يعمل عملاً يلفت انظار اعضاء الأسرة والآخرين أحياناً إلى نفسه، أن يدخلوه في حسابهم، ويعترفوا بشخصيته... وهكذا يستغل الفرص المختلفة للوصول الى هدفه.

عندما يكون الوالدان مشغولين باكرام بعض الضيوف المحترمين، ويصرفان كل اهتمامهما الى العناية بهم غافلين عن الطفل... يقدم الطفل على الأعمال غير الإعتيادية، يطرق الباب بقوة، يقلب إناء الفواكه، ويبعثر الفواكه على الأرض، يصيح بأعلى صوته، يضرب أمه، وبصورة موجزة يقوم بأعمال تجلب انتباه الوالدين والضيوف إليه. إن الطفل لا يقصد من هذه الأعمال غير جلب انتباه الآخرين، انه يحتاج الى اظهار نفسه وابراز شخصيته، يريد أن يقول: أنا أيضاً موجود، انتبهوا لي، إحسبوا لي حساباً.

الطفل يريد أن ينفذ الى قلوب الآخرين. وعندما لا يستجيب الوالدان لمتطلباته الطبيعية المتمثلة في احترام شخصيته، يسلك طريقاً معوجاً، وينفذ الى قلوب الآخرين بالفوضى والشغب والايذاء.

من الأعمال الخطيرة التي يقدم عليها أمثال هؤلاء الأطفال: الكذب. الطفل الذي لم يلاق احتراماً في الأسرة ولم يُعتن بشخصيته، الطفل الذي يُهمل ويُحتقر ويعيش حياة ملؤها الحرمان والإخفاق، تكون لذته العظمى إظهار شخصيته وجلب انتباه الآخرين. إنه لا يستطيع أن يجلب إهتمام الناس نحوه بالصدق وبيان الحقائق، فيضطر إلى الكذب، واختلاق قضايا مدهشة، وكذبات تحير الأذهان لعدة دقائق، وتبعث القلق والحيرة في أعضاء الأسرة... يتصنع الاضطراب والذهول فيصيح: إلتهمت النيران دار عمي! سقطت أختي في الساحة القريبة من بيتنا تحت عجلات السيارة!

عندما يركض أعضاء الأسرة رجالاً ونساءً نحو الحادث وقد علاهم الإرتباك والإضطراب، ينتعش الطفل الكذاب، يتلذذ لأن كلامه أوجد هذا الاضطراب، والإهتمام... إنه يفرح لأنه خدع أعضاء الأسرة وشفى قلبه مما كان يلاقيه منهم من احتقار وسخرية.

إن السلوك السيء للوالدين هو الذي يدعو الطفل إلى الكذب، وإن الأعمال التافهة لهما هي التي تؤدي إلى هذا الانحراف.

يجب على الآباء والامهات الذين يرغبون في تربية أطفالهم على الإستقامة وتدريبهم على الصدق في الحديث أن يحترموا شخصيتهم منذ البداية بصورة معقولة، ويحذروا من احتقارهم الذي يؤدي إلى إنحرافهم. عليهم أن يتذكروا نصيحة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: "ولا يرهقه ولا يخرق به".

إن الأطفال الذين يحسون بالحقارة والصّغار على أثر اهمال الآباء لهم قد يلجأون إلى الكذب لتدارك ذلك ويصابون بهذا الداء الخطير، فيظلون يتجرعون المآسي والمشاكل ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تتجاوزهم الأضرار إلى الآخرين أيضاً.

الخوف من العقوبة
والعامل الثالث من عوامل الكذب عند الأطفال هو الخوف من العقوبة. فعندما نسأل الطفل: أنت كسرت النافذة؟ وعلم أن اعترافه يستلزم العقاب الشديد، فإن غريزة صيانة الذات تدفعه الى أن يقول كذباً: لم أكسرها. إنه يجد نفسه ضعيفاً أمام صفعات الأم والأب ولحفظ نفسه لا يجد مفراً إلا بالإلتجاء إلى الكذب وإنكار كل شيء. وبديهي أنه كلما كانت العقوبة أشد، كان إصرار الطفل على الكذب اكثر.

وكما أن الناس في الحكومات الإستبدادية يكثرون من الكذب خوفاً من العقوبات الشديدة والاعمال غير الإنسانية الصادرة من الحكام، كذلك الأطفال في الأسر التي يشدّد الآباء والأمهات فيها العقوبة فان كذبهم يكثر.

إن علاج هذه الكذبات ينحصر في لين أولياء الأطفال في تربيتهم. فإن كان الآباء والامهات يربون أولادهم على أساس الحب والحنان، وإن كانت الأسرة مثالاً للرأفة والعطف، وإن كان الأولياء منصفين وعارفين بواجباتهم الشرعية في تربية الأطفال دون أن يلجأوا إلى العصا والضرب الذي يستوجب الدية، فإن الأطفال إذا كسروا نافذة أو قاموا بمخالفة النظام لا يدفعهم ذلك إلى الكذب ولا ينشأون كذابين.

يلاحظ الطفل أن أباه أو أمه قد يغفل فيكسر النافذة ولا يحاسبه أحد على ذلك، إنه يرى أخاه الأكبر لا يتعرض لعقوبة أو توبيخ عندما يسقط كأس من يده فيتحطم، بينما يجد أنه إذا كسر النافذة أو سقط الكأس من يده يُعاقب بشدّة ويحاسب حساباً عسيراً، فيثأر لكرامته ويلجأ الى الكذب للفرار من العقوبة.

اسداء النصيحة للطفل
عندما يتخلى الأبوان عن التشديد على الطفل ويعتبرانه مثلهما إنساناً يجب أن تصان كرامته، ويصادف أنه يكسر النافذة في أثناء اللعب في الغرفة، فسيبادران الى اسداء النصح له ويقولان له: الغرفة ليست محلا للعّب، حاول أن لا تتكرر منك أمثال هذه الفعلة. بهذا الأسلوب يكون الطفل قد عوقب بمقدار خجله، مضافاً إلى أنه لم يكذب... في حين أن من المحتمل أن لا يتكرر منه هذا العمل بعد ذلك.

هنا قد يتصور السادة المستمعون أننا نريد القول بأن الرقابة التربوية الصحيحة في الأسرة يجب أن تكون على درجة من الدقة بحيث يتربى الطفل على أن لا يكذب حتى مرة واحدة طيلة أيام عمره، ومثل هذا قد يكون مستحيلاً بالنسبة الى الإنسان الاعتيادي. غير أن الغاية من بحثنا هذا هو أن ننبه الآباء والأمهات الذين يريدون تدريب الطفل على الصدق والاستقامة إلى ضرورة الإهتمام بواجباتهم الشرعية والعلمية في إرساء قواعد الأسرة منذ البداية على أساس الفضيلة والاستقامة حتى يكونوا بهذا الطريق قد أدوا ما عليهم تجاه اطفالهم.

وبعبارة أوضح فإن الكذب سواء كان قليلاً أم كثيراً يعد معصية عظيمة، ولكن هناك فرق عظيم بين من تصدر منه كذبة أو عدة كذبات على أثر الغفلة أو بعض الظروف الحرجة في الحياة، وبين من بنى كيانه على أساس الكذب والخديعة ونشأ كذابا. إن الخطر العظيم والداء الوبيل يتوجه نحو الصنف الثاني، إن هدف التربية الصحيحة هو أن لا يضرب هذا الداء الفتاك بجذوره في أرواحهم.

هذا المسألة التربوية والنفسية تعرضت لها الروايات والاحاديث الإسلامية ويهتم لها العلماء المعاصرون أيضاً، ولمزيد اطلاع نعرض على القراء الكرام نماذج من كلا الصنفين.

1- "قال ابن مسعود: قال النبي صلّى الله عليه وآله: "لايزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً"22.

2- عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الكذاب هو الذي يكذب في الشيءٌ قال: لا، ما من أحد إلا أن يكون ذلك منه، ولكن المطبوع على الكذب"23.

3- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن العبد ليكذب حتى يكتب من الكذابين"24.

الكاذب والكذاب
يستفاد من هذه الاحاديث الثلاثة أن هناك فرقاً بين الكاذب والكذاب. الكاذب هو الذي تصدر منه كذبة أو كذبات على أثر الغفلة أو الحوادث المختلفة، وجميع الناس قد يصدر منهم ذلك. أما الكذاب فهو ركز الكذب في مخه، ونفذ هذا الداء الفتاك الى أعماقه.

أما العلماء المعاصرون فإنهم يشيرون إلى هذا المعنى أيضاً في كتبهم، وها أنا ذا أقرأ لكم عبارة مقتبسة من أحدها.

فن الخديعة
"وهذا أمر بسيط وطبيعي جداً، ذلك أن الأطفال يكذبون على أثر الضعف الذي يحسون به في مقابل الكبار دون أن يكون هناك انحراف أو تخطيط أو تفكير سابق. إنهم يكذبون ليصونوا أنفسهم من الحملات المباشرة التي يتنبأون لها، فإن الكذب والخديعة يستلزمان تخطيطاً سابقاً، وتفكيرا في تورط الآخرين، ولا يكفي أن يكذب شخص في مورد ما مترسلا ونحكم عليه بالانحراف".

"يتكامل علم الكذب (أو فن الكذب على الأرجح) بالممارسة والتدرب على الكذب. إذن نستنتج من ذلك أن جهود الوالدين أو القائمين على شؤون التربية يجب أن تنصرف إلى عدم فسح المجال للأطفال في التعلق بالكذب، ويجب أن لا يكون سلوكنا على نحو يضطرهم الى الالتجاء إلى الكذب".

"يجب أن نعرف الكاذب الحقيقي أولا، أي يجب أن نميز بين من يكذب على أثر تطبعه على الحيلة والخديعة، وبين من يكذب عفواً. إن الكاذب العفوي لأجل أن يتخلص من عقوبة العمل الذي عده ذنباً في نفسه يعمد الى أول كذبة تمر بخاطره وتجري على لسانه إنه لا يفكر في عواقب ذلك، في حين أن صدقه الذاتي والطبيعي غالباً ما يخونه دون علم منه... نبرة الصوت، والوجه المحمر، والنظرات الزائغة، كل ذلك علائم تفضح أمر مثل هذا الكاذب".

"الحقيقة تعلن عن نفسها من خلال الكلمات التي يجريها على لسانه، إنها تحرق شفتيه، فلا يستطيع أن يلقي حجاباً ساتراً على الحقيقة التي تفصح عن واقعها. إن من السهولة بمكان أن نستكشف من مثل هذا الشخص أنه لم يصبح كذاباً بعد، بل يستطيع أن يصنع بعض الكذبات المفضوحة، غاية ما هناك أنه لكي يتقن هذا العمل، ولكي يصبح ماهراً في فن الكذب، يكفي أن يوضع في محيط فاسد أو يقابل مربيّاً دون مستوى المسؤولية، لاجل أن ننقذ مثل هذا الطفل من الغرق والوقوع في هذه الهوة السحيقة يجب أن نوجه وجدانه نحو الصدق والشهامة، وعندئذ لا يستطيع الكذب أن ينشر جذوره في نفسه ولا يصبح داءاً مزمناً عنده".

"أما بالنسبة إلى الكذاب الأصيل فالأمر ليس كذلك. هذا الشخص الذي يمتهن التزوير والاحتيال وإن بدأ عمله بكذبات تافهة ومفضوحة لكنه استمر على ذلك فترة طويلة حتى أصبح الآن يكذب بسهولة، يصور الباطل في لباس من الحقيقة، وهنا يجب أن نهتم بالأمر. إنه لا يصدر عن الكذب بصورة عفوية بل يفكر ويخطط ويصمم لما يريد إطاراً جميلاً، يغير في الموضوع كيف يشاء، ويظهره بالمظهر الذي يريده من جمال أو قبح، لأنه يعلم أنه إذا ألبس الباطل لباساً جميلاً من التبريرات والاحتيالات كان ذلك عاملاً مساعداً على عدم انفضاح سره"25.

الكذابون الماهرون
كان إخوة الصديق يوسف كذابين ماهرين. فإنهم عندما رموا به في البئر جاءوا الى ابيهم يبكون، يذرفون الدموع الحارة، وقد حملوا معهم ثوباً ملطخاً بالدم، وهكذا كانوا قد صمموا للحادثة تصميماً مضبوطاً يخيل للناظر معه أن ذلك هو الحقيقة، وأن الذئب هو الذي أكل يوسف. هذه الكذبات خطيرة جداً، ولذلك فإن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله يستعمل كلمة (الكذاب) في حقهم: "لا تلقنوا الكذاب فتكذَبوا. فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الانسان حتى لقنهم أبوهم"

ان الآباء والأمهات الذين يربون أطفالهم تربية صحيحة ويدربونهم على الصفات الفاضلة والسجايا الحميدة يستطيعون أن يقفوا أمام الزلات المحتملة لهم بالنصح والارشاد، وبذلك يمنعونهم من التلوث ببعض الكذبات التي يمكن أن تلوث أذيالهم.

"عن أبي جعفر عليه السلام. قال: كان علي بن الحسين يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير"

المحيط التربوي
من أهم العوامل المؤثرة في تنمية فطرة الصدق عند الأطفال المحيط التربوي الذي يعيشون فيه، فعندما يكون الوالدان ملتزمين بالصدق بعيدين عن الكذب والاحتيال، فإن الطفل ينساق تلقائياً إلى طريق الصدق والاستقامة، ومن السهل جداً إزالة العوائق التي تقف في طريقه من الناحية النفسية.

وعلى العكس من ذلك فإن الوالدين اللذين لا يتورعان عن الكذب يعودان الطفل على هذه الصفة الذميمة من حيث لا يشعران، في أسرة كهذه يصبح الإهتمام بالظروف والعوامل النفسية للوقاية من الكذب عقيما. إن المحيط التربوي اهم العوامل الصانعة لكيان الطفل، ولا يمكن مقايسة أي من العوامل النفسية به، ذلك أن الطفل ينسجم مع المحيط الذي ينشأ فيه بصورة لا شعورية، وتنطبع في ذهنه صور الأشياء التي يشاهدها أو يسمعها.

"إن محيط الصدق والشهامة المطلقة أهم عوامل الكفاح ضد الكذب. فإذا كانت الاستقامة مسيطرة على جو الأسرة أو المدرسة لم يقترب الطفل من الكذب، واذا صادف أن جرت كذبة على لسانه فإن التجارب تثبت أن هذه الكذبة لا تصل إلى حد الخيانة والاجرام ولا تبعث بجذورها في قلبه".

"إن الضمائر الحية لهؤلاء الأحداث تشبه الأعشاب الربيعية في النعومة واللطافة، فلأجل أن تلاقي تنمية مناسبة ومتكافئة يجب أن تبقى في مأمن من هبوب الرياح الشديدة والميول التي قد تدحرها الى الأبد، ومن المؤسف أن نجد أن هذه الفسائل الغضة كثيراً ما تجابه بالرياح الهوجاء".

"كثيراً ما يصادف وجود أخاديد واسعة بين أفعالنا ونصائحنا. هناك بون شاسع بين ما يلاحظه الطفل في أفعالنا ويدركه من سلوكنا، وبين الأوامر والنصائح التي نصدرها في تقبيح عمل معين وذمه!".

"قد اعتاد الكثيرون على أن يقولوا للأطفال: (افعل ما أقوله لك! لا تلتفت الى ما أفعل) في حين أنهم يجهلون أن هذه النصيحة تستتبع مأساة عظيمة، ان الطفل لا يخضع للنصيحة التي لا يعيرها الوالدان أهمية ما وعلى فرض أنه استطاع أن يتوصل من عمل الكبار الى أن السلوك المفضل للأطفال يختلف عن السلوك المفضل للكبار فإنه سيحطم تلك القيود في أول فرصة يدرك فيها الحرية، ويخرج على تلك التعاليم التي وجهت اليه في صباه"

ان محيط الأسرةّ هو المدرسة الأولى للطفل، وإن سلوك الوالدين يمكن أن يصبح مقياساً لازدهار الأسرة أو انحطاطها. ان امرأة أو رجلاً بغض النظر عن عنوان الأمومة أو الأبوة عندما تصدر منه كذبة يكون قد ارتكب معصية كبيرة واستحق بذلك عقوبة. أما عندما يكون هذا الرجل أباً أو عندما تكون المرأة أماً فإن الكذبة الصادرة منه أمام عيني الطفل النافذتين، وأذنيه الواعيتين لا يمكن أن تعد ذنباً واحداً. ففي هذه الصورة يكون ذنب آخر غير ذنب الكذب قد ارتكب... ذلك هو ذنب التعويد على الكذب وهذا أعظم بكثير من الذنب الأول.

داء الكذب
ان الأطفال أمانة الله عزّ وجل في أعناق الوالدين، فهما إن قصرا في أداء واجبهما نحوهم كانا خائنين للأمانة. إن ما لا شك فيه هو أن الكذب احد الأمراض الإجتماعية الكبيرة، ومن المؤسف أن أغلب الناس مصابون بهذا الداء الفتاك إن قليلاً أو كثيراً. هذا الخلق الذميم يوجب شقاء الدنيا وعذاب الآخرة. إن جميع الصفات الذميمة تعد أمراضاً نفسية من وجهة نظر العلم والدين، ولكن الكذب أشدها. ففي وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن: "وعلة الكذب أقبح علة"

إن الكذب يزلزل الكيان الخلقي والاقتصادي والقانوني في المجتمع. لأن الشخص الكاذب يجعل الناس يسيء بعضهم الظن الى الآخر، ويسلب الاعتماد منهم. إن الكذب يحرق جذور الفضيلة ويميت الروح الإنسانية، "عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أبي حدثني عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أقل الناس مروءة من كان كاذباً"

يتصور البعض أحياناً أن الكذب هو الوسيلة الوحيدة للنجاح، في حين أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يفنّد هذا التصور ويعتبر هذا النوع من النجاح المزعوم فشلاً واخفاقاً. فقد قال صلّى الله عليه وآله: "إجتنبوا الكذب وان رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة"

وفي حديث آخر يقول الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام: "يا هشام، ان العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه"

الصدق والنجاة
ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق في المواقع الحرجة والمآزق الشديدة وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد مدى الجرائم التي قام بها الحجاج بن يوسف الثقفي والدماء التي أراقها من غير حق. في يوم من الأيام جيء بجماعة من اصحاب عبد الرحمن مأسورين وكان قد صمم على قتلهم جميعاً.

فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام إن لي عليك حقاً! فأنقذني وفاء لذلك الحق.

قال الحجاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمن يسبّك في بعض الأيام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحجاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأسرى وأيّد دعوى ذلك الرجل. فأطلقه الحجاج، ثم التفت الى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تدافع عني في ذلك المجلس؟!

أجاب الشاهد في أتم الصراحة: لأني كنت أكرهك.

فقال الحجاج: أطلقوا سراحه لصدقه

"وخطب الحجاج ذات مرة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فان الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك. فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أنه مجنون وسألوه أن يخلي سبيله فقال:

إن أقرّ بالجنون خلّيته.

فقيل له، فقال: معاذ الله، لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني، فبلغ ذلك الحجاج، فعفا عنه لصدقه"

وكما أن الصدق يجلب العزة والكرامة، فإن الكذب يسبب الذلة والصغار لصاحبه. يقول الرسول الأعظم: "إياك والكذب، فإنه يسود الوجه"

بلغ المنصور الدوانيقي أن مبلغاً ضخماً من أموال بني أمية مودعة عند رجل، فأمر الربيع باحضاره. يقول الربيع: فأحضرت الرجل وأخذته الى مجلس المنصور. فقال له المنصور: بلغني ان أموال بني أمية مودعة عندك، فيجب أن تسلمني إياها بأجمعها.

فقال له الرجل: هل الخليفة وارث الأمويين؟!

فأجاب: كلا.

فقال: هل الخليفة وصي الأمويين؟!

فأجاب: كلا.

فقال الرجل: فكيف تطالبني بأموال بني أمية؟!

فأطرق المنصور برهة ثم قال: إن الأمويين ظلموا المسلمين وانتهكوا حقوقهم وغصبوا أموالهم، وأنا الآن خليفة المسلمين ووليهم، أريد أن استرد أموال المسلمين وأودعها في بيت المال.

فقال الرجل: إن الأمويين امتلكوا أموالاً كثيرة كانت خاصة بهم وعلى الخليفة أن يقيم شاهداً عدلاً على أن الأموال التي في يدي لبني أمية إنما هي من الأموال التي غصبوها وابتزوها من غير حق.

ففكر المنصور ساعة، ثم قال للربيع، ان الرجل يصدق، فابتسم بوجهه وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان.

الأولى: أن تامر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت، حتى يهدأ إضطرابهم ويذهب روعهم.

والثانية: أن تأمر بأحضار من أبلغك بهذا الخبر، فو الله لا توجد عندي لبني أمية وديعة أصلاً. وعندما أحضرت بين يدي الخليفة وعلمت بالأمر تصورت أني لو تكلمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل. فأمر المنصور الربيع بإحضار المخبر، وعندما حضر نظر اليه الرجل نظرة ثم قال: إنه عبدي سرق مني ثلاثة آلاف دينار وهرب. فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام وأيّد الغلام كلام سيده في أتم الخجل وقال: إنّي اختلقت هذه التهمة لأنجو من القبض علي. هنا رق قلب المنصور لحال العبد وطلب من سيده أن يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه وسأعطيه ثلاثة آلاف أخرى.

فتعجب المنصور من كرامة الرجل وعظمته، وكلما ذكر اسمه كان يقول: لم أر مثل هذا الرجل"



"عاشقة النور"

حبي حسين
08-03-2011, 01:58 AM
موضوع في منتهى
الاهميه عزيزتي ربي
يوفقج و يرعاج جميل ما قدمته يمناج



حبي حسين

محـب الحسين
08-03-2011, 07:57 AM
شكرا جزيلا على المعلومات القيمه

ريحانه علي
08-03-2011, 07:48 PM
بارك الله اختي العزيز موضوع في غايه الاهميه و الروعه

بسمة الربيع
08-03-2011, 08:01 PM
http://www.hail-b3dhaiye.com/vb/storeimg/img_1294036376_972.gif

عاشقة النور
09-03-2011, 10:21 PM
مشكورين ع المرور

لاخلا ولاعدم منم



"عاشقة النور"