(ان العمل نفس الجزاء)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • لبيك داعي الله
    • Oct 2010
    • 741

    (ان العمل نفس الجزاء)

    (ان العمل نفس الجزاء)
    كل نفس في بدء الخلقه خالية عن الملكات بأسرها، وإنما تتحقق كل ملكة بتكرر الأفاعيل والأثار الخاصة به بيان ذلك أن كل قول أو فعل ما دام وجوده في الأكوان الحسية لاحظ له من الثبات لأن الدنيا دار التجدد والزوال، ولكنه يحصل منه أثر في النفس، فإذا تكرر استحكم الأثر فصار ملكة راسخة، مثاله الحرارة التي تحدث في الفحم فانها ضعيفة أولا وإذا اشتدت تجمرت ثم استضاءت، ثم صارت صورة نارية محرقة لما قارنها مضيئة لما قابلها، وكذلك الأحوال النفسانية إذا تضاعفت قوتها صارت ملكات راسخة وصوراً باطنة تكون مبادئ للآثار المختصة بها، فالنفوس الإنسانية في أوائل الفطرة كصحائف خالية من النقوش والصور تقبل كل خلق بسهولة، وإذا استحكمت فيها الأخلاق تعسر قبولها لأضدادها، ولذلك سهل تعليم الأطفال وتأديبهم وتنقيش نفسهم بكل صورة وصفة ويتعسر أو يتعذر تعليم الرجال البالغين وردهم عن الصفات الحاصلة لهم لاستحكامها ورسوخها.
    ثم لا خلاف في أن هذه الملكات وأفعالها اللازمة لها إن كانت فاضلة كانت موجبة للالتذاذ والبهجة ومرافقة الملائكة والأخيار، وان كانت ردية كانت مقتضية للألم والعذاب ومصاحبة الشياطين والأشرار، وإنما الخلاف في كيفية ايجابها للثواب أو العذاب، فمن قال ان الجزاء مغاير للعمل قال ان كل ملكة وفعل يصير منشأ لترتب ثواب أو عقاب مغاير له بفعل الله سبحانه على التفصيل الوارد في الشريعة.
    ومن قال ان العمل نفس الجزاء قال: ان الهيئات النفسانية اشتدت وصارت ملكة تصير متمثلة ومتصورة في عالم الباطن والملكوت بصورة يناسبها، إذ كل شيء يظهر في كل عالم بصورة خاصة، فان العلم في عالم اليقظة أمر عرضي يدرك بالعقل أو الوهم وفي عالم النوم يظهر بصورة اللبن فالظاهر في العالمين شيء واحد وهو العلم لكنه تجلى في كل عالم بصورة، والسرور يظهر في عالم النوم بصورة البكاء، ومنه يظهر انه قد يسرك في عالم ما يسوءك في عالم آخر، فاللذات الجسمانية التي تسرك في هذا العالم تظهر في دار الجزاء بصورة تسوءك وتؤذيك، وتركها وتحمل مشاق العبادات والطاعات والصبر على المصائب والبليات يسرك في عالم الآخرة مع كونها مؤذية في هذا العالم.
    ثم القائل بهذا المذهب قد يطلق على هذه الصورة اسم الملك ان كانت من فضائل الأخلاق أو فواضل الاعمال. واسم الشيطان إن كانت من أضدادها وقد يطلق على الأولى اسم الغلمان والحور وأمثالها، وعلى الثانية اسم الحيّات والعقارب وأشباههما، ولا فرق بين الاطلاقين في المعنى، وانما الاختلاف في الاسم.
    وهذا المذهب يرجع إلى القول بتجسد الأعمال بصورة مأنوسة مفرّحة أو صورة موحشة معذبة، وقد ورد بذلك أخبار كثيرة: منها ما روى أصحابنا عن قيس بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: يا قيس "إن مع العز ذلاً، ومع الحياة موتاً، ومع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء رقيباً وعلى كل شيء حسيباً، وإن لكل أجل كتاباً، وانه لابد لك من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت، فان كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً ألأمك، ثم لا يحشر إلا معك ولا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً، فانه إن صلح أنست به وإن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك ". ومنها: ما استفاض من قولهم عليهم السلام: " ان من فعل كذا خلق الله تعالى ملكاً يستغفر له إلى يوم القيامة ". ومنها: ما ورد " ان الجنة قيعان وغراسها سبحان الله ". ومنها ما روي " ان الكافر خلق من ذنب المؤمن". ومنها قولهم " المرء مرهون بعمله ". ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجري في بطنه نار جهنم". ويدل عليه قوله سبحانه.
    " وإن جهنم لمحيطة بالكافرين "
    وربما كان في قوله تعالى:
    " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون "وقوله تعالى: " إنما تجزون ما كنتم تعملون ".
    اشارة إليه حيث قال عز وجل "ما كنتم" ولم يقل بما كنتم.
    وقال فيثاغورس الحكيم: " ستعارض لك في أفعالك وأقوالك وأفكارك وسيظهر لك من كل حركة فكرية أو قولية أو عملية صورة روحانية، فان كانت الحركة غضبية أو شهوية صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك ويحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك، وان كانت الحركة عقلية صارت ملكاً تلتذ بمنادمته في دنياك وتهتدى به في أخراك إلى جوار الله وكرامته" انتهى.
    وهذه الكلمات صريحة في أن مواد الأشخاص الأخروية هي التصورات الباطنية والنيّات القلبية والملكات النفسية المتصورة بصورة روحانية وجودها وجود إدراكي، والإنسان إذا انقطع تعلقه عن هذه الدار وحان وقت مسافرته إلى دار القرار وخلص عن شواغل الدنيا الدنية وكشف عن بصره غشاوة الطبيعة. فوقع بصره على وجه ذاته والتفت إلى صفحة باطنه وصحيفة نفسه ولوح قلبه وهو المراد بقوله سبحانه:
    " وإذا الصحف نشرت ". وقوله تعالى: " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ". صار ادراكه فعلاً وعلمه عيناً وسره عياناً، فيشاهد ثمرات أفكاره وأعماله، ويرى نتائج انظاره وأفعاله ويطلع على جزاء حسناته وسيئاته، ويحضر عنده جميع حركاته وسكناته، ويدرك حقيقة قوله سبحانه:
    " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "
    فمن كان في غفلة عن أحوال نفسه ومضيعاً لساعات يومه وأمسه يقول:
    " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً .
    " يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً .
    وقد أيد هذا المذهب أعني صيرورة الملكات صوراً روحانية باقية أبد الدهر موجبة للبهجة والالتذاذ والتوحش والتألم، بأنه لو لم تكن تلك الملكات والنيات باقية أبداً لم يكن للخلود في الجنة أو النار وجه صحيح، إذ لو كان المقتضى للثواب أو للعذاب نفس العمل والقول، وهما زائلان لزم بقاء المسبب مع زوال السبب وهو باطل، وكيف يجوز للحكيم أن يعذب عباده أبد الدهر لأجل المعصية في زمان قصير، فإذاً منشأ الخلود هو الثبات في النيات والرسوخ في الملكات. ومع ذلك فمن يعمل مثقال ذرة من الخير أو الشر يرى أثره في صحيفة نفسه أو في صحيفة أعلى وأرفع من ذاته أبداً كما قال سبحانه:
    " في صحفٍ مكرمةٍ مرفوعةٍ مطهرةٍ بأيدي سفرةٍ .
    والسر فيه أن الأمر الذي يبقى مع النفس إلى حين مفارقتها من الدنيا ولم يرتفع عنها في دار التكليف يبقى معها أبداً ولا يرتفع عنها أصلا لعدم تجدد ما يوجب إزالته بعد مفارقته عن عالم التكليف.
    ثم الظاهر ان هذا المذهب ـ عند من قال به من أهل الشرائع ـ بيان لكيفية الثواب والعقاب الروحانيين مع اذعانه بالجنة والنار الجسمانيين " إذ لو كان مراده قصر اللذة والثواب والألم والعقاب والجنات والقصور والغلمان والحور والنار والجحيم والزقوم والضريع وساير ما ورد في الشريعة المقدسة من امور القيامة على ما ذكر فهو مخالف لضرورة الدين،
    (تنبيه) الدنيا والآخرة متضادتان، وكل ما يقرب العبد إلى احداهما يبعد عن الأخرى وبالعكس، كما دلت عليه البراهين الحكمية والشواهد الذوقية والأدلة السمعية، فكل ملكة أو حركة أو قول أو فعل يقرب العبد إلى دار الطبيعة والغرور يبعده عن عالم البهجة والسرور، وبالعكس، فأسوأ الناس حالاً من لم يعرف حقيقة الدنيا والآخرة وتضادهما ولم يخف سوء العاقبة وأفنى عمره في طلب الدنيا واصلاح أمر المعاش وقصر سعيه على جر المنفعة لبدنه من نيل شهوة أو بلوغ لذة أو اكتساب ترفع، ورئاسة أو جمع المال من غير تصور لما يصل إليه من فائدته، كما هو عادة أكثر أبناء الدنيا، ولم يعرف غير هذه الأمور من المعارف الحقيقية والفضائل الخلقية والأعمال الصالحة المقربة إلى عالم البقاء فكأنه يعلم خلوده في الدنيا، ولا يرجو بعد الموت ثواب عمل، ولا جزاء فعل، ولا يعتقد بما يرجوه المؤمنون ويؤمله المتقون من الخير الدائم، واللذات المخالفة لهذه اللذات الفانية التي يشارك فيها السباع والبهائم، فإذا أدركه الموت مات على حسرة وندامة آيساً من رحمة الله قائلاً:
    " يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله .
    أعاذنا الله تعالى من سوء الخاتمة ووقفنا لتحصيل السعادة الدائمة.
  • عشقي محمد واله
    • Sep 2009
    • 5605

    #2

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل الفرج لوليّك القائم
    الحمد لله الذي أمرنا لنكون مع الصادقين ،
    والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد الصادق الأمين ،
    وعلى آله الأئمة الصادقين الهداة المهديّين ،
    لا سيّما بقيّة الله في الأرضين ،
    عجّل الله فرجه الشريف.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ،


    يالله حسن الخاتمه
    جزاك البارئ خير اخي العزيز
    الصمت لغتي
    وفقك الله وحشرك مع أهل بيت النبوه
    عليهم الصلاه والسلام

    تعليق

    • لبيك داعي الله
      • Oct 2010
      • 741

      #3
      الف شكر لك اختنا العزيزة نبراس المحبة

      على تواصلك ومرورك الكريم

      انرت الموضوع

      تعليق

      • ** خـادم العبـاس **
        • Mar 2009
        • 17496

        #4

        شكرا اخي الكريم
        بارك الله بك
        وفقك الباري

        تعليق

        • بسمة الربيع
          • Feb 2011
          • 872

          #5

          تعليق

          • لبيك داعي الله
            • Oct 2010
            • 741

            #6
            الف شكر للاخ عاشق البطل عباس والاخت بسمة الربيع

            على المرور الجميل والمداخلات الاجمل

            لكم كل الشكر والتقدير

            تعليق

            • محـب الحسين

              • Nov 2008
              • 46763

              #7
              موضوع قيم جدا
              بوركت اخي العزيز
              دمت متميزا ومحفوفاً بحفظ الباري سبحانه

              تعليق

              • لبيك داعي الله
                • Oct 2010
                • 741

                #8
                الف شكر لك اخي محب الحسين

                زدتنا شرفاً مرورك

                تعليق

                يعمل...
                X