رحلة في "مجاهل" المنتديات الثقافية
ويهبط مستوى المنتديات الثقافية بشكل نسبي يتأثّر بطبيعة ثقافة المنتسبين إليها وطريقة تعاطيهم في ما بينهم
عندما تتحول الصالونات الثقافية إلى الإنترنت هل تستطيع التقنية أن تؤدّي دوراً ما في المشهد الثقافي ليومنا الحاضر؟
وما مدى فاعلية هذا الدور؟ وما مدى تأثيره؟
وهل تمكّن المثقّف العربي من الاستثمار الجيد لما تقدّمه له هذه التقنية الرقمية؟
وما هي وسيلته للتأثير والتأثّر في الآخر ثقافياً؟
نبدأ من السؤال الأخير الذي ننطلق منه لمواجهة سيل الأسئلة التي تستثير عقولنا، فنرى انتشاراً واسعاً لما يُسمّى بالمنتديات الثقافية.. فما هي هذه المنتديات؟ وما دورها في حياة المثقّف؟ وما تأثيرها في الآخرين؟ كيف تعمل وكيف تقيّم؟ وهل تفي بالغرض؟ وإلى أي مدى؟
المنتديات جمع منتدى، وهو المكان الذي يطرح فيه نوع متخصص من مواضيع معينة، من قبل أناس مختصّين بهذا النوع، وتناقش هذه المواضيع من أهل الخبرة، ويستطيع فيها الناس العاديون التعليق على تلك المواضيع ذات الاختصاص، وطرح أسئلتهم على من يعنيهم الأمر، لينشأ نوع من النقاش الثقافي حول الموضوع المطروح أو الفكرة المطروحة.
وفي أغلب الأحيان يدور النقاش بين أناس تدخل هذه المواضيع في مجال تخصّصهم. مثلاً في منتدى الشعر يضع كتّاب الشعر أشعارهم لتناقش معهم من قبل الآخرين. وحتى الشعر يكون له أكثر من منتدى، فهنالك منتدى الشعر الموزون، ومنتدى الشعر المنثور، وآخر للشعر العامي.. وهكذا.
مثل هذا المنتدى يدخل ضمن المنتديات الأدبية التي تعنى بالشأن الأدبي، وتتضمّن أيضاً منتديات للقصة على أنواعها وغير ذلك من الأنواع الأدبية، بحيث يخصّص لكل نوع منها منتدى تطرح فيه وتناقش من خلاله.
هنالك أيضاً المنتديات الثقافية التي يدخل في إطارها كل ما هو متعلق بأمور الثقافة العامة، وما يتعلّق بالحوار أو الأمور العلمية، من صحة وتكنولوجيا وغير ذلك.
كما يوجد في المنتديات مساحة معينة تفرز لمعالجة قضايا ساخنة أو ملحة أو محورية بحسب توجّه المنتدى ورغبته.
عادة يكون لكل منتدى مراقب أو أكثر، يُعين من قبل الهيئة الإدارية للمنتدى، ويشرف على مراقبة المواضيع التي يقوم العضو المشترك بإدراجها ضمن منتداه، ويكون دوره أن يرى مدى صلاحيتها في المنتدى، وما إذا كانت مكتوبة وفقاً لشروط الانتساب إلى هذا المنتدى، إذ ان لكل منتدى شروطا وقوانين تخصه في التطبيق، ولا تكون بالضرورة هي ذاتها في كل المنتديات. هذه الشروط توضع من قبل القيمين على إدارة المنتدى وبمواصفات تتناسب مع الغاية التي أقيم من أجلها، فتقوم بفرض ضوابط والتزامات على المشتركين لا يمكنهم تجاوزها، لأنه في حال تجاوزها تتخذ بحق العضو المخالف إجراءات تحددها الإدارة، تبدأ بالتحذير وقد تنتهي بإيقاف عضوية الشخص المخالف. ومن المعلوم أن مثل هذه التدابير المشدّدة تظهر خاصة في بعض المنتديات التي تحترم نفسها وتحترم المنتسبين إليها، وتحترم الخط الثقافي والفكري الذي تنتمي إليه. فمع امكانية دخول أي شخص إلى أي منتدى من دون أن يكون هنالك معرفة مسبقة بهذا الشخص، ومن دون إمكانية معرفة مدى مصداقيته في التعاطي، يمكن أن يدخل بعض الأشخاص الذين قد لا تعجبهم سياسة معينة أو فكرة معينة أو حتى شخص معين، ويقوموا بكتابة مشاركات تخلّ بموضوعية المنتدى.. لذلك كان لا بد من وجود تدابير احترازية في وجه من تسوّل له نفسه مثل تلك الارتكابات.
وتختلف الممنوعات من منتدى لآخر تبعاً للأغراض التي يقوم عليها هذا المنتدى أو ذاك.
ومجموعة المنتديات هذه التي تديرها هيئة إدارية موحّدة، عادة ما تكون تابعة لموقع ثقافي معين أو مجلة معينة، وتختلف المنتديات الثقافية عن الموقع الأم بأنها عادة ما تكون هي مكان النقاش والحوار، في حين أن الموقع الأصلي قد يفسح المكان لردود محدودة حول ما يوضع فيه من مواضيع، أو يكون مجلة للتصفح كما المجلات الورقية، لكنها إلكترونية، يمكن للمرء أن يقرأها فقط.. وبذلك نرى أن المنتديات تتجه لأن تحل محل الصالونات الثقافية التي كانت تعقد في الواقع بين مجموعة من المثقفين، كتلك التي يجتمع فيها الكتّاب للتداول في أمر كتاباتهم، والشعراء في أمر شعرهم، حيث كان الكاتب يقوم بعرض مادته المكتوبة أمام عدد من المثقفين لتبادل الآراء حولها. كان هذا بلا شك يتطلب جهداً من الكاتب، وأن تكون له حركة فاعلة على الأرض، وأن يتواصل مع الناس ويجد المكان المناسب لعقد مثل تلك الجلسات الحوارية.
الآن جاءت هذه التقنية الرقمية لتسهّل كل هذه الأمور على الكتّاب الذين أصبح بإمكانهم التواصل مع الرأي العام، ليس فقط الذي يحيط بهم، وإنما أيضاً على مستوى العالم، بحيث يمكن للكاتب أن يناقش مادته المكتوبة مع أي شخص في أي مكان من العالم، وأن يعرف رأي الناس العاديين والمثقفين وأصحاب الإختصاص في ما يكتب وهو جالس في غرفته، ولا يحتاج كي يجري كل ذلك التواصل الكبير الا لجهاز الحاسوب واتصاله بالشبكة العنكبوتية التي جعلت العالم قرية صغيرة.. بل إن العالم كله بات محصوراً في هذا الجهاز من خلال تلك الشبكة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البعض يأخذ على هذه المنتديات أنها تتحوّل أحياناً إلى مكان للمجاملات بعد أن يتعرّف المشتركون في المنتدى ذاته بعضهم الى بعض، بحيث لا يعطى الكاتب حقّه، فيأخذ إما أكثر منه أو أقل.
كما أن البعض يأخذ على هذه المنتديات أنها خفّفت كثيراً من التلاقي الإنساني بين المثقّفين، ذلك التواصل الذي كان يعقد بشكل فعلي على الأرض، والذي يأسف البعض لضياع مثل فرص ذلك التلاقي، معتبرا أن التواصل بالأفكار والحوار عبر المنتديات الثقافية يجب أن لا يغني عن التواصل الإنساني.
إن المنتديات العربية المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية برغم كثرتها وتعدّدها، ما زالت في طور انطلاقاتها الأولى، وما زالت قليلة إذا ما قيست بوجودها على المستوى العالمي، سواء من حيث العدد أو التنظيم أو غير ذلك، ربما لأن الانطلاق نحو استخدام الشبكة العنكبوتية ما زال في بداياته. كما أن هنالك شريحة كبيرة من المواطنين العرب هم إما ممّن يعانون الأمية وإما لا يملكون امكانية الاستفادة من هذه التقنية الرقمية، لا مادياً ولا من خلال امكانية التدريب على استخدامها، بسبب تقصير الدول في هذا المجال.
ومع ذلك فقد أمّنت الشبكة العنكبوتية للعديد من المثقّفين والكتّاب العرب الكثير من الخدمات من خلال المواقع والمنتديات الثقافية، ووفّرت عليهم الكثير من المشاق من خلال إعطائهم فرصة لنشر نتاجهم الأدبي على نطاق واسع، سيما لأولئك الذين يملكون طاقات ابداعية ولا يملكون امكانية نشرها ورقياً. كما أن طريقة النشر تجري بسهولة فائقة ولا تحتاج إلى تقنيات معقّدة، ويستطيع الكاتب أن ينشر تلك المواد بالطريقة التي تعجبه، ولكن عليه بالتأكيد أن يلتزم قوانين المواقع أو المنتديات التي ينتسب إليها وينشر مادته الكتابية فيها.
ولا يخفى على أحد مدى أهمية النشر الإلكتروني نظراً لتوجه الجيل الجديد نحو هذه التقنية الرقمية بكل طاقاته، وانتشار الثقافة الرقمية بشكل يسيطر على معظم الشباب المتعلم والمثقّف. كما أن هذا النوع من التواصل يخلق تفاعلاً كبيراً بين الشباب على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم التي تتفاعل في ما بينها في خطاب حواري يتّخذ شكلاً رصيناً وهادفاً في بعض الأماكن، وقد يعنف في أماكن أخرى، ويبقى ذلك مرهوناً بمستوى هذه المنتديات الذي يتدرّج من جيد إلى أكثر جودة. مع العلم بأن هنالك الكثير من المنتديات تكون مستوياتها الثقافية متدنية جداً إذا ما قورنت بغيرها.
فهنالك منتديات تتسم بالرقي في التعامل بين المنتسبين إليها، إذ حتى في حالات الخلاف والاختلاف في الفكر أو في الآراء، تبقى الأجواء هادئة ورصينة وراقية، وعادة ما يكون المنتسبون إليها هم نخبة المثقّفين الذين يجيدون التعامل الراقي في المجتمع. ويهبط مستوى المنتديات الثقافية بشكل نسبي يتأثّر بطبيعة ثقافة المنتسبين إليها وطريقة تعاطيهم في ما بينهم. كما يتأثر مستوى هذه المنتديات بمستوى المواد المنشورة فيها، فتكون خفيفة في بعضها أو ثمينة في البعض الآخر.
خلاصة القول، إن تطور التقنية الرقمية فتح آفاقاً جديدة أمام الناس، والمنتديات الثقافية تشكّل واحداً من أهم عناصر تواصل المثقّفين عبر هذه التقنية الرقمية، بل تشكّل بالنسبة اليهم عالماً قائماً بذاته مؤثّراً بفاعليته، ولعلّه يصبح أكثر فاعلية وتأثيراً عندما تتمكن معظم الشعوب العربية من امتلاك هذه التقنية للاستفادة مما تقدّمه من إمكانات هائلة على المستوى الثقافي لكل الراغبين في مثل هذا التفاعل.
مجلة الانتقاد ألألكترونية العدد 1243
ويهبط مستوى المنتديات الثقافية بشكل نسبي يتأثّر بطبيعة ثقافة المنتسبين إليها وطريقة تعاطيهم في ما بينهم
عندما تتحول الصالونات الثقافية إلى الإنترنت هل تستطيع التقنية أن تؤدّي دوراً ما في المشهد الثقافي ليومنا الحاضر؟
وما مدى فاعلية هذا الدور؟ وما مدى تأثيره؟
وهل تمكّن المثقّف العربي من الاستثمار الجيد لما تقدّمه له هذه التقنية الرقمية؟
وما هي وسيلته للتأثير والتأثّر في الآخر ثقافياً؟
نبدأ من السؤال الأخير الذي ننطلق منه لمواجهة سيل الأسئلة التي تستثير عقولنا، فنرى انتشاراً واسعاً لما يُسمّى بالمنتديات الثقافية.. فما هي هذه المنتديات؟ وما دورها في حياة المثقّف؟ وما تأثيرها في الآخرين؟ كيف تعمل وكيف تقيّم؟ وهل تفي بالغرض؟ وإلى أي مدى؟
المنتديات جمع منتدى، وهو المكان الذي يطرح فيه نوع متخصص من مواضيع معينة، من قبل أناس مختصّين بهذا النوع، وتناقش هذه المواضيع من أهل الخبرة، ويستطيع فيها الناس العاديون التعليق على تلك المواضيع ذات الاختصاص، وطرح أسئلتهم على من يعنيهم الأمر، لينشأ نوع من النقاش الثقافي حول الموضوع المطروح أو الفكرة المطروحة.
وفي أغلب الأحيان يدور النقاش بين أناس تدخل هذه المواضيع في مجال تخصّصهم. مثلاً في منتدى الشعر يضع كتّاب الشعر أشعارهم لتناقش معهم من قبل الآخرين. وحتى الشعر يكون له أكثر من منتدى، فهنالك منتدى الشعر الموزون، ومنتدى الشعر المنثور، وآخر للشعر العامي.. وهكذا.
مثل هذا المنتدى يدخل ضمن المنتديات الأدبية التي تعنى بالشأن الأدبي، وتتضمّن أيضاً منتديات للقصة على أنواعها وغير ذلك من الأنواع الأدبية، بحيث يخصّص لكل نوع منها منتدى تطرح فيه وتناقش من خلاله.
هنالك أيضاً المنتديات الثقافية التي يدخل في إطارها كل ما هو متعلق بأمور الثقافة العامة، وما يتعلّق بالحوار أو الأمور العلمية، من صحة وتكنولوجيا وغير ذلك.
كما يوجد في المنتديات مساحة معينة تفرز لمعالجة قضايا ساخنة أو ملحة أو محورية بحسب توجّه المنتدى ورغبته.
عادة يكون لكل منتدى مراقب أو أكثر، يُعين من قبل الهيئة الإدارية للمنتدى، ويشرف على مراقبة المواضيع التي يقوم العضو المشترك بإدراجها ضمن منتداه، ويكون دوره أن يرى مدى صلاحيتها في المنتدى، وما إذا كانت مكتوبة وفقاً لشروط الانتساب إلى هذا المنتدى، إذ ان لكل منتدى شروطا وقوانين تخصه في التطبيق، ولا تكون بالضرورة هي ذاتها في كل المنتديات. هذه الشروط توضع من قبل القيمين على إدارة المنتدى وبمواصفات تتناسب مع الغاية التي أقيم من أجلها، فتقوم بفرض ضوابط والتزامات على المشتركين لا يمكنهم تجاوزها، لأنه في حال تجاوزها تتخذ بحق العضو المخالف إجراءات تحددها الإدارة، تبدأ بالتحذير وقد تنتهي بإيقاف عضوية الشخص المخالف. ومن المعلوم أن مثل هذه التدابير المشدّدة تظهر خاصة في بعض المنتديات التي تحترم نفسها وتحترم المنتسبين إليها، وتحترم الخط الثقافي والفكري الذي تنتمي إليه. فمع امكانية دخول أي شخص إلى أي منتدى من دون أن يكون هنالك معرفة مسبقة بهذا الشخص، ومن دون إمكانية معرفة مدى مصداقيته في التعاطي، يمكن أن يدخل بعض الأشخاص الذين قد لا تعجبهم سياسة معينة أو فكرة معينة أو حتى شخص معين، ويقوموا بكتابة مشاركات تخلّ بموضوعية المنتدى.. لذلك كان لا بد من وجود تدابير احترازية في وجه من تسوّل له نفسه مثل تلك الارتكابات.
وتختلف الممنوعات من منتدى لآخر تبعاً للأغراض التي يقوم عليها هذا المنتدى أو ذاك.
ومجموعة المنتديات هذه التي تديرها هيئة إدارية موحّدة، عادة ما تكون تابعة لموقع ثقافي معين أو مجلة معينة، وتختلف المنتديات الثقافية عن الموقع الأم بأنها عادة ما تكون هي مكان النقاش والحوار، في حين أن الموقع الأصلي قد يفسح المكان لردود محدودة حول ما يوضع فيه من مواضيع، أو يكون مجلة للتصفح كما المجلات الورقية، لكنها إلكترونية، يمكن للمرء أن يقرأها فقط.. وبذلك نرى أن المنتديات تتجه لأن تحل محل الصالونات الثقافية التي كانت تعقد في الواقع بين مجموعة من المثقفين، كتلك التي يجتمع فيها الكتّاب للتداول في أمر كتاباتهم، والشعراء في أمر شعرهم، حيث كان الكاتب يقوم بعرض مادته المكتوبة أمام عدد من المثقفين لتبادل الآراء حولها. كان هذا بلا شك يتطلب جهداً من الكاتب، وأن تكون له حركة فاعلة على الأرض، وأن يتواصل مع الناس ويجد المكان المناسب لعقد مثل تلك الجلسات الحوارية.
الآن جاءت هذه التقنية الرقمية لتسهّل كل هذه الأمور على الكتّاب الذين أصبح بإمكانهم التواصل مع الرأي العام، ليس فقط الذي يحيط بهم، وإنما أيضاً على مستوى العالم، بحيث يمكن للكاتب أن يناقش مادته المكتوبة مع أي شخص في أي مكان من العالم، وأن يعرف رأي الناس العاديين والمثقفين وأصحاب الإختصاص في ما يكتب وهو جالس في غرفته، ولا يحتاج كي يجري كل ذلك التواصل الكبير الا لجهاز الحاسوب واتصاله بالشبكة العنكبوتية التي جعلت العالم قرية صغيرة.. بل إن العالم كله بات محصوراً في هذا الجهاز من خلال تلك الشبكة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البعض يأخذ على هذه المنتديات أنها تتحوّل أحياناً إلى مكان للمجاملات بعد أن يتعرّف المشتركون في المنتدى ذاته بعضهم الى بعض، بحيث لا يعطى الكاتب حقّه، فيأخذ إما أكثر منه أو أقل.
كما أن البعض يأخذ على هذه المنتديات أنها خفّفت كثيراً من التلاقي الإنساني بين المثقّفين، ذلك التواصل الذي كان يعقد بشكل فعلي على الأرض، والذي يأسف البعض لضياع مثل فرص ذلك التلاقي، معتبرا أن التواصل بالأفكار والحوار عبر المنتديات الثقافية يجب أن لا يغني عن التواصل الإنساني.
إن المنتديات العربية المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية برغم كثرتها وتعدّدها، ما زالت في طور انطلاقاتها الأولى، وما زالت قليلة إذا ما قيست بوجودها على المستوى العالمي، سواء من حيث العدد أو التنظيم أو غير ذلك، ربما لأن الانطلاق نحو استخدام الشبكة العنكبوتية ما زال في بداياته. كما أن هنالك شريحة كبيرة من المواطنين العرب هم إما ممّن يعانون الأمية وإما لا يملكون امكانية الاستفادة من هذه التقنية الرقمية، لا مادياً ولا من خلال امكانية التدريب على استخدامها، بسبب تقصير الدول في هذا المجال.
ومع ذلك فقد أمّنت الشبكة العنكبوتية للعديد من المثقّفين والكتّاب العرب الكثير من الخدمات من خلال المواقع والمنتديات الثقافية، ووفّرت عليهم الكثير من المشاق من خلال إعطائهم فرصة لنشر نتاجهم الأدبي على نطاق واسع، سيما لأولئك الذين يملكون طاقات ابداعية ولا يملكون امكانية نشرها ورقياً. كما أن طريقة النشر تجري بسهولة فائقة ولا تحتاج إلى تقنيات معقّدة، ويستطيع الكاتب أن ينشر تلك المواد بالطريقة التي تعجبه، ولكن عليه بالتأكيد أن يلتزم قوانين المواقع أو المنتديات التي ينتسب إليها وينشر مادته الكتابية فيها.
ولا يخفى على أحد مدى أهمية النشر الإلكتروني نظراً لتوجه الجيل الجديد نحو هذه التقنية الرقمية بكل طاقاته، وانتشار الثقافة الرقمية بشكل يسيطر على معظم الشباب المتعلم والمثقّف. كما أن هذا النوع من التواصل يخلق تفاعلاً كبيراً بين الشباب على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم التي تتفاعل في ما بينها في خطاب حواري يتّخذ شكلاً رصيناً وهادفاً في بعض الأماكن، وقد يعنف في أماكن أخرى، ويبقى ذلك مرهوناً بمستوى هذه المنتديات الذي يتدرّج من جيد إلى أكثر جودة. مع العلم بأن هنالك الكثير من المنتديات تكون مستوياتها الثقافية متدنية جداً إذا ما قورنت بغيرها.
فهنالك منتديات تتسم بالرقي في التعامل بين المنتسبين إليها، إذ حتى في حالات الخلاف والاختلاف في الفكر أو في الآراء، تبقى الأجواء هادئة ورصينة وراقية، وعادة ما يكون المنتسبون إليها هم نخبة المثقّفين الذين يجيدون التعامل الراقي في المجتمع. ويهبط مستوى المنتديات الثقافية بشكل نسبي يتأثّر بطبيعة ثقافة المنتسبين إليها وطريقة تعاطيهم في ما بينهم. كما يتأثر مستوى هذه المنتديات بمستوى المواد المنشورة فيها، فتكون خفيفة في بعضها أو ثمينة في البعض الآخر.
خلاصة القول، إن تطور التقنية الرقمية فتح آفاقاً جديدة أمام الناس، والمنتديات الثقافية تشكّل واحداً من أهم عناصر تواصل المثقّفين عبر هذه التقنية الرقمية، بل تشكّل بالنسبة اليهم عالماً قائماً بذاته مؤثّراً بفاعليته، ولعلّه يصبح أكثر فاعلية وتأثيراً عندما تتمكن معظم الشعوب العربية من امتلاك هذه التقنية للاستفادة مما تقدّمه من إمكانات هائلة على المستوى الثقافي لكل الراغبين في مثل هذا التفاعل.
مجلة الانتقاد ألألكترونية العدد 1243
تعليق