سُورَةُ العَصرْ سُورَةٌ مُبَارَكَة لَخَصَّتْ قِيَمِ القُرآنْ فِيِّ كَلِمَاتٍ مُوجَزَة فَهِيَّ جَامِعَةٌ لِحَقَائِقِ الذِكر فِِيِّ ثَلاثْ آيَاتْ ، وَ لِهَذَا قَالَّ عَنهَا الشَافِعِيِّ : " لَو لَمْ يُنزِل اللهَ سُوى هَذِهِ السُورَة لَكَفَتِ النَاسْ " 1 .
وَ وَصَفَهَا الأُستَاذ آيةِ الله العُظْمَى المُدَرِسِيِّ بِأَنَهَا : " عُصَارَةٌ لِبَصَائِرِ الذِكرْ " 2 . ، وَ قَالَّ عَنهَا العَلامَة الطَبَاطِبَائِيِّ : " تُلَخِّصُ السُورَة جَمِيعِ المَعَارِفُ القُرآنِيَة ، وَ تَجمعُ شِتَاتَّ مَقَاصِدِ القُرآنْ فِيِّ أَوجَزِ بَيَانْ " 3 .
فِيِّ الآيَةِ الأَخِيرَة مِنْ سُورَةِ العَصرْ استثنَاءٌ يَنْبَغِيِّ التَنَبُهِ لَه إذْ أَنَهُ جَاءَ بِصُورَةٍ جَمعِيَة ، لا فَردِيَة لِمَاذَا ؟
لِمَ لَمْ يَقُلْ مَثَلًا : ( إِلا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَّ الصَالِحَاتْ وَ تَوَاصَى ) بِصِيغَةِ الفَردْ ؟
رُبَمَا للإِشَارَة إِلى أَنَّ التَخَلُّصِ مِنَ الخُسرَانْ الشَاملْ لِكُلِ إِنسَانْ وَ الرِبحِ وَ الفَوزْ لا يَتَحَقَقُ لـِ فَردٍ بِوَحدَه ، إِذْ أَنَّ النَاسَّ يُؤَثِرُ بَعضَهُمْ عَلى بَعض سَلبًا وَ إِيجَابًا ، فَلا يُتَصَّوَرُ أَحَدٌ أَنَهُ سَيَنْجُو لَو لَمْ يَصْلُح سُوى نَفسَه وَ لَمْ يَهتَمْ إِلاَّ بِذَاتَه وَ لَمْ يَنْشَغِلْ إِلاَّ بِشَأَنَه ، فَإِذَا مَا فَكَرَّ الإِنسَانُ فِيِّ الاِنزِوَاءْ وَ الاعْتِزَال ، وَ لَمْ يُبَالِ بِشُؤونِ مُجْتَمَعَه وَ العَالَمِ مِنْ حَوَلَه أَ صَلُحَّ أمْ فَسَد فَلا شَكْ أَنَّ تَيَارِ الخَسَارَة الجَارِف وَ سَيلِ الضَّالِينِ الحَيَارَى العَارِمْ سَيُبْعِدُهُ يَومًا عَنِ الصَلاحِ وَ يُخَرِّبُ تَدَيُنَه .
وِ مِنْ ذَلكْ نَعْرِفُ ضَرُورَةِ التَعَاونْ عَلَى البِرِ وَ التَقْوَى وَ الاتِحَّادِ وَ التَكَاتفْ ، وَ أَهَمِيَةِ التَوَاصِّيّ وَ الأَمرِ بالمَعْرُوف وَ النَهيِّ عَنِ المُنْكَرْ .
يَقُولِ الأُستَاذ المُدَرِسِيِّ : " التَوَاصِيِّ وَمضَةُ رُوح ، وَ إِشرَاقَةُ أَمَل ، وَ عِتَابٌ لَطِيف ، إِنَهُ يَصنَعُ جَوًا إِيمَانِيًا يُسَاعِدُكَّ عَلَى مُمَارَسَةِ وَاجِبَاتِكْ ؛ إِنَهُ يُحْسِنُ التَوَافِقَّ الاجْتِمَاعِيِّ فِيِّ الاتِجَاهِ الصَحِيحْ " .
ثُمَّ يَقُول : " وَ التَوَاصِيِّ يَكُونُ بالحَقِ وَ بالصَبر فَمَا هُمَا ؟ "
وَ يُجِيب : " إِنَّ مَعْرِفَةِ الحَقِ بِحَاجَةٍ إِلى مُسَاعَدَةِ الصَالِحِينْ فَهُمْ يُرْشِدُونَكَّ إِلَيه وَ يَرفَعُونَّ الغُمُوضَّ الّذِيِّ يُسَبِبَهُ دِعَايَاتُ الضَّالِينْ . وَ إِذَا تَنَاقَضَتِ المَذَاهِبَّ وَ اخْتَلَفَتِ الآرَاءْ وَ تَشَابَهتْ عَلَيكَّ الأَفكَارْ .. هُنَاكْ ، لابُدَّ مِنْ إِرشَادِ العُلَمَاءَ الصَالِحِينْ ، وَ المُؤمِنِينِ الوَاعِينْ ، وَ تَوَاصِيهِمْ بالحَقْ .
فَإِذَا عَرفْتَّ الحَقْ كَانَّ الوُقُوفُ إِلى جَانِبَه وَ الدِفَاعِ عَنه ، وَ الاستِقَامَةِ عَلَيه بِحَاجَةٍ إِلى صَبرٍ عَظِيمْ ، يَتَوَاصَّى بِهِ المُؤمِنِونْ حَتّى لا يَنْهَارْ بَعضُهُمْ أَمَامَّ شَدَائِدَّ الزَمَنْ " 4. " 5 .
1] مُحَّمَد عَلِيِّ الصَابُونِيِّ .. صَفْوَةِ التَفَاسِيرْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ 1406 هـ ) ج/3 ص/944 .
2] السَيد مُحَّمَد تَقِيِّ المُدَرِسِيِّ .. مِنْ هُدَى القُرآنْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ دَارِ البَيَانِ العَرَبِيِّ 1410 هـ ) ج/18 ص/323 .
3] السيد مُحَّمَد حسينِ الطَبَاطِبَائِيِّ .. المِيزَانْ فِيِّ تَفْسِيرِ القُرآنْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ مُؤسَسَةِ الأَعلَمِيِّ 1417 هـ ) ج/20 ص/408 .
4] السَيد مُحَّمَد تَقِيِّ المُدَرِسِيِّ .. المَصدَرِ السَابقْ ، ج/18 ص/ 337 .
5] الشَيخ مُحَّمَد العَوَامِيِّ ..
مَقَال سُورَةِ العَصرْ .. أَنْفَاسُ العُمرْ / أَثمَانُ الجِنَانْ مِنْ مَجَلَة القُرآنُ نُورْ ( مَجَلَةٌ مُتَخَصِصَةٌ تَعْنَى بالشَأَنِ القُرآنِيِّ ) فِيِّ عَدَدِهَا الرَابعْ للسَنَة الثَالِثَة مِنْ عَامْ 1426 هـ .
وَ وَصَفَهَا الأُستَاذ آيةِ الله العُظْمَى المُدَرِسِيِّ بِأَنَهَا : " عُصَارَةٌ لِبَصَائِرِ الذِكرْ " 2 . ، وَ قَالَّ عَنهَا العَلامَة الطَبَاطِبَائِيِّ : " تُلَخِّصُ السُورَة جَمِيعِ المَعَارِفُ القُرآنِيَة ، وَ تَجمعُ شِتَاتَّ مَقَاصِدِ القُرآنْ فِيِّ أَوجَزِ بَيَانْ " 3 .
فِيِّ الآيَةِ الأَخِيرَة مِنْ سُورَةِ العَصرْ استثنَاءٌ يَنْبَغِيِّ التَنَبُهِ لَه إذْ أَنَهُ جَاءَ بِصُورَةٍ جَمعِيَة ، لا فَردِيَة لِمَاذَا ؟
لِمَ لَمْ يَقُلْ مَثَلًا : ( إِلا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَّ الصَالِحَاتْ وَ تَوَاصَى ) بِصِيغَةِ الفَردْ ؟
رُبَمَا للإِشَارَة إِلى أَنَّ التَخَلُّصِ مِنَ الخُسرَانْ الشَاملْ لِكُلِ إِنسَانْ وَ الرِبحِ وَ الفَوزْ لا يَتَحَقَقُ لـِ فَردٍ بِوَحدَه ، إِذْ أَنَّ النَاسَّ يُؤَثِرُ بَعضَهُمْ عَلى بَعض سَلبًا وَ إِيجَابًا ، فَلا يُتَصَّوَرُ أَحَدٌ أَنَهُ سَيَنْجُو لَو لَمْ يَصْلُح سُوى نَفسَه وَ لَمْ يَهتَمْ إِلاَّ بِذَاتَه وَ لَمْ يَنْشَغِلْ إِلاَّ بِشَأَنَه ، فَإِذَا مَا فَكَرَّ الإِنسَانُ فِيِّ الاِنزِوَاءْ وَ الاعْتِزَال ، وَ لَمْ يُبَالِ بِشُؤونِ مُجْتَمَعَه وَ العَالَمِ مِنْ حَوَلَه أَ صَلُحَّ أمْ فَسَد فَلا شَكْ أَنَّ تَيَارِ الخَسَارَة الجَارِف وَ سَيلِ الضَّالِينِ الحَيَارَى العَارِمْ سَيُبْعِدُهُ يَومًا عَنِ الصَلاحِ وَ يُخَرِّبُ تَدَيُنَه .
وِ مِنْ ذَلكْ نَعْرِفُ ضَرُورَةِ التَعَاونْ عَلَى البِرِ وَ التَقْوَى وَ الاتِحَّادِ وَ التَكَاتفْ ، وَ أَهَمِيَةِ التَوَاصِّيّ وَ الأَمرِ بالمَعْرُوف وَ النَهيِّ عَنِ المُنْكَرْ .
يَقُولِ الأُستَاذ المُدَرِسِيِّ : " التَوَاصِيِّ وَمضَةُ رُوح ، وَ إِشرَاقَةُ أَمَل ، وَ عِتَابٌ لَطِيف ، إِنَهُ يَصنَعُ جَوًا إِيمَانِيًا يُسَاعِدُكَّ عَلَى مُمَارَسَةِ وَاجِبَاتِكْ ؛ إِنَهُ يُحْسِنُ التَوَافِقَّ الاجْتِمَاعِيِّ فِيِّ الاتِجَاهِ الصَحِيحْ " .
ثُمَّ يَقُول : " وَ التَوَاصِيِّ يَكُونُ بالحَقِ وَ بالصَبر فَمَا هُمَا ؟ "
وَ يُجِيب : " إِنَّ مَعْرِفَةِ الحَقِ بِحَاجَةٍ إِلى مُسَاعَدَةِ الصَالِحِينْ فَهُمْ يُرْشِدُونَكَّ إِلَيه وَ يَرفَعُونَّ الغُمُوضَّ الّذِيِّ يُسَبِبَهُ دِعَايَاتُ الضَّالِينْ . وَ إِذَا تَنَاقَضَتِ المَذَاهِبَّ وَ اخْتَلَفَتِ الآرَاءْ وَ تَشَابَهتْ عَلَيكَّ الأَفكَارْ .. هُنَاكْ ، لابُدَّ مِنْ إِرشَادِ العُلَمَاءَ الصَالِحِينْ ، وَ المُؤمِنِينِ الوَاعِينْ ، وَ تَوَاصِيهِمْ بالحَقْ .
فَإِذَا عَرفْتَّ الحَقْ كَانَّ الوُقُوفُ إِلى جَانِبَه وَ الدِفَاعِ عَنه ، وَ الاستِقَامَةِ عَلَيه بِحَاجَةٍ إِلى صَبرٍ عَظِيمْ ، يَتَوَاصَّى بِهِ المُؤمِنِونْ حَتّى لا يَنْهَارْ بَعضُهُمْ أَمَامَّ شَدَائِدَّ الزَمَنْ " 4. " 5 .
1] مُحَّمَد عَلِيِّ الصَابُونِيِّ .. صَفْوَةِ التَفَاسِيرْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ 1406 هـ ) ج/3 ص/944 .
2] السَيد مُحَّمَد تَقِيِّ المُدَرِسِيِّ .. مِنْ هُدَى القُرآنْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ دَارِ البَيَانِ العَرَبِيِّ 1410 هـ ) ج/18 ص/323 .
3] السيد مُحَّمَد حسينِ الطَبَاطِبَائِيِّ .. المِيزَانْ فِيِّ تَفْسِيرِ القُرآنْ ، ط/1 ( بَيرُوتْ مُؤسَسَةِ الأَعلَمِيِّ 1417 هـ ) ج/20 ص/408 .
4] السَيد مُحَّمَد تَقِيِّ المُدَرِسِيِّ .. المَصدَرِ السَابقْ ، ج/18 ص/ 337 .
5] الشَيخ مُحَّمَد العَوَامِيِّ ..
مَقَال سُورَةِ العَصرْ .. أَنْفَاسُ العُمرْ / أَثمَانُ الجِنَانْ مِنْ مَجَلَة القُرآنُ نُورْ ( مَجَلَةٌ مُتَخَصِصَةٌ تَعْنَى بالشَأَنِ القُرآنِيِّ ) فِيِّ عَدَدِهَا الرَابعْ للسَنَة الثَالِثَة مِنْ عَامْ 1426 هـ .
تعليق