
وَمّاعَرضْنا عَليكُم هذا التَفسيرُ إلاّ لِكُثرَةِ الأسْئِلةِ الشائِعَةِ مِنَ
الناسِ فِي كُـلِّ يَـومٍ وَساعَةٍ ضانِـينَ كَأنَ دِينَهُـم تَخَلْخَلَ بـِها
قَـَبْلَ الخَوضِ فِي تَفسِير آيَـة الحَـرث أوْدُ أنْ أُبَـيَّنَ لكُم رَأي
عُلماء شِيعَتِنا حَتى يَـتبَيَّنَ لَكُم تَفسِيرُنا لِلآيَتِينِ,, وَكَمّا يَلِي
قالَ الشَيخُ الطُوسِي قُدِسَ سِرَهُ (يُكْرَه إتيان النِساء فِي أدبارهِنَ وَلَيْسَ
ذلِكَ بمَحظُورٍ) يَعنِيِ بِكَلامِهِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ,,
ثـُمَ قالَ: دَلِيلـُنا إجْماع الفرقَََةِ وَأخبارهِم, وَأيْضاً الأصْل الإباحَة وَالمَنعُ
يَحتاج إلى دَلِيلٍ: وَمِنْ هـذا اسْتَندُوا عُلماء الشِيعَة عَلى قَـَوْل الطُوسِي
وَقالُوا لَيْسَ لَديْنا دَلِيلٌ عَلى حُرمَةِ إتيانِ المَرأة مِنْ دُبرها,,
أقول كَيْفَ لِي وَأنا الشَيخُ الحَجاري في نَظرِ مَنْ لَمْ يَعرفَ
قَـَدرَنا بأنَنِي أقََـَلُ مِـنَ العُلماءِ وَالفـُقهاءِ عِلْـماً اسْتَخرَجْتُ
لِمَذهَبِنا ثَمانيَة دَلائِـلٍ مّا بَيْنَ آيَـةٍ مِنْ باطِـنِ القـُرآنِ وَبَيْنَ
روايَـةِ إمـامٍ مَعـْصُومٍ بِتَحريم إتـْيان المَـرأةِ مِـنْ دُبـرها,,
ولِلمَزيدِ مِنْ المَعلُوماتِ ابْحَثـُوا عَنْ الدَلِيلِ ضِداً لِتَفسِيرِنا

(سُورَة البَقرَة المُجَلد الثانِي مِن تفسِير القرآن
تَفسِير آيَــة الحَيْض والحَرث)

وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قـُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
نِِسَاؤُكُمْ حَـرْثٌ لَكُمْ فَأْتـُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَـدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقـُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

تَفسِيرٌ (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) رَوِّيَ عَن حَدَثِ هـذِهِ الآيَة إنَها نَزَلَت
فِي ثَلاثَةِ فـرَقٍ: بأنَ اليَهُـودَ وَالمَجُوسَ كانـُوا يَجتَنِبُونَ مُساكَنَة المَرأة
حال حَيْضِها بَعكْـسِ النَصارى كانـُوا يُجامِعُونَهُن بالحَيْضِ,, وَأمّا أهْـل
الجاهِلِيَة فِـي مَكَـةَ اسْتَـندُوا بسُـنَّةِ بنِّـي إِسْرائِـيلَ لا شِـرُوعاً, وَإنَما إذا
حاضَّت المَرأةُ لَمْ يُؤاكِلُوها, وَلاّ يُشارِبُوها, وَلَمْ يُجالِسُوها عَلى فـرشٍ
مَعَهُم, وَمِن ثُمَ اعتَزَلُوا الوِّطءَ فِي الفَرجِ وَيَأتُونَهُنَ فِي أدبارَهِن لِحِين
انقِطاعِ مُدَةِ الحَيْضِ فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ سَألَ المُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلى
اللهُ عَليهِ وَآلِهِ قَالَ اتَقُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ فَإِنَّ الجُذَامَ يَكُونُ مِنْ أَوْلادِ
المَحِيضِ, يَقصِـدُ النَبِّي: أنَ المَحِيضَ هُـوَ نـَزْفُ النِساءِ المُعتادِ فـَيَكُونُ
اسْماً وَمَصْدَراً,, والحَِيْضَةُ الـدَّمُ نَفسَـهُ, وَالمَـرأةُ الحائِض هـِيَّ خِـلافُ
المُسْتَحاضَة لاّ يَرْقَأ ُدَمّ حَيْضها وَلاّ يَسِيلُ مِنَ المَحِيضِ وَلكِنَهُ يَسِيلُ مِنْ
عِرْقٍٍ يُقال لَهُ العاذِل وَلَهُ شُرُوعاً غـَير شَرائِعِ الحَيْضِ فأنزَلَ اللـَّهُ عَلى
نَبيهِ مُحَمدٍ وَقالَ (قُلْ هُوَ أَذىً) الآيَة تُبَيِّنُ أنَ وطْئَ المَرأةُ في الدَّمِ ذنْبٌ
عَظِيمٌ لاّ يُكَفَرَ عَنهُ بالمالِ, بَلْ يُتاب مِنْهُ بِعَدمِ العَودَةِ إلَيه،,
يَعنِي قُلْ يامُحَمد أنَ المَحِيضَ هُوَ الضَّررُ أوْ الأذى الطارئُ عَلى الشَيءِ
الغَيرُ المُلازمِ لِطبْعِهِ, لأنَ المَرأةَ تَحِيضُ فِي عِلْمِ اللـَّهِ تَعالى وَهُوَ كِنايَةٌ
فِي عَـدَمِ مُباشَرتَهُنَ فِي الحَيْضِ الذِي يُسَّمى دَّمُ الطَمَث فالتَزمُوا حدُودَ
اللهِ تَعالى مِنْ وَقوعِهِ لأنَ الحَيْضَ غَيرُ طاهِرٍ وَما تَصَرفَ مِنهُ مِنْ اسْمٍ
وَفِعْلٍ وَمَصْدَرٍ وَمَوْضِعٍ وَزمَانٍ وَهَيْئةٍ: وَكَمّا أنَهُ لاّ تـُقبَلَ صَلاةُ وَصِيامُ
الحائِض التِي بَلَغـَت سِـنَّ المَحِيضَ وَجَـرى عَليْها الحِكْمُ وَلـَمْ يُـرَِدْ أيام
حَيْضِها إلاّ في عِلْمِ اللهِ تَعالى إذا قََعدَّت أيّام حَيْضها تَنْتَظرُ انْقِطاع الدَّم
ثلاثاً أوْ سَبْعاً أوْ تِسْعاً فأنزَلَ اللهُ وَقال (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)
يَعنِي: فاجْتَنِبُوا مُجامَعَةُ الحائِضاتِ,, فَلَمّا عَلِـمَ المُسْلِمُونَ بنِزُولِ هـذِهِ
الآيَة أخَذُوا بظواهِرها الاعتِزالُ فأخْرَجُوهِنَ مِنْ بيُوتِهِم: فقالَ ناسٌ مِنَ
الأعرابِ يا رَسُولَ اللهِ البَردُ شَدِيدٌ وَالثيابُ قلِيلَة فإنْ آثَرناهُنَ هَلكَ سائِرُ
أهْل البَيْت, وَإن اسْتأثَرنا بها هَلكَت الحَيْض: فقالَ النَبِّي صَلى اللهُ عَليهِ
وَآلِهِ وَسَلم: إنمّا أمِرتـُم أنْ تَعتَزلـُوا مُجامَعَتَهُنَ إذا حِضْنَ وَلـَمْ يَأمِـرَكُم
بإخْراجِهُنَ مِنَ البيُوتِ كَفِعلِ الأعاجِم,,
يَعنِي: المُرادُ مِـنْ قَـَوْلِ النَبِّـي إلى أنْ تـَشِدَّ الحائِضُ إِزارَها, ثـُمَّ الـشَأنُ
بأعلامِ طُهْرِها,, هذا مّا يُوجِب الاعتِزال عَنْ النِساءِ فِي مَوضِعِ الحَيْضِ
لأنَهُ فِيهِ ضَرَرٌ فِي وَطْئِهُنَ كَما أنـْزَلَ اللـَّهُ بِمَنعِهِ: وَقالَ (وَلا تَقْرَبُـوهُنَّ)
التِزاماً لأوامِرِهِ عَزَّ وَجَّل فلاّ تُباشِرُوهُنَ مِنَ العَزْلِ وَالعُزلَةُِ: فعُزِّلَ مـاءُ
الرَجُل عَنْ النِّساءِ حَـذَراً مِنَ العِقابِ, كَمَّا يُقال: عَـزَلَ الشَيءَ عَـزْلاً إذا
نَحَّاهُ وَصَرَفهُ,,
وَالمُرادُ مِنْ مَعنى الآيَة الكَريمَة: هُـوَ عَـزلُ ماءَ الرَجُلِ عَـن إقـْرَارِهِ فِي
فَرْجِ المَرأةِ وَهُوَ مَحلُّهُ المُرادُ بهِ شَرْعاً, وَإنْ كانَ الماءُ لِغيرِ مَحلِّهِ فَهُوَ
تَعريضٌ عَلى حُكْمِ اللهِ بإتيانِ الدُّبرِ,,
(حَتَّى يَطْهُرْنَ) الطُهْرُ هُوَ النَقاءُ مِنَ الحَيْضِ, هُوَ الغُسلُ كَغُسْلِ الجَنابةِ
والطُّهُورُ بالضَمِ التَطَهُّرُ وَهُوَ نَقِيضُ الحَيْض وَنقِيض النَجاسَة وَبالفَتحِ
هُوَ الماءُ الذِي يُتَطهَّر بهِ كالوَضُوءِ وَالطَّهارةُ في الحَدِيثِ عَلى اختِلافِ
تَصرُّفِهِ يُقال طَهَرَ يَطْهُرُ طُهْراً فهُوَ طاهِرٌ: وَالماءُ الطَّهُور في الفِقْهِ هُوَ
الذِي يَرفَعُ الحَدَثَ, ويُزيـلُ النَّجَسَ, فكأنَّهُ تـَنَاهى في الطَّهَارةِ,, وَقـُرئَ
يَطَهَّرنَ لأَنَ مَن قـَرَأَََ يَطْهُرنَ أَرادَ انقطاعُ الدَمِِ،, وَلاّ يَحِلُّ مَسِيسُ الرَجِل
مِنها إِلاّ بالاغتِسالِ فَيَجبُ عَلى المَرأةِ الحائِض أن تَغتَسُلَ بالماءِ الطَّاهِرِ
غَير الطَّهُور فهُوَ الذِي يَرْفَعُ الحَدَثَ ويُزِيلُ النَّجَسَ وَالجنَّب,,
(فَإِذَا تَطَهَّـرْنَ) بَعـدَ غـُسلِ مَحَلِ الدَّمِ وَالبَـدَنِ (فَأْتـُوهُنَّ مِـنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللَّهُ) هذا ألأمْرُ ألإلهِي هُـوَ قطْعيٌ يُفيدُ الجَواز لِوقوعِهِ بعدَ الخَطَرِ وَهُوَ
كِنايَةٌ عَن الجَماعِ بَعدَ غُسلِ النِساءِ مِنَ الحَيْضِ لِيَحُلَّ وَطْؤُهُنَّ فِي مَكَانِ
الحَرْثِ: أيْ مُباشَرتَهُنَ وَطأً كَمّا أمَرَكُم اللهُ تَعالى فِي المَكانِ المُعَّـدِ بَعـدَ
الطُهْر بِهُنَ قـُبِلاً,,
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) التَوابُ هُوَ الذِي لا يَعُود إلى
الذَنبِ بَعدَ رجُوعِهِ إلى اللهِ تَعالى, وَالتَطَهُرُ هُـوَ ألأخذُ لِطَهارَةِ مِنْ حَيثُ
أنَ الطَهارَةَ الكُـبْرى هِـيَّ الغـُسلُ مِـنَ الحَيْـضِ وَالإسْتحاضَـةِ وَالنـَفاسِ
وَالجَنابةِ,, وَبِمّا أنَ اللـَّهَ يُحِبُ التَوابِّينَ مِـنَ الذِنوبِ, وَالمُتَطِهرينَ مِـنَ
العِيُوبِ كَوْنِهِم تَوابِِّينَ مِنَ الزَلاّتِ ومُتَطَهَرينَ مِنَ الغافِلاتِ وَيحِبُ تِكْرارَ
التَوبَةِ بِماءِ الاسْتِغفارِ, وَتـِكْرار التَطهِير بصَّوْبِ ماءِ الخَجَل, لِيُدخِلنَهُم
جَنات النَعِيم,,

(تَفسِيرِ الآيَة الثانِية التِي يَرتَبط مَعناها بالأولى بَعدَ الطُهْرِِ مِنَ الحَيْضِ)
(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(البقرة:223)
الآيَة هُنا تُقَسَم إلى ثَلاثَةِ أقسامٍ الأوَلُ مِنها وَقوْله تَعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ) وّهِيَّ مُسَوَقَةٌ لَنا بِضَربِ المَثلِ وَهُوَ الحَرثُ, وَمَعناهُ بالأصْلِ حَرثُ
ألأرض,, وَكَمّا نَعلمُ أنَ ألأرضَ إذا تَمَ حرَثَها وَسُقِيَت بالماءِ تَحتاجُ إلى
البَذرَةِ كَي تَثـْمِر,, هـذا يَعنِي أنَ المَثلَ القرآنِي قـَرَبَ لَّنا بأنَ المَرأةََ هِيَّ
حَرثٌ لِمَنبَتِ الوَلدِ هكَذا أرادَ اللهُ نسْبَةُ النِساء إلى الحَرْثِ كَنسْبَةِ الحَرثِ
لِمَنبَتِ الزَرعِ,, لأنَ إباحَتُها لِهَيْئاتِ الإِتيانِ كُلِّها إِذا كانَ الوطءُ بِهُنَ في
مَوضِعِ الحَرثِ حَصْراً,,
وَدَلِيلُنا القَطْعِي هُوَ بِمّا قُرِّئَ بِمَصدَرهِ قُرآناً (حَرْثٌ لَكُمْ) فالإِباحَة هُنا لَمْ
تَقَع بالجَواز إِلاّ فِي الفَرْجِ خاصَّة, فأرادَ اللهُ مُباشَرَتَهُنَ فِي مَحَلِ ابتِغاءِ
الوَلَد الذِي هُـوَ مَوضِعِ الفَرج دُونَ غَيْرهِ... وَبالدِلِيلِ الأوَل لِقولِهِ تَعالى
(وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغـُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) (البَقرَة:187)
أيْ: اطَلِبُـوا رزق الوَلد مِنْ نِساءِكُم عَلى حِلِيَةِ الجَوازِ ذلِكَ لمَعنى الآيَةِ
قالَ (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) الفاءُ هُنا تَدِلُ عَلى التَعقِيبِ وَالأمرُ بِها بالفِعلِ (فَأتوا)
أيْ باشِرُوا النِساءَ بِمَوْضِعِ الحِرُوثِ وَهُوَ كِنايَةٌ لِفَرجِِها بَعدَ طُهْرِها مِنَ
المَحَيضِ لاّغيرَهُ فَوَجِبَ إتيانُ الحَرث وَهُوَ كِنايَةٌ فِي تَحريمِ إتيانِ المَرأةِ
مِنْ دُبرها, لأنَ إتيانُها مِن الدُبرِ لَيْسَتُ بِحَقيقَةٍ قرآنِيةٍ وَإنَما خَبَرٌ بَلاغِي
وَقَـَد عَلِمْنا أنَ المَفهُومَ مِنْ قوْلِـهِ تَعالى (أَنَّى شِئْتـُمْ) لاّ دَلِيلَ فِـيهِ لِلوْطءِ
مِنَ النِساءِ فِي مَوضِعِ الدُبْرِ كَما تَوَهَمَ أكْثر المُفسِرينَ بِجَوازِهِ عِندَ فَترَةِ
حَيضِها,, وَالدَلِيلُ النَفِي الثانِي بَتَحريمِ الدُبر لأنَهُ مُرتَبٌ بالفاءِ التَعقِيبيةِ
عَلى قولِهِ تَعالى (فأتـُوا حَرثَكُم) فَثَبَتَ لَدَينا: أنَ الدُبْـرَ لَيْسُ مَحَلَ حَـرثٍ
لِلوِّطءِ مِنْ النِساءِ وَلاَّ يُعتَبَرُ اسْتِمناءٍ لِلجَماعِ كَما ذَهَبَ أغلَب المُفَسِرينَ
بِجَوازِهِ كَنحوِّ جَوازِ عَكْن البَطِن وَفِي الفِخذَينِ والساقيِّن وَمّا بَينَ السِرَةِ
والنَهدَينِ وَنحوِّ ذلِكَ,,
وَأقول هذا صَحِيحٌ مَعَ أنَ الكُلَّ لَيْسَ هُوَ مَحَلُ حَرثٍ لِلجَماعِ وَإنَمّا سُمِّيَّ
اسْتِمْناء,, وَالمَعلـُوم أنَ عَكْـنَ البَطـن وَنَحوِّها مِـنَ الفِخذَيـنِ والساقـَيِّنِ
وَالسُرَةِ والنَهدَينِ لاّ قَذرَةَ فِي كُلٍّ مِنهُما, وَإنَما القَذرُ وَقَعَ فِي الدُبْرِ لأنَهُ
مَوْضِعُ النَجَسِ الدائِمِ والمُلازم مِمّا عَرَفنا مِـنْ قَوْلِـهِ تَعالى قَـَطْعاً: وَقال
(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ) وَالهَدَفُ مِـنْ اعتِزالِ النِساءِ هُـوَ إتِـباعُ أوامِـر اللـَّهِ
ما أمَرَكُم بِتَجَنُبِهِ لِعارضِ الأذى وَهُـوَ الفَرج, وَلاَّ تَعِـدُوه إلى غـَيْرهِ مِنْ
الأعضاءِ القَذِرَةِ الأُخْرى,,

أمّا تَفسِـير الفَصْل الثالث مِـنَ ألآيَـةِ بِقولِـهِ (أَنَّى شِئْتـُمْ) نـَزَلَت لِلإخْتِيارِ
وَهِيَّ مِـنْ أسْماءِ الشَـرطِ يُسْتَعمَلُ فـِي المَـكانِ, أَوْ الزَمان, وَفِي الكَـلامِ
يَعنِي مَتى أردتُم النِكاحَ فِي المَكان, وَمَتى أردْتُم تَركَهُ مِنَ الزَمانِ,,
فإنْ كانَ اللهُ تَعالى يُريد بِهِ المَكان كانَ المَعنى مِنْ أيِّ مَحَلٍ شِئتُم وَلكِنَهُ
سُبْحانَهُ قَـَد جَعَلَ كَلِمَة (أَنَّـى) تـُفِيد التَقِـييد لِمَعنى مَوضِع المَكان بِقـَوْلِهِ
(فأتُوا حَرثَكُم) وَإنْ كانَ اللـَّهُ يُريد بـِهِ الزَمان كانَ المَعنى فِي أيِّ زَمانٍ
شِئتُم تُفِيدُ الإطْلاق فَقط بِحَسَبِ مَعنى الوَقت: لأنَ المَشِيئَةََ لاّ تَقعُ إلاّ فِي
اختِيارينِ الأوَلُ مِنهُ فإنْ كُنتَ تُريدُ ألإنجابَ في المَكانِ فَباشِر النِساءَ فِي
مَكانِ الحَرثِ وَهُوَ الفَرجُ الذِي جَعَلَهُ اللهَ كِنايَةٌ لِمَنبَتِ الوَلِِدِ وَسَّماهُ حَرثاً
لاَ غيْرَهُ,,
وَالثاني وَإنْ كُنتَ لاّ تُريدُ ألإنجابَ فلكَ الشَأنُ مِنَ الزَمانِ فِي تَركِ وطْئِ
المَرأةِ ابتِداءً مِنْ طُهْرِِها مِنْ حَيضِها لاَ يَقـِلُ عَن عَشرَةِ أيامٍ, وَلاّ يَزيـدُ
الخَمْسَةَ عَشرَ يََوماً, هذا هُوَ مَوضِعُ الزَمان مِنْ كَلِمَةِ أنَّى شِئْتُمْ,,
وَالثالثُ: أقـُول أنَ كِلِمَةَ (أنى) تُفَسَر بآيَـةٍ أخْرى حِينَ قالَ زَكَريا لِمَريَمَ
(أَنَّى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ) فَحُمِلَ التَقدِيرُ عَلى هذا المَعنى مِنْ
أيْنَ لَكِ هذا يا مَريَم فصارَ تَقدِير حَمْل الآيَة (فأتُوا حَرثكُم) أيْنَ شِئتُم بِهِ
مِنَ المَكانِ فَظهَرَ أنَهُ لاّ يُمْكِن حَمْلُ الآيَةَ عَلى الإتيانِ إلاّ فِي القـُبِل,,
وَفِـي مَعنى ثـانٍ لِتََفسِير (أنَّى شِئْتـُمْ) يَجِبُ حَـمْل الآيَـة عَلـى أنَ المُـرادَ
بالإتيانِ في الدُبرِ إتيانُ المَرأةِ فِي فرجِها مِنْ جِهَةِ الدُبْر وَالجَمْعُ وَاجِبٌ
إذا أمْكَنَهُـنَ أنْ يأتِـيَّهُنَ الرِجالُ بارِكاتٍ, أوْ قائِماتٍ, أوْ مُسْتَلقياتٍ وَمِـنْ
خَلفِهِنَ مازالَ ذلِكَ الجَماعُ فِي صَمامٍ وَاحِدٍ وَهُـوَ الفَرجُ لاّ كَراهِيَةٌ فِيه,,
كَمّا قالَ الإمامُ الصادِق عَليهِ السَلام فِي قَولِهِ تَعالى (أنَّى شِئْتُمْ) أيْ مَتى
شِئتـُم فِي الفـَرجِ,, وَالدَلِيلُ عَلى قولِـهِ فِي الفـَرجِ قولَـه تَعالى (نِسَاؤُكُمْ
حَـرْثٌ لَكُمْ) ثـُمَ بَـيَّنَ الإمام: فالحَرثُ الزَرع فِي الفـَرجِ فِي مَوضِعِ الوَلـَد
كذلِكَ عَن مُحمَدِ بنَ مَسْعُود العَياشِي فِي تَفسِيرهِ عَـن صَفوانِ بنَ يحيى
عَن بَعضِ أصْحابِنا قالَ سَألتُ أبا عَبد اللهِ عَليهِ السَلام عَن قوْلِ اللهِ عَزَّ
وَجَل (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتـُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قالَ: مِنْ قدامِها وَمِن
خَلْفِها فِي القـُبْل,, انتَهى,,
وَأقول: أنَ آيَـةَ الحَرثُ هِيَِِّ دَلِيلٌ إحراميٌ فِي عَـدَمِ إتيانِهُنَ مِنْ أدبارِهِنَ
لأنَ الحَرثَ لا يَنبِتُ إلاّ بِماءِ الرَجُـلِ وَمـاءِ المَرأةِ, فـَماءُ الرَجُـلِ أبْيَـضٌ
غَلِيضٌ وَماءُ المَرأةِ أصْفرٌ رَفِيعٌ فإذا اخْتَلطَ مائهُما يُسَّمى مَشَجٌ وَالدَلِيلُ
كَمّا جاءَنا فِي نَظِـيرِ قوْلِهِ تَعالى (إِنَّـا خَلَقـْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نـُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ)
يَعنِي: فِي صِـفةِ المَولُود ثـُمَ يَكُـون مَشِيجاً أربعِينَ لَيْلـةً, وَالمَشيجُ هُـوَ
المُختَِلطُ مِـنْ مـاءِ الرَجُلِ وَمـاءِ المَرأةِ, وَجَمْعُهُ أمْشاجٌ, وَمّا يَنزلُ مـاءَ
المَرآةِ إلاّ بالفَرجِ عِندَ النِكاح,,
(وَلِبيان تََحريم الدُبِر كَذلِك فِيهِ اسْتِنباطٌ شَرعِيٌ غَيْر القُرآنِي وَكَمّا يَلِي)
أقول مِمّا نُحَرم عَلَيْكُم لاّ يَجُوز إتِيان النِساءِ فِي أدبارِهِنَ لأنَ اللهَ تَعالى
قَََد حَرَمَ عَليْكُم الفَرجُ فِي الحَيْضِ لأَجَلِ القَذر العارضِ لَهُ مِنْ بابِ الأذى
مُبَيِّناً أنَ ذلِكَ القـَذرُ هُـوَ عِـلَةُ التَحريم جاءَكُم بِعِـلَةِ المَنـْعِ بقـَوْلِهِ تَـعالى
(قُلْ هُوَ أَذىً) فمِنْ بابٍ أوْلى لِنُحَرمَ عَليكُم الدُبِـرَ كَوْنـَهُ مَوضِع القَذارَةِ
وَالنجاسَةِ اللازِمَةِ مِمّا لاّ يَتَناقَض مَعَ تَحريمِ وطْءِ المُسْتَحاضَةِ, لأنَ دَّمَ
الإسْتِحاضَةُ مَشْهُوراً عِندَ العُلَماءِ هُـوَ لَيْس فِي الاسْتِقذار كَـدَّمِ الحَيْض
وَلاّ كَنجاسَةِ الدُبـر لأنـَهُ دّمُ انفِجارِ العِـرق,, فَلِمّا لاّ يَكُونَ تَحريـمُ الدُبِـر
كَتَحريمِ الإسْتحاضَةِ بالوطءِ مِنَ المَرأة: لأنَنا عَلِمْنا مِنْ كُلِّ الإسْتِحاضَةِ
الوُسْطى وَالكُبْرى مُحْدثَة بالحَدَثِ ألأكْـبر لزُوماًَ وَتَماماًَ كَصِفةِ الحائِضِ
مِما يُحرَم عَليها دِخـُول المَساجِد, وَمَـس كِتابَة القـُرآن, وَقـِراءَة سُـور
العَزائِم بضِمْنَتِها آياتِ السَجدَةِ وَفسادِ الصَلاةِ,,
وَلاّ يَنبَغي لِمُؤمِنِ باللهِ أن يَتَبِعَ هذِهِ النازِلَةَ عَلى زَلـَةِ عالِـمٍ أوْ فَقِيهٍ بَعدَ
أنْ بَـيَّنا لَهُما التَحريم, وَقَـَد حَـذَرنا مِـنْ زَلـَةِ العالِـمِ بِجَوازِهِ الوِّطءَ مِـنَ
النِساءِ فِي المَحَلِ المََكْرُوه بِقـَذارَتِه وَبِدَلِيلُنا الثالِث هُوَ اسْتِنادَنا لِحَدِيثِ
الرَسُولِ قالَ (إنَ اللهَ لاّيَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ لاّ تَأتُوا النِساءَ فِي أعجازِهِنَ)
وَأمّا الدَلِيل الرابِع: عَن زَيْد بنَ ثابِت قالَ سَألَ رَجِلٌ أمِيرَ المُؤمِنِين (ع)
أتُؤتِى النساءَ فِي أدبارهِنَ؟؟ فقالَ سَفلَت، سَفلَ اللـَّهُ بكَ أمّا سَمِعتَ ماذا
يَقول (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ)الأعراف80)

إنزِل تَحَت وَتابع بَقيَة التَفسِير
تعليق