لا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سلطان القلوب
    • Feb 2011
    • 172

    لا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ


    لا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ



    اعلم أنه لا طريق أنجح من حسن الظن بالله ، فإنه في ظنّ عبده المؤمن ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.

    والناس قد عودوا أنفسهم بمقتضى تسويل النفس والشيطان على سوء الظنّ بربهم ، ومسارعة

    أذهانهم إلى التفاؤل بالسوء واليأس من الفرج بمجرد مشاهدة آثار الابتلاء ، والتخوّف من شدة البلاء ،

    متيقنين في ذلك ، فيقعون فيما فرّوا منه ، ويجري عليهم ما تفاءلوا به من البلاء،

    فإنه والعياذ بالله نوع من سوء الظنّ.

    وقد عرفت أنه بسوء الظنّ يتأهل العبد لأن يعامل بسوء ظنه ، إلا أن يعفوالله سبحانه.

    والنبي صلى الله عليه وآله كــان يحب التفاؤل بالخير ، ويكــره الطِّيــرة. [ البحار :92/2 ] ..

    والطِّيرة على حسب ما يراها صاحبها ، إن رآها شديدة كانت شديدة ، وإن رآهـا

    خفيفة كانت خفيفة ، وإن لم يـرها شيئاً لـم تك شيئاً . [ روضة الكافي :197] ، كذا في خبر في (روضة الكافي).

    فيجب على المؤمن المقتفي آثار أهل البيت ، أن يعوّد نفسه على حسن ظنّه بربه ، فيرجو من الله

    بالقليل الكثير ، فهو سبحانه الذي يُعطي الكثير بالقليل ، وكلما تؤمله منه وتظنّه به سبحانه وتعالى

    من أصناف الخير وكرمه فوق ذلك ، وظنّك له نهاية ، وكرمه سبحانه لا نهاية له ، وهو سبحانه قد

    أخبرك بأنه في ظنّك الحسن ، وعند ظنّك الحسن ، وقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :

    من ظنّ بك خيراً فصدِّق ظنَّه. البحار : 74/212

    فإذا كان حكمه على عباده ، الجاري على لسان أوليائه ، أن يصدقوا ظنّ من ظنّ بهم خيراً

    ويحققوا ظنّه ، فهو سبحانه عزّ وجلّ أولى بذلك.

    بل يستفاد من الأخبار وتتبع الآثار ، أن كل من يحسن الظنّ بشيء يصدق الله ظنّه ، ويجري له الأمر على

    وفق ظنّه الحسن ، وكأنه من أفراد حسن الظنّ بالله ، إذ معنى ظنّ الخير بهذا الشخص يرجع إلى الظنّ

    بأن الله أودع فيه ذلك الخير للمقدمة المطوية المعلومة من أن كل خير من الله ، فالله سبحانه يصدق هذا الظنّ.

    وقد جاء خبر صريح بأن من ظنّ بحجرٍ خيراً جعل الله فيه سرّاً ، فقال له الراوي: بحجر!..

    فقال له الإمام (عليه السلام): أو ما ترى الحجر الأسود .

    فيستفاد من هذا أنّ الله سبحانه وتعالى ، يصدق الظنون الحسنة من المؤمنين من بعضهم في بعض ، ويحقق لهم ذلك.

    ومن ذلك تصديق شهادة من يشهدون للميت بأنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا ، للتنبيه على حسن الظنّ ،

    بل على عدم العلم بغير الحسن.. وقد ورد الحديث بأن الله يجيز شهادتهم ، ويغفر لهم وله ما يعلم لما لا يعلمون.

    فمقتضى حسن الظنّ أن يجريه الله للظانّ ولمن ظنّ به الخير ، إلا أن يمنع مانع قوي

    من جريانه في من ظنّ به ، فيجريه الله للظانّ.

    كما في بعض الأخبار أنّ الرجل قد يكرم رجلاً على أنه من أهل الخير ، فيدخله الله بذلك الجنة ،

    وإن كان في علم الله أن ذلك المكرم من أهل النار ، فهذا مما منع فيه المانع القوي من إجراء

    الظنّ في من ظنّ به فأجري للظانّ.

    والحاصل أنّ من امتثل ما أمر به من حسن الظنّ لإخوانه المؤمنين لا يخيب ، إذ هو إما أن يصدق

    ظنّـه ويقلب الأمر على وفق ظنّه برحمة الله ، أو يجري له ظنّه في حقه ، ولا يضرّه تخلّف ذلك في المظنون به الخير.

    وهذا باب عظيم في حسن الظنّ بالمؤمنين ، ولعله على هذا ابتني الأمر في قبول صلاة الجماعة ، فإنّ المأمومين

    أحسنوا الظنّ بالإمام ، وجعلوه واسطة بينهم وبين الله في قبول صلواتهم ، فأعطاهم الله ذلك فقبل صلاة

    الجميع بحسن الظنّ به.

    إلى غير ذلك من موارد حسن الظنّ ، كالذي يشرب من سؤر المؤمن تبركاً به ، وكماء زمزم

    فإنه لِمَا شُرب له ، قال الشهيدان: وقد شربه جملة من الأكابر لمقاصد دينية ودنيوية فنالوها .

    شرح اللمعة الدمشقية:2/329


    فلا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ.

    وقد ورد في الدعاء جعله من أفضل الأرزاق التي تطلب ، فقال: اللهم ارزقني اليقين ، وحسن الظنّ بك. البحار:95/95.

    وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من ذلك ، وهو أنّ الله يجيز دعوى حسن الظنّ وإن كانت كاذبة.

    فعن الصادق (عليه السلام ) قال:

    إذا كان يوم القيامة جيء بعبدٍ فيؤمر به إلى النار فيلتفت ، فيقول الله سبحانه وتعالى: ردّوه.

    فلما أتى به قال له: عبدي لِمَ التفتّ إليّ؟..

    فيقول: يا رب ما كان ظنّي بك هذا!..

    فيقول الله جلّ جلاله: فما كان ظنّك؟..

    فيقول: يار رب !.. كان ظنّي بك أن تغفر لي وتسكنني برحمتك جنتك.

    قال: فيقول الله جلّ جلاله: يا ملائكتي ، وعزتي وجلالي ، وآلائي وبلائي ، وارتفاعي في مكاني ، ما ظن

    بي هذا ساعة من خير قط ، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما روّعته بالنار ، أأجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة.

    انتهى الحديث . الجواهر السنية:270(3)


    فتأمّل فيه ترى ما لا يوصف ، وبهذا الحديث الشريف وملاحظة أمثاله من مظان المواهب الإلهية ،

    والنفحات الربانية ، يتقوّى جانب من أن يكون ما عندنا من الظنون الحسنة ، والآمال بمواهب ذي الجلال ،

    مندرجة تحت حسن الظن بالله ، إذ هي إن لم تكن منه فلا أقلّ من أن تكون من أفراده الادعائية ،

    وقد عرفت إنه بكرمه يجيزها ويعاملها معاملة الأفراد الحقيقية ، وحكمه في الدارين واحد

    ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) سورة الملك/3


  • سلطان القلوب
    • Feb 2011
    • 172

    #2
    واعلم أن حسن الظنّ ليس مقتضاه الخلود إلى الراحة ، وترك العمل معللاً بحسن

    الظنّ بالله ، فإن هذا من خدع الشيطان الرجيم - أعاذنا الله منه وجميع المؤمنين

    بمحمد وآله الطاهرين - بل مقتضاه الانجذاب إلى ما عند الله ،

    وشدة الرغبة في مواهب االله ، فإن من أنس بمواهب الله جذبه الطمع ،

    وهانت عنده الشدائد ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.


    وعن مولانا الرضا (عليه السلام ) قال: إنّ الله أوحى إلى داود (عليه السلام ) قال:

    إنّ العبد من عبادي يأتيني بالحسنة فأدخله الجنة. قال: يا رب ، وما تلك الحسنة؟..

    قال: يفرّج عن المؤمن كربة ولو بشق تمرة.

    فقـال داود (عليه السلام ) : حـق لمن عرفك أن لا ينقطع رجاؤه منك.
    [العيون:1/313 ، الجواهر السنيّة:79] .. انتهى.

    فإذا كان عزّ وجلّ يعطي هذه الجنة العظيمة التي عرضها السماوات والأرض بشق تمرة

    وفي بعض الروايات أنه يحكم بالجنة بشق تمرة.

    فبالله عليك كيف يسوغ ترك المعاملة مع هذا الكريم ، والتغافل عن معاملته طرفة

    عين؟.. وبأي شيء يستبدل عنه؟..

    ومن فاتته لحظة لم يقبل فيها على الله فأي شيء يكون عوض ما فاته؟!.. هيهات !..

    هيات!.. لقد فاته شيء لا عوض له ، وغبن غبناً لا جبر له.

    ومن أجل هذا المعنى وشدة رأفة الله بعباده المؤمنين ، جاءت الشريعة الغرّاء

    بترتيب المثوبات العظيمة على حركات المؤمنين وسكناتهم ، وحتى علّم علي بن

    الحسين (عليه السلام ) شيعته الدعاء بقوله:

    اللهم !.. اجعل همسات قلوبنا ، وحركات أعضائنا ، ولمحات أعيننا ،

    ولهجات ألسنتنا في موجبات ثوابك . الصحيفة السجادية:60

    وقال (عليه السلام ) في بعض أدعيته:

    وأستغفرك من كلّ لذّةٍ بغير ذكرك .( المناجاة الخمسة عشر)

    فمراد الله سبحانه في عباده المؤمنين ، أن لا يخسروا خسراناً لا جبر له بالغفلة

    عن معاملته ، وفقد أجرته طرفة عين.

    ولهذا جعل الطرق إليه بعدد أنفاس الخلائق بحيث أنّ من شرب الماء وذكر الحسين

    (عليه السلام) وأهل بيته ولعن قاتله ، كتب الله له مائة ألف حسنة ، ومحى عنه مائة

    ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة ،

    وبعثه الله يوم القيامة ثلج الفؤاد . الكافي : 6/193..

    أترى صاحب هذا العطاء ، والمُعد لهذا الجزاء يرضى أن يضيع على عبده

    - المحتاج إليه وهو الغني المطلق - نفساً من أنفاسه؟!..

    حاشا وكلا!.. بل يريد من هذا العبد المسكين أن يكون مقبلاً على ربه ، حيث

    إنه لا خير إلا عنده ، ولا شرف إلا في الإقبال إليه ، فإذا أقبل هو على الله أقبل

    هو عليه ، وإذا أقبل عليه عامله بفضله وكرمه وهداه لأن يقصد بكل

    خطراته وحركاته وسكناته ونومه ويقظته رضاء ربه ، بما يقتضيه كرمه وجوده ومنّه.

    ومنه ما عن الباقر (عليه السلام ) قال: إنّ الله أوحى إلى داود (عليه السلام ):

    بلّغ قومك أنه ليس من عبدٍ منهم آمره فيطيعني ، إلا كان حقاً عليّ أن أطيعه وأعينه

    على طاعتي ، وإن سألني أعطيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن اعتصم بي عصمته ،

    وإن استكفاني كفيته ، وإن توكّل عليّ حفظته من وراء عــوراته ،

    وإن كاده جميع خلقي كنت دونه . انتهى . الجواهر السنية : 74

    وكذلك تأتي رأفته البالغة ورحمته الواسعة ، أن يبالغ في تحذير عبده المسكين عن

    التخطي إلى ما لا يعنيه فضلاً عما يضرّه.

    وفي بعض الخطابات القدسية على ما في (الجواهر السنية):

    يا بن آدم !.. إذا وجدت قساوة في قلبك ، وسقما في جسمك ، ونقصاً في مالك ،

    وحريمة في رزقك ، فاعلم أنك قد تكلّمت فيما لا يعنيك .

    وهو الفضول من الكلام ، فضلاً عن المحرّم فهــو أضرّ على الإنسان من السمّ ،

    إذ منتهاه أن يؤثّر في الجسم ،والفضول من الكلام يؤثر قساوة في القلب ، والنقيصة

    في المال ، والحرمان في الرزق ، مع السقم في الجسد ، فكيف يرضى له الرب

    الرؤوف بأن يعرّض نفسه لهذه المهلكة العظيمة.

    بل ورد أنّ الله سبحانه يحاسب العبد على فضول النظر ،

    كما يحاسبه على فضول الكلام.


    فمن أجل أنه لا يريد أن يضيّع على عبده البائس المسكين نظرة من نظراته ، جعل

    له النظر إلى وجه العالم عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى ذرية رسول الله

    (صلى الله عليه وآله ) عبادة ، والنظر إلى المخلوقات بعين الاعتبار عبادة ،

    وأي عبادة !.. فإنه التفكير الذي ساعة منه تعدل عبادة ستين سنة

    { فأينما تولوا فثم وجه الله } . البقرة/115

    وعن الصادق جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ،

    عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

    أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) : يا دواود !.. وكما لا تضيق الشمس على

    من جلس فيها ، كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها ، وكما لا تضرّ الطِّيرة

    من لا يتطير ، كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيّرون. [ الجواهر السنية : 77] .. انتهى.

    وهذا الخطاب الإلهي القدسي من أكبر وأعظم الشواهد على ما أصّلناه من أن

    المتطير لسوء ظنه بربّه لا ينجو من الفتنة ، فيقع في الهلكة ، ومن لا يتطيّر لحسن ظنّه

    بربّه لا تضرّه الأشياء التي يُتطيّر منها ، وتُدفع عنه ببركات حسن الظن بالله.

    ومن دخل في رحمة الله بالانقطاع إلى أخبار أهل البيت (عليهم السلام ) ،

    واقتفى آثارهم لم تضق عليه ، بل لا تزال تتسع وتنفتح له الأبواب التي كل باب

    ينفتح منه ألف باب ، حتى يوصله إلى مقام انشراح الصدر بنور العلم والمعرفة ،

    وهو من أفضل ما أثنى الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث يقول:

    { ألم نشرح لك صدرك } . الإنشراح/1

    فإذا مَنَّ الله عليه بالوصول إلى هذه الرتبة ، فهو من الذين لا يصلهم بلاء الدنيا ،

    ولا بلاء الآخرة ، وبمعنى أنه لو أصابه نوع من البلاء فهو عند غيره بلاء ،

    وبحسب نظر الناس ، وإلا فهو عنده في جنب ما عرّفه الله من إيصاله إلى رضاء الله ،

    وبحسب ما يطلب منه من المراتب السامية عند الله تعالى، من أكبر الملاذ وأهنأ العطاء.

    ولذا كان بعض خواص الحسين (عليهم السلام) من أهل الطف ، كلما اشتد

    عليهم البلاء تشرق وجوههم ، وتستبشر نفوسهم


    رزقنا الله وإياكم هذه المقامات ، وأين أبناء الملوك عن هذه اللذات ،

    وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل ، ونِعْمَ المولى ونعم النصير .

    .
    .

    تم بنصه من كتاب الطريق إلى الله

    تعليق

    • عبد الحق
      • Sep 2011
      • 5697

      #3
      بسم الله
      السلام عليكم

      جزاكم الله خير الجزاء
      وجعله في ميزان اعمالكم
      ودمتم أخي سلطان في حفظ المولى

      تعليق

      • عاشقة النور
        • Jan 2009
        • 8942

        #4
        طرح رآئع

        جزاك الله الف خيير

        "عاشقة النور"

        تعليق

        • ناصرة ام البنين
          • Oct 2009
          • 3252

          #5
          يار رب !.. كان ظنّي بك أن تغفر لي وتسكنني برحمتك جنتك.

          طرح قيم
          جزاك الله كل خير
          اخي الموالي


          تعليق

          • الـدمـع حـبـر العـيـون
            • Apr 2011
            • 21803

            #6
            بارك الله فيكم
            رائع ماطرحت شكرا لك دمتم بخير وعافية والى الامام ان شاء الله
            اسمح لي ان ابدي اعجابي بك وبقلمك الرائع احسنتم
            ننتظر جديدكم

            تعليق

            • أنوار الولاية
              • Dec 2010
              • 2871

              #7
              جزاك الله خير الله يعطيك العافيه

              تعليق

              • سلطان القلوب
                • Feb 2011
                • 172

                #8
                يسلمووووو على المرور العطر

                تعليق

                • هاشم سعيد
                  • Apr 2011
                  • 973

                  #9
                  بـــــــوركتم .. فيمـــــــــــــــا نقلتـــــــــــم ...
                  مأجـــــــــــــــــــــــورين ...

                  تعليق

                  • سلطان القلوب
                    • Feb 2011
                    • 172

                    #10


                    يسلمووووو على المرور العطر

                    </b></i>

                    تعليق

                    يعمل...
                    X