الدرّة البهية في الأسرار الفاطمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    الدرّة البهية في الأسرار الفاطمية

    بسم الله الرحمن الرحيم (1)
    الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين ، سيّد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين .
    قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهيراً )(2) .
    وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(3) .
    الحديث عن الزهراء (عليها السلام) إنّما هو حديث عمّـا سوى الله سبحانه ، فهي الكون الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتّى إذا عرج النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة (عليها السلام) ، فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة .
    ففاطمة (عليها السلام) من صلب خاتم النبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم (عليه السلام) . فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلا .
    فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن اُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، اُمّ أبيها ، اُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى . ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر .
    والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء . وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(4) .
    فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا يقبل الله عملا إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(5) .
    فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لكميل ابن زياد : « يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(6) .
    ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملا ، بدراسات حقّة ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة .
    فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته .
    يقول الإمام الباقر لولده الصادق (عليهما السلام) : « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية » .
    فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين (عليهم السلام) ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه : « وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان » .
    و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه » .
    و «قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته » .
    فالواجب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية .
    فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ، وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة .
    ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر . ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها .
    فمن يعرفها ؟ ! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها(7) .
    ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء (عليها السلام) إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ورسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه (عليهما السلام) .
    ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ووعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى .
    لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى .
    كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس .
    والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم (عليه السلام) ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً .
    وفاطمة الزهراء (عليها السلام) إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة .
    مفطومة من زلل الأهواءِ *** معصومةٌ من وصمة الخطاءِ
    فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء (عليها السلام) ، ولمّـا كان الأذان والإقامة للصلوات اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّـا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة .
    فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(8) مرّتان أو مرّة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر .
    وممّـا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه : ( وَإذْ ذَهَبَ ذا النُّونِ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) .
    ولكن يغضب لغضب فاطمة (عليها السلام) .
    ثمّ لا تجد معصوماً تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير المعصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله) هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم (عليهما السلام) .
    وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة (عليهم السلام) .
    وربّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها .
    « فداها أبوها » .
    وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان .
    وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة (عليها السلام) حقيقة ليلة القدر ، حقيقة الكون وما فيه .
    والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت .
    ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزولي في نزول فيض الله ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام .
    وعصمة الله فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم الله . والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن . فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمّد (عليهم السلام) وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمر سلامٌ هي حتّى مطلع فجر قائم آل محمّد (عليهم السلام)(9) .
    وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلة واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً .
    فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمة (عليها السلام) لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع .
    فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية .
    فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلها (عليهما السلام) ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) إجلالا ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلا .
    وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة .
    فمن هي ؟
    هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش .
    هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالا وتكريماً وتعظيماً لها .
    هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمّد (عليهم السلام) ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
    هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ (عليه السلام) يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّ (عليهما السلام) ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة .
    والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي نور المُهج وحجّة الحجج ...
    وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
    أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين .
    هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار .
    فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها .
    ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(10) الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي (عليه السلام) ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم (عليه السلام) بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها .
    إلاّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) : « نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا » .
    ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف : « ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة » .
    فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمة (عليهم السلام) .
    إنّها (عليها السلام) تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ » .
    وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين جنبيه .
    ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف : « ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية » .
    مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية . كما ورد : « ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك » .
    وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، فالزهراء (عليها السلام) يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته : ( اللهُ نورُ السَّماوات وَالأرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاة ) .
    بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي الله لنوره من يشاء .
    فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها )(11) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي : « يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » .
    ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء ... والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر ...
    ولمثل هذه الخصائص القدسيّة كان النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) يقول : فداها أبوها .
    مشكاة نور الله جلّ جلاله *** زيتونة عمّ الورى بركاتها
    هي قطب دائرة الوجود ونقطة *** لمّـا تنزّلت أكثر كثراتها
    هي أحمد الثاني وأحمد عصرها *** هي عنصر التوحيد في عرصاتها
    ــــــــــ
    فاطمةً خيرَ نساء البشر *** ومن لها وجه كوجه القمرِ
    فضّلك الله على كلّ الورى *** بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ
    زوّجك الله فتىً فاضلا *** أعني عليّاً خير من في الحضرِ
    ــــــــــ
    وأخيراً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال :

    « فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى ».


    كتبت هذه الرسالة من مقدّمةً لكتاب ( الأسرار الفاطميّة ) بقلم سماحة الشيخ محمّد فاضل المسعودي
    بقلم السيد عادل العلوي



  • لبيك داعي الله
    • Oct 2010
    • 741

    #2
    بورك قلمك

    جزاك الله خيرا

    تعليق

    • ناصرة ام البنين
      • Oct 2009
      • 3252

      #3
      اللهم صلي على محمد واله وعجل فرجهم والعن عدوهم

      مشكوره عزيزتي على الموضوع القيم
      جعله الله في ميزان اعمالك الصالحه

      تعليق

      • دمعة الكرار
        • Oct 2011
        • 21333

        #4

        تعليق

        • عاشقةالبتول
          • Jul 2009
          • 2273

          #5

          الله يعطيك الف الف الف عااافيه
          ع الطرررررح الجميييييل ورآآآآآئع


          //
          :65:
          :65::65:
          :65::65::65:
          تقبلي مروري
          :65::65::65:
          :65::65:
          :65:

          تعليق

          • دمعة الكرار
            • Oct 2011
            • 21333

            #6

            تعليق

            • هاشم سعيد
              • Apr 2011
              • 973

              #7
              1-أحسنتـــــــــــــم على الطرح الموفق انشاء الله تعالى
              2-أنالكم الله شفاعة الزهراء عليها السلام
              3-ارجوا الانتباه الى الايات القرأنية وكتابتها بدقة(وذا النون اذ ذهب مغاضبآ فظن ان لن نقدر عليه)
              4-العلماء والمجتهدون اعلم بتكليفهم الشرعي (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا)
              لا نفرض عليهم ولا نطلب منهم تغيير اوزيادة في ما شُرّع من أقامة الصلاة
              5- مشكــــــــــــــورين

              تعليق

              • دمعة الكرار
                • Oct 2011
                • 21333

                #8

                تعليق

                • حبي حسين
                  • Jan 2011
                  • 1996

                  #9
                  جزيتي خير الجزاء ربي يوفقج لكل خير
                  سلمت الانامل الولائية يا رب
                  الله يعطيج العافية يا رب




                  تقبلي مروري ... حبي حسين

                  تعليق

                  • دمعة الكرار
                    • Oct 2011
                    • 21333

                    #10

                    تعليق

                    يعمل...
                    X