الحج في أبعاده التكاملية (1)
القسم الأول : البُعد الفقهي للاستطاعة الشرعية .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }. صدق الله العلي العظيم.
إنّ الحج من العبادات التي تمتد في جذورها التاريخية إلى آدم (عليه السلام) كما تشير إلى ذلك الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل وتُؤكد هذه الروايات على أن ّهذه الفريضة كانت نُسكاً في الشرائع السابقة ، ولذا نجد أنّ الأنبياء (عليهم السلام) أدوها على أكمل وجه، وعندما جاء الإسلام عدّها من أركانه التي بُني عليها كما ورد ذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((بُني الإسلام على خمسة دعائم: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت الحرام والولاية لنا أهل البيت)). فهذه الرواية وغيرها؛ تُقدم الصوم على الحج وتربط بينهما معنوياً في المكتسبات التي يأخذها الإنسان بعد شهر رمضان وتُؤثر على مسار حياته في البُعد الديني والدنيوي، وتستمر به هذه الآثار إلى أشهر الحج العظيمة التي أولها شوال فذو القعدة، ثم ذو الحجة ،التي يستلهم منها الأبعاد المتعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها تنشأ من أداء فريضة الحج.
الاستطاعة من أهم شروط وجوب الحج.
وهنا أُنبه إخواننا المؤمنين - وخاصة الشباب - على أهمية الحج لأنّ الكثير من الشباب في عصرنا الراهن يمتلك الاستطاعة على الحج، إلاَّ أنَّه يُرجئ الحج، ولذلك ارتأينا تسليط الضوء على الاستطاعة انطلاقاً من قوله تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }. فما هي الاستطاعة التي -بتحقُّقها- يُلزم الإنسان بأداء نُسك الحج؟
العلماء يقولون أن الاستطاعة تتحقق بأربعة أمور:
الأول : السعة في الوقت.
وذلك بأن يتمكن الإنسان من الوصول إلى مكة المكرمة في الأيام المخصوصة لأداء نسك الحج، والإنسان- سابقاً- كان يستغرق وقتاً طويلاً لقطع هذه المسافة البعيدة لأنّ وسائل النقل في ذلك العصر كانت بدائية جداً، أما في هذه الأيام فوسائل النقل الحديثة وفرّت على الناس الوقت الكثير بحيث يُمكنهم قطع المسافات البعيدة في وقت قصير جدًا ،وهذا أدى إلى أنّ الإنسان يُُمكنه حضور موسم الحج حتى لو خرج من بلده متأخراً.
الثاني : الصحة في البدن.
وذلك بأن يكون سليماً ومعافى من الأمراض لكي يتمكن من أداء نسك الحج.
الثالث : الأمن في الطريق.
وذلك بأن يستطيع الوصول لأداء النُسك من دون أن تعترضه عوائق في الطريق تمنعه من ذلك، وقد يختصّ هذا بالأزمنة السابقة، وأما في العصر الحاضر فالناس في أمن وأمان في طريق ذهابهم للحج.
الرابع : القدرة المالية.
وذلك بأن يتمكن الإنسان من الاشتراك في قوافل الحج من خلال دفع المتطلبات المالية اللازمة لذلك، ويتبقى لديه فائض يُؤمِّن له المصرف الماليّ لنفسه ولعائلته التي يعولها بعد رجوعه من الحج حتى لو كان هذا الفائض هو راتبه الشهري الذي يتقاضاه كل شهر، فكما يُشترط الأمن في الطريق؛ كذلك يشترط الأمن على المال والعرض، فقد تتوافر للإنسان جميع ما ذكرناه من أمور، ولكنه -مع ذلك- لا يستطيع ترك بلده لخوفه على عياله، أو لخوفه على ماله.
إنّ الإنسان يُصبح مستطيعاً إذا ما توافرت لديه الأمور السابقة، وهي ما نسميه «شرائط الاستطاعة من الناحية العامة»، وإلاَّ فإنّ من نافلة القول أن نقول أنّ الحج لا يجب إلاّ على البالغ العاقل الحر - والآن كل الناس أحرار - فإذا ما توافرت هذه الأمور وجب الحج على المكلف.
عواقب تسويف الحجّ:
إنَّ التسويف في الحج من الذنوب الكبائر، وذلك بأن يستطيع الإنسان الحج فيُسوّف ويُؤجّل الحج إلى العام المُقبل، فهذا التسويف يُعدُّ من كبائر الذنوب، حتّى لو كان قادراً على الحج فعلاً في السنوات المقبلة، ولذا ورد في الرواية أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سأله أحد أصحابه فقال: أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يُسوف الحج كل عام وليس يشغله عنه إلا التجارة والدََََّين! فقال (عليه السلام): ((لا عذر له يُسوف الحج ،إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام)).
مسائل هامة في الحج .
إنّ الكثير من الناس - في عصرنا الراهن - يتمكن من أداء هذه الفريضة بعد مرور أشهر محدودة من حصوله على الوظيفة -باعتبار توافر شروط الاستطاعة الآنفة الذّكر- وهو مكلف بالمحافظة على هذه الاستطاعة إلى وقت الحج ، ولذا على الإنسان المؤمن العامل بالفرائض والمؤدي للواجبات -لاسيّما من الشباب- أن يلتفت إلى أهمية أداء الحج من خلال ما نستعرضه من مسائل هامة:
الأولى : أيّهما يُقدّم الزواج أو الحج؟
بعض الناس يتصور أنّ جمع المال للزواج أو لترتيب أموره الشخصية يؤدي إلى زوال الاستطاعة عنه ، ومن هنا ينبثق هذا التساؤل،أيهما يُقدم الحج أو الزواج؟
يقول الفقهاء، إذا خشي الإنسان -بتركه الزواج- الوقوع في الحرام، أو إلى عدم التحمل، فهنا يسوغ له أن يجعل ما لديه من مال لزواجه، أمَّا إذا لم يكن الأمر كذلك، بحيث يمكنه التحمل وتأخير الزواج فهو غير معذور في إرجاء وتأخير الحج، بل يجب عليه أن يؤدي الحج ولذلك نلحظ في الآية: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }. أي جعل ترك الحج وعدم أدائه معادلاً للكفر!
الثانية : هل يجب الحج على الطالب؟
إنّ الحج ليس واجباً فقط على الموظف لكونه مستطيعاً من أداء هذه الفريضة، بل حتى طلاب الكليات والجامعات باعتبارهم يستلمون مكافآت، والبعض منهم لا يصرفها على نفسه، وإنما يدخرها، فإذا ما دخلت أشهر الحج ولم يكن مَدِيْناَ؛ وَجَب عليه الحج، أما من كان عليه دين تنتفي بأدائه قدرته المالية، فلا يجب عليه الحج.
الثالثة : أيّهما يُقدّم الخمس أو الحج؟
هنا أنوه إلى أنّ البعض يتعلق في أموالهم حق شرعي من خلال مرور سنة (حول) على بعض أمواله الزائدة عن حاجته ، فيجب عليه أداء الخمس المتعلق بها؛ لأنّ الخمس في فاضل المئونة كما جاء في الرواية، ولكنه يتصور أنه إذا دفع الخمس فسوف تزول استطاعته المالية، وبالتالي لن يتمكن من أداء الحج، وفي الحقيقة هذا تصور بعيد عن الصواب، لأنّ في مثل هذه الحالة وظيفته الشرعية هي وجوب أداء الخمس، ولا يجب عليه الحج؛ باعتباره مدِيناً وغير مستطيع، أي كما أن الدين للآخرين يجب عليه أداؤه ويصدق عليه مستطيعاً،كذلك إذا تعلق بأمواله الحق الشرعي ولم يُؤدِ هذا الحق فخسر بعض أمواله وجاء وقت الحج وليس لديه إلاّ القليل من المال الذي لا يكفي للحجّ إذا ما أخرج منه الخمس، فعند ذلك يكون فاقداً للاستطاعة الشرعية ولا يجب عليه الحج.
الرابعة : هل تأخير الرواتب يُسقط وجوب الحج؟
إنّ قسماً من الناس متمكن من الناحية الاقتصادية، غاية الأمر أنه أرجِئَت رواتبه، فلم يستلمها لأي سبب كان فهذا تصدق عليه الاستطاعة، ويجب عليه الحج إذا تمكن من الاقتراض وأداء المال بعد أداء الحج؛ ما لم يكن عليه حرج في ذلك. ولذلك فهو غير معذور في الإرجاء والتسويف عن أداء الحج.
الخامسة : الحج ومنع الحقّ الشرعي.
بعض الناس لا ينضبط في سلوكه -وقد شاهدتُ قِسماً منهم-، فيعمل على اقتناء المال من أي مجال من المجالات من غير مراعاة للجهات الشرعية، فيكون قِسماً من ماله من الحلال، والقسم الآخر من الحرام، وإذا كان الإنسان من هذا النمط، فإنّ عليه الانتباه إلى أنه لو أراد أن يحج، فلا يعني ذلك سقوط الوظيفة الشرعيّة وهي وجوب إرجاع الأموال المحرّمة إلى أصحابها, وأيضاً، ليس له أن يحجّ من هذه الأموال، لكنّه لو أخذ من أمواله الحلال وحجّ بها، فحجّه صحيح، وإن أَثِمَ بإمساكه أموال الآخرين.
وهنا أيضاً مسألة أُخرى، هي أنّ بعض الناس يتعلّق بأمواله الحق الشرعي - الخمس- بحيث يستثقل ويتحرج من إخراج الخمس من أمواله الكثيرة، فلا يُخرج الخمس، فهذا عمل محرم وهو عاصٍ بعدم إخراجه للخمس، فيُمكنه أن يقتطع جزءاً من أمواله - بمقدار رسوم قافلة الحجّ التي يريد الذهاب معها -فيُخرج خمّسه، ويحج به ويكون حجّه من هذا المال صحيحاً لأنّه حجّ من مال حلال لم يتعلّق به حقّ لله أو الغير، ولا يعني هذا أنني أقوم بتبرير عمله المحرم، وإنما أوضح المخرج الشرعي لذلك فقط. وكذلك هذا الأمر يجري في بعض أصحاب المزارع الذين يكون التمر هو مصدرهم الاقتصادي، ولا يُخرجون الزكاة في تمورهم، فمن يُريد الحجّ منهم فعليه أداء زكاة تمره.
"عاشقة النور"
القسم الأول : البُعد الفقهي للاستطاعة الشرعية .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }. صدق الله العلي العظيم.
إنّ الحج من العبادات التي تمتد في جذورها التاريخية إلى آدم (عليه السلام) كما تشير إلى ذلك الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل وتُؤكد هذه الروايات على أن ّهذه الفريضة كانت نُسكاً في الشرائع السابقة ، ولذا نجد أنّ الأنبياء (عليهم السلام) أدوها على أكمل وجه، وعندما جاء الإسلام عدّها من أركانه التي بُني عليها كما ورد ذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((بُني الإسلام على خمسة دعائم: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت الحرام والولاية لنا أهل البيت)). فهذه الرواية وغيرها؛ تُقدم الصوم على الحج وتربط بينهما معنوياً في المكتسبات التي يأخذها الإنسان بعد شهر رمضان وتُؤثر على مسار حياته في البُعد الديني والدنيوي، وتستمر به هذه الآثار إلى أشهر الحج العظيمة التي أولها شوال فذو القعدة، ثم ذو الحجة ،التي يستلهم منها الأبعاد المتعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها تنشأ من أداء فريضة الحج.
الاستطاعة من أهم شروط وجوب الحج.
وهنا أُنبه إخواننا المؤمنين - وخاصة الشباب - على أهمية الحج لأنّ الكثير من الشباب في عصرنا الراهن يمتلك الاستطاعة على الحج، إلاَّ أنَّه يُرجئ الحج، ولذلك ارتأينا تسليط الضوء على الاستطاعة انطلاقاً من قوله تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }. فما هي الاستطاعة التي -بتحقُّقها- يُلزم الإنسان بأداء نُسك الحج؟
العلماء يقولون أن الاستطاعة تتحقق بأربعة أمور:
الأول : السعة في الوقت.
وذلك بأن يتمكن الإنسان من الوصول إلى مكة المكرمة في الأيام المخصوصة لأداء نسك الحج، والإنسان- سابقاً- كان يستغرق وقتاً طويلاً لقطع هذه المسافة البعيدة لأنّ وسائل النقل في ذلك العصر كانت بدائية جداً، أما في هذه الأيام فوسائل النقل الحديثة وفرّت على الناس الوقت الكثير بحيث يُمكنهم قطع المسافات البعيدة في وقت قصير جدًا ،وهذا أدى إلى أنّ الإنسان يُُمكنه حضور موسم الحج حتى لو خرج من بلده متأخراً.
الثاني : الصحة في البدن.
وذلك بأن يكون سليماً ومعافى من الأمراض لكي يتمكن من أداء نسك الحج.
الثالث : الأمن في الطريق.
وذلك بأن يستطيع الوصول لأداء النُسك من دون أن تعترضه عوائق في الطريق تمنعه من ذلك، وقد يختصّ هذا بالأزمنة السابقة، وأما في العصر الحاضر فالناس في أمن وأمان في طريق ذهابهم للحج.
الرابع : القدرة المالية.
وذلك بأن يتمكن الإنسان من الاشتراك في قوافل الحج من خلال دفع المتطلبات المالية اللازمة لذلك، ويتبقى لديه فائض يُؤمِّن له المصرف الماليّ لنفسه ولعائلته التي يعولها بعد رجوعه من الحج حتى لو كان هذا الفائض هو راتبه الشهري الذي يتقاضاه كل شهر، فكما يُشترط الأمن في الطريق؛ كذلك يشترط الأمن على المال والعرض، فقد تتوافر للإنسان جميع ما ذكرناه من أمور، ولكنه -مع ذلك- لا يستطيع ترك بلده لخوفه على عياله، أو لخوفه على ماله.
إنّ الإنسان يُصبح مستطيعاً إذا ما توافرت لديه الأمور السابقة، وهي ما نسميه «شرائط الاستطاعة من الناحية العامة»، وإلاَّ فإنّ من نافلة القول أن نقول أنّ الحج لا يجب إلاّ على البالغ العاقل الحر - والآن كل الناس أحرار - فإذا ما توافرت هذه الأمور وجب الحج على المكلف.
عواقب تسويف الحجّ:
إنَّ التسويف في الحج من الذنوب الكبائر، وذلك بأن يستطيع الإنسان الحج فيُسوّف ويُؤجّل الحج إلى العام المُقبل، فهذا التسويف يُعدُّ من كبائر الذنوب، حتّى لو كان قادراً على الحج فعلاً في السنوات المقبلة، ولذا ورد في الرواية أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سأله أحد أصحابه فقال: أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يُسوف الحج كل عام وليس يشغله عنه إلا التجارة والدََََّين! فقال (عليه السلام): ((لا عذر له يُسوف الحج ،إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام)).
مسائل هامة في الحج .
إنّ الكثير من الناس - في عصرنا الراهن - يتمكن من أداء هذه الفريضة بعد مرور أشهر محدودة من حصوله على الوظيفة -باعتبار توافر شروط الاستطاعة الآنفة الذّكر- وهو مكلف بالمحافظة على هذه الاستطاعة إلى وقت الحج ، ولذا على الإنسان المؤمن العامل بالفرائض والمؤدي للواجبات -لاسيّما من الشباب- أن يلتفت إلى أهمية أداء الحج من خلال ما نستعرضه من مسائل هامة:
الأولى : أيّهما يُقدّم الزواج أو الحج؟
بعض الناس يتصور أنّ جمع المال للزواج أو لترتيب أموره الشخصية يؤدي إلى زوال الاستطاعة عنه ، ومن هنا ينبثق هذا التساؤل،أيهما يُقدم الحج أو الزواج؟
يقول الفقهاء، إذا خشي الإنسان -بتركه الزواج- الوقوع في الحرام، أو إلى عدم التحمل، فهنا يسوغ له أن يجعل ما لديه من مال لزواجه، أمَّا إذا لم يكن الأمر كذلك، بحيث يمكنه التحمل وتأخير الزواج فهو غير معذور في إرجاء وتأخير الحج، بل يجب عليه أن يؤدي الحج ولذلك نلحظ في الآية: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }. أي جعل ترك الحج وعدم أدائه معادلاً للكفر!
الثانية : هل يجب الحج على الطالب؟
إنّ الحج ليس واجباً فقط على الموظف لكونه مستطيعاً من أداء هذه الفريضة، بل حتى طلاب الكليات والجامعات باعتبارهم يستلمون مكافآت، والبعض منهم لا يصرفها على نفسه، وإنما يدخرها، فإذا ما دخلت أشهر الحج ولم يكن مَدِيْناَ؛ وَجَب عليه الحج، أما من كان عليه دين تنتفي بأدائه قدرته المالية، فلا يجب عليه الحج.
الثالثة : أيّهما يُقدّم الخمس أو الحج؟
هنا أنوه إلى أنّ البعض يتعلق في أموالهم حق شرعي من خلال مرور سنة (حول) على بعض أمواله الزائدة عن حاجته ، فيجب عليه أداء الخمس المتعلق بها؛ لأنّ الخمس في فاضل المئونة كما جاء في الرواية، ولكنه يتصور أنه إذا دفع الخمس فسوف تزول استطاعته المالية، وبالتالي لن يتمكن من أداء الحج، وفي الحقيقة هذا تصور بعيد عن الصواب، لأنّ في مثل هذه الحالة وظيفته الشرعية هي وجوب أداء الخمس، ولا يجب عليه الحج؛ باعتباره مدِيناً وغير مستطيع، أي كما أن الدين للآخرين يجب عليه أداؤه ويصدق عليه مستطيعاً،كذلك إذا تعلق بأمواله الحق الشرعي ولم يُؤدِ هذا الحق فخسر بعض أمواله وجاء وقت الحج وليس لديه إلاّ القليل من المال الذي لا يكفي للحجّ إذا ما أخرج منه الخمس، فعند ذلك يكون فاقداً للاستطاعة الشرعية ولا يجب عليه الحج.
الرابعة : هل تأخير الرواتب يُسقط وجوب الحج؟
إنّ قسماً من الناس متمكن من الناحية الاقتصادية، غاية الأمر أنه أرجِئَت رواتبه، فلم يستلمها لأي سبب كان فهذا تصدق عليه الاستطاعة، ويجب عليه الحج إذا تمكن من الاقتراض وأداء المال بعد أداء الحج؛ ما لم يكن عليه حرج في ذلك. ولذلك فهو غير معذور في الإرجاء والتسويف عن أداء الحج.
الخامسة : الحج ومنع الحقّ الشرعي.
بعض الناس لا ينضبط في سلوكه -وقد شاهدتُ قِسماً منهم-، فيعمل على اقتناء المال من أي مجال من المجالات من غير مراعاة للجهات الشرعية، فيكون قِسماً من ماله من الحلال، والقسم الآخر من الحرام، وإذا كان الإنسان من هذا النمط، فإنّ عليه الانتباه إلى أنه لو أراد أن يحج، فلا يعني ذلك سقوط الوظيفة الشرعيّة وهي وجوب إرجاع الأموال المحرّمة إلى أصحابها, وأيضاً، ليس له أن يحجّ من هذه الأموال، لكنّه لو أخذ من أمواله الحلال وحجّ بها، فحجّه صحيح، وإن أَثِمَ بإمساكه أموال الآخرين.
وهنا أيضاً مسألة أُخرى، هي أنّ بعض الناس يتعلّق بأمواله الحق الشرعي - الخمس- بحيث يستثقل ويتحرج من إخراج الخمس من أمواله الكثيرة، فلا يُخرج الخمس، فهذا عمل محرم وهو عاصٍ بعدم إخراجه للخمس، فيُمكنه أن يقتطع جزءاً من أمواله - بمقدار رسوم قافلة الحجّ التي يريد الذهاب معها -فيُخرج خمّسه، ويحج به ويكون حجّه من هذا المال صحيحاً لأنّه حجّ من مال حلال لم يتعلّق به حقّ لله أو الغير، ولا يعني هذا أنني أقوم بتبرير عمله المحرم، وإنما أوضح المخرج الشرعي لذلك فقط. وكذلك هذا الأمر يجري في بعض أصحاب المزارع الذين يكون التمر هو مصدرهم الاقتصادي، ولا يُخرجون الزكاة في تمورهم، فمن يُريد الحجّ منهم فعليه أداء زكاة تمره.
"عاشقة النور"
تعليق