بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصص الأولى في باب التوحيد ولنبدأ على بركة الله تعالى.
(1)
البهلول وأبو حنيفة
يوماً كان البهلول ماراً بالقرب من مسجد فرأى أبا حنيفة جالساً يحيطه ثلة من طلابه وهو يلقي عليهم درسه المعتاد، فوقف البهلول وأخذ ينصت لكلام أبي حنيفة، فسمعه يقول:
سمعت الصادق يقول أموراً أدهشني سماعها، فإنه يقول (إن الله لا يمكن أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة) فتعجبت لقوله، فهل يمكن لشيء أن يكون موجوداً لكنه لا يرى؟
وسمعته يقول: (أن الشيطان سيُحرق في نار جهنم) فتعجبت لقوله أيضاً لأن الشيطان هو نفسه مخلوق من النار، وما خلق من النار لا يُعذَّب بها.
وسمعته يقول: (أن الناس مسئولون عن أعمالهم) ولكنني أعتقد أن كلَّ أعمالنا مرتبطة بإرادة الله ومردّها إلى مشيئته، وأننا لسنا مسئولين عن أعمالنا.
وأرد البهلول أن يجيب على إدعاءات أبي حنيفة فاستخدم في ذلك أسلوب (من فمك أدينك) إذ رفع حجراً ورمى به أبا حنيفة فسقط على أم رأسه، فشكاه إلى القاضي، فما كان من الأخير إلا أن استدعى البهلول إلى المحكمة وسأله عن سبب اقدامه على هذا العمل الذي أدّى إلى إصابة رأس أبي حنيفة بوجع شديد فأجاب البهلول:
- أيها القاضي!
يقول أبو حنيفة (كل شيء موجود فهو مرئي ومشهود حتماً) وهو يدعي أن رأسه مصاب بوجع وألم، فإذا كان ادعاؤه صادقاً فليرني ((الألم والوجع))!
وهو يقول: (بما أن الشيطان مخلوق من نار فهو لا يحترق بها) وأبو حنيفة مخلوق من التراب والحجر من التراب أيضاً، إذن فينبغي أن لا يؤلم الحجر أبا حنيفة أو يجرحه، فإذا كان يدعي أنني أوجعت رأسه وجرحته بالحجر فإنه كاذب في إدعائه!
وهو يقول: (إن الإنسان ليس مخيراً فيما يقوم به وهو مسخر لإرادة الله ومجبور على أعماله بمشيئة الله) فإن كنت ضربت رأس أبي حنيفة فإني لست المقصر في ذلك وعليه أن يشكو الله لا أن يشكوني!
فبهت أبو حنيفة ودهش لسماع أجوبة البهلول وخرج من المحكمة بعد أن أسقط ما في يده وخاب سعيه.
فالتفت القاضي إلى البهلول وعفا عنه وأطلق سراحه.
(2)
التلميذ الذكي
كان لأحد العلماء تلاميذ كثيرون، وبعضهم تتلمذوا على يديه لفترة طويلة وامضوا جلّ حياتهم الدراسية في حلقة درسه. وكان بينهم تلميذ صغير السن يحبه الأستاذ أكثر من بقية طلبته بالرغم من كبر سنهم، وهذا ما أزعجهم وخصوصاً أنهم تتلمذوا مدة أطول عند ذلك العالم.
ويوماً ذهب الطلبة إلى أستاذهم وعبروا عن استيائهم لكونه يكنّ له حباً أكثر منهم ويحترمه أكثر مما يجب، فأجابهم الأستاذ: على الرغم من قصر الفترة التي درس فيها عندي بيد إنه يملك شيئاً لا تملكونه مما يجعله يمتاز به عنكم، وسوف أثبت ذلك لكم وأبرهنه قريباً.
وبعد مرور بضعة أيام، أمر الأستاذ تلامذته بأن يذبح كل منهم دجاجة في مكان لا يراه فيه أحد.
وفعلاً، استجاب التلاميذ لطلب أستاذهم واختار كل واحد منهم مكاناً اختفى فيه وذبح الدجاجة، وجاءوا أستاذهم في الغد حاملين دجاجاتهم المذبوحة وقد قطعوا رؤوسها، ودخلوا الصف، عدا ذلك الشاب فقد وصل الصف متأخراً عن الباقين وهو يحمل دجاجة حية، فلما رآه زملائه الطلبة انفجروا ضاحكين وسخروا منهم أيما سخرية.
لم يعبأ بهم الأستاذ والتفت ناحية التلميذ الشاب وقال له: (لما لم تذبح الدجاجة في مكان لا يراك فيه أحد؟).
أجاب التلميذ الشاب: كلما بحثت عن مكان ليس لله فيه وجود ولا يراني فيه ربي ويعلم ما أقوم به لم أجد مثل هذا المكان. وأخيراً وجدتني عاجزاً عن العثور على المكان الذي أردته.
فلما سمع الأستاذ جوابه استحسنه وأثنى عليه وخاطب زملائه بالقول: (هذا هو الأمر الذي يجعلني أحترم هذا الشاب كثيراً. إن لديه معرفة بالله لا تتوفر لأي واحد منكم).
(3)
الراعي المؤمن
في أحد الأزمنة القديمة، كان ثمة قافلة تروم الوصول إلى مكة لأداء فريضة حج بيت الله الحرام. ومن بين أفراد تلك القافلة (عبد الله بن عمر). وفي أثناء الطريق نفذ طعامهم وأخذ الجوع منهم مأخذه، حتى وصولوا إلى مكان وجدوا فيه قطيع من الغنم.
فتوجه عبد الله وثلة من أفراد القافلة إلى الراعي وقالوا له: (بع لنا عدداً من هذه الأغنام).
أجاب الراعي: (هذه الأغنام ليست لي ولا أستطيع أن أبيع أي منهم دون إذن من صاحبا).
فقال له عبد الله بن عمر: ( بع لنا الأغنام بأي ثمن شئت فصاحبها لا يعلم بذلك. وإن سألك فقل له: هجم الذئب على القطيع وافترس الأغنام وانصرف)!
أجاب الراعي: لو فرضنا أن صاحب الأغنام لم يعرف الحقيقة فهل أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يعلم هو الآخر ما حصل بالفعل؟! وإذا كان مالك هذه الحيوانات لا يرى فهل أن الباري (سبحانه) هو الآخر لا يرى؟! ولو افترضنا أن صاحبها ليس حاضراً الآن فهل أن ربنا هو الآخر غائب ولا يرى أعمالنا؟!
فدهش كل من كان في القافلة وتعجبوا لجواب الراعي، وقرروا البحث عنه والاستئذان منه في بيعهم هذا الراعي – وكان غلاماً مملوكاً له – ثم أعتقوه، وبعد ذلك اشتروا قطيع الأغنام وأهدوه لذلك الراعي المتدين.
(4)
الصقر
قرر ملك – في أحد الأيام – أن يخرج إلى صيد، فأمر وزراءه وخدمه وغلمانه أن يجتمعوا ويتأهبوا للخروج معه فاستجابوا له، وأحضروا كل وسائل الصيد ومستلزماته وساروا مع الملك للصيد.
وعندما وصلوا إلى محل الصيد، طفق الملك ووزراؤه يمارسون الصيد، وعندما حل الظهر وضعوا المائدة على سفح الجبل واجتمع حولها الملك ومقربوه من وجهاء البلد، وجيء بدجاجة كبيرة محشوَّة ومطهيَّة فوضعت بين يدي الملك، وفجأة انقضَّ صقر من الجو على الدجاجة اللذيذة فاختطفها وحلق في كبد السماء.
فاستشاط الملك غضباً وأمر حرسه بأن يتابعوا الصقر ويصطادوه مهما كلف الأمر وبأي وسيلة كانت. وفعلاً بقي الملك وحراسه – وهم على الأرض – يتابعون الصقر وهو محلق في الجو. دار الصقر حول الجبل ثم حطَّ في أحد شعابه وهم يرونه، وحينما وصل إليه الملك وحراسه ترجّلوا وأخذوا يطاردونه حتى وصلوا مكاناً شاهدوا الصقر فيه واضعاً فريسته على الأرض قرب رجل موثوق اليدين والرجلين، وطفق ينهش لحم الدجاجة ويلقمه الرجل، وما لبث الصقر أن طار إلى عين ماء وملأ منقاره ماءً ثم عاد إلى مكانه وسقى الرجل الموثق ماءً.
فوثب الملك وحراسه وفكّوا وثاق يديه ورجليه وسألوه عما حلَّ به فقال:
إنني تاجر وكنت متوجهاً في سفر إلى إحدى المدن. وفي هذه المنطقة هجم علي عدد من قطاع الطرق وسلبوا أموالي وأوشكوا أن يقتلوني، فرجوتهم أن لا يفعلوا ذلك، والتمستهم طويلاً فأشفقوا علي فقالوا: ((نخشى أن تصل إلى بلد وتخبر عنا الناس فيه وتأتي بهم إلينا)) فأوثقوا يدي ورجليّ ورموا بي هنا.
وفي اليوم التالي جاءني هذا الصقر وجلب لي خبزاً، وأتاني اليوم بدجاجة مطهية وهكذا استضافني مرتين.
تأثر الملك إثر سماعه لهذا الكلام وقال:
إن الله رحيم لدرجة أن عبده الموثوق اليدين والرجلين، المرمي في الصحراء على جبل ومع ذلك لا يتركه وحيداً ودون رعاية. ويحنا نحن الذين نملك ربّاً رؤوفاً كهذا ومع ذلك فنحن غافلون عنه.
ثم قرر الملك من فوره ترك أمر الحكم والملكية وانخرط في سلك العبّاد والزهّاد المعروفين في زمانه.
(5)
دعاء التاجر
أفلس رجل تاجر في مدينة الكوفة وتراكمت بذمته للناس ديون كثيرة، بحيث أنه مكث في بيته لا يغادره خشية من مقابلة المقرضين ومطالبتهم إياه بحقوقهم. وفي إحدى الليالي ضاق صدره ونفد صبره فلم يعد يطيق المكوث في الدار فغادرها تحت جنح الظلام، ودلف إلى مسجد في غسق الليل يناجي الله (تبارك وتعالى) وطفق يدأب في الصلاة والتضرع إلى الله والتوسل بحضرته والتمس في دعاءه أن يفرج الله عنه فيؤدي ديونه.
وفي هزيع تلك الليلة، كان ثمة تاجر ثري يغط في نوم عميق، فقيل له في المنام: أن رجلاً في هذه اللحظات يدعو الله ويرجوه أن يؤدي ديونه، فاستيقظ وانهض وأدها في الحال.
فاستيقظ التاجر الثري، ثم توضأ وصلى ركعتين واستغرق في رقاده من جديد، وما لبث أن عاد النداء موجهاً إليه، فنهض وفعل مثل المرة الأولى ثم غط في سباته وما أسرع ما حصل مثل المرتين السابقتين، فنهض وحمل معه مبلغ ألف دينار وركب بعيره وانطلق ولكنه ترك عنان البعير ولم يأخذ بخطامه وقائلاً: إن الذي أمرني في المنام بالخروج من الدار لسوف يتولى إيصالي وإرشادي إلى الشخص المحتاج.
وأخذ البعير يجتاز طرقات المدينة وأزقتها الواحد تلو الآخر حتى برك أمام أحد المساجد، فترجل عنه التاجر ودلف إلى المسجد، فسمع التاجر المفلس يجهش بالبكاء والنحيب والتوسل بالله، فتوجه التاجر الثري ناحية الصوت حتى وصل قرب المفلس فرآه مطرقاً ناحباً، فقال له: يا عبد الله! ارفع رأسك فقد استجيب دعاؤك.
ثم مد يده وسلّمه الألف دينار قائلاً: اقض ديونك بهذا المبلغ وانفق على عيالك منه وإذا نفد وما زلت بحاجة إلى مال فاسمي فلان وعنوان عملي في المحل الفلاني ومنزلي كائن في المكان الفلاني، فأتني كي أعطيك المزيد من المال.
فقال التاجر المفلس:
(سآخذ منك هذا المال لأنني أعلم أنه من رزق الله وفضله، ولكنني إذا احتجت للمال من جديد فلن آتيك).
سأل التاجر الثري:
(إذن فإلى من ستذهب إذا احتجت مالاً؟).
أجاب التاجر المفلس:
سأطلب ما أريد ممن عرضت له حاجتي هذه الليلة فأرسلك لتقضيها، وان احتجت مرة أخرى سأستغيث به لأنه أكرم الأكرمين ولن ينسى عباده أبداً. وإذا بقيت محتاجاً فسأتوجه بحاجتي إلى الله الذي هو قريب مني ويستجيب دعائي، فأسأله أن يسدّ حاجتي بأن يرسلك أنت أو أمثالك لقضائها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصص الأولى في باب التوحيد ولنبدأ على بركة الله تعالى.
(1)
البهلول وأبو حنيفة
يوماً كان البهلول ماراً بالقرب من مسجد فرأى أبا حنيفة جالساً يحيطه ثلة من طلابه وهو يلقي عليهم درسه المعتاد، فوقف البهلول وأخذ ينصت لكلام أبي حنيفة، فسمعه يقول:
سمعت الصادق يقول أموراً أدهشني سماعها، فإنه يقول (إن الله لا يمكن أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة) فتعجبت لقوله، فهل يمكن لشيء أن يكون موجوداً لكنه لا يرى؟
وسمعته يقول: (أن الشيطان سيُحرق في نار جهنم) فتعجبت لقوله أيضاً لأن الشيطان هو نفسه مخلوق من النار، وما خلق من النار لا يُعذَّب بها.
وسمعته يقول: (أن الناس مسئولون عن أعمالهم) ولكنني أعتقد أن كلَّ أعمالنا مرتبطة بإرادة الله ومردّها إلى مشيئته، وأننا لسنا مسئولين عن أعمالنا.
وأرد البهلول أن يجيب على إدعاءات أبي حنيفة فاستخدم في ذلك أسلوب (من فمك أدينك) إذ رفع حجراً ورمى به أبا حنيفة فسقط على أم رأسه، فشكاه إلى القاضي، فما كان من الأخير إلا أن استدعى البهلول إلى المحكمة وسأله عن سبب اقدامه على هذا العمل الذي أدّى إلى إصابة رأس أبي حنيفة بوجع شديد فأجاب البهلول:
- أيها القاضي!
يقول أبو حنيفة (كل شيء موجود فهو مرئي ومشهود حتماً) وهو يدعي أن رأسه مصاب بوجع وألم، فإذا كان ادعاؤه صادقاً فليرني ((الألم والوجع))!
وهو يقول: (بما أن الشيطان مخلوق من نار فهو لا يحترق بها) وأبو حنيفة مخلوق من التراب والحجر من التراب أيضاً، إذن فينبغي أن لا يؤلم الحجر أبا حنيفة أو يجرحه، فإذا كان يدعي أنني أوجعت رأسه وجرحته بالحجر فإنه كاذب في إدعائه!
وهو يقول: (إن الإنسان ليس مخيراً فيما يقوم به وهو مسخر لإرادة الله ومجبور على أعماله بمشيئة الله) فإن كنت ضربت رأس أبي حنيفة فإني لست المقصر في ذلك وعليه أن يشكو الله لا أن يشكوني!
فبهت أبو حنيفة ودهش لسماع أجوبة البهلول وخرج من المحكمة بعد أن أسقط ما في يده وخاب سعيه.
فالتفت القاضي إلى البهلول وعفا عنه وأطلق سراحه.
(2)
التلميذ الذكي
كان لأحد العلماء تلاميذ كثيرون، وبعضهم تتلمذوا على يديه لفترة طويلة وامضوا جلّ حياتهم الدراسية في حلقة درسه. وكان بينهم تلميذ صغير السن يحبه الأستاذ أكثر من بقية طلبته بالرغم من كبر سنهم، وهذا ما أزعجهم وخصوصاً أنهم تتلمذوا مدة أطول عند ذلك العالم.
ويوماً ذهب الطلبة إلى أستاذهم وعبروا عن استيائهم لكونه يكنّ له حباً أكثر منهم ويحترمه أكثر مما يجب، فأجابهم الأستاذ: على الرغم من قصر الفترة التي درس فيها عندي بيد إنه يملك شيئاً لا تملكونه مما يجعله يمتاز به عنكم، وسوف أثبت ذلك لكم وأبرهنه قريباً.
وبعد مرور بضعة أيام، أمر الأستاذ تلامذته بأن يذبح كل منهم دجاجة في مكان لا يراه فيه أحد.
وفعلاً، استجاب التلاميذ لطلب أستاذهم واختار كل واحد منهم مكاناً اختفى فيه وذبح الدجاجة، وجاءوا أستاذهم في الغد حاملين دجاجاتهم المذبوحة وقد قطعوا رؤوسها، ودخلوا الصف، عدا ذلك الشاب فقد وصل الصف متأخراً عن الباقين وهو يحمل دجاجة حية، فلما رآه زملائه الطلبة انفجروا ضاحكين وسخروا منهم أيما سخرية.
لم يعبأ بهم الأستاذ والتفت ناحية التلميذ الشاب وقال له: (لما لم تذبح الدجاجة في مكان لا يراك فيه أحد؟).
أجاب التلميذ الشاب: كلما بحثت عن مكان ليس لله فيه وجود ولا يراني فيه ربي ويعلم ما أقوم به لم أجد مثل هذا المكان. وأخيراً وجدتني عاجزاً عن العثور على المكان الذي أردته.
فلما سمع الأستاذ جوابه استحسنه وأثنى عليه وخاطب زملائه بالقول: (هذا هو الأمر الذي يجعلني أحترم هذا الشاب كثيراً. إن لديه معرفة بالله لا تتوفر لأي واحد منكم).
(3)
الراعي المؤمن
في أحد الأزمنة القديمة، كان ثمة قافلة تروم الوصول إلى مكة لأداء فريضة حج بيت الله الحرام. ومن بين أفراد تلك القافلة (عبد الله بن عمر). وفي أثناء الطريق نفذ طعامهم وأخذ الجوع منهم مأخذه، حتى وصولوا إلى مكان وجدوا فيه قطيع من الغنم.
فتوجه عبد الله وثلة من أفراد القافلة إلى الراعي وقالوا له: (بع لنا عدداً من هذه الأغنام).
أجاب الراعي: (هذه الأغنام ليست لي ولا أستطيع أن أبيع أي منهم دون إذن من صاحبا).
فقال له عبد الله بن عمر: ( بع لنا الأغنام بأي ثمن شئت فصاحبها لا يعلم بذلك. وإن سألك فقل له: هجم الذئب على القطيع وافترس الأغنام وانصرف)!
أجاب الراعي: لو فرضنا أن صاحب الأغنام لم يعرف الحقيقة فهل أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يعلم هو الآخر ما حصل بالفعل؟! وإذا كان مالك هذه الحيوانات لا يرى فهل أن الباري (سبحانه) هو الآخر لا يرى؟! ولو افترضنا أن صاحبها ليس حاضراً الآن فهل أن ربنا هو الآخر غائب ولا يرى أعمالنا؟!
فدهش كل من كان في القافلة وتعجبوا لجواب الراعي، وقرروا البحث عنه والاستئذان منه في بيعهم هذا الراعي – وكان غلاماً مملوكاً له – ثم أعتقوه، وبعد ذلك اشتروا قطيع الأغنام وأهدوه لذلك الراعي المتدين.
(4)
الصقر
قرر ملك – في أحد الأيام – أن يخرج إلى صيد، فأمر وزراءه وخدمه وغلمانه أن يجتمعوا ويتأهبوا للخروج معه فاستجابوا له، وأحضروا كل وسائل الصيد ومستلزماته وساروا مع الملك للصيد.
وعندما وصلوا إلى محل الصيد، طفق الملك ووزراؤه يمارسون الصيد، وعندما حل الظهر وضعوا المائدة على سفح الجبل واجتمع حولها الملك ومقربوه من وجهاء البلد، وجيء بدجاجة كبيرة محشوَّة ومطهيَّة فوضعت بين يدي الملك، وفجأة انقضَّ صقر من الجو على الدجاجة اللذيذة فاختطفها وحلق في كبد السماء.
فاستشاط الملك غضباً وأمر حرسه بأن يتابعوا الصقر ويصطادوه مهما كلف الأمر وبأي وسيلة كانت. وفعلاً بقي الملك وحراسه – وهم على الأرض – يتابعون الصقر وهو محلق في الجو. دار الصقر حول الجبل ثم حطَّ في أحد شعابه وهم يرونه، وحينما وصل إليه الملك وحراسه ترجّلوا وأخذوا يطاردونه حتى وصلوا مكاناً شاهدوا الصقر فيه واضعاً فريسته على الأرض قرب رجل موثوق اليدين والرجلين، وطفق ينهش لحم الدجاجة ويلقمه الرجل، وما لبث الصقر أن طار إلى عين ماء وملأ منقاره ماءً ثم عاد إلى مكانه وسقى الرجل الموثق ماءً.
فوثب الملك وحراسه وفكّوا وثاق يديه ورجليه وسألوه عما حلَّ به فقال:
إنني تاجر وكنت متوجهاً في سفر إلى إحدى المدن. وفي هذه المنطقة هجم علي عدد من قطاع الطرق وسلبوا أموالي وأوشكوا أن يقتلوني، فرجوتهم أن لا يفعلوا ذلك، والتمستهم طويلاً فأشفقوا علي فقالوا: ((نخشى أن تصل إلى بلد وتخبر عنا الناس فيه وتأتي بهم إلينا)) فأوثقوا يدي ورجليّ ورموا بي هنا.
وفي اليوم التالي جاءني هذا الصقر وجلب لي خبزاً، وأتاني اليوم بدجاجة مطهية وهكذا استضافني مرتين.
تأثر الملك إثر سماعه لهذا الكلام وقال:
إن الله رحيم لدرجة أن عبده الموثوق اليدين والرجلين، المرمي في الصحراء على جبل ومع ذلك لا يتركه وحيداً ودون رعاية. ويحنا نحن الذين نملك ربّاً رؤوفاً كهذا ومع ذلك فنحن غافلون عنه.
ثم قرر الملك من فوره ترك أمر الحكم والملكية وانخرط في سلك العبّاد والزهّاد المعروفين في زمانه.
(5)
دعاء التاجر
أفلس رجل تاجر في مدينة الكوفة وتراكمت بذمته للناس ديون كثيرة، بحيث أنه مكث في بيته لا يغادره خشية من مقابلة المقرضين ومطالبتهم إياه بحقوقهم. وفي إحدى الليالي ضاق صدره ونفد صبره فلم يعد يطيق المكوث في الدار فغادرها تحت جنح الظلام، ودلف إلى مسجد في غسق الليل يناجي الله (تبارك وتعالى) وطفق يدأب في الصلاة والتضرع إلى الله والتوسل بحضرته والتمس في دعاءه أن يفرج الله عنه فيؤدي ديونه.
وفي هزيع تلك الليلة، كان ثمة تاجر ثري يغط في نوم عميق، فقيل له في المنام: أن رجلاً في هذه اللحظات يدعو الله ويرجوه أن يؤدي ديونه، فاستيقظ وانهض وأدها في الحال.
فاستيقظ التاجر الثري، ثم توضأ وصلى ركعتين واستغرق في رقاده من جديد، وما لبث أن عاد النداء موجهاً إليه، فنهض وفعل مثل المرة الأولى ثم غط في سباته وما أسرع ما حصل مثل المرتين السابقتين، فنهض وحمل معه مبلغ ألف دينار وركب بعيره وانطلق ولكنه ترك عنان البعير ولم يأخذ بخطامه وقائلاً: إن الذي أمرني في المنام بالخروج من الدار لسوف يتولى إيصالي وإرشادي إلى الشخص المحتاج.
وأخذ البعير يجتاز طرقات المدينة وأزقتها الواحد تلو الآخر حتى برك أمام أحد المساجد، فترجل عنه التاجر ودلف إلى المسجد، فسمع التاجر المفلس يجهش بالبكاء والنحيب والتوسل بالله، فتوجه التاجر الثري ناحية الصوت حتى وصل قرب المفلس فرآه مطرقاً ناحباً، فقال له: يا عبد الله! ارفع رأسك فقد استجيب دعاؤك.
ثم مد يده وسلّمه الألف دينار قائلاً: اقض ديونك بهذا المبلغ وانفق على عيالك منه وإذا نفد وما زلت بحاجة إلى مال فاسمي فلان وعنوان عملي في المحل الفلاني ومنزلي كائن في المكان الفلاني، فأتني كي أعطيك المزيد من المال.
فقال التاجر المفلس:
(سآخذ منك هذا المال لأنني أعلم أنه من رزق الله وفضله، ولكنني إذا احتجت للمال من جديد فلن آتيك).
سأل التاجر الثري:
(إذن فإلى من ستذهب إذا احتجت مالاً؟).
أجاب التاجر المفلس:
سأطلب ما أريد ممن عرضت له حاجتي هذه الليلة فأرسلك لتقضيها، وان احتجت مرة أخرى سأستغيث به لأنه أكرم الأكرمين ولن ينسى عباده أبداً. وإذا بقيت محتاجاً فسأتوجه بحاجتي إلى الله الذي هو قريب مني ويستجيب دعائي، فأسأله أن يسدّ حاجتي بأن يرسلك أنت أو أمثالك لقضائها.
(6)
نعم الله
يوماً طلب داود إلى الله – وهو يناجيه – أن يريه قرينه في الجنة، فأخبره (تبارك وتعالى) أن (اذهب غداً وأخرج من باب المدينة فأول من تلتقيه هناك هو قرينك في الجنة).
وفي اليوم التالي خرج داود وابنه سليمان من باب المدينة فشاهدا شيخاً يحمل على ظهره حزمة من الحطب كي يبيعها. وكان الشيخ يدعي (متّى) وحينما وصل الباب صاح بأعلى صوته:
(من يريد أن يشتري حطباً؟).
فجاء شخص واشترى منه الحطب وانصرف. وهنا جاء داود وسلّم على الرجل ثم قال:
(أيمكنك أن تأوينا كضيوف هذا اليوم؟).
فقال الشيخ:
(على الرحب والسعة.. الضيف حبيب الله).
ثم اشترى الشيخ بثمن الحطب كمية من الحنطة، وحينما وصلوا البيت طحن الحنطة وخبز ثلاثة أقراص من الخبز ووضعها بين يدي ضيفيه.
وعندما بدءوا يأكلون الطعام، ما فتئ الشيخ يقول (بسم الله) مع كل لقمة يضعها في فمه وبعد أن يزدردها يتمتم (الحمد لله). وحين أتموا أكل الطعام المتواضع رفع يده نحو السماء وقال:
(إلهي:
إن الحطب الذي بعتُهُ هو شجرة أنبتَّها أنت: ثم يبستها وأعطيتني القوة الكافية لقلع الحطب منها، وأنت الذي بعثت لي من يشتري الحطب مني، والحنطة التي اشتريتُها، أنت الذي خلقت بذرتها وأنبتَّها، وأعطيتني الوسائل التي بها طحنت وخبزت، فما الذي صنعته أنا في قبال كل ذلك؟).
.كان الرجل يقول هذه الكلمات وهو يبكي ودموعه تجري من عينيه، وهنا التفت داود إلى ابنه سليمان (ع) ونظره نظرة معبّرة، وكأنه كان يقول له: إذن فلهذا السبب يحشر هذا الشخص مع الأنبياء.
نعم الله
يوماً طلب داود إلى الله – وهو يناجيه – أن يريه قرينه في الجنة، فأخبره (تبارك وتعالى) أن (اذهب غداً وأخرج من باب المدينة فأول من تلتقيه هناك هو قرينك في الجنة).
وفي اليوم التالي خرج داود وابنه سليمان من باب المدينة فشاهدا شيخاً يحمل على ظهره حزمة من الحطب كي يبيعها. وكان الشيخ يدعي (متّى) وحينما وصل الباب صاح بأعلى صوته:
(من يريد أن يشتري حطباً؟).
فجاء شخص واشترى منه الحطب وانصرف. وهنا جاء داود وسلّم على الرجل ثم قال:
(أيمكنك أن تأوينا كضيوف هذا اليوم؟).
فقال الشيخ:
(على الرحب والسعة.. الضيف حبيب الله).
ثم اشترى الشيخ بثمن الحطب كمية من الحنطة، وحينما وصلوا البيت طحن الحنطة وخبز ثلاثة أقراص من الخبز ووضعها بين يدي ضيفيه.
وعندما بدءوا يأكلون الطعام، ما فتئ الشيخ يقول (بسم الله) مع كل لقمة يضعها في فمه وبعد أن يزدردها يتمتم (الحمد لله). وحين أتموا أكل الطعام المتواضع رفع يده نحو السماء وقال:
(إلهي:
إن الحطب الذي بعتُهُ هو شجرة أنبتَّها أنت: ثم يبستها وأعطيتني القوة الكافية لقلع الحطب منها، وأنت الذي بعثت لي من يشتري الحطب مني، والحنطة التي اشتريتُها، أنت الذي خلقت بذرتها وأنبتَّها، وأعطيتني الوسائل التي بها طحنت وخبزت، فما الذي صنعته أنا في قبال كل ذلك؟).
.كان الرجل يقول هذه الكلمات وهو يبكي ودموعه تجري من عينيه، وهنا التفت داود إلى ابنه سليمان (ع) ونظره نظرة معبّرة، وكأنه كان يقول له: إذن فلهذا السبب يحشر هذا الشخص مع الأنبياء.
تعليق