حقيقة النبوة وأهدافها العامة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    حقيقة النبوة وأهدافها العامة

    لقد اختار اللهُ الحكيم رجالاً صالحين لهدايةِ البَشَرِ وإرشادِهم، وحمّلهم رسالته إلى جميع أفراد النوع الإنساني، وهُمُ الأنبياء والرُسل الذين بواسطتهم جَرى فيضُ الهداية من جانب الحقّ تعالى إلى عباده. وهذا الفيضُ المبارك بدأ بالنزول من جانب الله منذ أن تهيّأ البشرُ للاستفادة منه وإلى عصر النبي الاَكرمِ صلى الله عليه وآله وسلم. وحيث إنّ خَلقَ الاِنسان هو من فعل الله "الحكيم" فلا بّد أن يكون له من هَدَفٌ وغرضٌ، ينسجم ويتلاءم مع تركيب الكيان البشري ومع قدرته على عقل الأمور والأشياء. ومن جانب آخر، فإنّ عَقل الإنسان، وإنْ كان مؤثِّراً ومفيداً في سلوكه طريقَ الكمال، إلا أنّه غيرُ كافٍ لذلك. ولو اكتُفيَ في هداية الاِنسان بالعقل وحده لما عَرفَ الإنسان طريقَ الكمال بشكلٍ كاملٍ قطّ، ونذكر للمثال مسألة الوقوف على قضايا المبدأ والمعاد التي هي من أَهمّ مسائل الفكر البشريّ، وقضاياه على مدار التاريخ.
    فإنّ المرء يُريد أن يَعْلَم من أين جاء؟ ولماذا جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ ولكنّ العقلَ لا يقدر وحدَه على إعطاء الإجابات الصحيحة الكافية على كلّ هذه الأسئلة، ويشهد بذلك أنّه رغم كلّ ما أحرزته البشرية المعاصرة من التقدّم والرقيّ في ميادين العلم، فلا يزالُ قِسمٌ عظيمٌ من البشريّة وثنيّين. إنّ عجز العَقل والعلم البشريَّين، وقصورهما لا ينحصر في مجال قضايا المبدأ والمعاد، بل الإنسان لم يتمكّن من أن يختار الطريقَ الصحيحَ في كثيرٍ من مجالات الحياة أيضاً. إنّ اختلاف الرؤى والنّظريات البشريّة في قضايا الاقتصاد، والأخلاق، والعائلة، وغير ذلك من مناحي الحياة ومجالاتها، خير دليلٍ على قصوره عن الإدراك الصحيح لهذه المسائل، ولهذا ظهرت المدارس المتعارضة. ومع أخذ كلّ ما تقدّم بنظر الاعتبار يحكم العقلُ الصحيحُ بأنّه لا بدّ "بمقتضى الحكمة الإلَهيّة" من بعث وإرسال قادةٍ ربّانيّين، ومربّين إلَهيّين، لِيعَلِّمِوا البَشّريّة النهجَ الصحيحَ للحياة. إنَّ الّذين يَتصوَّرون أنّ في مقدور "الهدايات العقليّة" أن تحلَّ محلّ "الهدايات الإلَهيّة السّماويّة" يجب أن يُدركوا أمرين:
    1-إنّ العَقل والعلم البشريّين قاصران عن المعرفة الكاملة بالإنسان، وبمسيره في صعيد الماضي والمستقبل، في حين يعلم خالقُ البشر، بحكم كون كلِّ صانعٍ عارفاً بمصنوعه، بالإنسان، ومحيطٌ بأبعاده، وأسرار وجوده، إحاطةً كاملةً.
    2- إنّ الإنسان بمقتضى غريزة حبِّ الذّات المودَعة في كيانه، يُحاول عِلماً أو جهلاً أن يُتابعَ منافِعَه الشخصيّة ويهتمّ بها، فيعجز في تخطيطه وبرمجته عن الخروج من دائرة منافعه الفرديّة أو الجماعيّة بشكلٍ كاملٍ.
    ولهذا من الطبيعي أن لا تتّسم البرامج البشريّة بالجامعيّة والشموليّة الكاملة، ولكن برامج الأنبياء والمرسلين لكونها من جانب الله العالم، المحيط، الحقّ، المنزّه، مبرّأةٌ عن مِثل هذه النقيصة. وبملاحظة هاتين النقطتين يمكن القولُ على وَجه القطع واليقين:بأنّ البشر ليس في غنىً قطّ عن الهدايات الإلَهيّة، وعن برامج الأنبياء، لا في الماضي، ولا في المستقبل إنّما هو في حاجةٍ مستمرّةٍ إليها.
    القرآنُ وأهداف النبوّة
    الهدف من بعثة الأنبياء تقوية الأُسس التوحيدية: إن إرسال الرسل في ضوء ما هو مذكورٌ في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تتلخّص بالأُمور التالية:
    1-تقوية أُسُسِ التوحيد ومكافحة كلِّ نوعٍ من أنواع الانحراف في هذا الصعيد، كما يقول القرآن:﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا في كلّ أُمّةٍ رَسُولاً أنِ اعبُدُوا اللهَ واجتَنِبُوا الطّاغوتَ﴾(النحل:36).
    ويقول الإمام أمير المؤمنين عليٌ عليه السلام حول الهدف من بعث الاَنبياء:"ليعلم العبادُ ربّهم إذ جهلوه، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه".
    2-إيقاف الناس على المَعارف والرسالات الإلَهيّة وعلى طريق التزكية والتهذيب كما يقول تعالى:﴿هُوَ الّذي بَعَثَ في الأُميّين رَسُولاً مِنهُمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ﴾(الجمعة:2).
    3-إقامة القِسط في المجتمعِ البشريّ، كما يقول سبحانه:﴿لقد أرْسَلْنا رُسُلَنا بالبيّناتِ وأنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكتِابَ والمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾(الحديد:25).
    ومن المُسلَّم أنّ إقامة القِسط رهنُ معرفة الناس للعدالة في جميع الأبعاد والمجالات، كما ويتوقف على أن يقوموا بتحقيق ذلك من طريق الحكومة الإلَهيّة.
    4-الفَصل في الخُصُومات وحَلّ الخلافات، كما يقول تعالى: ﴿كانَ النّاسُ أُمّةً واحِدةً فَبَعثَ اللهُ النبيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنْذِرِينَ وأنزلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقّ ليَحكُمَ بينَ النّاسِ فِيما اْخَتَلفُوا فيه﴾(البقرة:213). ومن البديهي أنّ اختلافات النّاس لا تنحصر في مجال العقائد، بل تشمل شتّى مجالات الحياة المتنوعة.
    5-إتمام الحجّة على العباد كما يقول سبحانه:﴿رُسُلاً مُبَشّرينَ وُمنْذِرينَ لئَلاّ يَكُونَ للِنّاس عَلىَ اللهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكانَ اللهُ عَزيزاً حَكيماً﴾(النساء:165). ومن المسلَّم أن لله تعالى في خلق الإنسان هدفاً وغرضاً، وهذا الهدف إنّما يتحقّق عن طريق تنظيم برنامجٍ كامِلٍ لجميع شؤون البشر. وهذا البرنامج يجب أن يصل إلى البشرية، بحيث تَتُمُّ حُجّةُ الله على النّاس ولا يبقى عذرٌ لأحدٍ ليقول: أنا لم أعرفِ البرنامجَ الصحيح للحياة.
    طُرُق معرفةِ الأنبياءِ
    إنّ فطرةَ البَشر تقضي بألا يَقْبَلَ الاِنسانُ أيّ ادّعاءٍ من غير دليل، ومن قَبِل شيئاً أو زعماً من دون دليل، فإنّه يكون قد خالف فطرته الإنسانية. إنّ ادّعاءَ النبوّة أعظمُ ادّعاءٍ يمكن أن يطرحه فردٌ من أفراد البشر، ومن البديهي أن زعماً وادعاءً في مثل هذه العظمة يجب أن يستند إلى برهانٍ قاطعٍ، ويُقرَنَ بالدلِيل الساطع. ويمكن أن تكون الأدِلّة في هذا المجال أحد أُمورٍ ثلاثة:
    أ- أن يُصرّح النبيُ السابقُ الذي ثبتت نبوّتُه بالأدلّة القاطعة، على نبوّة النبيّ اللاحِق كما صَرّح السيدُ المسيح عليه السلام بنبوة النبي محمد خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم وبشّر بمجيئه.
    ب- أنْ تشهَد القرائنُ والشواهد المختلفة على صِدقِ دعواه، وهي شواهد وقرائن يمكن تحصيلُها من سيرته في حياته، ومن محتوى دعوته، ومن الشّخصيات التي آمنت به، وانضوت تحت لوائه، وكذا في طريقة دعوته، وأُسلوبه في العمل لنشر مبادئه، وتبليغها.
    ج- الإتيان بالمعجزة، يعني أن يُقرِنَ مدّعي النبوة دعواه، بعملٍ خارقٍ للعادة ويتحدّى به الآخرين، ويكونَ ذلك العمل للخارق مطابقاً لدعواه.
    إنّ الطريقين الأوّليّن ليسا عامّين في حين يكون الطريق الثالث عامّاً، وقد استفادت البشريةُ على طول التاريخ من هذا الطريق لمعرفة الأنبياء والإيمان بدعوتهم، وكان الأنبياء بدورهم يُقرنون دعواهم للنبوّة بذلك، ويستفيدون من هذا الطريق.
    العلاقة المنطقية بين دعوى النبوّة والمعجزة
    إنّ بَينَ المعجزة وبين صدق دعوى النُبوّة علاقةً منطقيّةً، لأنّه إذا كان الآتي بالمعجزة صادقاً في دعواه فإنّ من الطبيعيّ أنْ يُثْبِتَ مطلبَهُ، أمّا إذا كان كاذباً في دعواه النبوة فالله الحكيم لن يُمكّن الكاذبَ في ادّعاء النبوّة من الإتيان بالمعجزة، لأنّ النّاس سَيُؤمنون به إذا رأوا قدرته على الإتيان بالعَمَل الخارق للعادة، وسيَعملون بأقوالِهِ فيكونُ ذلِك إضلالاً للنّاس إذا كان المُدّعي للنبوّة كاذباً، ولا شكّ أنّ هذا يتنافى مع عَدلِ الله وحكمته.
    الفرق بين المعجزة والكرامة
    إنّ الاِتيان بالعَمَل الخارق للعادة الذي يقترن مع دعوى النبوة، ويتّفق مع الإدّعاء، يُسمى "معجزة". وأمّا إذا صدر العملُ الخارقُ للعادة من عبدٍ للهِ صالحٍ لم يَدَّعِ النبوّةَ سُمِيّ "كرامة". وممّا يشهد بأنّ عباد الله الصالحين من غير الأنبياء قادرون أيضاً على الإتيان بالأعمال الخارقة للعادة، نزول مائدة سماويّة على السيّدة مريم أُم النبي السيد المسيح عليه السلام، وانتقال عرش بلقيس ملكة سبأ في سرعة خاطفة من اليمن إلى فلسطين على يد فردٍ بارزٍ من أنصار النبي سليمان. وقد أخبرَ القرآنُ الكريم بكلا الحَدَثين إذ قال في شأن مريم:﴿كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَريّا الِمحْرابَ وَجَد عِنْدَها رِزْقاً﴾(آل عمران:37). وقال حول حادثة عرش بلقيس أيضاً: ﴿وقالَ الّذي عِنْدَهُ علْمٌ مِنَ الِكتابِ أَنا آتِيكَ بِهِ قبْلَ أنْ يرتَدَّ إليْكَ طرفُك﴾(النمل:40).
    الوحي والنبوة
    صلة النبي بعالم الغيب: إنّ "الوحيَ" هو أهَمُّ طريقٍ من طُرُق اتّصال الأنبياء بعالمِ الغيب، وهو ليس ناشئاً عن الغريزة أو العقل بل هو علمٌ خاصٌّ يفيضُ به اللهُ تعالى على الأنبياء خاصّة، ليبَلّغُوا الرسالاتِ الإلَهيّة إلى البشر. إنّ القرآنَ يصفُ الوحيَ قائلاً:﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * على قَلْبِكَ...﴾(الشعراء:193-194). فهذه الآية تفيد أنّ معرفةَ الأنبياء بالرّسالات الإلَهيّة ليست نابعةً وناشئةً من استخدام أشياء كالحواسّ الظاهريّة وما شابه ذلك، بل ينزل به مَلَك الوحيِ على قلب النبيّ. وعلى هذا الأساس لا يمكن تحليل حقيقة الوحي المعقّدة وتفسيرها بالمقاييس العادية. وفي الحقيقة إنّ نزول الوَحْي هو أحدُ مظاهر الغيب الّتي يجبُ الإيمانُ بها، وإنْ لم تتضَح لنا حقيقةُ هذه الظاهرة، فالله تعالى يقول:﴿الّذيْنَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾(البقرة:2)؛ فما على الصالحين من البشر والراغبين في الحق تعالى إلا التسليم لمشيئته والإيمان بما أنزل على أنبيائه ورسله، في عالم الشهود والغيب.
  • محب الرسول

    • Dec 2008
    • 28579

    #2
    احسنتِ الانتقاء
    بارك الله بك

    تعليق

    • عاشقة النور
      • Jan 2009
      • 8942

      #3
      بارك الله فيك
      وحماك من كل سوء

      "عاشقة النور"

      تعليق

      • دمعة الكرار
        • Oct 2011
        • 21333

        #4
        كل الشكروالتقديرعلى مروركي
        الرائع والذي زين صفحاتي
        تقبلي تحيااااااااااااااااتي

        تعليق

        يعمل...
        X