فاطمة الوليدة
في ظلال أبيها رسول الله (ص) و بين أحضان امها الطاهرة،خديجة بنت خويلد ابن
أسد،ولدت فاطمة الزهراء في مكة المكرمة في يوم الجمعة (1) في العشرين من شهر
جمادى الآخرة (2) ،فاستقبل رسول الله ابنته الحبيبة بالفرح و الرضاء و
سماها«فاطمة» (3) لقد أثمرت شجرة النبوة،و أذن الله لدوحة الرسول (ص) أن تمتد
فروعها،و تستطيل آفاقها بميلاد فاطمة في أجيال هذه الامة.
لقد ولدت فاطمة،و هي تحمل روح رسول الله،و صفاته،و أخلاقه،فكانت الوارث و
الشبيه،إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثل الرسول في صفته و شمائله كفاطمة،و لقد لفتت
هذه العلاقة و الرابطة بين رسول الله (ص) و ابنته فاطمة أنظار الذين
عايشوها،فتحدثوا عن ذلك الشبه،و كرروا القول فيه،فهذه زوج رسول الله عائشة تتحدث
عن هذه العلاقة و الرابطة الجسدية و الروحية و الأخلاقية بين رسول الله (ص) و
ابنته فاطمة فتقول:
«ما رأيت أحدا أشبه سمتا و دلا و هديا برسول الله (ص) ،في قيامها و قعودها،من
فاطمة بنت رسول الله (ص) .قالت:و كانت إذا دخلت على النبي (ص) قام إليها فقبلها و
أجلسها في مجلسه،و كان النبي (ص) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته و أجلسته
في مجلسها» (4) .
و روت عائشة أيضا:
«ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما و حديثا من فاطمة برسول الله (ص) » (5) .لقد ملأت
فاطمة بيت الأبوين رسول الله (ص) ،و زوجته خديجة بالبهجة و السرور،فهي ملتقى الحب
بينهما،و ثمرة العلاقة الودية في حياتهما،و فرع النبوة الشامخ،و ظله المستطيل،و
مستودع نور النبوة المتقلب في أصلاب الساجدين،فحق لهذا البيت أن يزهو بمناغاة
فاطمة،و يمتلئ سرورا بابتساماتها المشرقة الوليدة.
فاطمة البنت
و هكذا ولدت فاطمة،و درجت في بيت النبوة،و ترعرعت في ظلال الوحي،و رضعت مع لبن
خديجة،حب الإيمان و مكارم الأخلاق،و حنان الأب الرسول (ص) و الام،ام المؤمنين
الطاهرة،و هكذا عاشت فاطمة في ظلال هذا الجو الروحي،و السمو العائلي،و تشبعت
روحها بالحنان النبوي الكريم .
و شاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة،في مرحلة من أشد مراحل الدعوة
الاسلامية ضراوة و محنة،و أكثرها قسوة و أذى لأمها و أبيها.
لقد ولدت فاطمة في حدة الصراع بين الاسلام و الجاهلية،و فتحت عينيها في ضراوة
الجهاد بين الطليعة المؤمنة،و قريش الوثنية الجائرة،و ها هي قريش تفرض المقاطعة و
الحصار على رسول الله و أعمامه بني هاشم،و أصحابه من الدعاة و طلائع الجهاد،فيدخل
رسول الله (ص) شعب أبي طالب،و تدخل معه زوجته المجاهدة رفيقة حياته و شريكته في
جهاده،و تدخل معهم فاطمة،و تحاصرهم قريش ثلاث سنين.
و في هذا الشعب ذاق (ص) و من معه فيها شظف العيش و قساوة المقاطعة،و مرارة الجوع
و الحرمان،دفاعا عن الحق و تضحية من أجل المبدأ،و كانت بداية هذا الحصار في السنة
السابعة بعد البعثة النبوية،و بذا عايشت الزهراء الحصار،و ذاقت في طفولتها مرارة
الجهاد و ألم الكفاح.
و تمرسنون الحصار،صعبة ثقيلة،و يخرج رسول الله (ص) و من معه من الحصار و
المقاطعة،و قد كتب الله تعالى لهم النصر و الغلبة،و تخرج خديجة و قد أثقلتها
السنون،و أرهقها عناء الحصار و الحرمان،و ها هي قد بلغت الخامسة و الستين من
عمرها الجهادي المشرق،و حياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة،لقد قرب
أجلخديجة،و شاء الله تعالى أن يختارها لجواره،فيتوفاها في ذلك العام،الذي خرج
فيه المسلمون من الحصار،و كان العام العاشر من البعثة.
و توفي في العام ذاته أبو طالب عم الرسول (ص) ،و حامي الدعوة الاسلامية،و ناصر
الاسلام،و لقد شعر رسول الله بالحزن و الأسى،و أحس بالفراق و الوحشة،إنه فقد
الحبيب و العون و المواسي،فقد خديجة،زوجته و حبيبته و عونه،و فقد عمه،الحامي و
المدافع عنه،فسمى ذلك العام ب (عام الحزن) ،حقا إنه عام الأحزان،عام فقد فيه رسول
الله (ص) أحب الناس إلى قلبه،و أكثرهم عطفا عليه.
و ليس رسول الله (ص) وحده هو الذي رزئ في ذلك العام،بل و فاطمة الصبية الصغيرة
التي لم تشبع من حنان الامومة،و عطف الوالدة بعد،فقد شاطرته هذه المأساة،و رزئت
هي الاخرى،فشملتها المحنة في ذلك العام الحزين،عام الألم و المأساة،و شعرت بغمامة
الحزن و اليتم تخيم على حياتها الطاهرة.
لقد فقدت امها،و فارقت مصدر حبها و حنانها،فشعرت بالألم و الفراق يملأ قلبها،و
يحز في نفسها.
و يحس الأب الرسول (ص) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (ع) ،و يرى دموع الفراق تتسابق
على خديها،فيرق القلب الرحيم،و تفيض مشاعر الود و الأبوة الصادقة،فيحنو رسول الله
(ص) على فاطمة،يعوضها من حبه و حنانه ما فقدته في امها،من حب و رعاية و حنان.
أحب رسول الله (ص) فاطمة و أحبته،و حنا عليها،و حنت عليه،فلم يكن أحد أحب إلى
قلبه و لا إنسان أقرب إلى نفسه من فاطمة،لقد أحبها و صاغ حبه لها،و قربها منه،أو
سمة شرف،و عبارات خلود،فكان يؤكدـكلما وجد ذلك ضرورياـهذه العلاقة بفاطمة،و يوضح
مقامها و مكانتها في امته،و هو يمهد لأمر عظيم،و قدر خطير،يرتبط بفاطمة،و بالذرية
الطاهرة التي أعقبتها فاطمة،و بالامة الاسلامية كلها.كان يؤكد ذلك ليعرف المسلمون
مقام فاطمة،و مكانة الأئمة من ذريتها،ليعطوا فاطمة حقها،و يحفظوا لها مكانتها،و
يراعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها .
فها هو رسول الله (ص) يعرف فاطمة،و يؤكد للمسلمين:
«فاطمة بضعة مني،فمن أغضبها أغضبني» (6) .
«إنما فاطمة بضعة مني،يؤذيني ما آذها» (7) .
و قال (ص) :«يا فاطمة!ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء هذه
الامة و سيدة نساء المؤمنين» (8) .
و يسأل الإمام علي (ع) رسول الله (ص) فيقول:
«يا رسول الله!أي أهلك أحب إليك؟قال: (فاطمة بنت محمد) » (9) .
إن قولة الرسول (ص) هذه ليست عاطفية بقدر ما هي توجيه للامة نحو هذه المرأة
الاسوة القدوة .
و تكبر فاطمة و تشب،و يشب معها حب أبيها لها،و يزداد حنانه عليها،و تبادلهفاطمة
هذا الحب،و تملأ قلبه بالعطف و الرعاية فيسميها«ام أبيها» (10) .
لقد كانت تحنو عليه (ص) حنو الامهات على أبنائهن،و ترعاه رعاية الوالدات لصغارهن.
إنه النموذج القدوة من العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية
الأبناء،و توجه سلوكهم و حياتهم،و تملأ نفوسهم بالحب و الحنان.لقد كانت هذه
العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الاسلام للفتاة و العناية بها،و تحديد مكانتها.
تعليقات:
1ـقال بعض المؤرخين أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين،و تذهب معظم روايات أهل البيت
(ع) إلى أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين (الكافي بسند صحيح،و المصباح الكبير،و
دلائل الإمامة،و مصباح الكفعمي،و الروضة،و مناقب ابن شهر آشوب،و غيرها) .
و مما يؤيد ذلك ما ذكرته كتب التاريخ من أن كل ولد خديجة ولدوا بعد
الاسلام،باستثناء عبد مناف،و كانت فاطمة أصغر أولاد الرسول (ص) ،و مما يدل على
أنها ولدت بعد البعثة روايات كثيرة أكدت على أن نطفقتها قد انعقدت من ثمر جاء به
جبريل إلى النبي (ص) ،منها ما روي عن ابن عباس،و سعد بن أبي وقاص،و عائشة.
و ما روي عن طريق أئمة أهل البيت (ع) كالإمام الصادق (ع) من أنه (ص) قال لعائشة
حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته فاطمة قال (ص) :«نعم،يا عائشة!لما اسري بي
إلي السماء أدخلني جبريل الجنة،فناولني منها تفاحة،فأكلتها،فصارت نطفة في
صلبي،فلما نزلت واقعت خديجة،ففاطمة من تلك النطفة،ففاطمة حوراء انسية،و كلما
اشتقت إلى الجنة قبلتها».و نقل ذلك في مستدرك الحاكم/ج 3/ص 156،و تلخيصه للذهبي،و
مجمع الزوائد/ج 9/ص 202،و تاريخ بغداد/ج 5/ص 87،و ميزان الاعتدال/ج 2/ص 297 و
160.كما ورد في البحار عن أمالي الصدوق،و عيون أخبار الرضا،و معاني الأخبار،و علل
الشرائع،و تفسير القمي،و غيرها الكثير،و للتفصيل راجع الصحيح في سيرة الرسول (ص)
لجعفر مرتضى العاملي.
2ـالسيد محسن الأمين/المجالس السنية/ط 6/ج 5/ص .53
3ـوردت أحاديث متعددة في علة تسميتها بفاطمة،منها ما روي عن الإمام علي بن موسى
الرضا،عن آبائه من أهل البيت (ع) ،قال:«قال رسول الله (ص) : (إني سميت ابنتي
فاطمة لأن الله عز و جل فطمها و فطم من أحبها من النار) »،عيون أخبار الرضا/ج 2/ص
.46
كما وردت روايات متعددة في علة تسميتها بالزهراء،منها ما روي عن جعفر بن محمد بن
عمارة عن أبيه،قال:سألت أبا عبد اللهـالصادقـ (ع) عن فاطمة،لم سميت
زهراء؟فقال:«لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور
الكواكب لأهل الأرض»،معاني الأخبار/ص 64،علل الشرائع/ج 1/ص 181،الكاشاني/المحجة
البيضاء/ط 2/ج 4/ص 212،الفيروزآبادي/فضائل الخمسة من الصحاح الستة/ط مؤسسة
الأعلمي (بيروت) /ج 3/ص 155،الطبري/ذخائر العقبى/ص 26،المتقي الهندي/كنز العمال/ج
6/ص .219
4ـالفيروزآبادي/فضائل الخمسة/ج 3/ص 157،الحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 4/ص 272 و ج 3/ص
154،البخاري/الأدب المفرد/ص 136،و في سنن أبي داود/ج 2/ص 354،و صحيح الترمذي/ج
2/ص 319 قريبا منه.
5ـالحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 154،الأربلي/كشف الغمة/ط دار الكتاب الاسلامي
(لبنان) 1981 م/ج 2/ص .79
6ـالبخاري/ج 2/ص 185،مسند أحمد/ج 4/ص 332،ابن حجر العسقلاني/الإصابة في تمييز
الصحابة/ج 4/ص 378،الفيروزآبادي/فضائل الخمسة/ج 3/ص 184،و السيوطي/الجامع
الصغير/ج 2/ص 169،و قد ورد في مستدرك الصحيحين للحاكم/ج 3/ص 154،عن علي (ع)
قال:«قال رسول الله (ص) لفاطمة : (إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك) ».
7ـسنن الترمذي/ط دار إحياء التراث العربي/ج 5/ص 699،الفيروز آبادي/فضائل الخمسة/ج
3/ص 185،صحيح مسلم/ج 16/ص 3،مسند أحمد/ج 4/ص 5،خصائص النسائي/ص 25،و فيه:«من آذى
رسول الله فقد حبط عمله».
8ـمستدرك الصحيحين/ج 3/ص 156،و قال:هذا إسناد صحيح.
و روى مثله البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و أحمد بن حنبل في مسنده.
9ـالطبري/ذخائر العقبى/ص 36،و خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.
و روى الترمذي في سننه/ص 698،عن بريدة:كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة،و
من الرجال علي (ع) ،و روى مثله في ص 701،عن عائشة.و روي مثله في خصائص النسائي/ص
20،و في مستدرك الصحيحين للحاكم/ج 3/ص .154
10ـراجع أسد الغابة لابن الأثير/ج 5/ص 520،حيث قال فيه:كانت فاطمة تكنى ام
أبيها،و انظر الاستيعاب لابن عبد البر/ج 4/ص 380،فضائل الخمسة للفيروزآبادي/ج 3/ص
.156
في ظلال أبيها رسول الله (ص) و بين أحضان امها الطاهرة،خديجة بنت خويلد ابن
أسد،ولدت فاطمة الزهراء في مكة المكرمة في يوم الجمعة (1) في العشرين من شهر
جمادى الآخرة (2) ،فاستقبل رسول الله ابنته الحبيبة بالفرح و الرضاء و
سماها«فاطمة» (3) لقد أثمرت شجرة النبوة،و أذن الله لدوحة الرسول (ص) أن تمتد
فروعها،و تستطيل آفاقها بميلاد فاطمة في أجيال هذه الامة.
لقد ولدت فاطمة،و هي تحمل روح رسول الله،و صفاته،و أخلاقه،فكانت الوارث و
الشبيه،إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثل الرسول في صفته و شمائله كفاطمة،و لقد لفتت
هذه العلاقة و الرابطة بين رسول الله (ص) و ابنته فاطمة أنظار الذين
عايشوها،فتحدثوا عن ذلك الشبه،و كرروا القول فيه،فهذه زوج رسول الله عائشة تتحدث
عن هذه العلاقة و الرابطة الجسدية و الروحية و الأخلاقية بين رسول الله (ص) و
ابنته فاطمة فتقول:
«ما رأيت أحدا أشبه سمتا و دلا و هديا برسول الله (ص) ،في قيامها و قعودها،من
فاطمة بنت رسول الله (ص) .قالت:و كانت إذا دخلت على النبي (ص) قام إليها فقبلها و
أجلسها في مجلسه،و كان النبي (ص) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته و أجلسته
في مجلسها» (4) .
و روت عائشة أيضا:
«ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما و حديثا من فاطمة برسول الله (ص) » (5) .لقد ملأت
فاطمة بيت الأبوين رسول الله (ص) ،و زوجته خديجة بالبهجة و السرور،فهي ملتقى الحب
بينهما،و ثمرة العلاقة الودية في حياتهما،و فرع النبوة الشامخ،و ظله المستطيل،و
مستودع نور النبوة المتقلب في أصلاب الساجدين،فحق لهذا البيت أن يزهو بمناغاة
فاطمة،و يمتلئ سرورا بابتساماتها المشرقة الوليدة.
فاطمة البنت
و هكذا ولدت فاطمة،و درجت في بيت النبوة،و ترعرعت في ظلال الوحي،و رضعت مع لبن
خديجة،حب الإيمان و مكارم الأخلاق،و حنان الأب الرسول (ص) و الام،ام المؤمنين
الطاهرة،و هكذا عاشت فاطمة في ظلال هذا الجو الروحي،و السمو العائلي،و تشبعت
روحها بالحنان النبوي الكريم .
و شاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة،في مرحلة من أشد مراحل الدعوة
الاسلامية ضراوة و محنة،و أكثرها قسوة و أذى لأمها و أبيها.
لقد ولدت فاطمة في حدة الصراع بين الاسلام و الجاهلية،و فتحت عينيها في ضراوة
الجهاد بين الطليعة المؤمنة،و قريش الوثنية الجائرة،و ها هي قريش تفرض المقاطعة و
الحصار على رسول الله و أعمامه بني هاشم،و أصحابه من الدعاة و طلائع الجهاد،فيدخل
رسول الله (ص) شعب أبي طالب،و تدخل معه زوجته المجاهدة رفيقة حياته و شريكته في
جهاده،و تدخل معهم فاطمة،و تحاصرهم قريش ثلاث سنين.
و في هذا الشعب ذاق (ص) و من معه فيها شظف العيش و قساوة المقاطعة،و مرارة الجوع
و الحرمان،دفاعا عن الحق و تضحية من أجل المبدأ،و كانت بداية هذا الحصار في السنة
السابعة بعد البعثة النبوية،و بذا عايشت الزهراء الحصار،و ذاقت في طفولتها مرارة
الجهاد و ألم الكفاح.
و تمرسنون الحصار،صعبة ثقيلة،و يخرج رسول الله (ص) و من معه من الحصار و
المقاطعة،و قد كتب الله تعالى لهم النصر و الغلبة،و تخرج خديجة و قد أثقلتها
السنون،و أرهقها عناء الحصار و الحرمان،و ها هي قد بلغت الخامسة و الستين من
عمرها الجهادي المشرق،و حياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة،لقد قرب
أجلخديجة،و شاء الله تعالى أن يختارها لجواره،فيتوفاها في ذلك العام،الذي خرج
فيه المسلمون من الحصار،و كان العام العاشر من البعثة.
و توفي في العام ذاته أبو طالب عم الرسول (ص) ،و حامي الدعوة الاسلامية،و ناصر
الاسلام،و لقد شعر رسول الله بالحزن و الأسى،و أحس بالفراق و الوحشة،إنه فقد
الحبيب و العون و المواسي،فقد خديجة،زوجته و حبيبته و عونه،و فقد عمه،الحامي و
المدافع عنه،فسمى ذلك العام ب (عام الحزن) ،حقا إنه عام الأحزان،عام فقد فيه رسول
الله (ص) أحب الناس إلى قلبه،و أكثرهم عطفا عليه.
و ليس رسول الله (ص) وحده هو الذي رزئ في ذلك العام،بل و فاطمة الصبية الصغيرة
التي لم تشبع من حنان الامومة،و عطف الوالدة بعد،فقد شاطرته هذه المأساة،و رزئت
هي الاخرى،فشملتها المحنة في ذلك العام الحزين،عام الألم و المأساة،و شعرت بغمامة
الحزن و اليتم تخيم على حياتها الطاهرة.
لقد فقدت امها،و فارقت مصدر حبها و حنانها،فشعرت بالألم و الفراق يملأ قلبها،و
يحز في نفسها.
و يحس الأب الرسول (ص) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (ع) ،و يرى دموع الفراق تتسابق
على خديها،فيرق القلب الرحيم،و تفيض مشاعر الود و الأبوة الصادقة،فيحنو رسول الله
(ص) على فاطمة،يعوضها من حبه و حنانه ما فقدته في امها،من حب و رعاية و حنان.
أحب رسول الله (ص) فاطمة و أحبته،و حنا عليها،و حنت عليه،فلم يكن أحد أحب إلى
قلبه و لا إنسان أقرب إلى نفسه من فاطمة،لقد أحبها و صاغ حبه لها،و قربها منه،أو
سمة شرف،و عبارات خلود،فكان يؤكدـكلما وجد ذلك ضرورياـهذه العلاقة بفاطمة،و يوضح
مقامها و مكانتها في امته،و هو يمهد لأمر عظيم،و قدر خطير،يرتبط بفاطمة،و بالذرية
الطاهرة التي أعقبتها فاطمة،و بالامة الاسلامية كلها.كان يؤكد ذلك ليعرف المسلمون
مقام فاطمة،و مكانة الأئمة من ذريتها،ليعطوا فاطمة حقها،و يحفظوا لها مكانتها،و
يراعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها .
فها هو رسول الله (ص) يعرف فاطمة،و يؤكد للمسلمين:
«فاطمة بضعة مني،فمن أغضبها أغضبني» (6) .
«إنما فاطمة بضعة مني،يؤذيني ما آذها» (7) .
و قال (ص) :«يا فاطمة!ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء هذه
الامة و سيدة نساء المؤمنين» (8) .
و يسأل الإمام علي (ع) رسول الله (ص) فيقول:
«يا رسول الله!أي أهلك أحب إليك؟قال: (فاطمة بنت محمد) » (9) .
إن قولة الرسول (ص) هذه ليست عاطفية بقدر ما هي توجيه للامة نحو هذه المرأة
الاسوة القدوة .
و تكبر فاطمة و تشب،و يشب معها حب أبيها لها،و يزداد حنانه عليها،و تبادلهفاطمة
هذا الحب،و تملأ قلبه بالعطف و الرعاية فيسميها«ام أبيها» (10) .
لقد كانت تحنو عليه (ص) حنو الامهات على أبنائهن،و ترعاه رعاية الوالدات لصغارهن.
إنه النموذج القدوة من العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية
الأبناء،و توجه سلوكهم و حياتهم،و تملأ نفوسهم بالحب و الحنان.لقد كانت هذه
العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الاسلام للفتاة و العناية بها،و تحديد مكانتها.
تعليقات:
1ـقال بعض المؤرخين أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين،و تذهب معظم روايات أهل البيت
(ع) إلى أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين (الكافي بسند صحيح،و المصباح الكبير،و
دلائل الإمامة،و مصباح الكفعمي،و الروضة،و مناقب ابن شهر آشوب،و غيرها) .
و مما يؤيد ذلك ما ذكرته كتب التاريخ من أن كل ولد خديجة ولدوا بعد
الاسلام،باستثناء عبد مناف،و كانت فاطمة أصغر أولاد الرسول (ص) ،و مما يدل على
أنها ولدت بعد البعثة روايات كثيرة أكدت على أن نطفقتها قد انعقدت من ثمر جاء به
جبريل إلى النبي (ص) ،منها ما روي عن ابن عباس،و سعد بن أبي وقاص،و عائشة.
و ما روي عن طريق أئمة أهل البيت (ع) كالإمام الصادق (ع) من أنه (ص) قال لعائشة
حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته فاطمة قال (ص) :«نعم،يا عائشة!لما اسري بي
إلي السماء أدخلني جبريل الجنة،فناولني منها تفاحة،فأكلتها،فصارت نطفة في
صلبي،فلما نزلت واقعت خديجة،ففاطمة من تلك النطفة،ففاطمة حوراء انسية،و كلما
اشتقت إلى الجنة قبلتها».و نقل ذلك في مستدرك الحاكم/ج 3/ص 156،و تلخيصه للذهبي،و
مجمع الزوائد/ج 9/ص 202،و تاريخ بغداد/ج 5/ص 87،و ميزان الاعتدال/ج 2/ص 297 و
160.كما ورد في البحار عن أمالي الصدوق،و عيون أخبار الرضا،و معاني الأخبار،و علل
الشرائع،و تفسير القمي،و غيرها الكثير،و للتفصيل راجع الصحيح في سيرة الرسول (ص)
لجعفر مرتضى العاملي.
2ـالسيد محسن الأمين/المجالس السنية/ط 6/ج 5/ص .53
3ـوردت أحاديث متعددة في علة تسميتها بفاطمة،منها ما روي عن الإمام علي بن موسى
الرضا،عن آبائه من أهل البيت (ع) ،قال:«قال رسول الله (ص) : (إني سميت ابنتي
فاطمة لأن الله عز و جل فطمها و فطم من أحبها من النار) »،عيون أخبار الرضا/ج 2/ص
.46
كما وردت روايات متعددة في علة تسميتها بالزهراء،منها ما روي عن جعفر بن محمد بن
عمارة عن أبيه،قال:سألت أبا عبد اللهـالصادقـ (ع) عن فاطمة،لم سميت
زهراء؟فقال:«لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور
الكواكب لأهل الأرض»،معاني الأخبار/ص 64،علل الشرائع/ج 1/ص 181،الكاشاني/المحجة
البيضاء/ط 2/ج 4/ص 212،الفيروزآبادي/فضائل الخمسة من الصحاح الستة/ط مؤسسة
الأعلمي (بيروت) /ج 3/ص 155،الطبري/ذخائر العقبى/ص 26،المتقي الهندي/كنز العمال/ج
6/ص .219
4ـالفيروزآبادي/فضائل الخمسة/ج 3/ص 157،الحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 4/ص 272 و ج 3/ص
154،البخاري/الأدب المفرد/ص 136،و في سنن أبي داود/ج 2/ص 354،و صحيح الترمذي/ج
2/ص 319 قريبا منه.
5ـالحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 154،الأربلي/كشف الغمة/ط دار الكتاب الاسلامي
(لبنان) 1981 م/ج 2/ص .79
6ـالبخاري/ج 2/ص 185،مسند أحمد/ج 4/ص 332،ابن حجر العسقلاني/الإصابة في تمييز
الصحابة/ج 4/ص 378،الفيروزآبادي/فضائل الخمسة/ج 3/ص 184،و السيوطي/الجامع
الصغير/ج 2/ص 169،و قد ورد في مستدرك الصحيحين للحاكم/ج 3/ص 154،عن علي (ع)
قال:«قال رسول الله (ص) لفاطمة : (إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك) ».
7ـسنن الترمذي/ط دار إحياء التراث العربي/ج 5/ص 699،الفيروز آبادي/فضائل الخمسة/ج
3/ص 185،صحيح مسلم/ج 16/ص 3،مسند أحمد/ج 4/ص 5،خصائص النسائي/ص 25،و فيه:«من آذى
رسول الله فقد حبط عمله».
8ـمستدرك الصحيحين/ج 3/ص 156،و قال:هذا إسناد صحيح.
و روى مثله البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و أحمد بن حنبل في مسنده.
9ـالطبري/ذخائر العقبى/ص 36،و خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.
و روى الترمذي في سننه/ص 698،عن بريدة:كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة،و
من الرجال علي (ع) ،و روى مثله في ص 701،عن عائشة.و روي مثله في خصائص النسائي/ص
20،و في مستدرك الصحيحين للحاكم/ج 3/ص .154
10ـراجع أسد الغابة لابن الأثير/ج 5/ص 520،حيث قال فيه:كانت فاطمة تكنى ام
أبيها،و انظر الاستيعاب لابن عبد البر/ج 4/ص 380،فضائل الخمسة للفيروزآبادي/ج 3/ص
.156
تعليق