الموكب الحسيني النظام والمهام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    الموكب الحسيني النظام والمهام



    مقدمة:

    بهذه المناسبة عنَّ لي أن أتحدث في مسألةٍ، أجد أنها في غاية الأهمية، ذلك أن بعض الأفكار المعاصرة تحاول أن تنال من الموكب الحسيني، والدور الذي يقوم به، ولكي نكون صريحين، لا بد أن نقول: إن دورنا ينبغي أن لا يكون تعصّبياً، بأن نرى رأياً ونتعصب له، فندافع عنه، حقاً كان أو باطلاً، فهذا ليس من دأب الدين ولا أهله، لا سيما الحسينيين منهم بشكل خاص.

    ثم إن مواكبنا لم تبلغ درجة الكمال، وفيها بعض السلبيات، ويمكن أن تتطور بشكل كبير. وسوف نحاول في هذا اللقاء ـ ببركة أمير المؤمنين والحسين (ع) ـ أن نستحضر المعالم الرئيسية، والرؤية العامة للموكب الحسيني، ودوره، والواجبات الملقاة على عاتقه.

    وهذا الموضوع وإن كان واسعاً، ويحتاج إلى الكثير من البحث، إلا أن هذه الأفكار التي لخصتها بشكل موجز، وسوف أطرحها أمامكم، يمكن أن تكون نواةً لذلك. كما أنني أطلب منكم ـ باعتبار أنكم تمارسون هذا الدور بشكل مباشر ـ تطوير هذه الأفكار، وطرح كل ما من شأنه أن يساعد على خدمة الموكب الحسيني الذي تتحقق من خلاله الخدمة الحسينية، ولكي يكون هذا الجهد مشتركاً بيننا جميعاً. فأنتم من جهتكم تلامسون بعض الإشكاليات والتعقيدات والسلبيات، وتشاهدونها من خلال التجربة، أما نحن فنحاول من جهتنا أن نطرح الرؤية الإسلامية العامة في هذا المجال، ثم تتلاقح الأفكار وننتهي ـ إن شاء الله ـ إلى نتائج تساعد في تطوير الموكب الحسيني عموماً، لا في العراق فحسب، إنما في مجمل الحالة الشيعية.

    ولا بد لي في هذا البحث أن أتناول مجموعة من المحاور الرئيسة، التي أنفتح من خلالها على عدد من النقاط الجوهرية والمركزية.

    المحور الاول ـ ما هو الموكب الحسيني؟

    يمكن أن يُعرّف الموكب الحسيني بأنه (منظّمة) أو (مؤسسة اجتماعية) مستقلة عن السلطة والكيانات السياسية والخاصة، فهو ليس مختصاً بأحد دون الآخر. كما يتميز بالتعبير الجماهيري عن التفاعل مع القضية الحسينية، وما يشابهها من قضايا الرموز الإسلامية المقدسة.

    فالموكب الحسيني ليس فعلاً عشوائياً، ولا تقليداً اجتماعياً صرفاً، اعتاده الناس فتحركوا، وإنما هو حالة منظمة، ولكن لا على غرار منظمات المجتمع المدني المعاصرة التي بدأت تنتشر في كثير من أوساطنا الاجتماعية، بمواصفات تلك المنظمات في الغرب، فهذه الظاهرة وافدة من الغرب، ولها إيجابياتها، وعليها سلبياتها، أما الموكب الحسيني فهو مؤسسة اجتماعية، وحالة منتظِمة. لذا يصح لنا ـ بهذا الاعتبار ـ أن نسميها منظمة، ولكن بتنظيمنا نحن، انطلاقاً من هويتنا وديننا، وتقاليدنا المستندة لديننا، فهو منظمة بالمواصفات الخاصة بنا، ويمكن لنا أن نصدرها لغيرنا، كما هو الواقع حالياً، حيث بدأت تأخذ مواقعها في العديد من بلدان العالم، وتؤدي دورها هناك.

    فهي صناعتنا (المحلية) العريقة الأصيلة المتوفرة على شروطنا المنبثقة من واقعنا.
    المحور الثاني ـ

    ضرورة الموكب الحسيني:


    تنشأ ضرورة الموكب من نقطتين رئيسيتين، يمكن أن يتفرع منهما الكثير

    1 ـ إلهية الشعائر:

    فنحن نعتقد أن إحياء الشعائر، يعدُّ من أهم الأعمال العبادية. قال تعالى: ?ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوْبِ?( ). كما نعتقد أن الشعائر الحسينية، من أعظم الشعائر الإلهية التي وعد الله سبحانه وتعالى عليها الثواب، من خلال الصادقين، وهم نبيه محمد (ص) والأئمة المعصومون (ع) ، وأن القيام بهذه الممارسات والمراسم والشعائر ـ التي يسميها البعض طقوساً أو فولكلوراً أو ما إلى ذلك من التسميات ـ يعتبر عبادة من أعظم العبادات والقربات إلى الله عز وجل. وهو أمر واضح لدينا، ومن ضروريات الدين بحسب مذهب أهل البيت (ع).

    2 ـ تنظيم الشعائر:

    إن هذه الشعائر ليست ممارسات وأفعالاً فردية تصدر من الفرد فحسب، إنما هي جماعية أيضاً، وبناء على ذلك لا بد أن تكون منظَّمة. فما هي الجهة الكفيلة بتنظيمها؟ لا شك أنه الموكب الحسيني.

    فإذا فكرنا يوماً ما أن نتنازل عن الموكب الحسيني، واعتقدنا أنه ليس ضرورياً في واقع الحياة، فهذا يعني أننا نتنازل عن ضرورة إحياء شعائر الله، أو عن ضرورة أن تكون هذه الشعائر منظَّمة. وإلا لو التزمنا بضرورة الشعائر من جهة، وضرورة تنظيمها من جهة أخرى، ثم قلنا: لا للموكب، فهذا غير ممكن أبداً، لأن الموكب يعني تنظيم الشعائر.
    المحور الثالث :


    ـ الدور الديني والاجتماعي:

    يمكن للموكب الحسيني أن يقوم بدور كبير، وهو كذلك بالفعل، ويمكن رصد تفاصيل ومفردات هذا الدور الكبير للموكب الحسيني بالعناوين التالية:

    1 ـ التثقيف الديني:

    فللموكب الحسيني دور كبير في نشر الثقافة الدينية، لأنه أكثر المواقع والمواضع التي يستمع فيها الناس بآذانٍ صاغية، وقلوب متفاعلة، للمفهوم الديني. ومع أن المسجد هو الأساس في ذلك، إلا أنه حينما يحتضن موكباً، ويأخذ بين حناياه أداءً حسينياً، يتألّق بشكل أكبر، ويتحرك ضمن المراسم الحسينية. فالموكب الحسيني يساعد ويساند دور المسجد بشكل أساسي.

    2 ـ حفظ الهوية:

    ونعني بالهوية منظومة الرؤى والقيم الأساسية التي تميز كل أمة أو جماعة. ومنها هوية شيعة أهل البيت (ع) وهي مستهدفة منذ أول يوم وجد فيه التشيع، والمحاولات الحثيثة لانتهاكها وإلغائها وتمييعها وتذويبها ومصادرتها والتحايل عليها بدأت منذ اليوم الأول. فكأنّ من مهام أي دولة، يشكل شيعة أهل البيت (ع) جزءاً من شعبها، أن تتصادم مع المرتكزات الأساسية لهذه الهوية، وهذا ما نلاحظه عبر التاريخ، سواء بدأنا من الأُمويين، أم ما قبلهم ممن يشكل جذورهم. وسواء انتهينا بصدام، أم استمررنا مع الجهد الإرهابي التكفيري الذي ما زال يستهدف الشعائر الحسينية وهوية هذه الأمة.

    فالمجتمع الذي يواجه تحدياً بهذا الحجم والمستوى، ولا يمتلك شيئاً من عناصر القوة، فليس لديه أموال ولا سلاح بشكل استثنائي، كما أنه ليس لديه حلفاء، وغير مستعد لتحالفات من أي نوع كان، كما هو الحال في بعض الدول الصغيرة التي تساندها دول كبرى، من أمثال إسرائيل الغاصبة، التي لا تملك شيئاً في واقعها، إلا أن لديها تحالفات مع أقوى دولة في العالم، مثل هذا المجتمع ليس لديه سوى الشعائر لحفظ الهوية.

    وهذا ما نلمسه بشكل واضح في أبنائنا الذين خضعوا لمناهج خاطئة مضلِّلة بل (يزيدية) في بعض الأحيان، إلا أنهم مع ذلك يبقون حسينيين، وهذا يعني أن جهةً ما حفظت الهوية، وعند التفتيش عن ذلك نجد أن أهم مرتكزات حفظ الهوية بعد المرجعية الدينية هو الموكب الحسيني.

    3 ـ تنمية المشاعر الإنسانية النبيلة:

    ففي الموكب الحسيني يتعلم الإنسان الوفاء والإيثار والحمية والغيرة والعفة والفداء والشجاعة والصمود وغير ذلك من القيم، لأنه يعيشها من خلال العباس مثلاً، وهو مدرسة في ذلك، أو من خلال حبيب بن مظاهر، وهو مدرسة أيضاً، أو من خلال القاسم بن الحسن، وهو مدرسة يمكن أن تعلم آلاف الأجيال من الشباب. كل ذلك يتعلمه المرء من الموكب الحسيني لا كمعلومة فحسب، إنما يتفاعل معه كمشاعر.

    ومما يؤكد ذلك أننا نلاحظ أن مشاعر القيم المرتبطة بالهوية والمتفرعة عنها، تنمو بدرجة كبيرة في أيام إحياء هذه المواكب، فدرجة الغيرة والإيثار والتضحية والصبر، تكون مضاعفة أيام محرم وصفر، وهذه المشاعر القيمية يحتاج إليها كل شعب في العالم، وهناك من الحكومات من يبذل الأموال، وينظِّم البرامج الثقافية، ويقيم المؤتمرات الكبيرة التي تشترك فيها وزارات متعددة، من أجل تنمية الإنسان، فيما يقوم الموكب بشكل تلقائي وعفوي بتنمية هذه المشاعر الإنسانية، وبطريقة مؤثرة، لا يكون فيها الإنسان متلقِّياً، إنما يكون مبادراً ومتبرعاً، ويشعر أنه يقوم بعمل مقدس.

    4 ـ تنمية الذوق الأدبي والفني:

    فمن تكامُل الإنسان أن يكون لديه حس أدبي وفني، وهذا من علامات حيويته، فمن لا يدرك الجمال، ولا يتمكن من التفاعل معه، لا يُعدّ إنساناً طبيعياً، إنما هو في درجة من درجات التخلف. وبالعودة إلى الموكب نجد أن فيه أجود الشعر، وأصدق التمثيل، وأكثر اللوحات تعبيراً، وهذه كلها من الفن الذي يمكن للإنسان من خلاله أن يعبر عن الكثير مما يعتلج في صدره، ويختزل ألف كلمة أحياناً في صورة واحدة.

    وبذلك ندرك أن من ينظر للموكب أنه حالة غير حضارية، أو أنه على هامش الحياة، أو أنه لعوام الناس، فهو واهم، لأن الموكب هو الذي يصنع العناصر الأساسية التي يحتاج إليها ويبحث عنها كل إنسان، بل كل القادة في المجتمعات والأمم، ليربوا عليها أممهم.

    5 ـ التواصل الاجتماعي:

    فللموكب إسهام كبير في التواصل الاجتماعي، وبناء الكيان والجماعة الصالحة، فلو لم يلتق أفراد المجتمع في الموكب، لم تكن لهم خيمة تجمعهم إلا خيم متفرقة، كما في المضائف وغيرها، وهذه وإن كانت من إيجابيات مجتمعنا، إلا أنها تبقى في حدود خصوصياتها، أما (مضيف) الحسين (ع) فله قيمةٌ خاصة.

    فالبوتقة الكبيرة التي ينصهر فيها الطيبون والخيرون والصالحون والمتفاعلون مع الحسين (ع) هي الموكب الحسيني. فهو يساعد بدرجة كبيرة على تحقيق التواصل الاجتماعي وبناء الجماعة الصالحة التي يمكن أن تتحرك في وسط الأمة بقوة استثنائية.

    ولو رجعنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً، وسألنا أنفسنا: كم لدينا من خُلّص الأصدقاء الذين كانت بداية التعارف معهم في إطار موكب حسيني ؟ لوجدنا أن هناك الكثير الكثير من تلك الأواصر، التي تصل أحياناً إلى ما هو أقرب من القرابة. كل ذلك ببركة الموكب الحسيني.

    ومما يندرج في ذلك أيضاً، تبادل الخبرات، والتواصل الاقتصادي، وما إلى ذلك مما يترتب على اللقاء والاجتماع في الموكب الحسيني.

    6 ـ تنمية روح العمل الجماعي في وسط الأمة:

    وهذه من أهم القضايا التي تحفظ كيان الأمة، فكثيراً ما تنهار الأمم بالفردية والعصبية والصراعات الذاتية، التي تكون مبنية أحياناً على إرادة فرد يتميز بالدكتاتورية، وأحياناً أخرى على انتماءات عرقية أو قبلية أو مناطقية أو مكونات أخرى. أما الموكب فلديه القدرة الهائلة على تحقيق وتنمية روح الفريق الواحد في وسط الأمة، بحيث لا ينضم فيه شيعة أهل البيت فقط، إنما ينفتح حتى على غير الشيعة من المسلمين، بل حتى على غير المسلمين من الأديان الأخرى، ولدينا الكثير من الشواهد التي لمسنا بعضها في زيارتنا إليكم في مؤسستكم، وهناك العديد من النماذج المشابهة. وكل ذلك من بركات الموكب الحسيني.

    إننا نلاحظ أن هناك الكثير من الدراسات التي تبذل لها الأموال الطائلة، لإيجاد السبل الكفيلة بتنمية روح الفريق عند تلاميذ المدارس، ولغرس النزعة الجماعية والعمل الفريقي في نفوسهم، لئلا ينشأوا على الفردية والأنانية التي تجعل من الفرد يتصارع مع الآخر.

    وقد اهتم الدارسون كثيراً بالرياضة، لتحقيق هذا الهدف، وهي وإن كانت مجدية وذات إيجابيات كبيرة، وأنا ممن يشجع عليها، إلا أن الفريق الرياضي الواحد قد يتحول في بعض الأحيان إلى خصم للفريق الآخر، في حين أننا نريد من الفريق الواحد أن يكبر فيتحول إلى أمة يحمل بعضها هم البعض الآخر. وقد تصل المنافسة في الرياضة إلى حد الصراعات والحرائق في الشوارع، كما نشاهد من تشجيع الجمهور لفريقه في مقابل الفريق الآخر.

    أما الموكب الحسيني فيربي النفوس ويروضها على تقبّل أن المواكب بأجمعها يمكن أن تجتمع يوماً ما في موكب موحَّد، وأن الموكب الموحَّد للمحافظة سوف يجتمع في موكب مليوني كبير عند الإمام الحسين (ع) . فهو ينمّي روح الفريق الواحد بشكل يمكن أن ينفتح ويتسع ليشمل الأمة بأجمعها، وهو جهدٌ يُسجَّل بامتياز للموكب الحسيني.

    ومما تجدر الإشارة إليه أن أيَّ موكب حسيني لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بروح العمل الجماعي، فالكثير من المواكب بدأ بفرد واحد، رفع لافتةً سوداء، ثم تطور شيئاً فشيئاً، حتى التحم في بحر من المواكب في أرجاء العالم، التي يشعر أنه منها وهي منه. وهذا ما لم نجد له نظيراً في العالم، لا في المنظمات العالمية ولا في غيرها، مما يعجُّ بالصراعات الداخلية الحادة.

    ولا أدعي هنا أن الموكب الحسيني ملائكي خالٍ من السلبيات، وأن كل من فيه منزَّه، إلا أن تلك السلبيات خارجة عن هويته، فأصل الموكب واتجاهه العام ونظريته الأساسية، هي الإخلاص وتنمية روح العمل الجماعي، أما الشذوذ عن ذلك فهو خروج عن هوية الموكب، يستدعي محاصرته وعلاجه وإصلاحه بشكل تدريجي، والخروج من المشكلة بنتيجة إيجابية.

    إن حالة الانغلاق والأنانية لفرد أو جماعة في داخل المواكب الحسينية، تعتبر خارجة عن التوصيف الحسيني، وهذا ما يراه أصحاب المواكب أنفسهم، ويشعرون بضرورة التخلص منه، وهذه الرؤية بحد ذاتها أمر إيجابي، أي أن هؤلاء لا ينظرون لمثل هذه الحالة أنها حالة حسينية طبيعية وصحية، إنما يرون أنها حالة مرضية لا بد من التخلص منها، وتشخيص الداء خطوة مهمة جداً في طريق الإصلاح.

    7 ـ الإعداد للظهور:

    وهو دور مستقبلي للموكب الحسيني، حيث يتوقع بعض الباحثين والمفكرين، أن هذا النظام العام سوف يكون من الأسس المعتمدة لدى الإمام المهدي (عج) لأنه في خروجه المبارك لا بد أن يبدأ بالنَّظم، وعند التفتيش في واقعنا العام لا نجد التجمع والجهة المنظَّمة التي يمكن أن تنظوي وتنصهر في حركة الإمام المهدي (عج) إلا في الموكب الحسيني. لذا نتوقع أن يكون لهذه المواكب دور في التأسيس لدولة العدل الإلهي المطلق على هذه الأرض، التي ما زالت تئنُّ مما انتشر فيها من ظلم وجور


    المحور الرابع ـ


    مقومات النجاح:

    لكي يكون الموكب الحسيني ناجحاً، لا بد من توفره على مقومات عديدة، تسهم في تحقيق الأدوار التي ذكرناها، وبدونها يكون فاشلاً، ومن أبرز تلك المقومات:

    1 ـ الإخلاص لله تعالى:

    والمدرسة الأولى للإخلاص والبذل، تتمثل في رسول الله (ص) وآله الأطهار (ع) ، ويمثل الحسين (ع) أحد أبرز الرموز في هذه المدرسة، ومن يعمل بهذا الاتجاه لا بد أن يستحضر هذه الحقيقة، ليكون أقرب للإخلاص. إلا أننا مع ذلك لا ندّعي أن كل أصحاب المواكب مخلصون، إنما يمكن في بعض الأحيان أن تدخل العناصر الذاتية، والمهم في الأمر أن يشار إلى تلك الحالة أنها مرضية.

    ولكي نضع اليد بشكل واضح على هذه النقطة، لا بد أن نعرِّف معنى الإخلاص، لأن الكثير من الناس قد يتصور أنه مخلص، وهو ليس كذلك، فلا يستطيع أن يكتشف في نفسه حالة الإخلاص من عدمه.

    فمن أبرز آليات اختبار النفس في هذا المجال، تحديد الموقف من الموكب الآخر، فعندما يتساوى لديّ الموكبان في الخدمة، ويكون استعدادي لخدمة الموكب الآخر، مثلُه في خدمة الموكب الخاص، فهذه من علامات الإخلاص.

    وبعبارة أخرى، هناك استعداد لخدمة موكب الحسين (ع) بشكل مطلق، وهناك استعداد لخدمة موكب الفئة أو الجماعة، وقياس الإخلاص من عدمه، إنما يكون بالاستعداد لخدمة أحدهما. فالمخلص من لا يرى فرقاً في الخدمة لجميع المواكب، باعتبار أنها مواكب الحسين (ع)، وغير المخلص من لا يملك هذا الاستعداد، ويحصره في موكب خاص، فيكون مخلصاً لموكبه الخاص بالحسين (ع)، أي أنه يكون مخلصاً للحسين ولنفسه في آنٍ واحد.

    وفي الرواية عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «قالَ اللهُ عزَّ وَجلّ: أَنَا خَيْرُ شَريكٍ، مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ، لَمْ أَقْبَلْ إلّا مَا كَانَ لِي خَالِصَاً»( ).

    إن عدم الإخلاص لا يعني أن الفرد ليس حسينياً، فقلّما نجد في الموكب فرداً ليس حسينياً، إنما المدار في ذلك هو الإشراك في النية، إذ يكون العمل للحسين (ع) وللنفس في آنٍ واحد، وعند الإشراك في النية يمكن أن يُردَّ العمل فلا يكون مقبولاً.

    وليس من الصحيح هنا أن ندفع باتجاه التشجيع أياً كانت النية، لأن الهدف ليس التشجيع أو التثبيط، إنما معرفة الحقيقة والطريق الصحيح الذي نسير فيه.

    أقول باختصار: عندما يتساوى لدى صاحب الموكب، خدمة موكبه مع خدمة الموكب الآخر، أيّاً كان، فهذا من علامات الإخلاص.

    فالإخلاص عامل أساسي في نجاح الموكب، وعلى الإنسان أن يراقب نفسه باستمرار في هذا المجال، لئلا يصاب بالغفلة، ومن خصائص المؤمنين المتقين التذكّر الدائم عندما يتعرض لهم الشيطان. قال تعالى: ?
    إِنَّ الَّذِيْنَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوْا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُوْنَ?( ).

    فمن ابتغى الإخلاص عليه أن يراقب نفسه، ويستحضر بشكل دائم أبا عبد الله الحسين (ع) وأنصاره الذين بذلوا مهجهم دونه، بل بلغ بهم الإخلاص أنهم كانوا يتمنون أن تكون لهم أنفس أخرى ليفدوه بها.

    يقول له مسلم بن عوسجة: والله لو علمت أني أُقتل ثم أُحيا ثم أُحرق ثم أُحيا ثم أُذرَّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً( ).

    وقال له زهير بن القين: والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت، حتى أقتل هكذا ألف مرة، وأن الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك( ).

    فإرادة هؤلاء ليست بمستوى أن تتحملها نفسٌ واحدة، إنما لها القابلية على أن تملأ جيشاً كبيراً من الأنفس. وهؤلاء هم قدوتنا في الموكب الحسيني.

    2 ـ القوة:

    ونعني بها أموراً عديدة، منها: الصبر، سواء على إيذاء الآخرين، أم على التحديات والصعوبات، أم على ضيق ذات اليد، أم على قلة الحضور، أم على تخلف بعض الناس عن الخدمة في الموكب، أم على تعديات الظالمين، التي حصل الكثير منها، فواجهتها المواكب الحسينية بتألُّق في الصبر. وطوبى لهذا الجيل الصامد، الذي سوف يتحول في المستقبل إلى مَعلَمٍ يُقتدى به.

    لقد مر الموكب الحسيني في السابق بالعديد من النمعطفات الخطيرة، وتعرض أصحاب المواكب لشتى ألوان الإيذاء والضغط، إلا أن أولئك الرجال واجهوها بالصبر والتحمل وكظم الغيظ وسعة الصدر والتفادي للدخول في صراع مع النظام حفاظاً على كيان الموكب الحسيني.

    وهنا تبرز الشجاعة الحقيقية، بالتحمل والصبر، فقد ورد في الأثر عن النبي (ص): «لَيْسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديدُ الذي يملِكُ نفسَه عندَ الغضب»( ).

    فلا بد للموكب الحسيني من الصبر، لكي يكون ناجحاً، وكيف لا يكون كذلك وهو بحد ذاته مهرجان للصبر؟!

    3 ـ الالتزام الشرعي:

    فالموكب عبادة، ولا بد أن يكون المنتسب إليه منضبطاً بالضوابط الشرعية بأعلى الدرجات، حتى لو لم يكن المرء في بيته أو محيطه منضبطاً في سلوكه الشخصي بالقدر الكافي من حيث البيع والشراء والمعاملات وما إلى ذلك، إلا أنه عندما يأتي للموكب لا بد أن يتعلم منه كيف يكون منضبطاً إذا رجع إلى محيطه السابق مرةً أخرى.

    وفي هذا المقوِّم من التفاصيل ما لا يمكن حصره، فعلى سبيل المثال، أننا عند اختيارنا خطيب الموكب، لا ينبغي أن يكون همنا من يستدرُّ الدمعة فقط، وإن كانت الدمعة هي رسالة الموكب. فالخطيب الذي يعتلي منبر الحسين (ع) وهو منبر التقوى والصلاح، فيشرع في التنكيل بالآخرين، وهجوهم وانتقادهم أو الكذب عليهم، بخرافات وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، أو أن يتحدى المرجعية الدينية، وما أشبه ذلك، فإنه غير صالح لهذا المقام، وعلى من اختاره أن يتحمل مسؤوليته.

    وهكذا الحال في المنشِد (الرَّادود) وجميع المنتسبين، وكل عمل يناط بالموكب الحسيني يجب أن يخضع للضوابط والمقاييس الشرعية، لكي ينجح الموكب في النهاية، وما كان لله ينمو. قال تعالى: ?إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ?.

    4 ـ تنويع البرامج:

    فلكي ينجح الموكب يجب أن لا يبقى على مذاق صاحبه، إنما ينبغي أن يلاحظ فيه أن الأذواق مختلفة، فهناك من يتفاعل مع الخطيب، وآخرون مع القصيدة، وغيرهم مع الإطعام، وفئة أخرى مع فعاليات الناشئة الصغار، وهكذا يبدو أن التنوع ضروري في الموكب، لأنه سوف يلبي مجموعة من الميول التي تلتقي في راية وهدف وشعار واحد، هو إحياء قضية الحسين (ع) ، أما إذا صار موكباً أحادياً فسيكون عرضة للضعف.

    5 ـ الانفتاح على المواكب الأخرى والتكامل معها:

    وهو من الدعائم المهمة في نجاح الموكب الحسيني، حيث تنفتح المواكب على بعضها، بالتزاور والتفقد والتعاون، لتتكامل فيما بينها، ويشد بعضها أزر بعض.

    ومن أمثلة التعاون والتعاضد والمؤازرة، تنسيق الأوقات، لئلا تتضارب مع بعضها، فالحسين (ع) واحد، والمواكب كلها لخدمته، لا أن الموكب الواحد يقتطع من الحسين (ع) قطعة خاصة به، يستغلها لمنافعه الخاصة، أياً كانت.

    فلا بد إذن أن تتآزر المواكب فيما بينها، وتتعاضد وتتكامل.

    6 ـ اعتماد التبرعات العامة:

    فمن مقومات نجاح الموكب أن لا يتكل على تبرعات محصورة بشخص أو أشخاص معدودين، وأن يفتح باب التبرع مهما أمكنه ذلك. وليس من المناسب للموكب أن يدعي عدم الحاجة للتبرعات. وهناك العديد من الفوائد في هذه النقطة التي يمكن تناولها في مناسبات أخرى.

    7 ـ الأمانة والدقة في الصرف:

    فلو أن صاحب الموكب كانت له حاجة خاصة، فأنفق من المال المخصص للموكب على أن يعوضه فيما بعد، وهو صادق في هذا، فعليه أولاً أن يتأكّد، هل أن المتبرع الذي خصص هذه المبالغ للموكب، أجاز تبديلها بغيرها أو لا ؟ فإن لم يجز ذلك، أو أنه من الأصل ليست له ولاية عليه، كأن يكون من ثلث أبيه، وفيه مجموعة من الورثة، فإن صَرْفَه في غير محله، ثم إبداله بغيره، يكون خلاف الأمانة. صحيح أن المنفق لم يأخذ شيئاً لنفسه، ولكن قد يكون هناك خلاف للأمانة ولو بغير سوء النية.

    وكذا لو خُصص بعض المال للإطعام، فلا يجوز صرفه في غيره، كتعليق اللافتات أو تنظيم الكهرباء أو أجهزة الصوت وما إلى ذلك،
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    #2
    سلمت يمناااااك
    في ميزان حسناتك

    تعليق

    • دمعة الكرار
      • Oct 2011
      • 21333

      #3
      يسلمووعلى المرور
      الطيب والتعليق الاجمل
      تقبلي تحياااااتي

      تعليق

      يعمل...
      X