[frame="5 98"]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد حدَّدت النصوص الإسلامية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآل
البيت ( عليهم السلام ) آداباً للدعاء وقررت شروطاً لابد للداعي أن
يراعيها كي يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق
مطلوبه من الدعاء .
وإذا أهملها الداعي ، فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا
تحصل له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في
الدعاء .
وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
الأول : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء
عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه
قال :
( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ،
ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ ) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( كان أبي إذا طلب الحاجة .. قدَّم شيئاً فتصدق به ، وشمَّ شيئاً من
طيب ، وراح إلى المسجد ) .
الثالث : الصلاة :
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام
الصادق ( عليه السلام ) :
( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما
وسجودهما ، ثم سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجل وعلى رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) ثم سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب
الخير في مظانّه لم يخب ) .
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن
الرحيم ) .
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن
يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد
مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى : على الداعي أن يدعو الله تعالى
بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :
(( وللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا )) [ الأعراف : 180 ] .
وقوله تعالى : (( قُلِ ادعُوا اللهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمَنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ
الأَسمَاءُ الحُسنَى )) [ الإسراء : 110 ] .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له ) .
السابع : الصلاة على النبي وآله ( عليهم السلام ) :
لابد للداعي أن يصلي على محمد وآله ( عليهم السلام ) بعد الحمد
والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) ولأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) الذي هو في
امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال
واستجابة الدعاء .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لا يزال الدعاء محجوباً ، حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي ) .
الثامن : التوسل بمحمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت
( عليهم السلام ) هم سفن النجاة لهذه الأمَّة .
فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم ( عليهم السلام ) ،
ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الأوصياء مني بهم تُنصر
أُمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب
دعاءهم ) .
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً ، مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من
خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم
الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا
بالإقرار ) .
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر - بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي
وآله ( عليهم السلام ) والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدنيا
والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السموات
والأرض الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل
شيء .
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظن به سبحانه :
وهذا يعني أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته .
فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنه سبحانه لا يمنع
أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الله عزَّ وجل : من سألني
وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع ، استجبت له ) .
وقيل للاِمام الصادق ( عليه السلام ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم تدعون من لا تعرفونه ) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة : على الداعي أن يعمل بما
تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ، ويطيع أوامره ، وهما من
أهم الشروط في استجابة الدعاء .
قال رجل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إن الله
يقول : (( ادعُونِي استَجِب لَكُم )) وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفى الله
لكم ) .
الثالث عشر : الإقبال على الله :
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ،
وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه ، وقلبه مشغول بشؤون
الدنيا .
فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقي
الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تاماً مع القلب ، فَتَهتَزُّ له الروح ،
وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب
دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ . فإذا دعوت ، فأقبل بقلبك ، ثم استيقن
بالإجابة ) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره ،
وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب
العادية التي لا تملك ضراً ولا نفعاً .
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ،
وكان مدعوُّه ربَّه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق
بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء .
الخامس عشر : تسمية الحوائج :
إن الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم
من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى
بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربه ، محتاجاً إلى كرمه ،
فقيراً إلى لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أن الله تبارك وتعالى يعلم ما
يريد العبد إذا دعاه ، لكنه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ
حاجتك ) .
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه
بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك
لأن رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله
وفضله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة ،
فإنها رحمة ) .
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من
خشية الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأن الدمعة لسان
المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه . والدمعة
سفير رِقَّةِ القلب الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي بصير :
( إن خفتَ إمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه
كما هو أهله ، وصلِّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وَسَل حاجتَكَ ،
وتباكَ ولو مثل رأس الذباب . إن أبي كان يقول : إن أقرب ما يكون
العبد من الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ ) .
الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه
المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
وهذا من أهم آداب الدعاء ، لأنه يدل على التضامن ونشر المودَّة
والمحبة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم .
وذلك من منازل الرحمة الإلهية ، ومن أقوى الأسباب في استجابة
الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنه
أوجب للدعاء ) .
التاسع عشر : التضرع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، فقد قال تعالى : (( وَاذكُر
رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً )) [ الأعراف : 205 ] .
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه ، في قوله تعالى : (( وَلَقَد
أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) [ المؤمنون : 76 ] .
وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول
الله عزَّ وجل : (( فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) فقال ( عليه
السلام ) :
( الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) .
العشرون : الإسرار بالدعاء : فيستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد
عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً .
فقال تعالى : (( ادعُوا ربَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفيَةً )) [ الأعراف : 55 ] .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة
تعدل سبعين دعوة علانية ) .
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدُّعاءِ :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسلاً ،
وذلك لأن العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم
ذلك من التضرُّع والرقة . كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة
الدعاء ، أو نسيان لبعض أجزائه .
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الإجابة فيترك
الدعاء ، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء .
وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً ، فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلما
استبطأ كماله وإدراكه ، تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل
فيقنط ويترك الدعاء ) ، فقلتُ : كيف يستعجل ؟ قال ( عليه السلام ) :
( يقول قد دعوت منذ كذا وكذا ، وما أرى الاِجابة ) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ،
لأن ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه
بقوله :
(( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ
نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ )) [ الزمر : 8 ] .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لرجل يَعِظُهُ :
( لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض
مغتراً ) .
الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ،
لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ،
واستجابة الدعاء عند الشدة .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) .
الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَج :
ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول
الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزَّ وجل أحبُّ
إليه من كفٍّ فيها عقيق ) .
ولقوله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال
الله عزَّ وجل : ( إني لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج
فأَرُدَّهَا خائبة )
فيما يلي نذكر أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :
1ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :
هذه الشروط والآداب ونذكر هنا حديثاً مهماً عن الاِمام الصادق عليه
السلام يفيد التذكير بها ..
COLOR=darkred]عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال :
قلت له :
آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟
فقال : وما هما ؟
قال: قلت: قوله تعالى : ( ادعوني استَجِب لكُم ) ثم أدعو فلا أرى
الاجابة !
قال : فقال لي : أفترى الله تعالى أخلف وعده ؟
قال : قلت : لا .
قال : فمه ؟
قلت : لا أدري...
فقال : لكني أُخبرك إن شاء الله تعالى ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم
به ثمّ دعوتموه لاَجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو
دعوتموه من جهة الدعاء لاَجابكم .
قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟
قال : إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ،
وتصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه
وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي على أئمة الهدى عليهم السلام ، ثمّ
تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك
فتحمده وتشكره على ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما
ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلى الله من جميع
معاصيك وأنت تنوي ألا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية
وخوف ورجاء ، ويكون من قولك :
(" اللهمّ إني اعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعني
على طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ
أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلاّ بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ
بنعمة أنال بها رضوانك والجنة")
ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالى...
2ـ ـ فقدان موانع الاجابة :
ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب
والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل
الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ،
ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربِّه ، والاقبال هو الشرط الاَساس
في استجابة الدعاء
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
(" خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ ")
* اقتراف الذنوب والمعاصي
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام :
(" إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ،
أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا
تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان
مني")
* أكل الحرام :
ورد في الحديث القدسي :
(" فمنك الدعاء وعليَّ الاِجابة ، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل
الحرام ")
* عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :
قال الاِمام زين العابدين عليه السلام :
(" والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين ")
3ـ ترصّد الاَزمنة الخاصة :
لابدّ للداعي أن يراعي اختيار الاَوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن
تأمل النصوص الاِسلامية يلاحظ أنّ الاَوقات ليست كلّها سواء ، فمنها
ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل
فيها الرحمة أكثر من غيرها ..
وفيما يلي أهم الاَوقات التي ترجى فيها الاجابة :
* جوف الليل :
عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام
ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي :
("يا نوف ، إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لايدعو فيها عبدٌ إلاّ استُجيب له")
* زوال الشمس :د
عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
(" كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك
قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا
في حاجته بما شاء الله ")
* بعد الصلوات المكتوبة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(" من أذى لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة ")
* ليلة الجمعة ويومها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(" إنّ يوم الجمعة سيد الاَيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ،
ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات ")
4ـ اختيار الاَدعية التي هي مظنّة الاجابة :
من المسائل المهمة التي تواجه الداعي ، هي مسألة اختيار الدعاء
المناسب للحال التي يريدها ، والظاهر من النصوص الواردة في هذا
الشأن أنّه يجوز للانسان أن يدعو بما جرى على لسانه ، فهو الذي
يفصح عن حاله ، وعمّا تكنّه بواطن نفسه ويعبّر عن حاجاته
روي عن زيارة أنّه قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام علّمني دعاءً ،
فقال عليه السلام :
« إنّ أفضل الدعاء ما جرى على لسانك »
على أن الدعاء الذي يجري على اللسان قد يكون عرضةً للوهم والخطأ الذي لا يشعر به الاِنسان حال اشتغاله بالدعاء والتوجه إلى الله سبحانه والخشوع والانقطاع ، فلا يستحضر معانيه ودلالاته أو مدى موافقته لقوانين البلاغة واللغة والاعراب
[/frame]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد حدَّدت النصوص الإسلامية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآل
البيت ( عليهم السلام ) آداباً للدعاء وقررت شروطاً لابد للداعي أن
يراعيها كي يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق
مطلوبه من الدعاء .
وإذا أهملها الداعي ، فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا
تحصل له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في
الدعاء .
وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
الأول : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء
عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه
قال :
( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ،
ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ ) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( كان أبي إذا طلب الحاجة .. قدَّم شيئاً فتصدق به ، وشمَّ شيئاً من
طيب ، وراح إلى المسجد ) .
الثالث : الصلاة :
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام
الصادق ( عليه السلام ) :
( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما
وسجودهما ، ثم سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجل وعلى رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) ثم سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب
الخير في مظانّه لم يخب ) .
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن
الرحيم ) .
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن
يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد
مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى : على الداعي أن يدعو الله تعالى
بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :
(( وللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا )) [ الأعراف : 180 ] .
وقوله تعالى : (( قُلِ ادعُوا اللهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمَنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ
الأَسمَاءُ الحُسنَى )) [ الإسراء : 110 ] .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له ) .
السابع : الصلاة على النبي وآله ( عليهم السلام ) :
لابد للداعي أن يصلي على محمد وآله ( عليهم السلام ) بعد الحمد
والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) ولأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) الذي هو في
امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال
واستجابة الدعاء .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لا يزال الدعاء محجوباً ، حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي ) .
الثامن : التوسل بمحمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت
( عليهم السلام ) هم سفن النجاة لهذه الأمَّة .
فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم ( عليهم السلام ) ،
ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الأوصياء مني بهم تُنصر
أُمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب
دعاءهم ) .
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً ، مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من
خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم
الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا
بالإقرار ) .
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر - بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي
وآله ( عليهم السلام ) والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدنيا
والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السموات
والأرض الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل
شيء .
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظن به سبحانه :
وهذا يعني أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته .
فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنه سبحانه لا يمنع
أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الله عزَّ وجل : من سألني
وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع ، استجبت له ) .
وقيل للاِمام الصادق ( عليه السلام ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم تدعون من لا تعرفونه ) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة : على الداعي أن يعمل بما
تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ، ويطيع أوامره ، وهما من
أهم الشروط في استجابة الدعاء .
قال رجل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إن الله
يقول : (( ادعُونِي استَجِب لَكُم )) وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفى الله
لكم ) .
الثالث عشر : الإقبال على الله :
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ،
وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه ، وقلبه مشغول بشؤون
الدنيا .
فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقي
الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تاماً مع القلب ، فَتَهتَزُّ له الروح ،
وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب
دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ . فإذا دعوت ، فأقبل بقلبك ، ثم استيقن
بالإجابة ) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره ،
وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب
العادية التي لا تملك ضراً ولا نفعاً .
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ،
وكان مدعوُّه ربَّه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق
بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء .
الخامس عشر : تسمية الحوائج :
إن الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم
من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى
بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربه ، محتاجاً إلى كرمه ،
فقيراً إلى لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أن الله تبارك وتعالى يعلم ما
يريد العبد إذا دعاه ، لكنه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ
حاجتك ) .
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه
بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك
لأن رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله
وفضله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة ،
فإنها رحمة ) .
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من
خشية الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأن الدمعة لسان
المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه . والدمعة
سفير رِقَّةِ القلب الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي بصير :
( إن خفتَ إمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه
كما هو أهله ، وصلِّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وَسَل حاجتَكَ ،
وتباكَ ولو مثل رأس الذباب . إن أبي كان يقول : إن أقرب ما يكون
العبد من الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ ) .
الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه
المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
وهذا من أهم آداب الدعاء ، لأنه يدل على التضامن ونشر المودَّة
والمحبة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم .
وذلك من منازل الرحمة الإلهية ، ومن أقوى الأسباب في استجابة
الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنه
أوجب للدعاء ) .
التاسع عشر : التضرع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، فقد قال تعالى : (( وَاذكُر
رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً )) [ الأعراف : 205 ] .
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه ، في قوله تعالى : (( وَلَقَد
أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) [ المؤمنون : 76 ] .
وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول
الله عزَّ وجل : (( فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) فقال ( عليه
السلام ) :
( الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) .
العشرون : الإسرار بالدعاء : فيستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد
عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً .
فقال تعالى : (( ادعُوا ربَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفيَةً )) [ الأعراف : 55 ] .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة
تعدل سبعين دعوة علانية ) .
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدُّعاءِ :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسلاً ،
وذلك لأن العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم
ذلك من التضرُّع والرقة . كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة
الدعاء ، أو نسيان لبعض أجزائه .
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الإجابة فيترك
الدعاء ، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء .
وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً ، فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلما
استبطأ كماله وإدراكه ، تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل
فيقنط ويترك الدعاء ) ، فقلتُ : كيف يستعجل ؟ قال ( عليه السلام ) :
( يقول قد دعوت منذ كذا وكذا ، وما أرى الاِجابة ) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ،
لأن ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه
بقوله :
(( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ
نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ )) [ الزمر : 8 ] .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لرجل يَعِظُهُ :
( لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض
مغتراً ) .
الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ،
لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ،
واستجابة الدعاء عند الشدة .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) .
الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَج :
ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول
الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزَّ وجل أحبُّ
إليه من كفٍّ فيها عقيق ) .
ولقوله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال
الله عزَّ وجل : ( إني لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج
فأَرُدَّهَا خائبة )
فيما يلي نذكر أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :
1ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :
هذه الشروط والآداب ونذكر هنا حديثاً مهماً عن الاِمام الصادق عليه
السلام يفيد التذكير بها ..
COLOR=darkred]عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال :
قلت له :
آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟
فقال : وما هما ؟
قال: قلت: قوله تعالى : ( ادعوني استَجِب لكُم ) ثم أدعو فلا أرى
الاجابة !
قال : فقال لي : أفترى الله تعالى أخلف وعده ؟
قال : قلت : لا .
قال : فمه ؟
قلت : لا أدري...
فقال : لكني أُخبرك إن شاء الله تعالى ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم
به ثمّ دعوتموه لاَجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو
دعوتموه من جهة الدعاء لاَجابكم .
قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟
قال : إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ،
وتصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه
وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي على أئمة الهدى عليهم السلام ، ثمّ
تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك
فتحمده وتشكره على ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما
ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلى الله من جميع
معاصيك وأنت تنوي ألا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية
وخوف ورجاء ، ويكون من قولك :
(" اللهمّ إني اعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعني
على طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ
أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلاّ بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ
بنعمة أنال بها رضوانك والجنة")
ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالى...
2ـ ـ فقدان موانع الاجابة :
ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب
والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل
الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ،
ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربِّه ، والاقبال هو الشرط الاَساس
في استجابة الدعاء
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
(" خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ ")
أهم الموانع التي تحبس الدعاء :
* اقتراف الذنوب والمعاصي
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام :
(" إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ،
أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا
تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان
مني")
* أكل الحرام :
ورد في الحديث القدسي :
(" فمنك الدعاء وعليَّ الاِجابة ، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل
الحرام ")
* عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :
قال الاِمام زين العابدين عليه السلام :
(" والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين ")
3ـ ترصّد الاَزمنة الخاصة :
لابدّ للداعي أن يراعي اختيار الاَوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن
تأمل النصوص الاِسلامية يلاحظ أنّ الاَوقات ليست كلّها سواء ، فمنها
ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل
فيها الرحمة أكثر من غيرها ..
وفيما يلي أهم الاَوقات التي ترجى فيها الاجابة :
* جوف الليل :
عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام
ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي :
("يا نوف ، إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لايدعو فيها عبدٌ إلاّ استُجيب له")
* زوال الشمس :د
عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
(" كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك
قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا
في حاجته بما شاء الله ")
* بعد الصلوات المكتوبة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(" من أذى لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة ")
* ليلة الجمعة ويومها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(" إنّ يوم الجمعة سيد الاَيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ،
ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات ")
4ـ اختيار الاَدعية التي هي مظنّة الاجابة :
من المسائل المهمة التي تواجه الداعي ، هي مسألة اختيار الدعاء
المناسب للحال التي يريدها ، والظاهر من النصوص الواردة في هذا
الشأن أنّه يجوز للانسان أن يدعو بما جرى على لسانه ، فهو الذي
يفصح عن حاله ، وعمّا تكنّه بواطن نفسه ويعبّر عن حاجاته
روي عن زيارة أنّه قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام علّمني دعاءً ،
فقال عليه السلام :
« إنّ أفضل الدعاء ما جرى على لسانك »
على أن الدعاء الذي يجري على اللسان قد يكون عرضةً للوهم والخطأ الذي لا يشعر به الاِنسان حال اشتغاله بالدعاء والتوجه إلى الله سبحانه والخشوع والانقطاع ، فلا يستحضر معانيه ودلالاته أو مدى موافقته لقوانين البلاغة واللغة والاعراب

تعليق