بسم الله الرحمن الرحيم
اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ نصب الموازين ليست مسألةً عامة لكل الناس على حدٍّ سواء، بل هي للمسلمين فقط، فلا يقام للكافرين والمشركين وزن يوم القيامة، بل تبطل أعمالهم، ويحشرون إلى جهنّم زمراً. قال تعالى: "أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلأ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً"(الكهف:18-105).
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: "اعلموا عباد الله أنَّ أهل الشرك لا تُنصَب لهم الموازين، ولا تُنشَر لهم الدواوين، وإنَّما يحشرون إلى جهنَّم زمراً، وإنَّما نَصْبُ الموازين، ونَشْرُ الدواوين، لأهل الإسلام، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يحبَّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحدٍ من أوليائه، ولم يرغِّبهم فيها، وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنَّما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيُّهم أحسنُ عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وصرَّف الآيات لقومٍ يعقلون، ولا قوّة إلا بالله... "1.
ما هي الأعمال الثقيلة في الميزان؟
يـلاحـظ في الروايات تعابير مختلفة حول الأعمال الثقيلة في الميزان، ومن جملة هذه الأعمال:
1- الشهادة بوحدانية اللّه ونبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
فقد جـاء فـي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام في باب الشهادة بوحدانية اللّه ونبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قـال:"نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خفَّ ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنَّة والنَّجاة من النار"2.
2- ذكر الله تعالى
ورد في بعض الروايات أنَّ بعض الأذكار مثل: الحمد للّه، وسبحان اللّه، واللّه أكبر، وكذلك لا إله إلا اللّه، تملأ ميزان العمل يوم القيامة.
ويـسـتفاد من الأحاديث السابقة، وكثير من الأحاديث الأخرى، بأنَّ العمل قد يكون صغيراً، ولكن له أهمية كبيرة، يجعل ميزان العمل ثـقـيـلاً، ويـملأ كفَّتيه، بحيث إنَّ تمرة واحدة تنفق بإخلاص لوجه اللّه تعالى، وابتغاء مرضاته، تملأ كفَّة ميزان العدل الإلهي، الَّذي يملأ ما بين المشرق والمغرب.
ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تصدَّقوا ولو بصاعٍ من تمر، ولو ببعض صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، ولو بتمرة، ولو بشقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة لينة، فإنَّ أحدكم لاقِ الله فقائل له: ألم أفعل بك ؟ ألم أجعلك سميعاً بصيراً ؟ ألم أجعل لك مالاً وولداً ؟ فيقول: بلى، فيقول الله تبارك وتعالى: فانظر ما قدمت لنفسك، قال: فينظر قدَّامه وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئاً يقي به وجهه من النار"3.
فانظر إلى شق التمرة وأثره يوم القيامة، وما ينميه من الأجر الجزيل عند الله تعالى على ما تراه من قله هذا العمل، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "...حتى أنَّ الرجل ليتصدق بالتمرة أو بشقِّ تمرة فاربيها له كما يربي الرجل فلوه وفصيله"4.
3- الصلاة على محمد وآل محمد
عن الإمام محمّد الباقر أو الإمام الصادق عليه السلام: "ما في الميزان شيءٌ أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإنَّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به، فيخرج صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح به"5.
4- حبُّ النبي وآله
ومن المواطن التي تظهر فيها آثار مودَّتهم صلى الله عليه وآله وسلم، هي الميزان يوم القيامة، ففي الحديث عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وسلم:"حبِّي وحبُّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنَّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط"6.
5- حسن الخلق
ففي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وسلم:"ما من شئ أثقل في الميزان من خلق حسن"7.
6- مداد العلماء
إنَّ مداد العلماء لما فيها من صلاح للأمة، ولما لها من أثركبير في إيمان الناس، كانت أثقل من كثير من الأعمال التي لا يستقل بما فيها من المثوبة والجزاء، ومن ذلك دماء الشهداء على منزلة وعظمة تلك الدماء،فعن الإمام الصادق عليه السلام:"إذا كان يوم القيامة جمع الله عزَّ وجلَّ الناس في صعيد واحد، وضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء"8.
أشعار الحكمة
النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمتأنَّ السعادة فيها ترك ما فيهالا دارَ للمرءِ بعد الموت يسكُنها إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيهافإن بناها بخير طاب مسكنُها وإن بناها بشر خاب بانيهاأموالنا لذوي الميراث نجمعُها دورنا لخراب الدهر نبنيهاأين الملوك التي كانت مسلطنَةً حتى سقاها بكأس الموت ساقيهاكم من مدائنَ في الآفاق قد بنيت أمست خراباً وأفنى الموتُ أهليهالا تركَنَنَّ إلى الدنيا وما فيها فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيهالكلِّ نفس وإن كانت على وجلٍ من المَنِيَّةِ آمالٌ تقوِّيهاالمرء يبسطها والدهر يقبضُها والنفس تنشرها والموت يطويها
* رحلة الآخرة, جمعية المعارف الثقافية,
تعليق