السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كربلاء مشعل كشف الزيف
كربلاء مشعل كشف الزيف
وهكذا أصبحت ملحمة كربلاء رمز المواجهة بين الحنيفية البيضاء والشرك المتلصص، بين الحق الخالص الصريح والباطل المدّنس المزخرف، بين الشجاعة والبطولة والتحدي وبين التذبذب والانطواء والتبرير.
وأصبح الإمام الحسين لواءً منشوراً لكل من يريد مقاومة الحكام المتسترين بالدين، وتحريف أنصاف العلماء ـ وعاظ السلاطين ـ الخونة للدين، وسكوت المتثقفين المتظاهرين الذين أضحوا سلاحاً فتاكاً على الدين الحق، و ضد الخط الإيماني الصادق.
وهكذا أضاء أبو عبد الله الحسين عليه السلام على امتداد التاريخ درب المؤمنين المستضعفين الذي تآمر ضدهم ثالوث النفاق والدجل والجبن، هؤلاء المحرومين الذي تظاهر ضدهم المهووسون بالسلطة، ووعاظ السلاطين، والمترفون مصاصو دماء الفقراء.
وأية راية حق حاربت من أجل الله حملت شعار (يا لثارات الحسين)، وأي تجمع صالح قرر التحدي وَضَعَ نصب عينيه دروس كربلاء، وأي رجل عقد العزم على أن يكون فداء لدينه كان مثاله الأسمى السبط الشهيد.
وتبقى حاجتنا إلى مشعل سيد الشهداء ما دمنا نواجه نفاقاً أموياً، ودجلاً شريحياً، وخيانة كالتي كانت عند أهل الكوفة.. وأنّى يكون لنا اليوم الذي نتخلص فيه من هذا الثالوث الخبيث؟
كلا؛ ما دامت الدنيا باقية فإن فتن الشيطان ووساوسه قائمة، وليس بالضرورة أن يكون المنافق أموياً سافراً، أو شريحاً قاضياً عنده كما وعاظ السلاطين، أو جبناء متظاهرين بالخيانة.
كلا؛ ليس بالضرورة أن يكون كذلك، فقد يكون المنافق متظاهراً بحب السبط الشهيد، والدجال متحدثاً باسمه، والجبان ينضوي تحت لوائه.. أو لم يرق أحدهم منبر الحسين فقال: مالنا والدخول بين السلاطين، محرِّماً تعاطي السياسة؟ ولم يفكر أن المنبر الذي إرتقاه لم يقم إلا على دماء السبط الشهيد عليه السلام، وأن الإمام الحسين أعلن بكل صراحة أن مثله لا يبايع مثل يزيد؟
إن الشيطان الذي حرّف كتاب الله المبين، وفسّر سيرة سيد المرسلين، وحكم باسم كتاب الله وتحت شعار خليفة رسول الله بالجور والعدوان، إنه قادر أيضاً على تحريف نهج الحسين، وتفسير واقعة كربلاء بما يخدم مصالحه ويتماشى وأهواءَه النفسانية.
من هنا كان على الذين وعوا حكمة النهضة الحسينية، وعقدوا العزم على أن يعيشوا نهج سيد الشهداء رغم الصعاب، والذين تساموا إلى حيث جوهر الإسلام وروح الإيمان وعصارة تاريخ الأنبياء.. إلى حيث الصراع ضد الجبت والطاغوت، على هؤلاء أن لا يدعوا راية السبط الشهيد تُسرق من قبل الدجالين والمنافقين والمترفين، فإذا بهم يحاربون نهج الحسين باسم الحسين، كما حارب بنو أمية نهج رسول الله باسم رسول الله، ونهج كتاب الله باسم كتاب الله.
فليس مقبولاً أن نعيش دهراً على شاطئ الحسين عليه السلام محرومين من ماء الحياة، من العزم الحسيني، من الشجاعة الحسينية، من العطاء الحسيني، من الكرم والإيثار، من المواجهة والتحدي.. من كل تلك المعطيات التي زخرت بها ملحمة كربلاء الثائرة.
إن الحسين كما جاء في حديث جده المصطفى صلى الله عليه وآله: "مصباح هدى وسفينة نجاة"[2]، وأنه من الرسول والرسول منه[3]، إنه إمام المسلمين وحجة الله، وهو أعظم من مجرد تراجيديا. كما إنّ كربلاء أسمى من مجرد فلكلور، إنه وريث الأنبياء وترجمان الأوصياء وقدوة الأتقياء، إنه مدرسة التوحيد.
ومن هنا يجدر بنا أن نتخذه إماماً في كل مناهجه وشرائعه[4].
المصادر:
[2] - عيون أخبار الرضا للصدوق، ج2، ص62.
[3] - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "حسين مني وأنا من حسين" كامل الزيارات لابن قولويه، ص116.
[4] – مقتبس من محاضرات اية الله محمد تقي المدرسي
تعليق