تويت
نصب الحرية بين عملاق وقامتين
الغد- عامر الحسيني
الحرية هي الرمز الذي لا يغيب عن ضمائر الأحرار في أي بلد أو أي مكان ,ولا
يقتصر على شعب دون آخر, إنما هو صرخة في وجدان الإنسانية في كل مكان
واي مكان وجد فيه هذا الأنسان ,وكل من يصرخها يغدو خالدا في التأريخ ,
ويصبح رجلا من أباة الضيم الذين مجدتهم الأجيال من بعدهم ,فالحرية رمز له
من الدلالات والرؤى الشاخصة ما تنبثق منها كل حركات التحرر التي ابتدأت
من بلاد الرافدين عند أوتو حيكال حتى وصلت أحمس في حضارة وادي النيل,
كان ذلك قبل الميلاد بألفي عام ,أما بعد الميلاد وفي عصرنا الحاضر على وجه
الخصوص فقد كان كذلك حيث انبثقت حركة الربيع العربي من العراق في
التسعينات من القرن المنصرم لتحطم الصنم صدام, ولتمتد شعلة الحرية
والتحرر حتى تصل جذوتها الى تونس لتطيح بطاغوته المسمى زين العابدين
بن علي ,ومصر لتطيح بفرعونه حسني مبارك ,فليبيا لتحطم محطمها القذافي
,وما زالت حركات التحرر تنبثق وتنبجس في كل مكان لا تعرف حدودا ولا
يقف بوجهها قمع وعنف أو إرهاب إنها صرخة الأحرار التي صاغها الفنان
جواد سليم على شكل نصب متمثل بـ 14 رمزا تعد عبارة عن سجل مصور
لتأريخ العراق بقديمه وحديثه لا تقبل الاقتصار على فئة معينة أو زمن معين
صيغت بطريقة الرموز التي أراد من خلالها سرد أهم الأحداث التي رافقت تأريخ
العراق بمزج قديمه بجديده حتى لا تقتصر على زمن دون غيره ولا تقف أو
تقتصر على معنى دون آخر لما يحتمل المعنى من تأويل وتفسير ليخرج به (
الرمز) من أطار الزمكانية الى أعماق الروح الإنسانية حيث تكون تلك الحرية
كامنة في عمق الذات , هذه الرموز التي تخللها النصب من الفنون والنقوش
البابلية والآشورية والسومرية القديمة حتى (أحداث ثورة تموز 1958) - وهذا
حسب تأويل بعضهم - ودورها واثرها على الشعب العراقي وكثير من
الموضوعات التي استلهمها من قلب العراق ولعل أهم ما يجذب المشاهد لهذا
الصرح عندما يطالعه للوهلة الأولى هو الجندي الذي يكسر قضبان السجن
وسط النصب لما فيه من قوة وإصرار ونقطة تحول تنقل قصة النصب من
مرحلة الاضطراب والغضب والمعاناة إلى السلام والازدهار والحرية.
مكونات النصب
النصب يتألف من 14 قطعة برونزية من المصبوبات المنفصلة وعندما نطالعه
تكون الرواية قد ابتدأت من اليمين إلى اليسار كما في الكتابة العربية على هيئة
بيت شعر عربي مؤلف من شطرين الصدر والعجز .
صدر النصب يتألف من سبعة أجزاء ذات حركة مضطربة من أول الرموز
تتلاشى تدريجيا كلما تحركنا نحو اليسار لتنتظم وتصبح نابضة بالعزيمة
والإصرار والقوة
• رمز الحصان الصاهل والقتال الدائر بين خصمين مع مجسم
لشهيد أو قتيل أثناء المعركة الدائرة تدل على الصراع المستمر كحروب العراق
القديمة (الجديدة) التي لا تنفك منها أحداث الساحة العراقية بقديمها وحديثها
• رمز الإنسان الذي يتقدم بخطى واسعة إلى الأمام لترتفع بعده
اللافتات والرايات الجديدة في السماء والتي تدل بدورها على النصر في ذلك
الصراع أو تلك المعركة.
• رمز طفل صغير هو رمز البراءة والأمل والذي يشير إلى بداية
الطريق.
• رمزإمراة مولولة (ناعية لاطمة) تطالعنا بعده وهي مشحونة
بالانفعالات من غضب وحزن لسماعها خبر استشهاد ابنها.
• رمز مؤثر هو إحتضان الأم لإبنها الشهيد باكية عليه.
• رمز الأمومة هي تلك المرأة التي تحتضن وليدها غامرة الحياة
الجديدة بالحب والحنان تدل بكل وضوح بان ما من يسقط في غمار المعارك
شهيدا إلا وله وليد مكانه سيحمل رسالته ولو بعد حين فجيل يمضي وجيل
يأتي من باب (أنتم السابقون ونحن اللاحقون )ويبقى الأمل عامرا في العراق
بأبنائه .
بهذا الرمز انتهى الشطر الأول من النصب ليأتي العجز والذي يبتدئ بـ
• رمز السجن والسجين والسجان يمثل السجين شعب العراق
والسجان إما إشارة للإحتلال أو لنظام حاكم بظلم ,أما السجن فهو أسلوب أو
نمط ذاك الحكم والذي طغى على العراق فأحاله الى زنزانة كبيرة لا يستطيع
الخروج منها حيث يخاف الأخ من أخيه وأبيه وأمه وبنيه وعشيرته التي تأويه
وفيه إشارة الى انه على وشك الانهيار تحت تأثير رجل مزقت ظهره السياط
رافعا يديه نحو السماء طالبا عونها يصرخ الغوث متأثرا بالسجان الذي مازال
يظلمه ويجور عليه من خلال السوط بيده ولكن القضبان لا تنفصل في النهاية
وإن انفرجت قليلا.
• رمز كاسر القيد محطم الأغلال هادم السجن وهو المنقذ ذو
الإصرار والقوة والمتمثل بهيئة الجندي الذي يظهر في الوسط وذلك اعترافا
بأهمية دور جيش العراق في تفجير الثورات وإخراج المحتل لتأتي صفحة
جديدة من تأريخ العراق بإنتهاء المعاناة والمآسي لتحل صفحة السلام
والإزدهار برمز الحرية اللاحق.
• رمز الحرية وهي المرأة التي تظهر لنا حاملة مشعلاً يعد رمز
الحرية الإغريقي مندفعة نحو محررها بالأهازيج والزغاريد والتحية فبعد
مواجع الثورة والهيجان تأتي مرحلة أو صفحة السكينة والهدوء والسلام لتحل
من خلال الرمز اللاحق .
• رمز إمراة بين أكاليل السنابل (الحنطة والشلب) التي تدل على
الزراعة في بلاد الرافدين به دلالة على أرضنا الخصبة
• رمز المرأتين الفلاحتين التي يتوسطهما رمز صغير لبنت تحمل
صينية يرمزان لنهري دجلة والفرات واللذين يعدان العمود الفقري للحضارة
الرافدينية ولم يغيبا عن النصب حيث يفسر بعضهم ان دجلة الذي يعني في
العربية أشجار النخيل والفرات بمعنى الخصب تمثلهما إمرأتان أحداهما تحمل
سعف النخيل والأخرى حبلى أما البنت فتحمل شموع الفرح أو صينية زكريا
وهي طقس بغدادي قديم حيث يجتمع أفراد الأسرة حول الصينية التي تكون
مليئة بالحلويات والشموع وهم يهزجون ( يا زكريه عودي عليه كل سنة وكل
عام نسوي صينيه) وهي إشارة الى الفرح الغامر والسلام.
• رمز الفلاحين الذين يدلان على العرب والأكراد احدهما في زي
سومري والثاني برداء آشوري يتطلعان نحو رفيقيهما دجلة والفرات ويحملان
مسحاة (مجرفة) واحدة فيما بينهما تعبيراً عن وحدة البلد الذي يعيشان في
كنفه بكل أمان وحرية وإخاء.
• رمز عراقي قديم آخر وهو الثور الذي يعد رمزا سومريا يدل
على القوة والغلام على البلد الوليد الذي كبر وقد يكون راعيا لهذا الثور
• رمز يظهر في آخر النصب يدل على الجانب الصناعي في أقصى
اليسار على هيئة عامل يحمل بيده آلته وهو مفعم بالثقة والزهو لإعمار بلده
تحياتي
تعليق