فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول عليه السلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول عليه السلام


    فَاطِمةُ الزهَراء (ع) بَعَدَ وَفَاةِ الرسُول (ص)

    في كل يوم من أيام الدنيا آباء يموتون ، وبناتهم يُفجعن بهم ، ويبكين في مصابهم ، ويحزنَّ لفقدهم إلاَّ أنّ نسبة الحزن والبكاء وألم المصيبة تختلف باختلاف الآباء والبنات ، وباختلاف العلاقات الودّيّة بين الأب وابنته ، فهناك العدد الكثير من البنات اللاتي لا نصيب لهنّ من الآباء إلاّ الأُبوّة ، فلا عطف ولا حنان ولا محبّة ، فكأنّه لا معرفة بينهما ولا صلة .
    وهناك آباء يمطرون بناتهم بالعطف والدلال والاحترام والمحافظة على البنت لئلاّ تنخدش عواطفها ، ولئلاّ يحدث شيء يمسّ بكرامتها .
    ويجد الأب من ابنته نفس الشعور المتبادل والاحترام والتقدير .
    وفي هذه الصورة تكون العلاقات الودّيّة بين الأب وابنته وثيقة جداً ، وعلى هذا تكون مصيبة الأب على قلب ابنته أليمة وعميقة .
    وقد مرّ عليك موقف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وسوف يسهل عليك أن تدرك علاقة السيدة فاطمة الزهراء بأبيها الرسول (صلّى الله عليه وآله) ؛ ومحبّتها إيّاه لم تكن بدافع الأبوّة والنبوّة فقط ، بل كانت السيدة فاطمة تعتبره أباً عطوفاً ، ووالداً رؤوفاً ، شفيقاً رحيماً .
    وفي الوقت نفسه تعتبره رسول الله ، وسيّد الأنبياء والمرسلين ، فهي تحترم أباها كما تحترم المرأة المسلمة العارفة نبيّها ، وتعظّمه أقصى
    أنواع التعظيم ، وأعلى درجات التفخيم والتجليل .
    والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أعلم امرأة في الإسلام ، وأعرف أُنثى بعظمة نبي الإسلام .
    وبعد هذه المقدّمة يتضح لنا أنّ مصيبة وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) سلبت عن ابنته البّارة كل قرار واستقرار ، وكل هدوء وسكون .
    فالزهراء تعرف عِظم المصاب ، ومدى تأثير الواقعة في الموجودات كلّها .
    وهنا تحدّثنا فضّة خادمة الزهراء عن الحزن المسيطر على السيدة فاطمة بسبب وفاة أبيها الرسول (صلّى الله عليه وآله) قالت :
    ( ولمّا تُوفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) افتجع له الصغير والكبير وكثر عليه البكاء ، وعظُم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب ، والغرباء والأنساب .
    ولم تلق إلاّ كل باكٍ وباكية ، ونادب ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشدّ حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكان حزنها يتجدّد ويزيد ، وبكاؤها يشتد ، فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، وكل يوم كان بكاؤها أكثر من اليوم الذي قبله .
    فلمّا كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبراً ، إذ خرجت وصرخت ، وضجَّ الناس بالبكاء ، فتبادرت النسوة ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن وجوه النساء .
    كانت السيدة فاطمة تنادي وتندب أباها قائلة :
    وا أبتاه ، وا صفياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى !
    مَن للقبلة والمصلّى ؟
    ومَن لابنتك الوالهة الثكلى ؟
    ثم أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها ، ومن تواتر دمعتها ، حتى دنت من قبر أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلمّا نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المئذنة أغمي عليها ، فتبادرت النسوة ، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها ، وجبينها حتى أفاقت ، فقامت وهي تقول :
    رُفعت قوتي ، وخانني جَلَدي ، وشمت بي عدوي ، والكمد قاتلي .
    يا أبتاه بقيت والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة .
    فقد انخمد صوتي ، وانقطع ظهري ، وتنغَّص عيشي ، وتكدَّر دهري .
    فما أجد ـ يا أبتاه ـ بعدك أنيساً لوحشتي ، ولا راداً لدمعتي ، ولا معيناً لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرئيل ، ومحل ميكائيل .
    انقلبت ـ بعدك ـ يا أبتاه الأسباب .
    وتغلَّقت دوني الأبواب .
    فأما الدنيا بعدك قالية ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية .
    لا ينفد شوقي إليك ، ولا حزني عليك .
    إنّ حزني عليك حزنٌ جديد = وفؤادي والله صبّ عنيدُ
    كل يوم يزيد فيه شجوني = واكتئابي عليك ليس يبيدُ
    جلّ خطبي ، فبان عنّي عزائي = فبكائي في كل وقتٍ جديدُ
    إنّ قلباً عليك يألف صبراً = أو عزاءً فإنّه لجليدُ
    ثم نادت :
    يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وذوتْ زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة .
    يا أبتاه ، لا زلت آسفة عليك إلى التلاق .
    يا أبتاه ، زال غمضي منذ حقَّ الفراق .
    يا أبتاه ، مَن للأرامل والمساكين ؟
    ومَن للأُمّة إلى يوم الدين ؟
    يا أبتاه ، أمسينا بعدك من المستضعفين !
    يا أبتاه ، أصبحت الناس عنّا معرضين !
    ولقد كنَّا بك معظَّمين في الناس غير مستضعفين !
    فأي دمعة لفراقك لا تنهمل ؟
    وأي حزن بعدك لا يتصل ؟
    وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل ؟
    وأنت ربيع الدين ، ونور النبيّين .
    فكيف بالجبال لا تمور ؟ وللبحار بعدك لا تغور ؟
    والأرض كيف لم تتزلزل ؟
    رُميتُ ـ يا أبتاه ـ بالخطب الجليل .
    ولم تكن الرزيّة بالقليل .
    وطُرِقتُ ـ يا أبتاه ـ بالمصاب العظيم ، وبالفادح المهول .
    بكتك ـ يا أبتاه ـ الأملاك .
    ووقفتِ الأفلاك .
    فمنبرك بعدك مستوحش .
    ومحرابك خالٍ من مناجاتك .
    وقبرك فرِحٌ بمواراتك .
    والجنّة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك .
    يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك !!
    فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك .
    وأُثكل أبو الحسن المؤتمن ، أبو ولديك الحسن والحسين .
    وأخوك ووليّك ، وحبيبك ، ومَن ربيّته صغيراً وآخيته كبيراً .
    وأحلى أحبابك وأصحابك إليك .
    مَن كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً .
    والثكل شاملنا ! والبكاء قاتلنا ! والأسى لازمنا .
    ثم زفرت ، وأنَّت أنيناً يخدش القلوب ، ثم قالت :
    قلَّ صبري وبان عنّي عزائي = بعد فقدي لخاتم الأنبياءِ
    عين يا عين اسكبي الدمع سحّاً = ويك لا تبخلي بفيض الدماءِ
    يا رسول الإله يا خيرة الله = وكهف الأيتام والضعفاءِ
    قد بكتك الجبال والوحش جمعاً = والطير والأرض بعد بكي السماءِ
    وبكاك الحجون والركن والمشـ = ـعر ـ يا سيّدي ـ مع البطحاءِ
    وبكاك المحراب والدرس = للقرآن في الصبح معلناً والمساءِ
    وبكاك الإسلام إذ صار في النا = س غريباً من سائر الغرباءِ
    لو ترى المنبر الذي كنت تعلو = ه علاه الظلام بعد الضياءِ
    يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً = ( فلقد عِفْتُ الحياة يا مولائي )
    وأخذت فاطمة الزهراء (عليها السلام) شيئاً من تراب قبر أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجعلت تشمّه وهي تقول :
    ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ = إن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
    قل للمغيّب تحت أطباق الثرى = إن كنت تسمع صرختي وندائيا
    صُبَّت عليَّ مصائب لو أنّها = صُبَّت على الأيام صرن لياليا
    قد كنت ذات حمى بظلّ محمّدٍ = لا أخش من ضيم وكان حمىً ليا
    فاليوم أخضع للذليل وأتّقي = ضيمي ، وأدفع ظالمي بردائيا
    فإذا بكت قمريّة في ليلها = شجناً على غصنٍ بكيت صباحيا
    فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي = ولأجعلنّ الدمع فيك وِشاحيا (1)
    وروى زيني دحلان في السيرة النبوية هذه الأبيات لها في رثاء أبيها بعد دفنه (صلّى الله عليه وآله) :
    اغبرَّ آفاق السماء وكوّرت = شمس النهار وأظلم العصرانِ
    والأرض من بعد النبيّ كئيبة = أسفاً عليه كثيرة الرجفانِ
    فليبكه شرق البلاد وغربها = وليبكه مضرٌ وكل يماني
    وليبكه الطود المعظّم جوّه = والبيت ذو الأستار والأركانِ
    يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه = صلّى عليك منزّل القرآنِ
    ثم رجعت إلى منزلها ، وأخذت بالبكاء والعويل ، وكانت ـ سلام الله عليها ـ معصبة الرأس ، ناحلة الجسم منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة .
    وتقول لولديها : أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة ؟
    أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما ، فلا يدعكما تمشيان على الأرض .
    لا أراه يفتح هذا الباب أبداً ، ولا يحملكما على عاتقه ، كما لم يزل يفعل بكما !!
    ولمّا توفّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان قال : لا أؤذن لأحد بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
    وإنّ فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم : إنّي أشتهي أن أسمع
    ـــــــــــــــــــــ
    (1) بحار الأنوار ج43 .
    ________________________________________

    صوت مؤذّن أبي (صلّى الله عليه وآله) بالأذان .
    فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان فلما قال : الله أكبر الله أكبر ، ذكرت أباها وأيامه ، فلم تتمالك من البكاء .
    فلما بلغ إلى قوله : أشهد أنّ محمّداً رسول الله شهقت فاطمة (عليها السلام) وسقطت لوجهها وغشي عليها .
    فقال الناس لبلال : أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الدنيا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ؟ فقطع أذانه ، ولم يتمّه .
    فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألته أن يتمّ الأذان فلم يفعل وقال لها : يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان . فأعفته عن ذلك (1) .
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : غسّلت النبي (صلّى الله عليه وآله) في قميصه . فكانت فاطمة تقول : أرني القميص . فإذا شمّته غشي عليها . فلمّا رأيت ذلك غيّبته (2) .
    ورُوي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : عاشت فاطمة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خمسة وسبعين يوماً ، لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرّتين : الاثنين والخميس ، فتقول ، ها هنا كان رسول الله ، وها هنا كان المشركون (3) .
    وعن محمود بن لبيد قال : لمّا قُبض رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كانت فاطمة ( عليها السلام ) تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة
    ـــــــــــــــــــ
    (1) بحار الأنوار ج 43 عن مَن لا يحضره الفقيه .
    (2) مقتل الحسين للخوارزمي .
    (3) بحار الأنوار ج 43 ص 195 عن الكافي .
    ________________________________________

    وتبكي هناك .
    فلمّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتُها تبكي هناك ، فأمهلتها حتى سكنت ، فأتيتها وسلّمت عليها وقلت : يا سيّدة النسوان قد ـ والله ـ قطعتِ نياط قلبي من بكائك .
    فقالت : يا أبا عمرو ، ويحقّ لي البكاء ، فلقد أصبتُ بخير الآباء : رسول الله .
    وا شوقاه إلى رسول الله .
    ثم أنشأت تقول :
    إذا مات يوماً ميّتٌ قلَّ ذكره = وذكر أبي مذ مات ـ والله ـ أكثر (1)
    أقول : المستفاد من التاريخ والأحاديث أنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) كانت تبكي ـ علي أبيها ـ في بيتها ، فلمّا منعوها عن البكاء ، خرجت إلى أُحد ، فلمّا اشتدّ بها المرض صعب عليها الخروج إلى أُحد ، فكانت تخرج إلى البقيع وبيت الأحزان ـ كما ستقرأ ذلك ـ .
    ـــــــــــــــــ
    (1) بيت الأحزان للقمّي ص 141











    من كتاب فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

    السيد محمّد كاظم القزويني



  • محب الرسول

    • Dec 2008
    • 28579

    #2
    جزاكِ الله كل خير اختي العزيزه

    تعليق

    • دمعة الكرار
      • Oct 2011
      • 21333

      #3
      يسلمووو على المرورالطيب

      تعليق

      • عاشقة النور
        • Jan 2009
        • 8942

        #4
        جعله الله في ميزان حسناتكـ
        دمت بحب محمد وآل محمد


        "عاشقة النور"

        تعليق

        • دمعة الكرار
          • Oct 2011
          • 21333

          #5
          يسلموو على المرورالعطر

          تعليق

          • نور البتول الطاهرة
            • Aug 2010
            • 3064

            #6
            السلام عليك ياسيدتي ومولاتي يافاطمة الزهراء
            بارك الله فيك أختي طرح قيم
            جزاك الله خير

            تعليق

            • دمعة الكرار
              • Oct 2011
              • 21333

              #7
              جزاكي الله خيرع المرور

              تعليق

              يعمل...
              X