سنوات الانفراج حتى الهجرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    سنوات الانفراج حتى الهجرة


    سنوات الانفراج حتى الهجرة
    1 ـ الطائف ترفض الرسالة الإسلامية(1) :
    أدرك رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أن أذى قريش سيزداد ، وأن خطط المشركين ومساعيهم للقضاء على الرسالة لن تتوقف، فقد زال غطاؤها الأمني بوفاة أبي طالب ولابد للرسالة الإسلامية أن تنفتح على جبهة أوسع. وفي الوقت الذي استطاع فيه رسول الله أن يبني الإنسان الرسالي سعى لتهيئة قاعدة تتضح فيها معالم الاستقرار والنظام في محيط يمارس فيه الفرد حياته وعلاقاته مع ربه والناس ولينطلق بعد ذلك إلى بناء الحضارة الإسلامية الإنسانية وفق تعاليم السماء، فوقع اختياره على الطائف حيث تقطن ثقيف كبرى القبائل العربية بعد قريش. ولما انتهى إليها وحده أو بمرافقة زيد بن حارثة أو بمرافقة زيد وعلي(2)، عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادتها وأشرافها، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم المهمة التي جاء من أجلها وهي أن ينصروه في دعوته ويمنعوه من قومه فلم يعبأوا لدعوته وردوا عليه ساخرين فقال أحدهم: إنني أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال آخر: والله لا أكلمك أبداً ولئن كنت رسولاً من الله كما تقول
    __________
    (1) كان خروجه (صلَّى الله عليه وآله) إلى الطائف لليال بقين من شوال سنة عشرة من البعثة.
    (2) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 127 و 14 / 97 .
    ________________________________________

    لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. وردّ الآخر قائلاً: أعجزٌ على الله أن يرسل غيرك؟!(1).
    بعد هذا الرد الجاف والعنيف قام (صلَّى الله عليه وآله) من عندهم بعد أن طلب منهم أن يكتموا ما جرى بينه وبينهم; إذ كره أن يبلغ قريش ذلك فيجرّئهم عليه، لكن زعماء ثقيف لم يستجيبوا لطلبه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم فأخذوا يسبّونه ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة، فلم يكن يرفع قدماً ويضع اُخرى إلاّ على الحجارة حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وكانا هناك فتفرق عنه سفهاء الطائف، وقدماه تنزفان دماً، فعمد إلى ظل كرمة ونادى ربّه: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي).
    ولم يلق رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلاّ التفاتة عطف من رجل نصراني ضعيف وجد في رسول الله ملامح النبوة(2).
    وحين انصرف رسول الله من الطائف راجعاً إلى مكة بعد أن يئس من خير ثقيف كان محزوناً حيث لم يستجب له أحد فنزل نخلة (بين مكة والطائف). وفي جوف الليل وحين كان يصلّي مرّ به نفر من الجن واستمعوا للقرآن فلمّا فرغ من صلاته ولّوا إلى قومهم منذرين بعد أن آمنوا به وأجابوا إلى ما سمعوا، وقصّ الله خبرهم عليه قائلاً: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) إلى قوله تعالى: (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(3).
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 420 ، بحار الأنوار: 19 / 6 و7 و22 ، إعلام الورى: 1 / 133.
    (2) الطبري: 2 / 426، أنساب الأشراف: 1 / 227، تأريخ اليعقوبي: 2 / 36 السيرة النبوية: 1 / 420.
    (3) تاريخ الطبري : 2 / 346، وسيرة ابن هشام: 2 / 63، والطبقات: 1 / 312. راجع سورة الأحقاف : 29 ـ 31 .
    ________________________________________

    2 ـ الانفتاح على الرسالة ومعوّقاتها في مكة :
    لقد كانت حركة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) جهاداً رسالياً متكاملاً، وكان منطقه وسلوكه وخلقه يحاكي الفطرة السليمة والأخلاق السامية، يناشد الحق في النفوس ليحييها ويدعو إلى الفضيلة لتنعم البشرية بها ولهذا لم ييأس الرسول (صلَّى الله عليه وآله) رغم اضطهاد قريش وقسوتها معه وصد الطائف وجفوتها، إذ كان يتحرك بين الناس ويدعو الجميع إلى دين الله ولا سيّما في مواسم العمرة والحج حيث تتوفّر فيها فرص تبليغية عظيمة فكان (صلَّى الله عليه وآله) يقف على منازل القبائل من العرب ويقول: (يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تتعبدوا إليه ولا تشركوا به شيئاً وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتى اُبيّن عن الله ما بعثني به)(1).
    وكرّر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) مساعيه بالتحرّك على عدة قبائل غير آبه بما يلاقي من ردّ قاس أو اعتذار جميل. على أن بعضهم وجد في الانتماء إلى الإسلام مشروعاً سياسياً لبلوغ السلطان فحاول أن يساوم ولكن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ردّهم بلسان لا يعرف المساومة والتخاذل ولم يرد انتهاز الفرص على حساب المبادئ فقال (صلَّى الله عليه وآله): (الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء)(2).
    وفي أثناء ذلك ربما مشى (أبو لهب) خلف النبي (صلَّى الله عليه وآله) يثبّط الناس عن متابعته فيقول: يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه(3).
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 423، تأريخ الطبري: 2 / 429، أنساب الأشراف: 1 / 237.
    (2) السيرة النبوية: 1 / 424، تأريخ الطبري: 2 / 431.
    (3) السيرة النبوية: 1 / 423، تاريخ الطبري: 2 / 430.
    ________________________________________

    وفي جانب آخر تقوم أم جميل في وسط النساء فتسخر من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ودعوته المباركة لتمنع النساء من متابعته.
    ولم يتيسر للنبي (صلَّى الله عليه وآله) أن يقنع القبائل بالرسالة الإسلامية إذ أن قريشاً كانت تتمتع بالمكانة الدينية من بين القبائل الأخرى لما كانت تقوم به من سدانة البيت الحرام كما أنّها كانت تدير مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً في الجزيرة العربية وكانت لقريش أيضاً شبكات من العلاقات والأحلاف مع ما كان يحيط بها من القبائل الأخرى التي كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) قد عرض عليهم دعوته، فكان من الصعب كسر كل تلك القيود وإلغاء هيمنة قريش فكان تردد الناس في قبول الرسالة الإسلامية واضحاً، وخشيت قريش رغم ذلك من تحرّك النبي (صلَّى الله عليه وآله) وقوة دعوته فالتجأت إلى أسلوب مبرمج يمكن أن تقبله العقول الوثنية فاتفقوا على دعاية ينشرونها بين الناس فقالوا: إنه ساحر في بيانه يفرّق بين المرء وزوجه وبين الإنسان وأخيه. ولم تفلح قريش في مسعاها حين كانت تنكشف عظمة الرسول والرسالة لكل من يلتقي بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)(1).
    3 ـ بيعة العقبة الأولى :
    كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) لا يدّخر وسعاً ولا يتوانى في السعي لنشر الرسالة الإسلامية ودعوة أي عنصر يرى فيه الأمل والخير أو يجد فيه التأثير والنفوذ ممن كان يقدم إلى مكة لحاجة ما. وقد كانت مدينة يثرب تعيش صراعاً سياسياً وعسكرياً بين أقوى قطبين فيها وهما الأوس والخزرج، وكان يؤجج هذا الصراع عناصر من اليهود ـ بخبثهم ودسائسهم ـ في جو من ضياع القانون الإلهي.
    والتقى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) مع بعض شخصيات يثرب ممن جاء يبحث عن
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 270.

    تحالف يزيد قوته، فما برحوا حتى تغلغل أثر الرسالة وصدق النبوة في نفوسهم، ففي إحدى اللقاءات تحدث النبي (صلَّى الله عليه وآله) إلى جماعة من بني عفراء ـ وهم ينتسبون إلى الخزرج ـ فعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم شيئاً من القرآن، فوجد في عيونهم التجاوب وفي قلوبهم اللهفة لسماع المزيد من الآيات... وتأكدوا من حديث النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) أنه هو النبي الذي يقصده اليهود حينما كانوا يتوعدون به المشركين في يثرب كلما وقع شر بينهم فيقولون لهم: إن نبياً قد بعث الآن وقد أطلّ زمانه وسنتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم(1).
    فأعلنوا في الحال إسلامهم وكانوا ستة أشخاص وقالوا للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله): إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك وسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك وإلى الدين الذي أجبناك عليه.
    ثم انصرفوا راجعين إلى يثرب وشرعوا يتحدثون عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) والرسالة والأمل القادم لبناء حياة يسودها الأمن والسعادة، حتى فشا أمر الرسالة الإسلامية بينهم ولم يبق دار من دور يثرب إلاّ وفيها ذكر لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)(2).
    وما أسرع ما انقضت الأيام فلما كان موسم الحج للعام الحادي عشر من البعثة النبوية قدم وفد من أوس يثرب وخزرجها ـ وهم اثنا عشر رجلاً ـ من بينهم الستة الذين أسلموا من قبل والتقوا برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) سراً في العقبة ـ وهي المنفذ الذي يجتازه القادمون من يثرب صوب مكة ـ وأعلنوا هذه المرة بيعتهم للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوه في
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 428، بحار الأنوار: 19 / 25.
    (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 37 ـ 38، السيرة النبوية: 1 / 429، بحار الأنوار: 19 / 23.
    ________________________________________

    معروف(1).
    ولم يشأ النبي (صلَّى الله عليه وآله) أن يحملهم أكثر من ذلك، وأرسل معهم الشاب المسلم مصعب بن عمير إلى يثرب لكي يتولى شؤون التبليغ والتثقيف العقائدي بينهم، وبذا تمّت بيعة العقبة الأولى.
    4 ـ بيعة العقبة الثانية :
    تحرك مصعب بين أزقة يثرب وفي مجتمعاتها يتلو آيات الله ويحرك الأفئدة والعقول بالقرآن حتى آمن بالرسالة الإسلامية عدد كبير من الناس.
    وقد أحدث الإسلام في النفوس شوقاً كبيراً للقاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والتزود من معينه والطلب الجادّ بالهجرة إليهم.
    وعندما اقترب موسم الحج من السنة الثانية عشرة من البعثة خرجت وفود الحجيج من يثرب ومعها وفد المسلمين البالغ ثلاثاً وسبعين رجلاً وامرأتين فواعدهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أن يلتقي بهم عند العقبة ـ جوف الليل في أواسط أيام التشريق ـ وكتم مسلمو يثرب أمرهم.
    وما إن مضى من الليل ثلثه وفي غفلة عن العيون حتى تسلل المسلمون من أخبيتهم واجتمعوا في انتظار رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فجاء ومعه بعض أهل بيته فبدأ الاجتماع وتكلم القوم، ثم تحدث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فتلا شيئاً من القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام.
    وتمّت البيعة هذه المرّة صريحة واضحة مكتملة على كلّ جوانب الإسلام وأحكامه وفي السلم والحرب معاً. فقال (صلَّى الله عليه وآله): أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فقاموا وبايعوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 433، تأريخ الطبري: 2 / 436.
    ________________________________________

    وظهر شعور بالقلق من جانب مسلمي يثرب فقال أبو الهيثم ابن التيهان: يا رسول الله إنّ بيننا وبين الرجال ـ يعني اليهود ـ حبالاً وإنا قاطعوها فهل
    عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسّم الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وقال: بل الدم الدم والهدم الهدم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم(1).
    ثم ان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: (أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم) فأخرجوا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فقال لهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي(2).
    وبالإرشاد الحكيم والاستخدام الحصيف لكل الإمكانات وبالوعي السياسي العميق خطا الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بالرسالة نحو الأمام يسدده الوحي الإلهي في كل ذلك، وأذن (صلَّى الله عليه وآله) للمبايعين أن يعودوا إلى رحالهم من دون أن يواجهوا المشركين بالقوة فلم يأذن الله بالقتال.
    وأدركت قريش بوادر الخطر المحدق بها من نصرة مسلمي يثرب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) فأقبلوا والشر والغضب يتملّكانهم كي يحولوا بين النبي (صلَّى الله عليه وآله) والمسلمين لكن حمزة وعلياً (عليهما السلام) كانا بوّابة الأمان لاجتماع العقبة فرجعت قريش خائبة منكسرة(3).
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 438، تأريخ الطبري: 2 / 441، مناقب آل أبي طالب: 1 / 181.
    (2) تأريخ الطبري: 2 / 442، السيرة النبوية: 1 / 443، المناقب: 1 / 182.
    (3) تفسير القمي: 1 / 272.
    ________________________________________

    5 ـ الاستعداد للهجرة إلى يثرب :
    انتبهت قريش وخرجت من غفلتها فقد انفتح باب الرجاء في الغلبة، في وجه المسلمين فراحت تزيد من استخدام القسوة والتنكيل والاضطهاد للمسلمين في محاولة منها للقضاء عليهم قبل استفحال الأمر، فشكا المسلمون ذلك لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) واستأذنوه للخروج من مكة فاستمهلهم أياماً ثم قال: (لقد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فمن أراد الخروج فليخرج إليها) (1)، وفي رواية أخرى: (إن الله قد جعل لكم داراً تأمنون بها وإخواناً)(2).
    وشرع بعض المسلمين يخرجون من مكة إلى يثرب سرّاً كي لا يثيروا هواجس قريش، وبدأت طرقات مكة وبيوتها ونواديها تشهد يوماً بعد يوماً غياباً مستمراً لأصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). أمّا هو فكان ينتظر الأمر الإلهي بالهجرة وليضمن سلامة ودقة هجرة المسلمين. وأدركت قريش هدف النبي (صلَّى الله عليه وآله) وخطته فسعت إلى منع المسلمين من الخروج من مكة ولحقت بالمهاجرين مستخدمة أساليب الإغراء والتعذيب لإعادتهم إلى مكة.
    وكانت قريش حريصة في أن يبقى الأمن سائداً في مكة مما جعلها تخشى عواقب قتل المهاجرين خشية وقوع الحرب بينها وبينهم فاكتفت بالتعذيب والحبس للمسلمين.
    نعم كانت قريش تحسب ألف حساب لخروج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى يثرب فقد أصبح للمسلمين اليد العليا هناك فإذا لحق بهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وهو المعروف بالثبات وحسن الرأي والتدبير والقوة والشجاعة حينئذ سوف تحل الكارثة
    __________
    (1) الطبقات الكبرى: 1 / 226.
    (2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 182، السيرة النبوية : 1 / 468.
    ________________________________________

    بالمشركين عامة وبقريش بشكل خاص.
    وسارع رؤساء قريش لعقد اجتماع لهم في دار الندوة للبحث عن حلّ يواجهون به الخطر المحدق بهم فتعددت الأراء وتضاربت وكان من بين الحلول المقترحة حبسه وتكبيله بالأغلال أو نفيه بعيداً عن مكة في منقطع الصحراء، ولكن رأياً بقتله وتفريق دمه بين القبائل ـ لتعجز بنو هاشم عن المطالبة بدمه ـ هو الذي حاز الموافقة والإعجاب(1)، فإنهم إن قتلوا الرسول (صلَّى الله عليه وآله) فقد قضوا على الرسالة الإسلامية وهي في مهدها.
    وجاء الأمر الإلهي يأمر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالتحرك والهجرة إلى يثرب وكانت تلك الإشارة التي ينتظرها الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بشوق بالغ ليحطّ قدمه على أرض يتمكن فيها من بناء دولة على أعمدة التقوى وتعاليم السماء وإنشاء المجتمع الإنساني الصالح.
    وبعد أن دبّر المشركون خطّتهم وأحكموها نزل أمين الوحي (جبرئيل) على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأخبره بما حاك المشركون ضدّه من مؤامرة إذ قرأ عليه قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(2).
    ورغم يقينه الكامل بأن الإمداد الغيبي يرعاه ويسدد خطاه
    لم يتعجل الحركة، ولم يرتجل الخطوات بل خطط ودبّر ببصيرة وحنكة وسرية تامة.
    __________
    (1) السيرة النبوية: 1 / 480، الطبقات الكبرى: 1 / 227، تفسير العياشي: 2 / 54.
    (2) المناقب: 1 / 182 ـ 183، الأنفال: 8 / 3.
    ________________________________________

    6 ـ المؤاخاة قبل الهجرة :
    لقد آخى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بين المهاجرين كنقطة انطلاق نحو المجتمع الإسلامي المتماسك يتعاونون كجسد واحد لمصلحة الإسلام وإعلاء كلمة الله حيث سيواجه المسلمون مصاعب جمّة يستلزم تجاوزها التعاون والتعاضد بأعلى مراتبه.
    وكخطوة أولى في طريق الهجرة المباركة آخى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بين المهاجرين بعلاقة إيمانية إلهية على الحق والمؤاساة مؤاخاة ينعكس أثرها على التعامل فيما بينهم بالانسجام والصمود بعيداً عن النوازع النفسية، فلقد آخى (صلَّى الله عليه وآله) بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين الزبير وابن مسعود وبين عبيدة بن الحارث وبلال.
    كما آخى بين علي(عليه السلام) ونفسه الشريفة (صلَّى الله عليه وآله) ... وقال لعلي (عليه السلام): أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال (عليه السلام): بلى يا رسول الله رضيت. وهنا قال (صلَّى الله عليه وآله): فأنت أخي في الدنيا والآخرة(1).
    __________
    (1) السيرة الحلبية: 2 / 20، مستدرك الحاكم: 3 / 14.










    من كتاب أعلام الهداية
    محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)


    المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)


  • ** خـادم العبـاس **
    • Mar 2009
    • 17496

    #2
    شكرا جزيلا لك اختي الكريمه

    تعليق

    • دمعة الكرار
      • Oct 2011
      • 21333

      #3
      وجودك اسعدني وأضاء صفحتي
      تقبل تحياتي

      تعليق

      • الـدمـع حـبـر العـيـون
        • Apr 2011
        • 21803

        #4

        تعليق

        • دمعة الكرار
          • Oct 2011
          • 21333

          #5

          تعليق

          يعمل...
          X