المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد بن أبي بكر ربيب أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) وواليه على مصر


دمعة الكرار
12-02-2012, 04:10 AM
محمد بن أبي بكر (10هـ ـ38هـ)
ربيب أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) وواليه على مصر
فؤاد نور الدين
تميز التاريخ الإسلامي بنفر من القادة, تولّى يعضهم مصرا من الأمصار, أو قاد جيشاً أو عهد إليه بسفارة أو تمثيل لحاكم أعلى. هؤلاء الرجال بالرغم من أهمية المسؤولية الموكلة إليهم, كانوا فتية في ريعان الصبا وشرخ الشباب؛ لم يتجاوز سنهم العقد الثالث من العمر, بل دون ذلك أحياناً, وهذا إن دل على شيء, فإنما يدل على دور الشباب في حركة الدين والإصلاح الاجتماعي، فهم الشعلة المتوقدة والطاقة المتوثبة.
لقد انتدب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصعب بن عمير, الشاب المترف المدلل الذي صدف عن زخرف الدنيا وزينتها, ليمثله في المدينة للقاء الأنصار, عشية هجرته المباركة, وكان أسامة بن زيد قائداً في غزوة, وتحت إمرته كبار الصحابة, ومَنْ هم أقدم منه هجرة وإسلاماً, وهو ابن الثامنة عشرة.
وتولى محمد بن أبي بكر ولاية مصر, وما أدراك ما مصر! فهي أعظم ولاية في حواضر الإسلام, في امتداد الأرض وسعتها وكثرة سكانها, وأهمية موقعها, حيث تحتاج إلى قائدٍ محنّك ووالٍ ذي سياسة قوية, كل ذلك توفر في محمد بن أبي بكر حيث كان واعياً لمهمته التي كان بها جديراً.
هو ابن الخليفة الأول, أبي بكر , عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي.
ولد في حجة الوداع, بذي الحليفة, وهي موضع بين مكة والمدينة, في شهر ذي القعدة سنة 10هـ(1).
نشأ في المدينة المنورة, في حجر الإمام علي ( عليها السلام ), وشهد معه الجمل وصفين, وولاه مصر.
والدته أسماء بنت عميس الخثعمية, وكانت أسماء, والدة محمد زوجة جعفر بن أبي طالب (رض), وهي تعد من النساء الأوائل في الإسلام, ومن شيعة علي ( عليه السلام ), وكانت تكثر من السؤال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتتعلم معالم دينها منه. هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة في أوائل مَنْ هاجر, فولدت له هناك عبد الله الجواد. ثم استشهد جعفر في مؤتة(2), فتزوجها أبو بكر, فولدت له محمداً, ثم توفى أبو بكر, فتزوجها الإمام علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ), فأصبح محمد ربيبه وخريجه, وجارياً عنده مجرى أولاده, رضع الولاء والتشيع من زمن الصبا, واستقاه من أمه ومربيه, فلم يكن يعرف أباً له غير علي ( عليه السلام ), ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره, حتى قال علي(عليه السلام ): ((محمد ابني من صلب أبي بكر)), وكان يكنّى أبا القاسم. ومن عبّاد المسلمين ونساكهم, وكان يثنى عليه لفضله وعبادته واجتهاده.
قرابته من آل علي(عليه السلام)
لم يكن محمد ابن أبي بكر ربيباًٍ لعلي (عليه السلام) فحسب, وإن كان حسبه شرفاً وفخراً أن يحظى بتلك الكفالة التي حظي بمثلها إمامه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ), كما حظي كافلو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقائمون على تنشئته وإرضاعه مثل عبد المطلب وأبي طالب وحليمة السعدية , لأن الفيوضات الروحية, والكمالات الإنسانية تسري من الأكثر كمالاً إلى مَنْ له القابلية لتلقي تلك الفيوضات الروحانية والمزايا السنية.
لقد كان محمد أخاً لعبد الله بن جعفر لأمه, وعاش ردحاً من الزمن في كنف الحسنين (عليهما السلام) يقتبس من نوريهما ويتأثر بهما، ثم جاء فتح فارس في معركة القادسية, فاسر ليزدجرد أربع بنات, كانت إحداهن من نصيب الإمام الحسين(عليه السلام), فأنجبت له الإمام زين العابدين, وهي شاهزنان, والثانية شهربانويه, تزوجها محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم, وتوفيت شاهزنان أم الإمام زين العابدين, فقامت بتربيته خالته شهربانويه زوجة محمد , فأنزلها الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بمنزلة أمه. أمّا البنتان الأخريان فتزود إحداهما الإمام الحسن (عليه السلام) والثانية عبد الله بن عمر, فعلى هذا يكون القاسم بن محمد والإمام زين العابدين (عليه السلام) أبناء خالة, وكان للقاسم ابنة اسمها(أم فروة) تزوجها إمامنا الباقر(عليه السلام), فولدت له الإمام الصادق (عليه السلام), فيكون محمد بن أبي بكر جد الإمام الصادق(عليه السلام) لأمه, مع العلم أن أمّها هي ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر شقيق محمد. ومن ألطاف الله على محمد بن أبي بكر أن جعل ذريته موصولة الرحم بذرية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم).
ويقول الأصمعي: (كان أكثر أهل المدينة لا يرغبون في الإماء, حتى نشأ فيهم علي بن الحسين (عليه السلام) والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر, ففاقوا أهل المدينة علماً وفقهاً وورعاً, فرغب الناس في الإماء(3).
جهاده
اشترك محمد بن أبي بكر في معاركة ذات الصواري البحرية سنة 31هـ , في عهد عثمان بن عفان(4), وهي معركة بحرية جرت بين المسلمين والروم, وأُرسِلْ محمد في سفارة إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) (5), وفي معركة الجمل كان قائد الرجالة(6). وهو الذي حمل الهودج من بين القتلى, فأمر الإمام علي (عليه السلام) أن يضرب ( عليها السلام ) قبة, ثم قال لمحمد: ((أنظر هل وصل إلى اختك عائشة شيء من الجروح)). وعندما أقبل الليل أدخلها البصرة وأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي, ضيفة عند صفية بنت الحارث بن أبي طلحة, ثم أعادها الإمام علي ( عليه السلام ) إلى المدينة المنورة برفقة أخيها محمد مع أربعين امرأة متنكرات بزي ثياب الرجال حرساً لها(7).
ولاية مصر وما جرى له فيها
وبعد أن عُزل قيس بن سعد عن ولاية مصر, عيّن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) محمد بن أبي بكر والياً عليها. ثم إن الإمام عهد إليه وأوصاه ناصحاً له بقوله:
((بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما عهد به عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر, وأمره بالتقوى والطاعة في السر والعلانية, وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد, واللين على المسلمين, والغلظة على الفجار, وبالعدل على أهل الذمة, وبإنصاف المظلوم, والشدة على الظالم, والعفو عن الناس, والإحسان ما استطاع, والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين))(8).
وعندما نزل محمد مصر تلا على الناس عهد أمير المؤمنين إليه, ثم عقّب على كتاب الولاية فقال: (الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختُلف فيه من الحق,وبصّرنا وإياكم كثيراً مما كان عمي علمه. ألا أن أمير المؤمنين ولاني أمركم, وعد إليّ ما سمعتم, وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب, فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله, فأحمد الله على ما كان من ذلك, فإنه هو الهادي له, وإن رأيتم عاملاّ لي عمل بغير الحق, فارفعوه إليّ وعاتبوني فيه, فإني بذلك أسعد, وأنتم بذلك جديرون, وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته)(9)
ولبث شهراً كاملاً مدبّراً أمور الولاية حتى بعث إلى قوم من أهالي (خربتا) البلدة العثمانية المعارضة لخلافة الإمام علي ( عليه السلام )، فقال لهم محمد بن أبي بكر: (إما أن تدخلوا في طاعتنا, وإمّا أن تخرجوا من بلادنا, فأجابوه: إنا لا نفعل, فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمرنا, فلا تعجل لحربنا, فأبى ( عليهم السلام ), فامتنعوا منه, وأخذوا حذرهم. وكانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون, فلما رجع علي (عليه السلام) عن معاوية, وصار الأمر إلى التحكيم, طمعوا به وأظهروا له المبارزة, فأرسل لهم محمد بن الحرث بن جهمان الجعفي ليؤدبهم، فوصل إلى (خربْتا) وكان فيها يزيد بن الحرث مع بني كنانة ومن معه من قبائل أخرى مختلفة, فقاتلهم الحرث فقتلوه, فأرسل محمد إليه ابن مضاهم الكلبي فقتلوه كذلك. وكان محمد قد أصاب منهم غيلةً من قبل حين أرسل إليهم عمرو بن بديل بن الورقاء الحزاعي, ولكن الذي قلب الموازين هو إرسال معاوية عمرواً ابن العاص في جيش كثيف إلى مصر بعد توجه الإمام علي (( عليه السلام ) ) إلى العراق.
ولما بلغ الإمام (عليه السلام) اضطراب الأمر في ولاية مصر, ارع إلى إرسال القائد مالك الأشتر, وذلك قبل أن تستشري الفتنة , ولكن معاوية استطاع بحيلة منه أن يدسّ السم للوالي الجديد وهو في طريقه إلى تسلم ولايته, مستعيناًٍ بأحد رجال الخراج في مكان يقال لها القلزم وهو السويس حالياً, فشرب الأشتر وهو لا يشك في مضيفه, شربة ماء ممزوجة بالسم والعسل فتوفي, وبذلك أضحى محمد بن أبي بكر وجهاً مع اثنين من الدهاة معاوية وعمرو بن العاص..
أقبل عمرو بن العاص قاصداً مصر باتجاه محمد بن أبي بكر, وقام هذا الأخير خطيباً فقال: (أمّا بعد , يا معاشر لمؤمنين, فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة, ويفشون الضلالة, ويستطيلون بالجبرية, قد نصبوا لكم العداوة , وساروا إليكم بالجنود, فمَنْ أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله. انتدبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر)، ثم ندب معه نحو ألفي رجل, وتخلّف محمد في ألفين, وبعد معارك بين الطرفين,واستشهاد خيرة أصحاب محمد بن أبي بكر وتفرّق الآخرين عنه, استطاع معاوية بن حديج وهو من أصحاب عمرو بن العاص أن يظفر بمحمد بن أبي بكر وهو يكاد يموت عطشاً, فوثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص, وكان في جنده,فقال: لا والله يقتل أخي صبراً, ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه عن قتله, فرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد , فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر, ابن عمي واخلّي عن محمد, هيهات! (أكفاركم خير من أوليائكم أم لكم براءة في الزبر). فقال محمد ـ اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج: لا أسقاني الله إن سقيتك قطرة أبداً والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن, ويسقيك الله من الحميم والغسلين, فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة؛ليس ذلك اليوم إليك, إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه, وهم أنت وقرناؤك ومَنْ تولاك وتولّيته, والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم. فقال له معاوية بن حديج: أتري ما أصنع بك؟ أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار, وكان في المغارة جيفة حمار ميت. قال: إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله, وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً, كما جعلها الله على إبراهيم خليله, وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك, كما جعلها على نمرود وأوليائه, وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية, وهذا (وأشار إلى عمر بن العاص) بنار تلظى, كلما خبت زادها الله عيكم سعيراً. إلى آخر ما دار من حوار بينهما ثم غضب معاوية بن حديج , فقدّمه وضرب عنقه, ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار(10).
فما بلغ ذلك الخبر عائشة أخته , جزعت عليه جزعاً شديداً وصارت تقنت في كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج, وحضنت عيال أخيها محمد وولده, فكان القاسم بن محمد من عيالها, وحرّمت على نفسها أن تأكل لحماً مشوياً من ذاك الحين إلى أن ماتت.
فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان بعد قتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر, (أما بعد فإنا لقينا محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر في جموع من أهل مصر, فدعوناهم إلى الكتاب والسنّة, فعصوا الحق, فتهوّلوا في الضلال, فجاهدناهم, واستنصرنا الله جل ّ وعز عليه, فضرب الله وجوههم وأدبارهم, ومنحنا أكتافهم! فقتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر, والحمد لله رب العالمين)!!(11).
وهكذا يقولون أولياء الله تعالى ولا يتورعون عن الاستشهاد بالكتاب والسنّة لتزييف الحقائق وتضليل الناس.
وهكذا انتهت حياة قائد شاب, تمثلت في شخصيته أخلاق الإسلام بصورتها الرائعة وكان آيةً في التفاني والتضحية, كما تجلّت ملامح تلك الشخصية الفذة في الحوار الذي جرى بين محمد وبين آسره, فلم يَهنْ ولم يحزن, بل ظلّ شامخاً، أبياً.
وكانت وفاة محمد بن أبي بكر في مطلع سنة 38هـ, وكان له من العمر ثمان وعشرون سنة.
_________________
1. الزركلي, خير الدين, الأعلام, م6, ص219, دار العلم للملايين, ط5, بيروت 1980.
2. مؤتة: من قرى البلقاء, تقع جنوبي الأردن قريباً من فلسطين, استشهد فيها جعفر بن أبي طالب, وفيها قبره ومزاره.
3. ضحى الإسلام, ج1, ص96.
4. نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج5, ص53, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار إحياء التراث العربي.
5. الأمين, محسن, أعيان الشيعة, م1، ص454.
6. ابن حجر العسقلاني, الإصابة في تمييز الصحابة, ج3, ص328.
7. ابن الأثير, الكامل في التاريخ, ج3، ص132.
8. م.ن، ص138ـ139.
9. الطبري, تاريخ الأمم والملوك, ج3, ص67ـ68.
10. عز الدين الجزري, أُسد الغابة في معرفة الصحابة, ج5, ص102.
11. الطبري, تاريخ الأمم والملوك,ج4, ص131ـ133.

Noor alhoda
12-02-2012, 03:51 PM
http://www.up.mobi4all.net/v_imgs/09-09/4aa4d863b48662702854aa4d863b50350.jpg (http://www.mobi4all.net/all/t23607.html)

محب الرسول
12-02-2012, 04:32 PM
جزاك الله كل خير

محـب الحسين
12-02-2012, 05:22 PM
رضوان الله تعالى عليه
جزاكِ الله خير الجزاء

دمعة الكرار
12-02-2012, 08:35 PM
عطرتم موضوعي بمروركم الطيب
تقبوووو تحياتي