بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم









لقاءٌ بين التوبة والرحمة
﴿ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
إن من نعم الله على الإنسان أنه يمنحه فرص العودة إليه ، هذه الفرص تعتبر بمثابة نفحات رحمانية يتوجب عليه كمخلوق أن يتعرض لها . ومما لا شك فيه أن شهر رمضان من أرقى فرص التوبة ، وذلك لأسباب عديدة ، منها :
إن الله سبحانه وتعالى قد كتب على نفسه بأن يتوب في هذا الشهر الكريم على عباده المسرفين الظالمين لأنفسهم . .
ومنها ؛ إن لهذا الشهر ميزةٌ على غيره من الشهور ، حيث يجد المرء نفسه فيها في ظروف مناسبة تؤهله لخوض تحول معنوي عظيم ، ، فتراه يعكف على قراءة القرآن والأدعية وحضور مجالس الخير في ضمن الجوّ الإيماني السائد في مجتمع
الصائمين .
ومنها ؛ إن في أحايين معينة يتنور قلب الإنسان بنور الله العلي العظيم ، حتى كأنه ثم ومضة من النور الإلهي تنفذ الى أعماقه ، فيتفتح القلب ولو للحظات . هذه فرصة ـ لا تُثمَّن ـ قد أمر ربنا سبحانه وتعالى رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن
يبلغها الإنسان على الأرض عموماً ، وإلى المؤمنين على وجه الخصوص ، وهي أنه قد كتب على نفسه الرحمة ، وهو دونما أي تأثير خارجي ـ والعياذ بالله جل جلاله ـ أراد الرحمة ، فكان من أعظم أسمائه الحسنى اسما " الرحمن ، الرحيم" وكانت
رحمته واسعة ، رحمة سبقت كل الغضب ، وكل ذنوب العباد .
فتمثلت هذه الرحمة الإلهية بأنه من عمل سوءاً من المؤمنين ثم تاب توبةً ملِؤها الندم والعزم على الخير والصلاح ، والإحساس بالحاجة إلى التطهر والنقاء ، والعودة إلى الرب الغفور الرحيم ، وإلى تلك الحالة المعنوية والفطرة السليمة ، وإرادة عدم
الاحتجاب عن المناجاة المباشرة مع الله تعالى . . . تاب الله عليه
فالإنسان إذا ظلم الناس فقد أفسد حياته وضميره بادئ بدء ؛ وإن من لا يحترم الآخرين لا يحترم نفسه ، لأنه واحد منهم ، ولا يمكن أن يتصور انفصاله عمن حوله بحالٍ من الأحوال . . وهو إذا ما أراد أن يصلح ، فعليه أن يصلح ما بينه وبينهم ، وذلك
كأن يدفع بالظلامة عنهم ، ويطلب البراءة منهم ، وأن يحطم الحواجز النفسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي تفصل بينهما .
إذن ؛ فالتوبة لا تتحقق لها مصداقية تُذكر ما لم تتبعها خطوات إصلاحية ، تستحق بموجبها الرحمة التي كتبها الله على نفسه ، فيأخذ بيده الى ممارسة المزيد من أعمال الخير والصلاح ، وإذ ذاك يتم التوافق والانسجام بين عمل الإنسان وسيرته ، وبين
ما يريده الله سبحانه وتعالى من الإنسان وما يحبذه له.
آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي

تعليق