التلازم بين الخوف واجتناب الهوى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عاشقة النور
    • Jan 2009
    • 8942

    التلازم بين الخوف واجتناب الهوى

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد




    قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾(1).

    :. التلازم بين الخوف واجتناب الهوى
    إنّ الخوف من مقام الله ونهي النفس عن الهوى وجهان لشيءٍ واحد قوامه الورع والتقوى في الذين آمنوا. فمتى نهى المؤمن نفسه عمّا تهواه يكون قد خاف مقام ربّه، ومتى خاف مقام ربّه فقد نهى النفس عن الهوى. فالعطف هنا شبه تفسيريّ.
    ولعلّ الحكمة في ذكر الجانبين في سياق واحد هوظهور أحدهما لبعض الناس أسرع من الآخر، فقسمٌ من المؤمنين يخاف أوّلاً مقام الربّ فينهي نفسه عن هواها وبعضهم بالعكس، ينهى نفسه عن هواها فيخاف مقام ربّه.
    وقد ورد هذا الأصل الأصيل في أحاديث عديدة تشير إلى أنّ الميزان الإلهي في الجزاء للخلق وأعمالهم هو كونها منبعثة عن هذين الأمرين: خوف مقام الله، ونهي النفس عن الهوى. فإن كانت الطاعات والعبادات منبعثه عن خوف الله ونهي النفس عن الهوى، فهي المقبولة.
    ومن ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: «لو صُمْتَ الدهر كُلَّه، وقمت الليل كُلَّه، ثم قُتلت بين الصفا والمروة ـ أو قال: بين الركن والمقام ـ لما بعثك الله إلا مع هواك بالغاً ما بلغ، إن في جنّة ففي جنّة، وإن في نار ففي نار»(2).
    فمن يقضي كلّ أيامه بالصوم وكلّ لياليه بالسهر والعبادة، وختمت حياته بالشهادة بين الصفا والمروة أو بين الركن والمقام ـ وهو البقعة التي تتساقط فيها ذنوب العباد؛ لما لها عند الله من الحرمة والقداسة ـ فإنّه مع كلّ ذلك لن يتعدّى طبيعة هواه. فإذا كان يهوى الدنيا وكانت أعماله وعباداته مجرّدة عن خوف الله تعالى ومقامه، فإنّه سيُحشر مع طبيعة هذا الهوى وحسب نسبتها، والعكس بالعكس.

    :. الهوى أعدى أعداء الإنسان
    روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيءٌ أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم»(3).
    فإذا كان للإنسان عدوّ خطير، وأراد أن يتجنّب شرّه، فإنّه يحذره في مجلسه، فتراه يجمع كلّ انتباهه، وينظر إليه بعين الحذر وإن كان منشغلاً بالتحدّث إلى غيره أو يقرأ كتاباً، وربّما يتساءل في نفسه عن سبب مجيئه إلى المجلس، أيريد به سوءاً، أم كان مجيئه صدفةً؟ كذلك يحذره أينما يراه، وإذا ما قدّم له طعاماً، فإنّه يتأنّى ويتوجّس، وإذا دعاه إلى مكان، يتثبّت ويوجل، وهكذا. فكذلك ينبغي أن يكون الأمر مع الهوى الذي هو أعدى أعداء الإنسان، بمعنى ضرورة التثبّت منه واليقظة لدى أيّ عمل يقوم به الإنسان أو كلمة يتفوّهها، لئلاّ تكون مشوبة بالهوى.
    يُنقل أنّ خطيباً كان مريضاً طريح الفراش، في ساعاته الأخيرة، وصفه أحد زائريه، قائلاً: رأيت عينيه تفيضان بالدموع، مع أنّه ينبغي أن يتوقّع الأجر الجزيل من الله تعالى لما بذله من جهود في خدمة أبي عبد الله عليه السلام فسألته عن السبب!؟ فازداد بكاؤه وأشار إلى حوض ماءٍ كان قريباً منه، قائلاً: لقد أخذتُ من أعين الناس دموعاً بمقدار ماء هذا الحوض، ولكنّ جهودي لم تكن خالصة لله سبحانه وتعالى بقدر ما كانت لشخصي، لأزيد من شهرتي، وأرضي نفسي.
    فأيّ عمل يعمله الإنسان أو قول يقوله يعلم بنيّة نفسه، ويعلم ما إذا كان قلبه وفكره متوجّهاً إلى الله تعالى، أم متعلّقاً بغرض آخر.
    ومن ناحية أخرى؛ فإنّ أسوأ ما يتعرّض له الإنسان من أعدائه أنّ العدوّ يقضي على جزء من حياته، فيُحرمه ـ مثلاً ـ سنين معدودة من عمره، بينما الهوى ـ وهو أعدى الأعداء ـ في حال استرسل الإنسان معه، تاركاً له العنان، يحطّم كلّ حياته، حتى يأخذ بآخرته مع دنياه.
    روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة»(4).
    ولكن كيف يمكن للإنسان الحصول على ملكة نهي النفس عن الهوى؟ لاسيّما طلاب العلوم الدينية الذين آثروا حرمان أنفسهم عن جملة من الزخارف لأنّهم إذا اتّبعوا الهوى تركوا آثاراً سلبيةً أكثر على من يعيشون معهم؛ نظراً لما يتوقّعونه منهم.
    إنّ خسارة أهل العلم ـ والعياذ بالله ـ فيما إذا اتّبعوا الهوى كالخسارة المادّية للشخص الذي تقرّب من ملك أو رئيس أو تاجر ليستفيد منه ومع ذلك لم يستفد من مقامه أو أمواله، حينها سيكون أكثر حسرة وخسارة من الإنسان البعيد عنه كليّاً، وعليه؛ فإنّ خسارة من سلك هذا الطريق متزلّفاً ولم يظفر بجملة من المظاهر الدّنيويّة ستكون أكبر.

    :. بين الخسارة الدنيويّة والربح الأخروي
    يروى عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه كان له خادم أوصاه بأن يمسك زمام فرسه حالما يزور قبر جدّه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وحينما دخل الحرم الشريف جاء رجل من تجّار خراسان إلى الخادم وعرض عليه أن يهبه كل أمواله بإزاء تفويض خدمة المسكة بزمام الفرس إليه، ففكّر الخادم هنيئة ثمّ قال له: سأذهب لمولاي وأستأذنه في الأمر، ثمّ سلّمه زمام الفرس وذهب إلى الإمام وقال له: يابن رسول الله، هل رأيت منّي سوءاً طيلة خدمتي، فنفى الإمام أن يكون رأى منه ذلك. فسأله مرّة أخرى: إذا كان هناك خيرٌ يصلني فهل تمنعني عن نيله، فأجابه الإمام بالنفي أيضاً. فقال له الخادم أنّ تاجراً خراسانيّاً عرض عليه ما عرض، وطلب منه الإذن في الانصراف عن الخدمة ليزاول عمل التجارة فيما سيمنحه الرجل الخراساني، فوافق الإمام على ذلك، ولكنّه حينما همّ بمغادرة الحرم سمع نداء الإمام يطلبه، فعاد إليه، فقال له الإمام: حيث خدمتنا فترة فإنّ لك عليّ النصيحة، وأخذ يذكّره بما لشيعة أهل البيت عليهم السلام وملازميهم من درجات عند الله ومنازل قريبة منهم في الدار الآخرة، وأنّ الخير كلّ الخير في الدنيا والآخرة من نصيب مَن يلازمهم. فتغيّرت حالة الخادم لكلام الإمام وقرّر البقاء في خدمته عليه السلام. وحينما خرج من الحرم رآه التاجر، فقال له: جئتني بغير ما ذهبت ولا أرى على وجهك علامة الشوق لعقد الصفقة، فأعلمه الخادم بأنّه لن يتبادل المواقع معه.
    إنّنا لم نعرف ذلك التاجر كما لا نعرف من كان ذلك الخادم، ولكن هذه القصّة تدلّ على عظمة شخصيّة التاجر والخادم معاً، حيث كان الأوّل على استعداد للتخلّي عن كلّ أمواله في مقابل خدمة الإمام عليه السلام، فيما وعى الخادم من رحلة قصيرة عميقة الأثر وأعرض عن المال الكثير لأجل الله سبحانه والدار الآخرة.

    :. من يتّق الله يرزقه
    وروي أنّه: كان رجل من العبّاد في بني اسرائيل يصنع السلال ويعيش هو وعياله من ذلك، وذات يوم مرّ على باب دار أحد السلاطين، وكان الرجل جميل السيماء، فبصرت به زوجة السلطان، فأرسلت عليه ليقتادوه إلى داخل القصر، وحينما جاءها راودته عن نفسه، فاستعصم، فأبت عليه إلا ارتكاب الإثم، فارتأى لنفسه حيلة يتخلّص منها، فطلب من زوجة السلطان أن يتنظّف على سطح القصر، فأوعزت إلى الخدم أن يصحبوه إلى السطح، فقال الرجل في نفسه: لقد قضيت عمري بالعبادة ولن أفسد عبادتي الطويلة بساعةٍ، ثم قرّر أن يلقي بنفسه من على سطح القصر ـ لعلّ الانتحار للتخلّص من الذنب كان جائزاً في بعض الأمم السابقة، أو كان هذا عابداً غير متفّقه، أمّا في الإسلام فذلك ممّا لا يجوز. فمن أجبر على الحرام في مثل هذه المواقع فعليه أن يتخلّص منه بالحلال أو بحرام آخر أقلّ خطراً، لا أن يقتل نفسه ـ .
    ولكن ما تدلّ عليه هذه القصّة تفاني هذا الرجل في الخوف من مقام الربّ وقدرته على مصارعة هواه.
    فصمّم على إلقاء نفسه من فوق القصر، ولكن الله تبارك وتعالى أمر جبرئيل بأن يتلقّفه ويهبط به إلى الأرض، ففعل جبرئيل ذلك ولم يلحق به ضرر، وهرب من زوجة السلطان.
    وحيث كان الرجل قد ترك سلاله في قصر السلطان، فإنّه عاد إلى زوجته بلا سلال أو ثمن مال يشتري به لعياله شيئاً يأكلونه كما هي عادته، فسألته زوجته شيئاً يشتريه، فقال لها بأنّه لا يملك شيئاً أبداً، ثمّ أمرها بإشعال التنور لئلاّ يتصوّر الجيران بأنّهم جياع، فامتثلت المرأة أمر زوجها. وصادف أن جاءت إحدى الجيران تطلب منهم ناراً، فقالوا لها: أمامك التنّور وخذي منه. وحينما أخذت ناراً عادت إليهم لتقول: إن خبزكم يكاد يحترق: فلمَ لا تخرجونه، فجاءوا إلى التنّور، فرأوا الخبز فيه بالفعل، فتناولوه وأكلوه، وعلموا أنّ الله هو الذي رزقهم به، وما كان ذلك إلا نتيجة نهي النفس عن الهوى والخوف من مقام الرب، ومصداقاً لتحقّق الربح في الدنيا والآخرة.



    "عاشقة النور"
  • غربتي طالت
    • Feb 2012
    • 2981

    #2
    بارك الله بكِ
    جزاكِ الله خيراً

    تعليق

    • محـب الحسين

      • Nov 2008
      • 46763

      #3
      جزاكِ الله خير الجزاء

      تعليق

      • دمعة الكرار
        • Oct 2011
        • 21333

        #4
        بارك الله فيكي خيتو ع الطرح القيم
        تقبلي تحيااااااااتي

        تعليق

        • محب الرسول

          • Dec 2008
          • 28579

          #5
          سلمت يمناك واناملك
          على ماخطت من كلمات راااائعه
          ادامك الله بخير

          ونترقب جديدك
          بكل ود

          تعليق

          يعمل...
          X