التّوبة بين التّبعيض ودوامها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    التّوبة بين التّبعيض ودوامها

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    التّبعيض في التّوبة

    هل يُمكن للإنسان أن يُقيم على بعض الذّنوب، ويتوبَ عن البعض الآخر؟ فلو كان يشربُ الخَمر مثلاً ويغتابُ النّاس،
    فهل يصحّ منه الإقلاع عن الخمر فقط، بينما يستمرّ في خطّ الغِيبة؟

    يقول البّعض:إنّ التّوبة يجب أن تكون شاملةً لكلّ الذّنوب، لأنّ المسألة تعود إلى عِصيان الباري تعالى، وَهَتك
    حُرمته، فالنّادم يجب أن يترك كلّ الذّنوب، لا أنّ يُصِرّ عليها.

    لكنّ هذا الكلام مُجانب للصّواب، حيث يُمكن القول بصحّة التّجزئة في عمليّة التّوبة، (وصرّح بها بعض العلماء،
    مثل المرحوم النّراقي في "معراج السعادة"، وقد نقلها عن أبيه رحمه الله)، لأنّه ربّما يكون الإنسان، على إطّلاع
    كاملٍ على آثار بعض الذّنوب وَعوَاقبها السّيئة، أو هو عند الله أشدّ وأقبح، ولأجل ذلك فإنّه يتركه على مستوى المُمارسة
    ويتوب منه، أمّا بالنّسبة للذّنوب التي هي أقلّ قُبحاً، أو أقلّ عِقاباً، أو لأنّ علمه بها وإطلاعه على ما يترتب عليها
    من المفاسد، ليس كافياً بالدّرجة التي تردعه عنه، فإنّه يستمرّ في ممارسة تلك الذّنوب.

    إنّ أكثر التائبين هم تلك الفئة التي تجزّئ الذنوب، فتتوب من بعضها، وتستمرّ في ممارسة البعض الآخر، في وقتٍ لم
    يرِد شيءٌ من قبل الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، أو الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، أو علماء الإسلام، ينفي قبول
    مثل هذه التّوبة، ويؤكّد على التّوبة الكاملة الشّاملة لكلّ الذنوب التي يرتكبها الإنسان.

    ونرى في الآيات الشّريفة، إشارات واضحة على معنى التّجزئة في التّوبة، وصحّة القول بالتّفكيك بين أنواع الذنوب، حيث
    ورد بالنّسبة للمُرابين، قول الله تعالى:"وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ"(البقرة:279).

    وبالنّسبة للمرتدين بعد الإيمان، يقول تعالى:"أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ...إِلاَّ الَّذِينَ
    تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(آل عمران:87-89).

    وبالنّسبة للمحاربين والمتسببّين في ضَلال النّاس والمجتمع، فبعد ذكر ما يستحقّون من العِقاب الشّديد، يقول تعالى:"إِلاَّ
    الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(المائدة:34).

    وأمّا بالنّسبة للأعمال المنافية للعفّة، فيقول تعالى:"فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ
    كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً"(النساء:16).

    وفي مكان آخر أشار إلى الذّنوب، مثل: الشّرك، وقتل النّفس، والزّنا، وعقوباتها، فقال:"إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً
    صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات"(الفرقان:70).

    ورغم أنّ بعض الآيات، تناولت بعض العقوبات الدنيويّة، والعفو عنها بالتّوبة، لكنّ الحقيقة أنّه لا يوجد فرق من هذا
    اللحاظ، فإذا ما غفرت في الدّنيا فستُغفر في الآخرة قطعاً.

    والخُلاصة: إنّه لا يوجد مانعٌ من التّفكيك والتّفريق، بين الذّنوب من جهاتها الَمختلفة، مثل: الفرق في ميزان المعلومات،
    الدّوافع، وقُبح الذّنوب، ولكنّ التّوبة الكّاملة الشّاملة، هي التّوبة التي تستوعب جميع الذنوب، بدون
    التّفريق بينها في خطّ العودة إلى الله تعالى.

    دوام الـتّـوبــــة

    التّوبة المثالية هي تلك التي تكون مستمرّةً ودائمةً، هذا من جهة؛ فعندما يُخطئ الإنسان إثر وساوسه النّفسية (النّفس الأمّارة)،
    عليه أن يُقدِم على التّوبة لتدخل في مرحلة: "النّفس اللّوامة"، ثمّ لترتقي النّفس إلى مرحلة:"النّفس
    المطمئنة"، فتقلع جذور الوَساوس من أساسها.

    ومن جهةٍ أُخرى: وبعد توبته من الذّنب، عليه أن يُراقب نفسه باستمرار، وليحذر من نقض العهد مع البّاري تعالى،
    في المستقبل، أو بعبارةٍ أُخرى:إذا وجد في نفسه بقايا لِلميل إلى الذّنب، والرّغبة في الإثم، فعليه أن يُجاهد نفسه،
    ويتحرّك في مجال تهذيبها من هذه الشّوائب، ليكونَ في صفّ التّائبين والُمجاهدين.

    والمُهمّ في المجال الأخلاقيّ هو العمل على تكريس حالة الانضباط، في جوّ المسؤوليّة وعدم العودة
    لممارسة الذّنب، ولرعاية هذا الأمر يتوجّب اتّباع اُمورٍ، منها:

    1- الابتعاد عن أجواء الذّنب، وعدم مُجالسة أهل المعاصي، لأنّ التّائب يكون في البداية ضعيف القلب جداً، كالمريض
    في بدايةُ شفائه من مرضه، فأدنى شيء، بإمكانه أن يُثير في نفسه مشاعر الخطيئة، بالمستوى الذي يشلّ فيه إرادة
    الصّمود، ويحوّله إلى كيانٍ مهزوزٍ، أمام حالات المرض، ويُشدّده عليه، وكالمُعتاد على الأفيون،
    التّارك له للتَوِّ أيضاً، يتأثّر بالأجواء الملوّثة بسرعة.

    2- عليه هجر أصدقاء السّوء، وتجديد النّظر في علاقته معهم، والفرار
    منهم كالفرار من الوحوش الضّارية.

    3- في حالات وقوعه في دائرة وسوسة الشّيطان، يشتغل بذكر الله تعالى:"أَلاَ بِذِكْرِ
    اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرّعد:28).

    4- لِيفكر دائماً بالذّنب الّذي تاب منه، وإفرازاته، ويجعلها نصب عينه، لِئّلا يغفل وينسى مضرّاته، وإلاّ هجمت
    عليه الوَساوسُ والدّوافعُ لإيقاعه في هُوّةِ الخطيئة مرّةً اُخرى.

    5- لِيتّعظ بقصص الماضين والسّابقين ومن وقعوا في المَهالك، جرّاء معاصيهم، وحتّى الأنبياء المعصومين، ولتركهم
    الأوْلى أحياناً. وعليه أن يُفكّر مثلاً في قصّة آدم عليه السلام، والسّبب الّذي أدّى إلى خسرانه، ذلك المُقام السّامي
    وطَرده من الجنّة، أو حكاية يونس النّبي عليه السّلام، الذي حُبس في بَطن الحوت، ويَعقوب الَذي اُبتلي بفراق ولده.

    فكلّ ذلك يؤثّر إيجابياً، في تفعيل عناصر الإرادة والصّمود، في خطّ الإيمان والانفتاح على الله تعالى.

    6- التّفكير بالعقوبات التي وضعها الباري للعاصين، وليجعل هذه الحقيقة أمام عينه دائماً، وهي أنّ معاودته لارتكاب
    الذّنوب، يُمكن أن يؤدّي به إلى استحقاق عقوبةٍ أشدّ وأقوى.

    وفي المقابل، ليفكّر برحمة الله تعالى ولُطفه، وهو اللّطيف الخبير الغفور، فرحمته بانتظار التّوابين العائدين إلى خطّ الاستقامة
    والإيمان، وليُحدّث نفسه بعدم تضييع هذا المقام، الذي وصل إليه بعد تعبٍ وعناءٍ، في واقع العمل والمُثابرة.

    7- ليشغل وقته بالبرامج الصّحيحة السّليمة، والتمّتع بغير الُمحرّم، ولا يدع فراغاً في أوقاته، يُفضي به أن
    يعيش التّخبط في الوَساوس الشّيطانية مرّةً أُخرى.

    وقد سُئل أحد العُلماء، عن قوله صلّى الله عليه وآله:"التّائِبُ حَبِيبُ اللهِ"، فقال:إنّما يكون التّائب حبيباً إذا كان
    فيه جميع ما ذكره في قوله تعالى:"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
    وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ"(التّوبة:112).



    كتاب الأخلاق في القرآن/ج1.. آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي (بتصرّف)



    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
  • محـب الحسين

    • Nov 2008
    • 46763

    #2
    أحسنتِ اختي الكريمه
    جزاكِ الله كل خير

    تعليق

    • غربتي طالت
      • Feb 2012
      • 2981

      #3
      بارك الله بكِ على الطرح القيم
      جعله الله في ميزان اعمالكِ
      حياكِ الله

      تعليق

      • دمعة الكرار
        • Oct 2011
        • 21333

        #4
        عطرتم موضوعي بمروركم الطيب
        تقبلوووو تحياتي

        تعليق

        • عاشقة النور
          • Jan 2009
          • 8942

          #5
          شكرا على االموضوع

          تحيااتي

          "عاشقة النور"

          تعليق

          • دمعة الكرار
            • Oct 2011
            • 21333

            #6
            يسلموووع المرور
            تقبلي تحياتي

            تعليق

            يعمل...
            X