السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم : 4]
مدحُ أخلاق النبي محمد (ص)
عند استعراض صفات رسول الله صلى الله عليه وآله في القران الكريم , سنصل لنتيجة واضحة تتجلى في التركيز القرآني على جوانب الأخلاق عنده صلى الله عليه وآله , علمًا أن النبي صلى الله عليه وآله مُدِح في القران الكريم بأنه على طليعة المجاهدين , وقدوة المسلمين , ورمز الباذلين , واشجع الشجعان , وأفرس الفرسان , إلى غير ذلك من الصفات ألأخرى , ولكن القران أعطى الجانب الأخلاقي أكثر اهتمامًا دون غيره من الأمور وهي :
1- الجوانب الأخلاقية في حياته صلى الله عليه وآله درسًا يتسم بالاستمرارية وغير محدد بمكان ومجفرف بزمان , مما يعطيه أكثر تألقًا في تحقيق مقام القدوة لكل المسلمين قديمًا وحديثًا , وإلى أن يرث الله الأرض ومنْ عليها .
2-الاتصال المباشر بروْح حياته صلى الله عليه وآله السلوكية الهادفة , والرسالية المجيدة , والارتباط بكل خُلقٍ لامسه على أرض الواقع ليبقى نموذجًا يُحتذى به عند كل محمدي أصيل .
3-ردُ مزاعم من يدعي عجزه أمام بعض الصفات الأخرى كالشجاعة والمروءة والإقدام والتضحية والايثار , فتراه يقول : لا أستطيع أن أغدو كرسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الأمور , بينما يواجهه القران بقوله : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾[الأحزاب : 21] إن كنتَ لا تستطيع الاقتداء به في شجاعته أو إيثاره فليس صعبًا عليك الاقتداء به في أخلاقه فهي مستطاعة ومقدور على الاتيان بمثلها والتناغم من وضعها في اي موقف من مواقف الحياة , فليس من الصعب على منْ يؤذيه جاره أن يكون كالنبي صلى الله عليه وآله حين تعامل مع اليهودي بزياته لمنزله مما تسبب في دخوله للإسلام .
4- ماهي ضابطة هذا الاتباع للأخلاق ؟
كثير من المسلمين يدعون اتباعه صلى الله عليه وآله في منهجه وأخلاقه , ولكن هل هذه حقيقة أم خيال ؟!
ربما يقتدي برسول الرحمة صلى الله عليه وآله بعدم الكذب على الآخرين , وقبل كل شيء التزام حكم شرعي بحرمة الكذب , ولكنه قد يناقض نفسه عندما يغتاب الآخرين , ويسعى للفتنة الممقوتة بين الناس , ولكن لو استدركنا قليلاً لوجدنا أن الحب للنبي صلى الله عليه وآله قد يكون فيه الخلل عند بعض المسلمين , ( كــيــف ؟)
فلنعد لقوله تعالى : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران : 31] فلكي يصل المؤمن لأروع السبل في الحياة , وأوقعها في النفس , وأقواها في الروح عليه تطبيق مصاديق الحب الحقيقي لا الزائف فيسعى لصقل النفس في كل المآرب والمشارب فلا يقتدي في جهة ويخلُ في جهة أخرى , وهنا تأتي المعادلة والموازنة الأخلاقية في سلوك الفرد .
وقد أتى رجلٌ لأمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن أنا أحبك وأحب من يبغضك -يعني ألأمير الشامي - فقال له عليه السلام : وما اصنع بحبك وأنت أعور ؟! إما أن تفتح عينيك الاثنتين وتحبنا وتبغض عدونا , وإما أن تغمض عينيك الاثنتين وتبغضنا وتحب عدونا .. وهذا يبين مقام عظيم في فروع الدين الحب في الله والبغض في الله وصدق تعالى حين قال : ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ﴾[السجدة : 18]
5-نسبة الداخلين للدين الإسلامي كانت بفضل أخلاقه صلى الله عليه وآله :
من الجدير بالذكر أن أهل مكة كان يصفونه صلى الله عليه وآله بـ (الصادق ألأمين ) وهاتان صفتان عظيمتان , جعلهما الإمام جعفر الصادق عليه السلام مقياسًا لمعرفة الموالي المحق من غيره فقال عليه السلام : " امتحنوا شيعتنا بخصلتين , بصدق الحديث وآداء ألأمانة ".
مادخل أحدٌ الإسلام إلا من خلال أخلاقه الرفيعة , وسلوكه الذي اسر القلوب , وللوقوف على الداخلين للدين وحسب بعض المرويات :
1- نسبة دخلت الدين بسبب المعجزة , فالبعض لما انشقاق القمر مثلا , أو نطق الحجر , أو انفجار ينبوع الماء , دخل مباشرة للدين . والبعض لم يقتنع بذلك ..
2- نسبة دخلت الدين بسبب فصاحة القران وبلاغته , وحسبك ما أقر به الوليد بن المغيرة حين قال :" إن أعلاه لمثمر , وأسفله لمغدق , وماهو بقول بشر ". حتى إن بعضهم ليمنعون أهل مكة من الاستماع لتلاوته صلى الله عليه وآله خوفًا من التأثر والدخول في الدين , ولذا واجهوا بلاغة النبي صلى الله عليه وآله وفصاحة القران الكريم بالمعلقات السبع التي أحرقوها بعد سماعهم لقوة القران العظيمة , ومع ذلك دخل الكثير للدين الإسلامي , ولا زال القران متحديًا البشر بقوة بلاغته وفصاحته وبيانه لهذا اليوم فهو المعجزة الخالدة .
3- نسبة دخلت الدين بسبب أخلاقه صلى الله عليه وآله وهي الأعلى نسبة , ويكفي أن الأئمة عليهم السلام ايضًا انتهجوا نفس المنهج ليغدو النبي صلى الله عليه وآله قدوة يُحتذَى بها في مواقفهم مما تأثر القاصي والداني بهم ليدخل الدين أو يقيم اعوجاجًا في حياته ضد آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
وخلاصة : تجلت الآيات القرانية , لتعكس صورًا ندية في حياته صلى الله عليه وآله , وتعطي الانطباع التام في علاقاته مع الله ونفسه والآخرين , حيث الرأفة والعطف والشفقة , وهذه أسباب هيأت الجو الدافئ الزاكي لغرس بوادر الإيمان في قلوبهم , وتنبيه عقولهم للإيمان , وإيقاظ فطرهم من السبات العميق , فمتى ما ارتاح القلب سمت لأجله الروح , ولذا تجد العقل يسرع للإيمان والتمسك باشرف الأديان ...فنعمة ألأخلاق كبيرة جدًا علينا الحفاظ عليها عمليًا باستسقائها من فيضه صلى الله عليه وآله , وسؤالي الدائم :
هل نستطيع أن نقتدي به أم لا ؟
أخلاقٌ يُحتذى بها_الخطيب الشيخ علي الباشا
وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام
تعليق