بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ
سؤال :
قال تعالى ( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) (1) ، والبَلد هو البَلد الأمين مكّة المكرّمة ، وقد أقسم به في سورة التين : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ) (2) ، فكيف التوفيق ؟
جواب :
قالوا بزيادة ( لا ) هنا ليكون معنى الكلام إثباتاً لا نفياً ، وأن العرب قد تُدخل ( لا ) في أثناء كلامها وتُلغي معناها ، وأنشدوا في ذلك أبياتاً ، ونحن قد فنّدنا ذلك وذَكَرنا أنْ لا شاهد عليه في كلام العرب ، فراجع (3) .
والصحيح أنْ يُقال : إنّ مورد الآيتَين مُختلف ، فمرّة لا يُقسم ومرّة يُقسم باختلاف الموارد... إذ ليس المعنى في سورة البلد أنّه تعالى لا يُقسم أبداً بهذا البلد ، بل لا يُقسم في موردٍ خاصّ ـ لوضوحه ـ وهو أنّ الإنسان خُلق في كَبَد... أمّا المعنى في سورة البلد فهو على القسم حيث أهمّية المورد ( المُقسم عليه ) وهو أنّ الإنسان خُلق ؛ ليكون رفيعاً لكنّه بيديه حطّ من شأن نفسه فارتدّ أسفل سافلين بسوء تدبيره وسوء عمله .
وهنا جواب آخر لعلّه أدقّ وهو : أنْ ليس المراد ( في آية البلد ) نفي الإقسام على الإطلاق ، ليكون متنافياً مع الآية الأُخرى ( في سورة التين ) ، بل هو نوع من القسم على الشكل السلبي ، حيث عدم الحاجة إليه بعد وضوح الأمر وظهوره ، وهو آكد في إثبات المطلوب بشكلٍ أدبيّ رائع .
والمعنى : إنّي لا أحلف ، إذ لا حاجة إليه بعد وضوح الأمر ، وهذا يعني أنّ الأمر مُتأكّد الثبوت بذاته واضحاً جليّاً من غير حاجة إلى إقامة حجّة ودليل .
فهو في حقيقته قسم ، لكن بصورة سلبية هي آكد من صورة الإيجاب .
(1) البلد 90 : 1 ـ 2 .
(2) التين 95 : 1 ـ 3 .
(3) وللعلاّمة البلاغي تحقيق مستوف في ذلك : تفسير آلاء الرحمان ، ج1 ، ص38 ـ 41 .
شبهات وردود حول القرآن الكريم:الأستاذ محمد هادي معرفة
تعليق