من أخلاق المؤمن أداء الأمانة
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)المؤمنون:8.
من خصال المؤمن أداء الأمانة، وهذا فعل إنساني، تشدّد عليه الشرائع السماوية والدنيوية،
ففي الجاهلية كانت تعرف مروءة الشخص من خصال عدّة بينها أداء الأمانة، فأكّد رسول الله صلّى الله عليه وآله
على هذه الخصلة النبيلة في النفس البشرية، فقد جاء في المرويات أنّه لما قرأ هذه الآية
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال:كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلاّ وهو تحت قدمي
إلا الأمانة، فإنّها مؤداة إلى البرّ والفاجر.
فخائن الأمانة يسقط في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا، يعتقد أنه يكسب ويربح، لكنّه في الحقيقة يخسر مصداقيته أمام الآخرين في مجتمعه،
وبالتالي يكون عرضة للقطيعة وعدم التعامل معه، وهذا مصداق لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله:"ا
لأمانة تجلب الغنى، والخيانة تجلب الفقر". وقريب من ذلك ما قاله الإمام عليّ عليه السّلام:"الأمانة تجرّ الرزق، والخيانة تجرّ الفقر"
. وقال الإمام جعفر الصّادق عليه السلام:" الأمانة غنى". ونصح لقمان الحكيم ابنه بأداء الأمانة فقال:يا بنيّ،
أدِّ الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكن أميناً تكن غنيّاً.
النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله
وقد ربط النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بين الإيمان ورضوان الله تعالى وأداء الأمانة، مؤكداً على الخروج من الإسلام في حال خيانة
الأمانة فقال:
-"لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ، والمعروف، وطنطنتهم باللّيل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"
. وقال أيضاً:"لا إيمان لمن لا أمانة له".
- من خان أمانة في الدنيا ولم يردها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملّتي، ويلقى الله وهو عليه غضبان.
- ليس منّا من يحقّر الأمانة حتى يستهلكها إذا استودعها.
وعلى نهج رسول الله صلّى الله عليه وآله سار أهل البيت في تأكيد أهمّية أداء الأمانة، وبالغوا في الحثّ عليها حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام:"أدّوا الأمانة ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء". وقال أيضاً:"أقسم لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة
مراراً ثلاثاً:يا أبا الحسن أدّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ، حتى في الخيط والمخيط".
وقال الإمام محمّد الباقر:"ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهنّ رخصة:أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر،
والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين".
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تأمنن ملولاً".
أمّا جعفر الصّادق عليه السلام فقال:
- إن ضارب علي بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة.
- اتقوا الله وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه.
- أدوا الأمانة ولو إلى قاتل الحسين بن عليّ.
- اتقّوا الله، وأدّوا الأمانات إلى الأبيض والأسود، وإن كان حروريّاً أو كان شاميّاً.
كما بيّنوا منافعها في المجتمع، فإلى جانب كونها مجلبة للرزق، فإنها مجلبة للصدق بين الناس، فيزيد الإحساس بالأمان ويقوى الإيمان،
وفي هذا قال أمير المؤمنين عليه السلام:
- أفضل الإيمان الأمانة، أقبح الأخلاق الخيانة.
- الأمانة تؤدّي إلى الصدق.
- إذا قويت الأمانة كثر الصدق.
- لا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سرّه وإن أذاع سرّك.
- من لا أمانة له لا إيمان له.
- الأمانة والوفاء صدق الأفعال.
وقال الصادق عليه السلام:
انظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فالزمه، فإنّ عليّاً عليه السلام إنّما بلغ ما بلغ به
عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة. وقال أيضاً: إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً
إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر.
وفي الوقت نفسه شدّد رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم على عدم ائتمان الخائن في الأمور المادية والمعنوية
(أسرار خاصة وعامة)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
- من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه فيه فليس له على الله ضمان ولا أجر له ولا خلف.
- لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن.
- من ائتمن غير أمين فليس له على الله ضمان، لأنه قد نهاه أن يأتمنه.
وقال الإمام الباقر عليه السلام:
"من ائتمن غير مؤتمن فلا حجّة له على الله". وقال أيضاً: "من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدّث وخيانة إذا ائتمن،
ثمّ ائتمنه على أمانة الله كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يبتليه فيها، ثم لا يخلف عليه ولا يأجره".
تعليق