المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وسائط الفيض الإلهي..


دمعة الكرار
19-04-2012, 04:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد

وسائط الفيض الإلهي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين[1].
قال الله تعالى في كتابه الحكيمhttp://loversali.com/vb/images/smilies/frown.gifيَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَـهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[2].

مقدمة
نتناول في هذا البحث موضوع وسائط الفيض الإلهي، وهذا البحث يمكن تناوله من زاويا متعددة، إلا أن ما نعني به فعلاً هو ما يتعلّق بنظام السنن.
ذلك أنّ لله تعالى سنناً في هذا الكون وهذه السنن ثابتة لا تتبدّل ولا تتحوّل; قال الله تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)[3]، والتبديل في الشىء يعني أن ينقلب وصفه إلى ما يضادّه أو يناقضه، أما التحويل فهو انتقال وصف معيّن من موقعه المعيّن له إلى موقع آخر; فيكون معنى الآية الكريمة ـ على ما ذكره بعضهم ـ أنّ السنن الإلهية في هذا الكون لا تقبل تبدّل الحالات ولا تبدّل المواقع، ومثال الأوّل أنّ النار لا يمكن أن يُسلب منها في يوم من الأيام وصف الحرارة، ومثال الثانى أنّه لا يمكن أن تنتقل في يوم من الأيام صفة الإحراق الموجودة في النار إلى الماء مثلاً; وذلك لأنّ السنن الإلهية لا تقبل التبديل ولا التحويل، وذلك كله في إطار المعادلات الطبيعية، أما المعجزة فلها بحث آخر.

من السنن نظام الوسائط
إذا اتّضحت المقدّمة نقول: إنّ من السنن الإلهية القائمة في هذا الكون أنّ الله سبحانه وتعالى لاينزل فيضه عادة إلاّ عبر وسائط.
ونوضّح المسألة بمثال من الوسائط الطبيعية وهو: أنّ الإنسان إذا مرض يراجع الطبيب ويتناول العقاقير ليحصل على الشفاء، مع أنّ الشافي حقيقة هو الله تعالى.
روى العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) في البحار: «قال موسى بن عمران: يا ربّ ممّن الداء؟ قال منّي. قال: فممّن الدواء؟ قال: منّي. قال: فما يصنع الناس بالمعالج (يعني الطبيب)؟ قال: يطيّب بذلك أنفسهم فسمّي الطبيب لذلك»[4].
لقد خلق الله الأعشاب ليلجأ إليها الإنسان إذا مرض، صحيح أنّ الشفاء من الله تعالى ولكنّه يمرّ عبر واسطة طبيعية وهي العقاقير; مع أنّ الشافي الحقيقي هو الله تعالى كما قال تعالى: (وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[5].
وقد كان الأطباء القدامى يكتبون على الوصفة الطبية عبارة (هو الشافي) أي أنّ الله تعالى هو الذي يمنح الشفاء أما الطبيب فليس سوى واسطة في إيصال هذا الفيض الإلهي.

الوسائط الغيبية
وفي عرض هذه الوسائط الطبيعية توجد وسائط غيبية، فكما أنّ الله تعالى يمنح الإنسان الشفاء عبر الأدوية والعقاقير المتّخذة من الأعشاب أو المواد الكيمياوية، وكما جعل في العسل شفاءً فقال عزّ من قائل: (فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ)[6]، فكذلك أودع الله تعالى الشفاء في أسباب غيبية، فمثلاً جعل الشفاء في تربة الحسين(عليه السلام).
لو قمنا بتحليل تربة كربلاء في المختبر فلربما لا نرى فيه فرقاً من الناحية المادية بينها وبين سائر التراب، ولكن أليس الله تعالى بقادر على أن يجعل الشفاء في تربة الحسين(عليه السلام) إكراماً له كما جعله في العسل أو الأدوية والعقاقير؟!
الاعتقاد بالوسائط الغيبية لا يختصّ بنا نحن الشيعة
الملاحظة الأخرى هي أنّ هذه العقيدة (وهي أنّ هناك أسباباً غير طبيعية جعلها الله تعالى وسائط لفيضه كما جعل الوسائط الطبيعية وسائل لذلك) لا تختصّ بالشيعة وحدهم، بل تعمّ طوائف المسلمين.
إنّ التوسّل إلى الله تعالى عبر أوليائه كالتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) عقيدة يؤمن بها كلّ المسلمين إلاّ زمرة شاذّة تعتقد أنّ المسلمين ومنذ أكثر من ألف عام وإلى يومنا هذا، كلّهم على ضلال وانحراف وأنّها هي وحدها التي عرفت معنى التوحيد! فكل المسلمين والصحابة والتابعين وتابعي التابعين برأي هذه الفئة مشركون لأنّهم يأتون إلى قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويتوسلون به ويطلبون حوائجهم من الله تعالى بواسطته.
أجل هذه كانت سيرة المسلمين كافة إلاّ هذه الزمرة، وهذا ما تجدونه في المصادر المعتمدة لدى غير الشيعة من المسلمين.
انظروا مثلاً صحيح البخاري، وهو من أصح الكتب عندهم، أو أصحها على الإطلاق، فقد ورد في هذا الكتاب أنّ المسلمين الأوائل كانوا إذا أصابهم الجدب وقلّ المطر خرجوا إلى الصحراء يتضرّعون إلى الله ويصلّون صلاة الاستسقاء وكان عمر يستسقي بالعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله)، يقول البخاري في صحيحه: «إن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللّهم إنا كنّا نتوسل إليك بنبينا(صلى الله عليه وآله) فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقَون»[7].
وهنا لابدّ من التنبيه على أمر وهو أنّ الأولى أن يتم التوسل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)بنفس الرسول، وهو الإمام علي(عليه السلام) كما عبّرت بذلك عنه آية المباهلة: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَـذِبِينَ)[8] بدلاً من التوسل بعمّ النبي(صلى الله عليه وآله).
وعلى كل حال فالمسلمون كانوا يتوسّلون إلى الله بالنبي(صلى الله عليه وآله)، كما كان عمر يتوسل بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) بعمه العباس.
هذا ما ورد في صحيح البخاري وليس الكافي أو نحوه ليقال إنّه من مصادر الشيعة.
وقد روى أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه:
«أن رجلا ضرير البصر أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوتُ لك وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير. فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيُحسن وضوءه فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللّهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرحمة يا محمد إني توجّهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي. اللّهم شفّعه فيَّ... ففعل الرجل فبرئ»[9].
انظر هذا النص تراه يشبه النص الموجود في دعاء التوسل الوارد في كتاب مفاتيح الجنان، وهو: «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبي الرحمة...» ولكنّهم مع ذلك يقولون عن دعاء التوسّل الوارد عندنا بأنّه شرك وكفر!
والطريف في الأمر أنّ ابن تيمية وهو رمز هذه الفئة التي تعيب على المسلمين توسّلهم واستشفاعهم بالنبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، يعترف في كتابه بأنّ هذا الحديث صحيح.
وهناك أحاديث كثيرة أخرى في كتب الفريقين تفيد أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) هم وسائط للفيض الإلهي.

الواقع خير دليل
وهنالك قضايا كثيرة تسند هذه الحقيقة، وهذه القضايا ليست مجرد قضايا تاريخية عابرة بل إنها تتجدد في كلّ عصر ومنها عصرنا، ولا شكّ أنّ للكثير منّا تجربته الشخصية في هذا المجال، بيد أنّ أكثر الناس مبتلون بالنسيان، فما أكثر المشاكل التي تواجه الإنسان في الحياة، وما أكثر الحالات التي يظلّ عاجزاً عن حلّها إلاّ عن طريق التوسل بالله تعالى والاستشفاع بأوليائه، وما أكثر المشاكل التي حُلَّت ببركتهم!
القصص في هذا المجال كثيرة إلا أنني أذكر لكم واحدة منها على سبيل المثال; وهي قصة شاب كويتي مازال هو وشخوص قصته على قيد الحياة وكلهم معروفون في الكويت.
ابتُلي هذا الشاب بآلام في بطنه بدأت تشتدّ وتشتدّ حتى أصبحت لا تُطاق، فراجع طبيباً مشهوراً وأُجريت له عملية جراحية اكتشف الطبيب من خلالها أنّه مصاب بالسرطان! وأنّ حالته ميئوس منها، وقال الطبيب: هناك احتمال ضعيف جداً (بنسبة 5%) لشفائه في الخارج، ولكن الاحتمال الأكبر هو الموت.
وتقرّر أن يُنقل إلى الخارج. واتّفق أنّ أحد الخطباء الحسينيين الكبار قام بعيادة المريض قبل نقله إلى الدولة التي كان مقرّراً إجراء العملية فيها، وناوله حبّة قند (سكّر مكعبات) قُرئ عليها حديث الكساء، وشيئاً من تربة الحسين(عليه السلام)وقال لأهله: صلّوا صلاة فاطمة الزهراء فإنّه يُشفى بإذن الله تعالى.
نُقل المريض مع بعض أهله إلى ذلك البلد الأجنبي، وفي ليلة إجراء العملية وفيما كان الشعور بالغربة والبعد عن الأهل والأطفال يسيطر على المريض، انقطع انقطاعاً حقيقياً إلى الله تعالى وصلّى صلاة الزهراء(عليها السلام)، ولم تكن صلاته مجرد ألفاظ بل كانت عباراته تخرج من القلب ودموعه تجري، واستمرّ يدعو الله تعالى حتى أخذته إغفاءة، فرأى الصدّيقة الزهراء(عليها السلام)تدخل غرفته وهي محجّبة ومعها شابّان، فدنوا نحوه، ومسح أحد الشابّين بيده على موضع الداء، فنهض الشخص من إغفاءته وتلمّس موضع المسح وإذا بالألم قد زال ولم يبق أيّ أثر للمرض!
حضر الأطباء لإجراء العملية فقال لهم: لا أشعر بالألم وأحسّ أنّي شُفيت. استغربوا قوله وعندما أصرّ أُجريت له الفحوصات، فذُهلوا لما رأوا وقالوا:
لا شكّ أنّ معجزة حصلت وأنّ القضية ليست طبيعية أبداً بل لابدّ من تدخّل غيبي في الأمر!
وهكذا شُفي هذا الشاب ببركة أهل البيت(عليهم السلام)، وما أكثر الحالات المشابهة، ولا شكّ أنّ كلاًّ منّا لو راجع ذاكرته لوجد المزيد.

صلاة فاطمة(عليها السلام) وقضاء الحوائج
وبمناسبة ذكر صلاة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في القضية المذكورة آنفاً، لا بأس بالإشارة إلى أنّ هذه الصلاة مذكورة في أوائل كتاب مفاتيح الجنان، وأنّ كلّ واحد من الإخوة المؤمنين يمكنه أن يصلّي هذه الصلاة، ليس من أجل حاجاته الدنيوية أو الشخصية فحسب، فثمة حاجات نوعية أيضاً، فهناك مثلاً الآلاف بل الملايين من المساكين والفقراء الذين يتهددهم الجوع في العالَم! أليست هذه مشكلة حقيقية؟ أم يكون منطقنا: إذا مِتّ ظمآناً فلا نزل القطر؟! كلا، فليس هذا منطق الإنسان المؤمن.
روى عن الإمام الحسن(عليه السلام) أنه قال:
«رأيت أمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لِم لا تدعون لنفسكِ كما تدعون لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»[10].
فهذا هو منطق أهل البيت(عليهم السلام)، فهل نكون كذلك أم نقول: الدار ثم الدار؟!
كتب لي شخص قبل عدة أيام يقول: إني رجل متزوج وعندي ثلاثة أولاد، ولكنا نعيش في ضائقة اقتصادية خانقة، لدرجة أنّ زوجتي لم تعد تحتمل الوضع، فطلبتْ منّي الطلاق، فماذا ترى؟!
فكم مثل هذا الشخص موجودون اليوم بين ظهرانينا ولا نعلم بهم؟

وِرد آخر للزهراء(عليها السلام)
وبمناسبة ذكر صلاة الزهراء(عليها السلام) في القصة، لا بأس بالإشارة إلى أنّ هناك ورداً آخر مجرّباً وذلك بأن تتوضّأ وتجلس في مكان مستقبل القبلة ولا تكلّم أحداً وتقول خمسمئة وثلاثين مرة «اللّهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك»[11].

الأيام الفاطمية
ملاحظة أخيرة تتعلّق بالأيام الفاطمية أودّ التذكير بها وهي أنّ المؤمنين في قم المقدسة يتّخذون مناسبتين للفاطمية، الفاطمية الأولى في جمادى الأولى، والفاطمية الثانية في جمادى الثانية. الجدير بالمؤمنين أعزّهم الله تعالى أن يحيوا الفاطمية الثانية كما يحيون الفاطمية الأولى وجزاهم الله خير الجزاء.
نسأله سبحانه أن يوفّقنا للاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام) في الدنيا، وأن يرزقنا شفاعتهم في الآخرة.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


[1]. ألقيت هذه المحاضرة في الكويت بتاريخ 13 / جمادى الأولى.
[2]. المائدة / 35.
[3]. فاطر / 43.
[4]. بحار الأنوار: ج9، ص 2.
[5]. الشعراء / 80.
[6]. النحل / 69.
[7]. صحيح البخاري: ج2، ص15.
[8]. آل عمران / 61.
[9]. مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص138. وسنن ابن ماجة، الحديث رقم 1385 بتفاوت يسير.
[10]. وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج7، ص113، ط: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم.
[11]. صحيفة الزهراء (عليها السلام)، الشيخ جواد القيومي: ص304 (الفارسية).

محـب الحسين
19-04-2012, 12:44 PM
أحسنتِ اختي العزيزه
جزاكِ الله خير الجزاء

محب الرسول
19-04-2012, 12:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد

سلمت أناملك على الطرح النوراني
بوركت جهودك ويعطيك ربي العافية
موفقين ..

دمعة الكرار
19-04-2012, 01:11 PM
http://im25.gulfup.com/2012-04-19/1334828980731.gif (http://www.gulfup.com/show/X6nzddjittc)