بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم
آيات تذكرنا بالحسين (ع)
يذكر الشيعة إمامهم الحسين (ع) في الكثير من المواقف، فيذكرونه عندما يرون شهيداً من الشهداء أو غريباً من الغرباء أو مظلوماً من المظلومين أو عطشاناً من العطاشى، ويتمثل لهم خياله في الكثير من لحظات الشدة التي لم تفارقهم في حبه وحب آل بيته، فهو الذي يبلسم جروحهم ويكفكف دموعهم ويزيل مآسيهم كلما ذكروه، ونحن نقول للإمام الحسين لن ننساك مدى الدهر، ونحن نذكرك حينما نرتل القرآن الذي قدمت نفسك قرباناً من أجل الحفاظ على مبادئه وقدسيته وحاكميته على الأمة… وفي هذا الملف سأقف على بعض الآيات التي تذكرنا بالحسين (ع) حينما نقرأ القرآن ونرتله ترتيلا، وللقرآن الكريم الكثير من التطبيقات والمصاديق وهنا سنقف على بعض هذه التطبيقات والمصاديق القرآنية المرتبطة بسيرة ومسيرة سيد الشهداء الحسين بن علي (ع).
استنكار الخذلانإن أكثر ما يحز في النفس أن يخرج مفسد من المفسدين رافعاً شعار الإفساد فيؤشر بيديه فتلبيه عشرات الآلاف، وفي المقابل يخرج مصلح من المصلحين رافعاً راية الإصلاح فيصرخ وينادي (هل من ناصر ينصرنا) فلا يجد ناصراً ولا معيناً، نذكر مولانا الحسين (ع) الذي سيسأل الله الأمة عنه يوم القيامة عندما نقرأ قوله تعالى : (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء والولدان) النساء: 75، نسأل الأمة السؤال نفسه، لماذا لا تقاتلون في سبيل الله، والحسين وسبيل الله لا يفترقان، ويكفي أن نستدل على أن هذا السبيل هو سبيل الله أن من رواده وقادته الإمام الحسين، نستنكر كما تستنكر الآية الكريمة على من خذلوا الحسين (ع) وتخلوا عن نصرته.
الحسين ونوح (ع)
نذكر الحسين (ع) وهو وارث نوحٍ نبي الله عندما نقرأ الآيات التي تتكلم عن دعوة نوح لقومه فقد كان يدعو قومه ليلاً ونهاراً، ولكنهم كانوا يواجهونه بالاستهزاء وبالإعراض، قال تعالى : (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) نوح :7 وقد ابتلي وارث نوح الإمام الحسين (ع) بما ابتلي به نوح (ع) حيث كان يدعو أعداءه إلى الله فيواجهونه بالإعراض والاستكبار حيث استحوذ عليهم الشيطان وأنساهم ذكر الله، وإذا كان قوم نوح أصروا على العناد والمكابرة، نجد أن أعداء الحسين (ع) لم يكتفوا بهذا الأمر، بل خرجوا لقتال الحسين (ع) وسفك دمه، فنحن نقرأ في السيرة الحسينية: (ولما قـُتل أصحاب الحسين وأهل بيته ولم يبق أحد عزم على لقاء الله، فدعا ببردة رسول الله فالتحف بها فأفرغ عليها درعه، وتقلّد سيفه واستوى على متن جواده، ثم توجّه نحو القوم وقال: ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم على سنّة غيّرتها؟ فقالوا: نقاتلك بغضاً منّا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى، وجعل يحمل عليهم وجعلوا ينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم رجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وهكذا نجد المكابرة والإصرار على الباطل ورواسب الجاهلية تجري في عروق هؤلاء القوم، وكما دعا نوح ربه قائلاً : (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) القمر:10 ، كذلك الإمام الحسين (ع) دعا ربه عندما برز ابنه علي الأكبر قائلاً : (اللهم اشهد على هؤلاء القوم إنه برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك (ص) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه ، اللهم ففرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبدا فانهم دعونا لينصرونا فغدوا علينا يقاتلونا ). وفي المقارنة بين نوح والحسين نجد أن طوفان نوح قد أغرق الكفار ونجى نوح وأنصاره، وهكذا فإن طوفان الثورة الحسينية بقي يغرق الطغاة على مر العصور وينجي الأحرار الذين ركبوا في سفينة الحسين فهو مصباح الهدى وسفينة النجاة.
الحسين وإبراهيم (ع)
وعندما نرتل آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن إبراهيم (ع) فتقول : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم:37، خرج إبراهيم بذريته وأسكنهم في مكة في تلك الأرض الجبلية الصخرية التي لا زرع فيها وتركهم هناك متوكلاً على الله ومسلماً أمره إلى الله تعالى، نقرأ هذه الآية فنتذكر مولانا الحسين (ع) الذي خرج إلى أرض كربلاء متوكلاً على الله تعالى طائعاً لأمره بذريته، وإذا كان هدف إبراهيم (ع) هو كما تبينه الآية الكريمة : (ربنا ليقيموا الصلاة) كذلك كان هدف الإمام الحسين (ع) هو الحفاظ على الصلاة وعلى الدين، وكما استجاب الله لإبراهيم فجعل أفئدة من الناس تهوي إلى آله كذلك جعل الله لآل الحسين(ع) وأنصاره عشاقاً وأفئدة تهوي إليهم وتندبهم في كل عام بل في كل يوم، فنرى ذلك المنظر من الماشين على الأقدام والزاحفين بالأرجل والقلوب إلى تلك الثلة التي حظيت بشرف الدنيا والآخرة بنصرة الدين وبنصرة القرآن وبنصرة الحسين (ع)، فلقد كان الحسين وارث إبراهيم خليل الله وحامل رسالته وكان آل الحسين (ع) وأنصاره هم من واصلوا ذلك الدرب الذي رسمه ذلك النبي الذي قال الله عنه : (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الحج:78.
الحسين وموسى (ع)
كان موسى يواجه فرعون الذي قال الله عنه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه: 43، وهكذا كان يزيد فرعون زمانه فهو القائل : ( لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل) فأي طغيان هذا الذي يجعل من يتحكم في رقاب المسلمين ينكر نزول الوحي، ولهذا قال الحسين (ع) : (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع ٍ مثل يزيد) وبعد أن حدث ما حدث بين موسى وفرعون في قضية السحرة، نجد أن منطق أنصار الحسين (ع) كان شبيهاً بمنطق السحرة وثباتهم بعدة التوبة وبعد أن تبينت لهم الحقيقة، فتذكرنا بهم هذه الآية : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ) طه: 70-73.
ولم يكن هذا شأن أصحاب الحسين (ع) بل بقي هذا شأن عشاق الحسين (ع) الذين قطعت أيديهم وأرجلهم وذبحوا وفجروا بالمفخخات والقنابل ولا زالوا ولسان حالهم يقول لأعداء الحسين (ع) : (إنما تقضي هذ الحياة الدنيا) ويستمر الزحف وتتروى شجرة الإباء الحسينية بدماء الشرفاء والشهداء السعداء الذين تشرفوا بالسقوط مضرجين بدمائهم في درب الحسين (ع) وارث موسى كليم الله (ع).
وعندما نرجع بالزمن قليلاً لنقف أمام موسى (ع) رضيعاً يلقى في اليم، قال تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص:7، والله تعالى قد أرجع موسى إلى أمه ليكبر هذا الرضيع الصغير ويواجه فرعون وكبرياءه وجبروته، أما رضيع الإمام الحسين فقد كتب الله له أن يلقى في يمٍ من الدماء، ولم يكتب الله له الرجوع إلى أمه، ولكنه مع ذلك كله ومع أنه لم تكتب له الحياة ليكبر ويواجه كبرياء يزيد وجبروته، إلا أن مواجهة كبرياء يزيد وجبروته قد حدثت وهو يتقلب بين يدي أبيه الحسين (ع) يعاني من حرارة السهم وقسوة العطش، مارس هذا الرضيع دور الأنبياء (ع) في مواجهة الظلم والاضطهاد وكشف صفحات الظلم الطاغوتية للتاريخ وهو في قماطه، فما أعظمه من دور، وما أجله من موقف. ثم إن أخت موسى كانت تتبعه لتساهم في إرجاعه إلى أمه، قال تعالى: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) القصص:11،وقد نجحت أخت موسى في إرجاعه لأمه كي تقر عينها ولا تحزن، وكان لرضيع الحسين (ع) أخت ولكنها لم تنجح في إرجاعه إلى أمه، وكان له أب خرج يستسقي له الماء فرشقوه بالنبال، وكان لهذا الرضيع أم كانت تحترق بنار المصيبة كلما شعرت بإدرار الحليب في صدرها حينما تتذكر عطش ولدها الرضيع.
الحسين ويحيى (ع)
ونذكر الإمام الحسين (ع) عندما نتلو قوله تعالى : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) مريم:12، ونرى كيف أن الإمام الحسين (ع) قد أخذ الكتاب بقوة، وكما أن يحيى قد وقف في وجه الانحراف الذي كان يمارسه طاغية زمانه والذي تمثل في رغبته بالزواج من المحارم، كذلك وقف الإمام الحسين (ع) آخذاً الكتاب بقوة وقد قُطع رأسه كما قُطع رأس يحيى بن زكريا، ولكن الفرق أن الحسين (ع) لم يقطع رأسه لوحده، وإنما كان مع كوكبة من بني هاشم، ومن أنصاره الذين لا يوجد لهم شبيها على وجه الأرض.
الحسين ومحمد (ص)
أما نبي الأمة محمد (ص) فكان بينه وبين الإمام الحسين (ع) علاقة وثيقة لا يمكننا أن نختزلها في كلمات وأسطر، فهو القائل: (حسينٌ مني وأنا من حسين) (أحب الله من أحب حسيناً وأبغض الله من أبغض حسينا) فنذكر الحسين (ع) عندما نقرأ قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة:128، فإذا كان الرسول بهذه الدرجة من الرأفة والرحمة، وكما يقول العلامة السيد كمال الحيدري أن هذا الوصف (رؤوف رحيم) لم يرد في القرآن الكريم لبشر غير محمد (ص)، وإذا كان محمد (ص) يسع قلبه أعداءه ويحن عليهم ويقول : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) فكيف به لو حضر في يوم عاشوراء ورأى سبطه العزيز مقطعاً بالسيوف إربا إربا.
الحسين وفاطمه (ع)
عندما نقرأ آيات العدل الإلهي (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء:47، نتصور ما سيحدث في ذلك اليوم الذي يضع الله فيه الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبية من خردل، فكيف ستكون المحكمة في ذلك ليوم لأكبر جرائم التاريخ إن لم تكن أكبرها على الإطلاق، وهي جريمة كربلاء، نتصور في ذلك اليوم فاطمة الزهراء وهي تقف وتقول يا عدل حكيم احكم بيني وبين هؤلاء القوم، ولقد أجاد الشاعر عندما تصور هذا الموقف الرهيب بقوله:
لا بد أن ترد القيامة فاطمٌ وقيمصها بدم الحسين ملطخُ
ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه والصورُ في يوم القيامة ينفخُ.
والكلام يطول في الآيات التي تذكرنا بالحسين (ع) فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن ومن أنصار الحسين وأن ثبتنا على التمسك بالثقلين إنه سميع مجيب.
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم
آيات تذكرنا بالحسين (ع)
يذكر الشيعة إمامهم الحسين (ع) في الكثير من المواقف، فيذكرونه عندما يرون شهيداً من الشهداء أو غريباً من الغرباء أو مظلوماً من المظلومين أو عطشاناً من العطاشى، ويتمثل لهم خياله في الكثير من لحظات الشدة التي لم تفارقهم في حبه وحب آل بيته، فهو الذي يبلسم جروحهم ويكفكف دموعهم ويزيل مآسيهم كلما ذكروه، ونحن نقول للإمام الحسين لن ننساك مدى الدهر، ونحن نذكرك حينما نرتل القرآن الذي قدمت نفسك قرباناً من أجل الحفاظ على مبادئه وقدسيته وحاكميته على الأمة… وفي هذا الملف سأقف على بعض الآيات التي تذكرنا بالحسين (ع) حينما نقرأ القرآن ونرتله ترتيلا، وللقرآن الكريم الكثير من التطبيقات والمصاديق وهنا سنقف على بعض هذه التطبيقات والمصاديق القرآنية المرتبطة بسيرة ومسيرة سيد الشهداء الحسين بن علي (ع).
استنكار الخذلانإن أكثر ما يحز في النفس أن يخرج مفسد من المفسدين رافعاً شعار الإفساد فيؤشر بيديه فتلبيه عشرات الآلاف، وفي المقابل يخرج مصلح من المصلحين رافعاً راية الإصلاح فيصرخ وينادي (هل من ناصر ينصرنا) فلا يجد ناصراً ولا معيناً، نذكر مولانا الحسين (ع) الذي سيسأل الله الأمة عنه يوم القيامة عندما نقرأ قوله تعالى : (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء والولدان) النساء: 75، نسأل الأمة السؤال نفسه، لماذا لا تقاتلون في سبيل الله، والحسين وسبيل الله لا يفترقان، ويكفي أن نستدل على أن هذا السبيل هو سبيل الله أن من رواده وقادته الإمام الحسين، نستنكر كما تستنكر الآية الكريمة على من خذلوا الحسين (ع) وتخلوا عن نصرته.
الحسين ونوح (ع)
نذكر الحسين (ع) وهو وارث نوحٍ نبي الله عندما نقرأ الآيات التي تتكلم عن دعوة نوح لقومه فقد كان يدعو قومه ليلاً ونهاراً، ولكنهم كانوا يواجهونه بالاستهزاء وبالإعراض، قال تعالى : (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) نوح :7 وقد ابتلي وارث نوح الإمام الحسين (ع) بما ابتلي به نوح (ع) حيث كان يدعو أعداءه إلى الله فيواجهونه بالإعراض والاستكبار حيث استحوذ عليهم الشيطان وأنساهم ذكر الله، وإذا كان قوم نوح أصروا على العناد والمكابرة، نجد أن أعداء الحسين (ع) لم يكتفوا بهذا الأمر، بل خرجوا لقتال الحسين (ع) وسفك دمه، فنحن نقرأ في السيرة الحسينية: (ولما قـُتل أصحاب الحسين وأهل بيته ولم يبق أحد عزم على لقاء الله، فدعا ببردة رسول الله فالتحف بها فأفرغ عليها درعه، وتقلّد سيفه واستوى على متن جواده، ثم توجّه نحو القوم وقال: ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم على سنّة غيّرتها؟ فقالوا: نقاتلك بغضاً منّا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى، وجعل يحمل عليهم وجعلوا ينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم رجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وهكذا نجد المكابرة والإصرار على الباطل ورواسب الجاهلية تجري في عروق هؤلاء القوم، وكما دعا نوح ربه قائلاً : (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) القمر:10 ، كذلك الإمام الحسين (ع) دعا ربه عندما برز ابنه علي الأكبر قائلاً : (اللهم اشهد على هؤلاء القوم إنه برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك (ص) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه ، اللهم ففرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبدا فانهم دعونا لينصرونا فغدوا علينا يقاتلونا ). وفي المقارنة بين نوح والحسين نجد أن طوفان نوح قد أغرق الكفار ونجى نوح وأنصاره، وهكذا فإن طوفان الثورة الحسينية بقي يغرق الطغاة على مر العصور وينجي الأحرار الذين ركبوا في سفينة الحسين فهو مصباح الهدى وسفينة النجاة.
الحسين وإبراهيم (ع)
وعندما نرتل آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن إبراهيم (ع) فتقول : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم:37، خرج إبراهيم بذريته وأسكنهم في مكة في تلك الأرض الجبلية الصخرية التي لا زرع فيها وتركهم هناك متوكلاً على الله ومسلماً أمره إلى الله تعالى، نقرأ هذه الآية فنتذكر مولانا الحسين (ع) الذي خرج إلى أرض كربلاء متوكلاً على الله تعالى طائعاً لأمره بذريته، وإذا كان هدف إبراهيم (ع) هو كما تبينه الآية الكريمة : (ربنا ليقيموا الصلاة) كذلك كان هدف الإمام الحسين (ع) هو الحفاظ على الصلاة وعلى الدين، وكما استجاب الله لإبراهيم فجعل أفئدة من الناس تهوي إلى آله كذلك جعل الله لآل الحسين(ع) وأنصاره عشاقاً وأفئدة تهوي إليهم وتندبهم في كل عام بل في كل يوم، فنرى ذلك المنظر من الماشين على الأقدام والزاحفين بالأرجل والقلوب إلى تلك الثلة التي حظيت بشرف الدنيا والآخرة بنصرة الدين وبنصرة القرآن وبنصرة الحسين (ع)، فلقد كان الحسين وارث إبراهيم خليل الله وحامل رسالته وكان آل الحسين (ع) وأنصاره هم من واصلوا ذلك الدرب الذي رسمه ذلك النبي الذي قال الله عنه : (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الحج:78.
الحسين وموسى (ع)
كان موسى يواجه فرعون الذي قال الله عنه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه: 43، وهكذا كان يزيد فرعون زمانه فهو القائل : ( لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل) فأي طغيان هذا الذي يجعل من يتحكم في رقاب المسلمين ينكر نزول الوحي، ولهذا قال الحسين (ع) : (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع ٍ مثل يزيد) وبعد أن حدث ما حدث بين موسى وفرعون في قضية السحرة، نجد أن منطق أنصار الحسين (ع) كان شبيهاً بمنطق السحرة وثباتهم بعدة التوبة وبعد أن تبينت لهم الحقيقة، فتذكرنا بهم هذه الآية : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ) طه: 70-73.
ولم يكن هذا شأن أصحاب الحسين (ع) بل بقي هذا شأن عشاق الحسين (ع) الذين قطعت أيديهم وأرجلهم وذبحوا وفجروا بالمفخخات والقنابل ولا زالوا ولسان حالهم يقول لأعداء الحسين (ع) : (إنما تقضي هذ الحياة الدنيا) ويستمر الزحف وتتروى شجرة الإباء الحسينية بدماء الشرفاء والشهداء السعداء الذين تشرفوا بالسقوط مضرجين بدمائهم في درب الحسين (ع) وارث موسى كليم الله (ع).
وعندما نرجع بالزمن قليلاً لنقف أمام موسى (ع) رضيعاً يلقى في اليم، قال تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص:7، والله تعالى قد أرجع موسى إلى أمه ليكبر هذا الرضيع الصغير ويواجه فرعون وكبرياءه وجبروته، أما رضيع الإمام الحسين فقد كتب الله له أن يلقى في يمٍ من الدماء، ولم يكتب الله له الرجوع إلى أمه، ولكنه مع ذلك كله ومع أنه لم تكتب له الحياة ليكبر ويواجه كبرياء يزيد وجبروته، إلا أن مواجهة كبرياء يزيد وجبروته قد حدثت وهو يتقلب بين يدي أبيه الحسين (ع) يعاني من حرارة السهم وقسوة العطش، مارس هذا الرضيع دور الأنبياء (ع) في مواجهة الظلم والاضطهاد وكشف صفحات الظلم الطاغوتية للتاريخ وهو في قماطه، فما أعظمه من دور، وما أجله من موقف. ثم إن أخت موسى كانت تتبعه لتساهم في إرجاعه إلى أمه، قال تعالى: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) القصص:11،وقد نجحت أخت موسى في إرجاعه لأمه كي تقر عينها ولا تحزن، وكان لرضيع الحسين (ع) أخت ولكنها لم تنجح في إرجاعه إلى أمه، وكان له أب خرج يستسقي له الماء فرشقوه بالنبال، وكان لهذا الرضيع أم كانت تحترق بنار المصيبة كلما شعرت بإدرار الحليب في صدرها حينما تتذكر عطش ولدها الرضيع.
الحسين ويحيى (ع)
ونذكر الإمام الحسين (ع) عندما نتلو قوله تعالى : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) مريم:12، ونرى كيف أن الإمام الحسين (ع) قد أخذ الكتاب بقوة، وكما أن يحيى قد وقف في وجه الانحراف الذي كان يمارسه طاغية زمانه والذي تمثل في رغبته بالزواج من المحارم، كذلك وقف الإمام الحسين (ع) آخذاً الكتاب بقوة وقد قُطع رأسه كما قُطع رأس يحيى بن زكريا، ولكن الفرق أن الحسين (ع) لم يقطع رأسه لوحده، وإنما كان مع كوكبة من بني هاشم، ومن أنصاره الذين لا يوجد لهم شبيها على وجه الأرض.
الحسين ومحمد (ص)
أما نبي الأمة محمد (ص) فكان بينه وبين الإمام الحسين (ع) علاقة وثيقة لا يمكننا أن نختزلها في كلمات وأسطر، فهو القائل: (حسينٌ مني وأنا من حسين) (أحب الله من أحب حسيناً وأبغض الله من أبغض حسينا) فنذكر الحسين (ع) عندما نقرأ قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة:128، فإذا كان الرسول بهذه الدرجة من الرأفة والرحمة، وكما يقول العلامة السيد كمال الحيدري أن هذا الوصف (رؤوف رحيم) لم يرد في القرآن الكريم لبشر غير محمد (ص)، وإذا كان محمد (ص) يسع قلبه أعداءه ويحن عليهم ويقول : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) فكيف به لو حضر في يوم عاشوراء ورأى سبطه العزيز مقطعاً بالسيوف إربا إربا.
الحسين وفاطمه (ع)
عندما نقرأ آيات العدل الإلهي (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء:47، نتصور ما سيحدث في ذلك اليوم الذي يضع الله فيه الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبية من خردل، فكيف ستكون المحكمة في ذلك ليوم لأكبر جرائم التاريخ إن لم تكن أكبرها على الإطلاق، وهي جريمة كربلاء، نتصور في ذلك اليوم فاطمة الزهراء وهي تقف وتقول يا عدل حكيم احكم بيني وبين هؤلاء القوم، ولقد أجاد الشاعر عندما تصور هذا الموقف الرهيب بقوله:
لا بد أن ترد القيامة فاطمٌ وقيمصها بدم الحسين ملطخُ
ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه والصورُ في يوم القيامة ينفخُ.
والكلام يطول في الآيات التي تذكرنا بالحسين (ع) فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن ومن أنصار الحسين وأن ثبتنا على التمسك بالثقلين إنه سميع مجيب.
تعليق