الجهاد الأكبر: «جهاد النفس والجهاد الأصغر «جهاد العدو
الجهاد الأكبر: «جهاد النفس
عن الإمام علي(عليه السلام): ان رسول الله بعث سرية فلما رجعوا قال:
«مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال: جهاد النفس»([3]).
إن الأنسان مخلوق مزود بالعقل والغرائز والجوارح، وحوله الدنيا بكل مظاهر الزينة قال تعالى: ( زين للناس حبُ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) آل عمران / 14.
ثم الشيطان الذي يعمل بالخفاء لأضلال الأنسان وإفساده قال تعالى ( ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) النور / 21، وصلاح الأنسان في هذه الحياة يتوقف على مقدار إستفادته من العقل والشرع، قال تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) الشمس / 7 ـ 10، وقال تعالى ( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الاسراء / 9، في جهاده ومعركته مع الغرائز (الجنس، الهوى.. الخ)، وضد وسوسة الشيطان ومكائده، ثم إغراءات الدنيا ومفاتنها.
وهذه الحالة من الصراع، هي معركة طويلة وواسعة تبدأ منذ بلوغ الأنسان حيث مسؤوليته عن التكاليف الألهية، وتمتد الى يوم وفاته، وتتسع دائرتها ومفرداتها لتشمل كل مجالات الحياة، لهذا سُمي هذا الجهاد بالجهاد الأكبر.
ومحصلة هذا الجهاد إحدى حالات ثلاث:
الأولى: حالة النفس المطمئنة: وهي نفس الأنسان المؤمن التي إستقامت على فعل الطاعات، وترك المحرمات قال تعالى ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )الفجر / 27.
الثانية: حالة النفس الأمارة بالسوء: وهي نفس الكافر والمنافق التي إنحرفت عن تعاليم الله تعالى، قال تعالى ( وخاب من دساها ) الشمس / 8.
الثالثة: حالة النفس اللوامة: وهي نفس المؤمن الذي لم يستكمل بعد حالة الأستقامة، قال تعالى ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) القيامة / 2.
ويلزم الأنسان المسلم أن يدرس أسباب إنحراف النفس ومرضها من أجل المعالجة، ومن هذه الاسباب:
1 ـ إتباع الهوى، قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) الجاثية / 23.
2 ـ إرتكاب الذنوب، قال تعالى ( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )المطففين / 14.
3 ـ الأنشداد الى الدنيا، فالأمور الدنيوية إذا صارت هي الغاية تسبب غفلة الأنسان عن آخرته، وتضعف أو تزيل إرتباط القلب بالله، فقد ورد عن الأمام الصادق(عليه السلام) «رأس كل خطيئة حب الدنيا»([4])
كما يلزم الأنسان لكي يحقق الأستقامة في هذه الحياة ويحافظ عليها حتى نهاية المطاف أن يراعي جملة من الضوابط منها:
1 ـ الأخلاص في النية: بمعنى أن يكون فعله وتركه بقصد الأمتثال لأوامر الله تعالى، لا لغرض آخر قال تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )البينة / 5.
2 ـ التقوى: أي أن يكون مواظباً على فعل الطاعات وترك المحرمات، بل وترك الشبهات والمكروهات، ومراعاة المستحبات.
3 ـ المداومة على تلاوة القرآن والأدعية المتنوعة وعرض سلوكه عليها.
4 ـ المشاركة في تأدية الشعائر الجماعية كصلاة الجمعة، الأعتكاف.
5 ـ التدبر في حياة الأبرار والأشرار، ليقتدي بسلوك الأبرار ويجتنب سلوك الأشرار.
6 ـ الأهتمام بالثقافة الأيمانية، وذلك من خلال المطالعة الواعية في مختلف ابواب الثقافة الاسلامية، العقيدة، التفسير، الأخلاق، الفقه، السيرة... الخ.
7 ـ مراقبة النفس ومحاسبتها: وذلك بأن يستعرض أعماله بين الفترة والأخرى، ليشكر الله على الطاعات ويستزيد منها، وليستغفر الله من المعاصي ويتوب عنها.
إن الأنسان المؤمن إذا إهتم بنفسه وعمل على إصلاحها وذلك بالتخلي عن الرذائل، والتحلي بالفضائل، سوف تنتعش هذه النفس وتتألق وترتبط بخالقها فتستمد منه الكمالات ويصبح الأنسان مالكاً لهذه النفس ومسخراً لها فيما يرضي الله، ولن تقوده حينئذ إلا الى خير الدنيا والآخرة.
الجهاد الأصغر «جهاد العدو»([5]):
قال تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) التحريم / 9.
والجهاد هنا بمعنى: بذل المال والنفس لأعلاء كلمة الاسلام، واقامة شعائر الأيمان([6]).
والبحث عن الجهاد الأصغر يتضمن ما يأتي:
l أهداف الجهاد: ونحن إذا إستعرضنا تاريخ الاسلام والجهاد وتشريعه، نستطيع أن نكتشف أن الاسلام لم يُشرع الجهاد في بداية دعوته، بل كانت دعوته فكرية، ونداؤه عقلياً، إستعمل اسلوب الحوار والمناظرة إلا أن خصوم الاسلام وأعداء الله والأنسان راحوا يستعملون كل وسائل الأرهاب والقهر والأبادة ضد المسلمين، لذا كان من أهداف تشريع الجهاد:
أ ـ الوقوف بوجه الكفر والضلال قال تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) الأنفال / 39.
ب ـ الدفاع عن الوجود الاسلامي عقيدة وأمة وأرضاً، قال تعالى ( أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) الحج / 39.
ج ـ تحرير المستضعفين من عبودية الطاغوت الى عبودية الله تعالى.
د ـ الدفاع عن النفس والمال والعرض.
l مبادي الجهاد في الاسلام: وللاسلام مقوماته الخاصة في عملية الجهاد، نذكر منها:
أ ـ إعداد القوة: سواء على مستوى العدد أو العُدة المرتبطة بالتدريب ونوع السلاح وما شاكل ذلك قال تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال / 60.
ب ـ القيادة الحكيمة التي تتسم بالمعرفة والقوة والتقوى، والاسلام يؤكد تأكيداً بالغاً على عنصر القيادة ويلزم الجماعة الطاعة لها قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء / 59.
ج ـ ذكر الله تعالى، والذين يعني إستحضار تواجده في كل الآنات وما وعد به من النصر والتثبيت في الدنيا، وما أعده من النعيم والرزق الكريم في الآخرة، قال تعالى ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) آل عمران / 160 وقال ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) آل عمران / 169.
د ـ الثبات في المعركة، وعدم الأنهزام أو الوقوع في أسر العدو، قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) الأنفال / 45.
l أخلاق الجهاد: وللجهاد في الاسلام أخلاق وآداب معينة نذكر منها:
أ ـ عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال ممن لم يشتركوا في الحرب.
ب ـ عدم نقض الأمان لمن طلبه وحصلت الموافقة عليه ولو من بعض المسلمين.
ج ـ لا يجوز تخريب المظاهر العمرانية والحضارية إلا عند الأضطرار الى ذلك.
د ـ حرمة التمثيل بأفراد العدو.
فمن وصايا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الخالدة لقادة الجيش:
«سيروا باسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا إمرأة، ولا تقطعوا شجراً، إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر الى أحد المشركين، فهو جار، حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين»([7]).
l أنواع الجهاد: وهي:
1 ـ جهاد الدعوة (الجهاد الأبتدائي): وهو الجهاد الذي يقوم به المسلمون من أجل نشر الدعوة الأسلامية والدخول في الاسلام بعد توفر القدرة والأمكانات الضرورية للجهاد، ولا يكون القتال إلا بعد أن تعجز الدعوة الفكرية والحوار العقائدي، والاّ بعد تقديم الأدلة والبراهين العقلية والعملية لمن يجهل الدعوة الاسلامية، وفي هذه المرحلة القتالية يُفرق بين أهل الكتاب وبين من لا يؤمن بدين ولا كتاب من حيث المعاملة والأسلوب.
فأهل الكتاب بعد أن يعرض عليهم الاسلام، ويرفضوا الأيمان به، يُخيرون بين الصلح ودفع الجزية والدخول في ذمام المسلمين وحمايتهم أو القتال.
أما الصنف الثاني ممن يرفض الأيمان بدين الاسلام كالوثنيين والملحدين وأمثالهم، فلا يقبل منهم الصلح ولا الجزية بل يقاتلونهم حتى يعلنوا الاسلام.
ويجب جهاد الدعوة وجوباً كفائياً على المسلم الذي تتوفر فيه الشروط الآتية:
(العقل، البلوغ، الحرية، السلامة من الأمراض والعاهات التي تمنعه من القتال كالعمى، توفر النفقة الكافية له ولعياله، الذكورة» ويتحقق وجوب هذا الجهاد عند إعلان الدولة الاسلامية العادلة كلمة الجهاد على لسان رئيسها أو من ينوب عنه «الفقيه الجامع للشرائط».
2 ـ جهاد البغاة: وهم الخارجون على القانون والسلطة الشرعية بحمل السلاح أو العصيان والمجابهة.
3 ـ جهاد الدفاع: وهو عبارة عن عملية صد العدوان والهجوم الذي يقوم به أعداء الاسلام ضد الأمة الاسلامية، وهو واجب على كل المسلمين رجالاً ونساءً، وشيوخاً وشباباً ويبدأ ترتيب الوجوب بالأقرب فالأقرب للعدوان، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد إذن الحاكم الشرعي، ولا إنتظار قرار الدولة الاسلامية بالدفاع.
4 ـ جهاد أهل الذمة الناكثين للعهد: وذلك إذا أخلوا بشرائط العهد المتفق عليها بينهم وبين المسلمين.
والأمة الاسلامية إذا راعت الجهاد كما رسمته الشريعة الاسلامية تكون لها الغلبة والعزة والهيبة أمام الأمم الأخرى، وتحظى بالأستقلال والسيادة التامة هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فالحياة الطيبة والنعيم الدائم، فقد ورد عن الأمام علي(عليه السلام) «فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصين، وجنته الوثيقة»([8]).
ويقول رسولنا العظيم «أغزوا تورثوا أبناءكم مجداً»([9]).
تعليق