المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يجوز التقليد في أصول الدين


محب الرسول
08-05-2012, 07:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .






هل يجوز التقليد في أصول الدين ؟ وإذا لم يجز التقليد فهل الواجب معرفة العقيدة بالجملة على نحو الموجبة الكلية أم يكفي على نحو الجزئية في الجملة ؟

هذا السؤال من الأسئلة المهمة جداً في العقيدة الإسلامية ولهذا قمت بتكوين أسئلة وأجبت عنها بحيث أنها توصل إلى الجواب راداً على أغلب الإشكالات التي قد توجد في الذهن هذا وأرجو بذلك الوصول لتحصيل المعرفة التي بها تكون النجاة لنا جميعاً في الدنيا والآخرة :




س1: هل يجوز التقليد في أصول الدين ؟
ج: لا يصح التقليد في أصول الدين بل يجب النظر والمعرفة في الأدلة والحجج التي تثبت بها العقائد .

س2: فما بيان ذلك ؟

ج : إن حقيقة التقليد هو أن تقبل قول الغير من غير حجة , أي أن تسلم بما يخبرك به الآخرون من غير أن تطالبهم بالدليل وهذا معيب وقبيح عند العقلاء في أصول الدين وفي جميع المسائل العقائدية كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.

س3: وكيف أستقبح العقل ذلك ؟

ج:العقل أدرك وحكم قبح ذلك لأسباب منها :
إن من يقبل قول الغير من غير حجة فإنه سوف يقدم على أمر مجهول لا يعرفه ولا يمكنه أن يعرف إن هذا الأمر حق أو باطل لأن هذا القول متجرد من الدليل الثابت له عند العقل , والعقل يرفض الأمور التي لا يمكن إثباتها بالأدلة العقلية فيعيب مثل هذه الأمور عند العقل .
ومنها لو تركنا العقل مجرداً عن الأوهام وليس لديه دليل يعينه في إدراك الحكم كما في مسألة التوحيد مثلاً فالعقل لا يحكم بأن تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد فهو ترجيح بلا مرجح وهو باطل ، بل يحتاج حتى يرجح أحدهما إلى دليل وحجة على ترجيحه له .
ولا يستطيع أن يحكم بجواز تقليدهما معاً ضرورة أن أحدهما باطل لامتناع اجتماع النقيضين ( الموحد والملحد ) ، فلا يجوز أن يتساوى الحق مع الباطل وأحدهما قطعاً حق والآخر باطل .
س4 : فهل يجوز تقليد المحق كالأنبياء والأئمة عليهم السلام جميعاً؟

ج : وكيف نعلم أن هذا المتكلم محقاً في عقيدته وصادقاً في كلامه ؟! فنأخذ بكلام المحق ونترك كلام المبطل .
فالعلم بالمحق لا يخلو إما أن يكون عن طريق النظر والمعرفة بالدليل وإما عن طريق التقليد فأن كان عن طريق الدليل ثبت مطلوبنا وهو أن إثبات العقيدة كان بالدليل وإنما تقليد المحق في مثل هذا لا يعد تقليداً حقيقةً وإنما يسمى بذلك مجازاً لأن حقيقة التقليد كما تقدم هو قبول قول الغير من غير حجة وهنا قبلنا قول الغير مع الحجة فهو ليس تقليداً حقيقتاً
وإما أن يكون عن طريق التقليد فتقليدنا لهذا الشخص الآخر لا يخلوا إما عن طريق الدليل فهو المطلوب وإما عن طريق التقليد , فتقليد هذا الآخر لا يخلو إما عن طريق الدليل فهو المطلوب وإما عن طريق تقليداً آخر وهكذا إذا لم يكن التقليد عن طريق الدليل فيلزم تقليداً آخر وبالتالي يلزم التسلسل وهو باطل .
وأما القول بأن الأنبياء والأئمة عليهم السلام هم من المحقين فيجوز تقليدهم فأنه قد ثبت صدقهم بالدليل فلم يكن إتباعنا لهم هو تقليداً لهم بالحقيقة بل هو قبول قولهم مع الحجة فأتباعهم خارج عن حقيقة التقليد .
بيان ذلك إن إتباعهم سلام الله عليهم خارج عن حد التقليد فأننا نأخذ أقوالهم إما مسبوقة بحجة أو مقرونة بحجة فلنأخذ مثلاً أشرف الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام مثالاً على ذلك , فأننا بعد أن أثبتنا بالدليل صدقه وكونه محقاً يعرف الواقع أخذنا منه عقائدنا وتعاليم ديننا وهذا لا يعني أننا مقلدين له صلوات الله عليه وعلى آله بل ثبت ذلك بالدليل وهو كل ما توافق عليه العقل والمنطق .

س5 : فما حكم من أتبع آباءه وأجداده فأغلب الأفراد يسلمون بما يخبرهم فيه آباءهم من معتقدات , وكذلك تأثرهم بالمجتمعات خصوصاً أننا نلاحظ أن نشؤ الإنسان عادة ما يكون على أساس ما يحتويه مجتمعه من تعاليم وعقائد ومبادئ يلتزم بها دون أن يسأل عن الدليل والحجة ؟ بل الأخطر من ذلك هو أخذ العقائد من علماء المذهب الذي نشأ وأهله يعتنقونه فوجد نفسه معتنقاً هذا المذهب منذولادته ؟.

ج :أما إتباع الآباء والأجداد في المعتقدات فهو خطأ فادح وهو مذموم عقلا وقد ذمه تعالى بقوله : (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) (البقرة 170).
وأما النشوء في مجتمعات معينة والتأثر بمعتقدات تلك المجتمعات فهو أخطر من سابقتها فإن الفرد قد لا يتأثر بما عليه آبائه وأجداده ولكنه يتأثر بما في مجتمعه وبيئته التي يعيش بها .
وإما إتباع علماء المذهب المعين في المعتقدات فهو أيضاً إن كان على نحو التقليد والتسليم بأقوالهم من دون دليل شيء خاطئ جداً بل قد يؤدي إلى ضلال كبير.
ولهذا فالأقوال سواء كانت من الآباء والأجداد أو من العلماء مهما بلغوا من علمية إن كانت مسبوقة بالدليل أو مقرونة به جاز الأخذ بها فهو ليس تقليداً حقيقياً وإن سماه البعض تقليدا ولكنه خارج عن حقيقة التقليد لإتباع أقوالهم مع الدليل ولا يعد هذا مذموماً عقلاً .
وكذلك المعتقدات في المجتمعات إن كانت ثابتة على أساس الدليل فلا بأس بذلك أما إن كانت المعتقدات فيها مبنية على أوهام وخزعبلات وتناقضات كثيرة دون أي دليل يدعمها فلا يصح إتباعها .

س6 : لكن ماذا لو كان هؤلاء العلماء يتصفون بالورع والتقوى والزهد ورفض الدنيا ويتصفون بالأخلاق الحميدة ؟ .

ج : إن هذا لا يغني في العقيدة بشيء بدون الدليل فحتى الديانات الأخرى كالمسيح واليهود من رهبان وقساوسة يمتازون بهذه الصفات من زهد وترك الدنيا وترك الشهوات فإن كان الأمر هكذا فقد يكون إتباعهم أولى لأنه كثيراً ما توجد فيهم هذه الصفات فالمدار مدار الدليل .

س7 : ولكن ألا يلزم هذا القول أن أكثر الخلق في ضلال وأنهم على غير الصواب فالكثير منهم يأخذون أصول الدين ويعتقدون بعقائد معينة من دون أن تكون على أساس الدليل والنظر ، فهم لا يتكلمون بكلام المتكلمين في قضايا العقائد وإنما يسلمون بها تسليم المسلمات ؟

ج : أن هذا في الحقيقة شبهة مضلة وظن بعيد فليس المقصود بالنظر والمعرفة في أصول الدين هو أن نسلك أساليب المناظرة والمخاصمة والمحاورة وهي كلها علوم جيدة ومهمة ولكنها ليست المطلوبة هنا فهي أنوجدت لعدة أسباب :
منها ظهور شبهات كثيرة عند المسلمين دفعت لمثل هؤلاء البحث والنظر في التفاصيل لأجل حلها ودفعها .
ومنها ما حصل أيام الحكم الأموي والعباسي حينما قاموا بترجمة الكتب الإغريقية ( كتب فلاسفة اليونان ) والتي أدخلت الكثير من الشبهات في معتقدات المسلمين .
ومنها ظهور الكثير من الفرق والمذاهب المنحرفة كالزنادقة والملحدين والماديين وغيرهم من أمثال ذلك , مما أضطر الأئمة عليهم السلام وأصحابهم إلى التصدي لمثل هذه الفرق وهذه الشبهات فكان هدف المتكلمين يبتني على أهم نقطتين في عملهم وهما :
أولاً : الدفاع عن العقيدة الإسلامية الصحيحة .
ثانياً : إثبات العقائد الحقة في الدين الإسلامي .
وهذا كله ليس مطلوباً من جميع الخلق إنما المطلوب في فهم العقيدة والمعرفة في أصول الدين هو العلم الإجمالي لا العلم التفصيلي في مسائل الاعتقاد أي النظر في المسائل المهمة كمعرفة أن الله تعالى واحد لا شريك له وأنه قادر ليس بعاجز وأنه عالم وأنه منزه عن النقص وأنه خالق غير مخلوق وأنه عادل لا ظالم وهكذا يكون النظر في المسائل الهامة في إثبات العقيدة وليس المطلوب هو البحث التفصيلي فيكون على الخلق فهم الكليات من مسائل العقيدة لا الخوض في الجزئيات وجميع التفاصيل الموجودة .
فيمكن الرجوع إلى الأدلة البسيطة في إثبات العقيدة التي لا تحتاج إلى بحث وتفصيل بل يكفي مجرد الالتفات إليها .

س8 : إذا كان المطلوب هو النظر والمعرفة في العقيدة على وجه الجملة لا التفصيل فماذا لو خطرت للمكلف شبهة , وما هو واجبه هل يتركها ويكتفي بما يعرف أم يتصدى لها ويبحث ويخوض فيها ؟

ج : لو أن المكلف كان عالماً بمسائل أصول الدين على وجه الجملة خرج بذلك عن حد التقليد فليس عليه الخوض بالتفاصيل فأن خطرت له شبهة فإن كانت لا تقدح بما يؤمن فيه ولم تولد له شك فيما أعتقد لم يجب عليه البحث عن حلها ويكون قد أدى ما وجب عليه ولكن لو أثرت في ما يعتقد فيه لزمه البحث عن حلها ويكون كالمتكلمين الذين يبذلون جهدهم وسعيهم لعلم هذه الصناعة حينما تخطر لهم شبهة وترد عليهم خواطر يلزمهم حل الشبهات ودفع الخواطر والتفتيش عن الحلول حتى لا يعود ذلك بالنقص على ما تعلموه ، وهكذا كل من تخطر له شبهة تقدح فيما يؤمن فإنه يجري مجراهم فيلزمه حلها ولا يجوز له الاقتصار على علم الجملة فإنه لا يسلم له ذلك مع هذه الشبهات .
وأما من لا يخطر له ذلك إما لبلادته أو لعدوله عنه أو لانشغاله بأمور أخرى فإنه لا يلزمه التغلغل فيها ولا البحث عن الشبهات حتى يلزمه التفتيش عنها والأجوبة عنها.

س9 : فما حكم من لم يكن لديه لا علم إجمالي ولا تفصيلي في مسائل العقيدة ؟

ج : إن هذا إما إنه أصلاً ليس لديه معتقدات وهذا من غير الممكن فكل إنسان يعتقد بشيء ويؤمن به حتى لو كان إلحاد ونكران للخالق بل حتى السفسطائي يؤمن بشيء فسلوك الإنسان لا بد أن يحدد على أساس اعتقاد معين وإلا لم يكن إنسان أو كان مجنونا .
وإما إنه يؤمن ويعتقد بشيء فأنه يكون تقليدا محضا فهو مخطئ ضال عن طريق الصواب .

س10 : إننا نجد الكثير ممن لديه علم إجمالي في أصول الدين ولكننا إذا سألناه عنها فأنه لا يحسن الإجابة والتكلم والتعبير بصورة صحيحة عنها ؟

ج : هذا لا يمنع من أن يكون عارفا على نحو الجملة للعقائد حتى لو تعذرت عليه العبارة ببيان ما يعتقده ، فتعذر العبارة عما في النفس لا يدل على بطلان ذلك ولا ارتفاعه , ولكن الخطأ أن يكون معتقده باطل ويستدل عليه بمقدمات خاطئة وأوهام وقع فيها أو يكون عنده تعصب قبلي وعنصرية مذهبية تمنعه من إتباع الدليل الحق في مسائل العقيدة .




. ومن الله التوفيق

محـب الحسين
08-05-2012, 08:04 PM
جزاك الله خير جزاء المحسنين

الـدمـع حـبـر العـيـون
08-05-2012, 11:49 PM
يعطيك العافيه على هذا الجلب..
وسلمت اناملك المتألقه لروعة طرحها..
تقديري لك..

** خـادم العبـاس **
09-05-2012, 12:48 PM
http://www.ahbabhusain.com/vb/mwaextraedit4/extra/54.gif