الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارىء الكون، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال، نابعاً من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الانساني.
الدعاء في البلاء:
إنّ علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان، ولكلِّ امرىء طريق من قلبه إلى خالقه، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكلِّ شيء محيط، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن، وعندما توصد في وجهه الأبواب، وتنقطع به العلل والأسباب، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعاً منكسراً، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم، قال تعالى: (وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ) .
وقال تعالى: (وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون)
وقال تعالى: (وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الإنسانُ كفوراً) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده.
قال رجل للإمام الصادق عليه السلام: يا بن رسول الله، دلّني على الله ما هو ؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني، فقال له: «يا عبدالله، هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم. قال عليه السلام: فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك ؟ قال: نعم، قال عليه السلام: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال: نعم. قال الإمام الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث».
لقد جعل الإمام الصادق عليه السلام الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه، لقد دلّه الإمام عليه السلام على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إنّ هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلّى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة، هو الدليل على وجود تلك القدرة، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان.
إنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدّة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء، أمرٌ غير مرئي بالحواس، ويمكننا أن نشبّهه بتوجّه غريزي مرئي ومعروف، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أُمّه، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أُمّه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعوّد عليه، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما، وكذلك حال الغرائز الاُخرى في الإنسان، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الإنسان.
إنَّ هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان، قد تغطّيه حجب الإثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة، فيتراءى للإنسان أنّه قد استغنى، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلّقاً بالاسباب التي هي دونه،
قال تعالى: (كلاّ إنَّ الإنسان ليطغى * ان رآهُ استغنى) ،
وقال تعالى: (فلمّا كشفنا عنه ضرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ) ،
وقال تعالى: (فلمَّا نجاكم إلى البرِّ أعرضتُم) .
فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانياً ولا إخلاصاً عبادياً، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة.
الدعاء في الرخاء:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موصياً الفضل بن العباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة»يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم، وذلك لأنّ من نسي ربه في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء، ثم إذا دعا ربه في الشدّة، كان معنى عمله أنّه يذعن بالربوبية في حال الشدّة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة، بل هو ربّ في كلِّ حال وعلى جميع التقادير.
عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان، يجب أن يعلم بأنّ ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله، وانه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها، وذلك لأنّه خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم.
ولهذا نجد أنّ الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله: (وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثينَ * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)
إنّ الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم، وقد ورد في الروايات ما يدلُّ على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء.
فعن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه كان يقول: «ما من أحد ابتلي وان عظمت بلواه أحقُّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء»
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه كان يقول: «لم أرَ مثل التقدّم في الدعاء، فان العبد ليس تحضره الاجابة في كلِّ ساعة»
وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام: «إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا اعطي فتر، فلا تملّ الدعاء، فإنّه من الله عزَّ وجلّ بمكان»
فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطّاه الاجابة، لأنّه يقع ضمن دائرة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الأسباب في الشدة والرخاء، هو الآخر لا تتخطّاه الاجابة، وهو مخُّ العبادة وجوهرها النقي، وهو الذي وصف به المتقون: «ذُبُل الشفاه من الدعاء، صُفُر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين»
والدعاء بالمعنى الأخير عبادة حيّة متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للأفعال الخاصة والكلمات المحددة، بل ينطلق فيها الإنسان حراً في المكان الذي يقف فيه، والوقت الذي يختاره، واللغة التي يتحدث بها، والكلمات التي يعبر بها، والمضمون الذي يريده.
الدعاء في البلاء:
إنّ علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان، ولكلِّ امرىء طريق من قلبه إلى خالقه، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكلِّ شيء محيط، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن، وعندما توصد في وجهه الأبواب، وتنقطع به العلل والأسباب، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعاً منكسراً، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم، قال تعالى: (وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ) .
وقال تعالى: (وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون)
وقال تعالى: (وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الإنسانُ كفوراً) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده.
قال رجل للإمام الصادق عليه السلام: يا بن رسول الله، دلّني على الله ما هو ؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني، فقال له: «يا عبدالله، هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم. قال عليه السلام: فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك ؟ قال: نعم، قال عليه السلام: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال: نعم. قال الإمام الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث».
لقد جعل الإمام الصادق عليه السلام الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه، لقد دلّه الإمام عليه السلام على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إنّ هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلّى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة، هو الدليل على وجود تلك القدرة، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان.
إنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدّة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء، أمرٌ غير مرئي بالحواس، ويمكننا أن نشبّهه بتوجّه غريزي مرئي ومعروف، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أُمّه، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أُمّه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعوّد عليه، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما، وكذلك حال الغرائز الاُخرى في الإنسان، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الإنسان.
إنَّ هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان، قد تغطّيه حجب الإثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة، فيتراءى للإنسان أنّه قد استغنى، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلّقاً بالاسباب التي هي دونه،
قال تعالى: (كلاّ إنَّ الإنسان ليطغى * ان رآهُ استغنى) ،
وقال تعالى: (فلمّا كشفنا عنه ضرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ) ،
وقال تعالى: (فلمَّا نجاكم إلى البرِّ أعرضتُم) .
فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانياً ولا إخلاصاً عبادياً، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة.
الدعاء في الرخاء:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موصياً الفضل بن العباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة»يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم، وذلك لأنّ من نسي ربه في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء، ثم إذا دعا ربه في الشدّة، كان معنى عمله أنّه يذعن بالربوبية في حال الشدّة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة، بل هو ربّ في كلِّ حال وعلى جميع التقادير.
عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان، يجب أن يعلم بأنّ ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله، وانه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها، وذلك لأنّه خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم.
ولهذا نجد أنّ الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله: (وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثينَ * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)
إنّ الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم، وقد ورد في الروايات ما يدلُّ على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء.
فعن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه كان يقول: «ما من أحد ابتلي وان عظمت بلواه أحقُّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء»
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه كان يقول: «لم أرَ مثل التقدّم في الدعاء، فان العبد ليس تحضره الاجابة في كلِّ ساعة»
وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام: «إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا اعطي فتر، فلا تملّ الدعاء، فإنّه من الله عزَّ وجلّ بمكان»
فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطّاه الاجابة، لأنّه يقع ضمن دائرة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الأسباب في الشدة والرخاء، هو الآخر لا تتخطّاه الاجابة، وهو مخُّ العبادة وجوهرها النقي، وهو الذي وصف به المتقون: «ذُبُل الشفاه من الدعاء، صُفُر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين»
والدعاء بالمعنى الأخير عبادة حيّة متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للأفعال الخاصة والكلمات المحددة، بل ينطلق فيها الإنسان حراً في المكان الذي يقف فيه، والوقت الذي يختاره، واللغة التي يتحدث بها، والكلمات التي يعبر بها، والمضمون الذي يريده.
تعليق