عظمة اخلاق النبوة ومرقى الاعجاز : من الانوار المحمدية ح2
عظمة أخلاق النبوةلا مراء في أن الخصيصة الكبرى، في جدول الأخلاقيّات الإسلاميّة، هي انتفاء الصبغة النظرية(1) عنها كلّية وانقشاع الطابع التجريدي عن تعاليمها أصلاً، لتجسّدها التجسّد الفعليّ الصادق في أنموذج عمليّ حي، وفقاً لمثال خلقي كامل، الأمر الذي مثّل قدوة مثلى، هي بمثابة المعيار الأسنى في شريعة الخلق.
والأمر ذو المغزى ملحظ دقيق في استلهام عظمة أخلاق النبوة من شمائل يتيم كتب عليه، لطفاً أزلياً، أن يتجرّع علقم اليتم مراراً، في الوقت الذي كان يتهيّأ فيه بمشيئة الأقدار، لأعباء الختم الرّسالي والاستكمال التشريعي...
وهو من هو منزلة عند الله(2)، ومع ذلك كم لوّعته لواذع المنون الزّؤاف في مغافصة(3)، أُجّل كلّ من هبّ للحظوة بكفالته تكرّماً.. وما أبلغ الحكمة الإلهية في ذلك! إنّه لا ينبغي لناقص أن يلقّن لكامل! ولا لبشري ما انفكّ ينوء بأسر وسط جاهلي أن يتجاسر فيربّي من بوّأه الربّ الجليل مقامات النبوّة والرّسالة والتنزيل!
2ـ مرقى الإعجاز
ومعلوم، بداهة، من نواجم آفة اليتم، مدعاة الحدب والشفقة، اعتوار الأخلاق وانحراف السلوك واختلال النفس عامّة، لافتقاد الساهر المربّي.
فلما بالك بمن تخلّلته العوازل الصّوارف، بالخطفة البارقة، إقصاء للمؤثّرات السلبية، وتحاشيا للنّقائص البشرية، وتنحيه للنوازع الإنسانية، إلا أن يكون من نمط الاجتباء المخصوص، طراز الأنبياء الأعلى؛ الأنموذج الأكمل الخاتم.
ولا يعزب عن اللبيب وميض الروعة الخلاّبة في هذا الأمر الفريد، بل لا مغالاة البتّة في اعتباره بحقّ إعجازاً أخلاقياً أو معجزة تربويّة، لم يلتفت إليها من قبل، على هذا النحو في التصنيف لمعجزاته (صلّى الله عليه وآله)، ولم تخصّص بهذا الإفراد(4) بعد.
إذ كيف ينجم عن يتيم أمّي فقير عُرّي عراء كلّياً عن سند التربية والتعليم والخلق والثّراء، غير موصول بحامليها، مبثوث عن ملقّنيها، أن ينتصب معلّماً للإنسانية ومربّياً للبشرية جمعاء، (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) سورة النمل: الآية 88.
يقول الباقلاني: (وأمّا قُدَر العباد فهي متناهية في كل ما يقدرون عليه ممّا تصحّ قدرتهم عليه..).
وهذا حق يؤكّد مذهب الإعجاز والتحدّي مرة أخرى. فلنتقصّ الأحداث بمنطق تسلسلها ولننظر في الغرائب المعجزة.
تعليق