المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سقوط الحضارات في القران الكريم


سكون الليل
01-05-2009, 07:05 AM
معنى السقوط الحضاري في القرآن:
لعل ما يقصد بالسقوط الحضاري من خلال القرآن ليس هو دائماً زوال الأمم من الوجود وفناء أفرادها في العدم ولكن ما يغني بالسقوط الحضاري هو الانهيار الداخلي للمجتمعات وذهاب قوة الأمم وعزتها وهوانها على الأمم الأخرى، ذلك عندما تذوب في غيرها وتنمحى شخصيتها المعنوية والروحية وهذا ما هو كائن في حياة الأمم التي سقطت حضاراتها. والثابت في تاريخ الإنسانية أن الأمم التي شهدت تلك الإمبراطوريات والحضارات الغابرة لم ينقرض نجمها ويندثر كيانها البشري كلية، وإنما ضعفت واستكانت وغاب تأثيرها المباشر في مسرح الحياة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فاستوعبتها حضارات أمم أخرى هي أشد وأبقى حتى صارت جزءاً منها لا ينفصل، وأنشئت على أنقاض كيانها الحضاري حضارات جديدة تسلمت علم الريادة ووساد السيادة.
ولعل أوضح مثال تطبيقي في هذه النقطة هو حضارة العرب البائدة كعاد وثمود الذين بلغوا شأناً عظيماً في التحضر حكى القرآن الكريم بعضه للاعتبار ودلت عليه بقايا الدهر وأبحاث التاريخ، والثابت أن هؤلاء العرب العاربة وغيرهم من الأمم الهالكة لم يستأصلوا استئصالاً كلياً تاماً وإنما أهلك الله الظالمين والكافرين منهم وأنجا رسلهم والذين آمنوا منهم ليستمروا في عمارة الحياة.
وقد جرت سنة الله أن يعامل البش حسب ما عملوا، وهذا بصريح قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فالله عز وجل لا يزيل ما بقوم من العافية والنعمة، والرخاء، والهناء ويبدلها بالآلام والأمراض والنوازل والفتن والأحداث وغيرها من ضروب العقاب الرباني حتى يزيلوا هم ويغيروا فيجحدون النعمة ويعلنون الكفر والمعاصي ويتمردون عن سنن الله في إسعاد البشر ويتظاهرون بالفحش والمنكر والفساد، فتكون النتيجة أن تحل بهم قوارع الدهر، وينزل بساحتهم عذاب من الله.
وآفة الحضارات الجانحة التي نقرأ عنها في بطون التاريخ، أو نجد بقاياها وأطلالها منثورة على جنبات الأرض هي الفساد أو الإفساد في الأرض بكافة أشكاله وأنواعه فساد العقيدة ـ الشرك ـ فساد العلاقات بين أفراد الأمة بترك التوادد والتعاون، مما يؤدي الى العداء والتباغض ثم الظلم، وفساد النفوس بالغرور والتكبر والعجب وهذا هو الفساد الذي ظل القرآن الكريم يكرر الحديث عنه، ويكثر التحذير منه ويلفت نظر الإنسان إلى مغبات التورط في أسبابه وينبه إلى الرزايا والمصائب التي لابد أن يتحملها الإنسان على أعقابه وما فسدت هذه الأرض يوماً ما بعادية من عوادى الطبيعة ولا بسوء آخر ألم بها من هياج الحيوانات والوحوش، وإنما استشرى فيها الفساد وألم بها البلاء يوم تاه بنو الإنسان وخرجوا عن هواياتهم وطبيعتهم وحقيقة خصائصهم البشرية فتأله الأقوياء وذل الضعفاء، وخرج بذلك كل فريق عن حدود إنسانيته، ذلك نحو التعالى والتجبر في الأرض وذاك نحو الخنوع، فتمت بذلك قصة الفساد في الأرض وهي قصة قديمة تتكرر أسبابها أو عواملها في الإنسان ذاته.



كيفية السقوط الحضاري في القرآن:
أما عن كيفية سقوط الحضارات ودمار الأمم والمجتمعات فنجد أن أدق العلل وأصغرها، قد تؤدي إلى أعظم النتائج وأخطرها، ويعد عدم وجود صلة ظاهرة منظورة بين صغير العلل وعظيم النتائج من أكثر الحوادث نجاحاً في حياة الأمم وتبدل ظروفها الحضارية سياسياً واجتماعياً، ذلك أن عيون المراقبة والملاحظة عادة ما تغفل الجزئيات وتهمل صغائر الأمور وأدقها، ولعل هذا ما يمكن أن نفسر به تلك المفاجئات في التقلبات السياسية وتبديل القيادات العسكرية في الدول والحكومات، وكثير ما يدخل التاريخ من هذا الباب أناس لا حساب لهم في حس المراقبين واهتمامهم، وقد كانوا يتحركون ويعيشون في منأى عن أنظار خصومهم وفي القرآن الكريم إشارات وتنبيهات إلى هذا، قال تعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).
وللتذكير فإن الآية نزلت في قذف عائشة، وقد حسب بعض المؤمنين ذلك هيناً وعقوبته عند الله شديدة.
ولذا كان مبدأ العلة أو السببية من أكبر القضايا الفلسفية التي شغلت المفكرين وفلاسفة التاريخ والاجتماع، والعلة هي حادث يؤدي إلى حادث آخر أو مجموعة من الحوادث تتراكم في شبكة واحدة ذات اتجاه معين حتى تؤلف عاملاً قد يكون له دور في تغيير وجه من أوجه الحياة أو تغيير مسار التاريخ كله.
والثابت تاريخياً انه ما انتصرت أمة أو انهزمت إلا بفعل العوامل والأسباب الداخلية. وما العوامل الخارجية إلا متممة ومكملة للداخلية، ولعل هذا ما كان يطلق عليه مالك ابن نبي ـ رحمه الله ـ القابيلة للاستعمار، ويرى أنه العامل الأكبر في هزيمة المسلمين في العصر الحديث.
وإن كان كثير من المؤرخين والمفكرين يميلون إلى الاهتمام بدور الأسباب المباشرة والعوامل الخارجية الظاهرة في دراسة الأحداث التاريخية والتبدلات الاجتماعية والسياسية والتقلبات الحضارية.
ومن سنة الله في البشر أن كل ما يصيبهم من بلاء وأذى في الأنفس والأبدان وشئون الملك والسلطان إنما هي آثار للأعمال ونتائج للسلوك الفاسد، مع وجود عفو الله الكثير كما قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
ولذا نجد القرآن لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولم يترك الله ذرة من أعمال الإنسان إلا وسجلها يوم القيامة: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً).
وتبقى سنة الله ثابتة تعمل عملها في حركة التاريخ، والله يتخذ من الظالمين والمترفين وأهل الشرك والضلال وغيرهم من كل ذوى الفساد والانحراف أدوات ووسائل يسوق بها القرى والدول والحضارات والأمم والمجتمعات نحو الفواجع والمصائر الكالحة.
والقرآن الكريم يطرح على الإنسانية قضية السقوط الحضاري من أوسع الأبواب وأكثرها شمولاً، بصيغ عديدة واصطلاحات كثيرة كلها تؤدي إلى حالة واحدة بالأمة وهي الهلاك والسقوط.
فالظلم مثلا عامل من أكبر عوامل سقوط الحضارات وله مفهوم شامل وعريض يؤدي إلى فقد التوازن في كافة مجالات الحياة، وعلاقات الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق حالات وظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد الحياة الإنسانية كافة، كما قال الله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين، فأقم وجهك للدين من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون).
"ظهر الفساد في البر والبحر" نحو القحط والجدب، وقلة البركة في الزراعة والتجارة، وكثر الحرائق والغرق،" بما كسبت أيدى الناس" أي بسبب معاصيهم وذنوبهم، وأن الله أفسد بعض أسباب دنياهم ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل الآخرة والحكمة "لعلهم يرجعون" بمعنى لكي يرجعون عما هم عليه وحتى ينجو من عذاب الآخرة، وهو العذاب الأكبر، ثم أمر الله الأمم أن تسير في الأرض وتنظر لترى كيف أهلك الله إمما كانت على الظلم وأذاقها سوء العاقبة بمعاصيهم. ودل قوله تعالى (كان أكثرهم مشركين) على أن الشرك لم يكن هو السبب الوحيد لتدمير القرى والأمم بل هو سبب إلى جانب أسباب أخرى.
وتكشف الآيات عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية عامة، بأعمال الناس وسعيهم، وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم، وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملأها براً وبحراً به، فظهور الفساد في البلاد واستفحال شره لا يتم عبثاً، ولا يقع صدفة، وإنما يكون وفق سنة جارية وحكمة مدبرة، وهي (ليذيقهم بعض الذي عملوا) من الشر والفساد والمنكر والباطل والظلم، وما إلى ذلك، والله يذيقهم بعض أعمالهم وليس كل أعمالهم ذلك لأنه رحمن رحيم يعفو عن كثير، وها هم أهل القرى الظالمة والحضارات الفاسدة يكتوون بنار أعمالهم وتصرفاتهم ويتألمون لما يصيبهم، بما فكرت عقولهم وصنعت أيديهم و "لعلهم يرجعون" لكي يرجعوا الى الله بالعمل الصالح والتوبة، ويعزموا على مقاومة الفساد والظلم، وفي هذا تحذير لمن جاء من الأمم من بعد، وهي تعرف عاقبة السابقين وترى آثارهم وتمر بها، وفي العاقبة وآثار الباقين من الهالكين عبر وعظات تستخلص منها التجارب والدروس وتستقرأ منها السنن والقوانين التاريخية والحضارية.
وإننا نجد صورة متكاملة لسنن الإقبال والإدبار الحاضرين في قصص الأمم في القرآن كقصة فرعون وبنى إسرائيل ذلك أن أهل مصر من آل فرعون لما وصلوا إلى الرقى والازدهار أخلدوا إلى الأرض ومارسوا الظلم والعدوان كمنهج سياسي واجتماعي وجعل فرعون يذبح أبنائهم ويستحى نسائهم، ولما بلغ ظلمه نهايته جاءت سنة الله وقضى رب الملك أن يخفض هذا الفرعون ويزول ملكه ويرفع تلك الأمة المستضعفة بني إسرائيل. وإذ أراد الله أمراً هيأ له أسباباً حيث ولد موسى عليه السلام وتربى في قصر فرعون كما تربى كثير من العظماء في قصور الطغاة وتلك سنة من أعظم سنن الله، ولما كبر عليه السلام آتاه الله الوحى والعلم والحكمة كما هو شأن كل الأنبياء.
فنصح فرعون بلطف ولم ينتصح له كعادة الظالمين والمتجبرين في كل العصور.
ثم جاءت النذر والإنذارات لفرعون وآله فتعاقبت عليهم المجاعات والسنون ونزل عليهم الدم وأذتهم كثرة القمل والضفادع وأكل حرثهم الجراد ومسخوا مسخاً غريباً متى كان منهم الخنازير والقردة وعبدة الطاغوت وحتى أخذهم الطوفان وأغرقوا في إليمِّ وهو مليم.
ولما تمت الحجة ولم يبق للظالمين عند الله عذر سقطت الحضارة الفرعونية وفق نفس السنن سقطت بها غيرها من الحضارات سقوطاً لم تنهض منه إلى الأبد وهلك فرعون وآله هلاك استئصال وتلك هي عاقبة الظالمين.
وسارت حركة التاريخ ودارت الحضارة دورتها وجاءت نوبة أو دورة بني إسرائيل وفق سنن الاستخلاف والوراثة أو التداول والاستبدال الحضاري. وبعد أن نصرهم الله على فرعون بهلاكه آتاهم الملك وأورثهم الأرض. ولكن هذه الوراثة والاستخلاف كانا منوطين بسنة الاستقامة بالاعتقاد السليم والعمل الصالح وهذه سنة وشرط للاستمرار وللاستخلاف، ليس خاص ببني إسرائيل وحدهم في التاريخ بل يجب أن تلزمه كل أمة تمنح حكومة الأرض.
ولما كان انحراف بني إسرائيل في تاريخ الإنسانية كانحراف الفراعين أو أشد نزعت من أيديهم الوراثة، وسلبوا التمكين والملك بنفس السنن العادلة وسلطت عليهم سهام المؤمنين تارة وسهام الجبابرة أمثالهم تارات أخرى، وأخرجوا من ديارهم وشردوا في الأرض مرات ومرات في بؤس وشقاء، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة ولن يرفعها عنهم الله إلا إذا عادوا للحق وحكموا بالعدل، وإن كانوا تمكنوا في الأرض هذه الأيام فما تلك إلا فترة استثنائية في تاريخ القوم، ومن باب وسنة تسليط الظالمين على ظالمين مثلهم أو أشد.



صيغ السقوط الحضاري في القرآن
إن الله تعالى ما ذكر أمة أصيبت بالدمار والهلاك، إلا وقد ذكر بجانب ذلك جريمتها وفسادها في الأرض وانحرافها وفسوقها عن أمر ربها، حتى يعلم الناس أن ما يصيبهم من حسنات وسيئات، أو فرح وقرح أو سعادة وشقاء فبما كسبت أيديهم، قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
كما أنه لا يكون باعث الدمار والهلاك فساداً فرديا بل هو الفساد الجماعي والظلم العام الذي يشمل كل العلاقات الإنسانية الشخصية والعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى على مستوى الاعتقاد والإيمان الذي يسوده الظلم بالشرك بالله. والتناقض الداخلي بالتظاهر بالإيمان والعمل الصالح واستبطان غيره وهو النفاق. ومعنى هذا أن ظلم الإنسان لنفسه بفساده العقيدي والعملي والأخلاقي ليس مدعاة للهلاك وسبب للدمار والسقوط ما دام قاصراً على الأفراد والأمة محتفظة بكيان استمرايتها وصلاحية ديمومتها وبقائها، ولكن إذ تجاوز الظلم والفساد مستوى الأفراد الذين لا يشكلون القاعدة أو الظاهرة العامة إلى مستوى دائرة الأمة أخذت تلك الأمة في الهبوط من علياء الكرامة والعز إلى درك الذل والهوان حتى تحين ساعة الدمار والسقوط.
ولقد بين الله في القرآن أن الأمم التي أهلكت كان أكثر أفرادها غير مؤمنين فقال الله يبين هذه السنة في قوم نوح عليه السلام (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).
وعن ثمود قوم صالح: (فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).
ولا يظن أحد أن الصيغة الوحيدة لسقوط الحضارات وهلاك الأمم هي في ذلك الأسلوب الذي تحدث عنه القرآن هو الدمار المباشر الذي حاق بعدد من القرى عبر عصور تاريخية متقدمة بسبب مواقفها الجائرة من دعوات الأنبياء والرسل، كلا إن الأمم الظالمة المنحرفة والمجتمعات الفاسدة غير الصالحة للبقاء التي أخذت الجزاء من جنس عملها، والتي ما زالت هي أمام قوتين: سخرهما مالك الملك لتحقيق أمره وتنفيذ سنته، القوة المادية المنظورة والقوة الروحية غير المنظورة، والناس في الأولى يمرون في الآثار الباقية ويقرءون في التاريخ نماذج شتى من تسخير الله للطبيعة في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وذلك كالسيول الجارفة والرياح العاصفة والهزات العنيفة والصيحة والرجفة، والغرق، وإن اختلفت التعليلات والتصورات لأسباب حدوث هذه العوامل المدمرة بين الاتجاهات والمذاهب التفسيرية.
أما صيغة القوة الثانية اللامرئية غير المنظورة فهي صيغة روحية معنوية أكثر شمولية وأشد خطراً، وهي التي تحتضر بها الأمة المصابة كثيراً، وسنة الله أن تنشأ أضرارها من داخل النفس الإنسانية، وهي أن كل فرد يحيد عن الاستقامة ويزيغ عن أمر ربه يصاب باليأس والإحباط والقنوط وفشل الإرادة أو بالغرور والتجبر والظلم والعدوان، وأخف الأمراض من هذه أشر من الآخر.
وحتى لا يحسب الإنسان المعاصر نفسه أنه أصبح بمفازة ومناعة من هذه الأمراض والمهالك مع أنه يأتي أسبابها ويمارس عواملها ـ لمجرد انتمائه لعصر التكنولوجيا والازدهار الطبي وتقدم وسائل العلاج، فليقرأ عن هذه الأمراض في الحضارة الغربية المعاصرة وما تفعله في أكبر عواصمها وما يعانيه أبناؤها من دمار وانتحار، ولأمر بسيط جداً وهو أنهم زاغوا عن أمر الله فحق عليهم قوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين).
ويقيناً في عدالة الرحمن انه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأهل تلك القرى الظالمة التي سبقتهم في التاريخ والتي قال الله في أهلها: (فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين).
وسنة الله سائرة، ثابتة، باقية ببقاء الخلق، ومن عدل الله في الإنسانية ألا يخص الأمم بنوع واحد أو صيغة واحدة من الدمار والسقوط بل جرت سنته تعالى بتنويع العذاب وكثرة ألوانه واختلافها بطرق عديدة (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر).
وبحسب فساد الأمة وانحرافها كما ذكرنا يكون الهلاك والتعذيب الذي قد يجئ صاعقة، أو غرقاً، أو فيضاناً، أو ريحاً، أو خسفاً أو قحطاً، أو مجاعة وارتفاعاً في الاسعار،أو امراضاً، وأوجاعاً، أو ظلما وجوراً أو فتناً واختلافاً بين الناس، أو مسخاً في الصور والأشكال كما فعل ببني إسرائيل، أو ضعفاً في القلوب، ووهنا في النفوس كما هو حالة الأمة الإسلامية.
فعن هلاك قوم نوح عليه السلام يقول تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون).
وعن عاد قال تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون).
وعن ثمود قال تعالى: (وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية).
والطاغية هي الصاعقة.
وهكذا كل الأمم آتاها ما يناسب إجرامها، ففي الغرق يقول الله: (فأغرقناهم في اليم).
وفي الريح يقول تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية).
وفي الصاعقة يقول تعالى: (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون).
ويقول في الخسف (فخسفنا به وبداره الأرض)، وهو قارون.
ويقول تعالى في القحط والمجاعات والارتفاع في الأسعار وانتشار الأمراض (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون).
ويقول تعالى في الفتن بين الناس والتشيع للأفراد: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).
وقيل أن العذاب من فوق قد يكون هو القذف بالقنابل على الناس من الطائرات والعذاب من تحت قد يكون هو الألغام التي اعتاد المقاتلون استعمالها في الحروب، وقيل ليس الشيع هي كثرة الفرق والمذاهب المتناحرة والمتخاذلة.
ويقول تعالى عن مسخ الصور: (فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب).
وهذا المسخ حدث لبني إسرائيل، وكان مسخاً وتغييراً حقيقياً وتحويلاً من الصور الآدمية إلى صورة قردة وخنازير وهذا هو ظاهر النص القرآني.
أما مسخ القلوب فقد حصل للكثير من ذلك قارون وابن باعوراء، الذي قال الله فيه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلكم يتفكرون).
وعن إمطار الحجارة على قوم لوط قال تعالى: (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد).
ولقد أنذر الله الذين كذبوا برسوله (ص) من أن ينزل بهم ما نزل بتلك الأمم السابقة التي خرجت عن سنن الاستقامة وحدود الامتثال لأمر الله فقال تعالى: (... وعاد وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
وكانت الإشارة الأخرى إلى قارون وفرعون وهامان الذين جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض، فهؤلاء وأولئك قد كانوا أصحاب قوة ومال وغلبة وسلطان، ونالوا ملكاً وجاهاً فظنوا أن تلك عوامل بقاء وخلود وأسباب حصانة ومناعة فأتاهم الله بسبب ذنوبهم من حيث لم يحتسبوا. قال تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
فهذه مصارع بعض العتاة الطغاة على مدار التاريخ الذين بقوا عبرا ودروساً للإنسانية.
أما ما عوقب به الظالمون العرب بسبب تكذيبهم برسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كان يوم بدر الذي أخذ الله فيه رؤوس الكفر والشرك ونصر المسلمين عليهم وهم أذلة وهو نوع من أنواع عقوبات الأمم السابقة بل لعله أشد وأشقى لان تلك الأمم استؤصلت بالعذاب ثم الموت أما هم فلم يموتوا فيها كلية ولم يحيوا حياة طيبة.
وبقت سنة الله واحدة لا تتبدل تعامل بها القرون الحاضرة بمثل ما عملت بها القرون الذاهبة الخالية.




المصدر:سنن القران في قيام الحضارات وسقوطها .

خادم الباقرع
03-05-2009, 02:15 PM
اللهم يعطيك الف عافية

*llعاشقة الزهـراءll*
05-05-2009, 07:30 PM
سلمت الايااااادي مشرفناااا الغالي
في ميزااان اعمااالك
دمــــــــ بحب وولايه محمد وعترته الاطهاااااارـــــــــت