

أخضرأحبك أخضر .
نسيماً أخضر. وغصنا أخضر .
من بين الأراضي الزراعية التي يجتمع فيها الشجر والماء والزهو و الثمر , هناك
صيغة فريدة تختلف عن غيرها : البستان
فللبستان سمات خاصة وغامضة تجعله مختلفاً عن الحديقة وعن المزرعة, فهو صاحب (( شخصية )) لا نجدها
إلا في الشرق , من ساحل المتوسط وحتى آسيا الوسطى , حيث يشكل العنوان الثابت والدائم
للخير وهناء الحياة اليومية مع كل ما يمكن أن ينعكس من ذلك على الثقافة والفنون والاداب .
يحتل البستان مكانة الوسطي ما بين الحديقة المنزلية , والطبيعة الفطرية , جامعاً في الوقت
نفسه محاسن الاثنين , متفوقاً عليهما , بشخصيتة المستقلة والفريدة .

البستان في المخيلة الشرقية
للبستان في المخيلة الشرقية ملامح مرسومة . وبمجرد سماع كلمة ( بستان ) , تظهر أمام الإنسان
الشرقي صورة لمساحة أرض صغيرة متنوعة الأشجار ,يتجاذبها النسيم والنور . وأول شجرة يقع
عليها النظر ربما تكون شجرة البرتقال, فاذا التفت يساراً ترى شجرة التفاح . بعدها شجرة تين .
ثم إلى الطرف الأيمن عريشة عنب . وهناك شجرة صغيرة لم تكبر بعد , وخلفك شجرة صفصات
لم تلاحظها .... عالية كبيرة , تلقي بظلها على مقربة منك , واذا استوطنت مساحة الظل ستجد
بعض شتلات الورود المرتفعة .

ومن الذي زرع هذا البستان ؟؟
معظم البستاتين في الأرياف تنتقل من أب إلى ابن , وتشكل في الواقع أغلى ما يمكن أن يتضمنه
ميراث عائلة . وتزداد مكانة هذا الميراث إذا كان صاحب البستان هو نفسه فلاحه ومزارعه .

بين النبع والساقية
بعض البساتين لا يزال يقوم حول نبع ماء . ولكن بساتين كثيرة قامت في أوقات
مختلفة بعيداً عن الينابيع .
ولكن البساتين المتوسطية التي تحتاج إلى الري خلال أشهر الصيف , تدبرت أمرها ,
وبطريقة لا تقل شاعرية وجمالا عن شاعرية النبع وجمال : الساقية .
والساقية هي خندق لا يزيد عرضه على 40 سنتيمتراً وعمقه على 20 سنتيمتراً ,
ينطلق من النبع الأغزر في المنطقة ويتعرج حول بساتينها. وفي أيام الصيف الحارة ,
عندما يحتاج بستان ما إلى الرى , تطلق المياه في الساقية من النبع , وهناك تتلوى الساقية
لتعرج على كل الأشجار . ومن عاش تجربة الري بالساقية , لابد وأن تبقى في ذاكرته إلى
الأبد .

اسم البستان
ولكل بستان تقريباً اسم علم يميزه عن البساتين المجاورة . فلا بجد بستاناً اسمه بستان
الليمون , أو بستان التفاح , فالبستان يستحق أكثر من ذلك .
بعض البساتين يحمل اسم صاحبه , وغالبا مايكون اسم أحد أصحابه قديماً , وقد يعود
اسم البستان إلى حادثة معينة جرت فيه .

فدخلوا البستان فإذا هو بستان بابه مقنطر عليه كروم , وأعنابه مختلفة الألوان .
الأحمر كأنه ياقوت والأسود كأنه أبنوس , فدخلوا تحت عريشة , فوجدوا فيه
الأثمار صنوان , والأطيار تغرد بالألحان على الأغصان ... والهزار يترنم .
وبلبل وكيروان وقماري وحمام يغرد على الأغصان وأنهار بها الماء الجاري ,
والقمري ملأ بصوته المكان , والشحرور كأنه في تغريده إنسان ,

والأثمار قد أينعت أثمارها من كل مأكول ,
ومن كل فاكهة زوجان . والمشمش ما بين كافوري
ولوزي ومشمش خراسان .. والبرقوق كأنه لون الحسان , والقراصية تذهل عقل كل
إنسان , والتين مابين أحمر وأبيض و أخضر من أحسن الألوان , وفيه تفاح سكري ومسكي
يدهش الناظر , وفيه من الكثمري الطوري والحلبي والرومي ماهو مختلف الألوان
صنوان وغير صنوان ...والزهر كأنه اللؤلؤ والمرجان ,

والورد يفضح بحمرة خدود الحسان , والبنفسج كأنه الكبريت دنا من النيران ,
والآس والمنتور والخزامي مع شقائق النعمان , وتكالمت تلك الأوراق بمدامع الغمام ...
وضحك ثغر الأقحوان , وصار النرجس ناظراً إلى ورد بعيوان السودان , والأترج كأنه
أكواب , والليمون كبنادق من ذهب , وفرشت الأرض بالزهر من سائر الألوان , وأقبل
الربيع فأشرق ببهجته المكان , والنهر في خرير والطير في هدير و الريح في صفير ,
والطقس في اعتدال والنسيم في اعتلال ....

تعليق