[frame="5 80"]
مصادرة ملك الزهراء ( عليها السلام ) وتكذيبها
وإننا نعتقد بأن تكذيب الزهراء ( عليها السلام ) من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أن أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين ( عليه السلام ) قرأ جملة : دخلت زينب على ابن زياد وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنا نريد أن نؤدي حق هذه الجملة : دخلت زينب على ابن زياد وهذه مصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! ! مجرد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :
أولا : لقد كانت فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن رسول الله أعطى فاطمة فدكا ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة . وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .
أما من أهل السنة : فقد أخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت الآية ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكا .
وهذا الحديث أيضا مروي عن ابن عباس . تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدثين في الدر المنثور .
ومن رواته أيضا : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم . ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نص ابن تيمية في منهاج السنة على أنه خال من الموضوعات ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيمية خال من
الموضوعات ، فهؤلاء عدة من رواة هذا الخبر . وقد أقر بكون فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ، وأن فدكا كانت عطية منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكا .
فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر . فلماذا انتزعها ؟ وبأي وجه ؟ لنفرض أن أبا بكر كان جاهلا بأن الرسول أعطاها وملكها ووهبها فدكا ، فهلا كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
وثانيا : لو كان أبو بكر جاهلا بكون فدك ملكا لها ، فهل كان يجوز له أن يطالبها بالبينة على كونها مالكة لفدك ؟ إن هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنه كان له الحق في أن يطالبها البينة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإن علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر
مصادرة ملك الزهراء ( عليها السلام ) وتكذيبها
وإننا نعتقد بأن تكذيب الزهراء ( عليها السلام ) من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أن أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين ( عليه السلام ) قرأ جملة : دخلت زينب على ابن زياد وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنا نريد أن نؤدي حق هذه الجملة : دخلت زينب على ابن زياد وهذه مصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! ! مجرد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :
أولا : لقد كانت فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن رسول الله أعطى فاطمة فدكا ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة . وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .
أما من أهل السنة : فقد أخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت الآية ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكا .
وهذا الحديث أيضا مروي عن ابن عباس . تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدثين في الدر المنثور .
ومن رواته أيضا : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم . ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نص ابن تيمية في منهاج السنة على أنه خال من الموضوعات ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيمية خال من
الموضوعات ، فهؤلاء عدة من رواة هذا الخبر . وقد أقر بكون فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ، وأن فدكا كانت عطية منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكا .
فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر . فلماذا انتزعها ؟ وبأي وجه ؟ لنفرض أن أبا بكر كان جاهلا بأن الرسول أعطاها وملكها ووهبها فدكا ، فهلا كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
وثانيا : لو كان أبو بكر جاهلا بكون فدك ملكا لها ، فهل كان يجوز له أن يطالبها بالبينة على كونها مالكة لفدك ؟ إن هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنه كان له الحق في أن يطالبها البينة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإن علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر
يقولون : لعله كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد .
نقول : لكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل شهادة الواحد - وهو خزيمة ذو الشهادتين - وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد الله بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنه في جامع الأصول لابن الأثير : قضى بشهادة واحد وهو عبد الله بن عمر . أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد الله بن عمر في نظر النبي ؟
وثالثا : لو سلمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أن أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلا طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلا طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشاهد ويمين .
النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمال .
وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعله لم ير الحكم بشاهد ويمين.
نقول : فكان عليه حينئذ أن يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟ وهذا كله بغض النظر عن عصمة الزهراء ، بغض النظر عن عصمة علي ( عليه السلام ) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضية كقضية حقوقية يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية .
وأيضا ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضا أم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنها من أهل الجنة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن حجر . ثم نقول : سلمنا ، إن فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلمنا أن فدكا لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ، فلا ريب أن الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟ ! تنزلنا عن كونها بضعة رسول الله ، تنزلنا عن كونها معصومة ، لا
إشكال في أنها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماما لقضية الزهراء ، وقد رتب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدقه في دعواه . هذا كله بعد التنزل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن ، وبعد التنزل عن كون فدك ملكا لها في حياة النبي .
استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثم لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية : أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله الأنصاري : إنه لما جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثم حثوت لك ثم حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدم فخذ بعددها . فنقول : رسول الله يس في هذا العالم ، يدعي جابر أن رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إن رسول الله قال لي كذا ، ورتب أبو بكر الأثر على قوله وصدقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد . هذه هي القضية ، وتأملوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .
فلاحظوا ما يقوله شراح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أن يصدق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثم أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادعاه ، ولم يطلب منه بينة ، ولا يمينا ! ! لاحظوا ماذا يقولون ! ! يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأما تصديق أبي بكر جابرا في دعواه ، فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، فهو وعيد ، ولا يظن بأن مثله - مثل جابر - يقدم على هذا .
فإذا كنتم لا تظنون بجابر أن يقدم على هذا الشئ ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنون كونه صادقا في دعواه ، فهلا ظننتم هذا الظن بحق الزهراء - بعد التنزل عن كل ما هنالك كما كررنا - وقد فرضناها مجرد صحابية كسائر الصحابة ! ثم لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [ لو هذه وصلية ] جر ذلك نفعا لنفسه .
فالحديث يدل على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه ، وهلا فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأن رسول الله نحلني فدكا ، أعطاني فدكا ، ملكني فدكا ! !
ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت : إنما لم يلتمس شاهدا منه - أي من جابر - لأنه عدل بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ، فمثل جابر إن لم يكن من خير أمة فمن يكون ؟ وأما السنة فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمدا . . . لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلا عن صحابي أن يكذب على رسول الله متعمدا (1) .
فكيف نظن بجابر هكذا ؟
فكان يجوز لأبي بكر أن يصدق جابرا في دعواه ، فلم لم يصدق الزهراء في دعواها ؟
وهل كانت أقل من جابر ؟
ألم تكن من خير أمة أخرجت للناس ؟
أيظن بها أن تتعمد الكذب على رسول الله ؟
وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلا عن صحابي أن يكذب متعمدا على رسول الله ؟
أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصديقة الطاهرة سلام
الله عليها ، بعد التنزل عن كل ما هنالك ، وفرضها واحدا أو واحدة من الصحابة فقط ؟
ما الفرق ؟
لماذا يعطى جابر ؟
ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟
ولماذا لا يكذب جابر بل يصدق ويترتب الأثر على قوله بلا بينة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟
إذن ، هناك شئ آخر . . . إذن ، من وراء القضية - قضية الزهراء - شئ آخر . . . فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها . . . ثم جاءت مرة أخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لأن فدكا أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع ، وكل ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالإجماع ، وكل ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنه لوارثه من بعده بالإجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الإرث بالإجماع .
هذه مقدمات أربع ، وكلها مترتبة متسلسلة .
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - واللفظ للأول - إن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما
يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة .
وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيام ، وخطبتها سلام الله عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيام ، وهنا أيضا نسأل ونتسائل فنقول : كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكا للزهراء ، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أن الأنبياء لا يورثون مقبولا ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضية ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطرابا فاحشا ، وكان أوجه حل للقضية أن يقال بأن الخبر متواتر ، ولم
يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :
النقطة الأولى : كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتى أبو بكر لم يسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟
النقطة الثانية : كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهن من الإرث ! هلا قال لهن عثمان - في الأقل - إن رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلغه طلب الزوجات ؟
وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : إن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة ، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يورث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة ؟ .
النقطة الثالثة : إنه لو تنزلنا عن كل ذلك ، فإن دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لأنهم ينصون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجية خبر الواحد ، ومثلوا بهذا الخبر من جملة ما مثلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى : مختصر ابن الحاجب (1) ، والمحصول في علم الأصول (2) للفخر الرازي ، والمستصفى في علم الأصول (3) للغزالي ، والإحكام في أصول الأحكام (4) للآمدي ، وكشف الأسرار في شرح أصول البزدوي (5) للبخاري ، وغير هذه الكتب . مضافا إلى هذا ، هناك في الأحاديث أيضا شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلا : كتاب كنز العمال (6) .
وحتى المتكلمون أيضا يقرون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا : شرح المواقف ، (7) وشرح المقاصد (8) ، بل أقول في
(1) المختصر في علم الأصول 2 / 59 بشرح العضد .
(2) المحصول في علم الأصول 2 / 85 .
(3) المستصفى في علم الأصول 2 / 121 .
(4) الإحكام في أصول الأحكام 2 / 75 و 348 .
(5)كشف الأسرار 2 / 688 .
(6) كنز العمال 12 / 605 ح 14071 .
(7) شرح المواقف 8 / 355 .
(8) شرح المقاصد 5 / 278 ( * ) .
النقطة الرابعة : إن أبا بكر أيضا ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنه منفرد به ، بل إن هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعا عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضية لم يكن عنده جواب ، حتى بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش ، إنه يقول : هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان . وهو الراوي للقصة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 ه الذي ألف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتهم مالك بن أوس بالكذب .
فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كل كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .
لاحظوا كيف يتهجم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه ، فإنه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة
والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [ وكأن الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم ! ! ] فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزين ومشغرى .
هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزين ومشغرى ! ! فظهر أن هذه القضية - قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت - من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإن الفؤاد ليقطر دما عندما يكتب الإنسان الحر الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أريد أن أسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .
[/frame]
تعليق