جنة الولاية
قال تعالى : ﴿ ان الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين ﴾ . الحديث في الولاء وفي خطوات نحو الولاء الحقيقي وقبل ان أتحدث عن معنى النعيم أشير إلى وقفتين :
الوقفة الأولى : ﴿ ان الله لا يحب كل مختال فخور ﴾ هناك اناس يعيشون حياتهم دائما في مستوى الخيالات والانسان أول ما يخرج من بطن أمه لا يعلم شيء ﴿ وهو الذي اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة ﴾ ثم بعد ذلك تتشكل عنده معلومات حسية ثم تتطور عنده ادراكات خيالية البعض من الناس يبقى يعيش في مستوى الخيال والبعض من الناس يسعون نحو تفجير القوى الكامنة .
وجه الاستدلال بالآية ﴿ ان الله لا يحب كل مختال فخور ﴾ ان المختال هو المتكبر واصل الاختيال من خال ( حسب وظن وتوهم ) ويقال للسحابة مختالة إذا حسبت ان السحابة ممتلئة وستمطر . وهذا المختال نطبقه على أحد المصاديق وهو المتكبر الذي يظن انه كبير ويخيل اليه .
الوقفة الثانية : في الحديث عن محبوبات الانسان في بداية حياته تكون عنده محبوبات كثيرة معبثرة وكل واحده تقول أنا ربكم الأعلى فيتجاذبون من كل جهة لذلك يعيش حالات من الاضطراب فمتى يطمئن .؟ إذا لم هذا الشتات والتبعثر ويلم شعث الانسان عندما يكون همه هم واحدا كما ورد في دعاء كميل ( حتى تكون اعمالي واورادي كلها وردا واحدا وحالي في خدمتك سرمدا ) فياترى ما هو هذا الهم ؟
الهم هو الله والعلاقة مع الله وهذه العلاقة لا تتم الا بالارتباط الوثيق بالولي والولي هو اسم من أسماء الله وهم محمد وآل محمد (ص) والأنبياء (ع) والأولياء الأمثل فالأمثل وهذه العلاقة لا يمكن للانسان ان ينفك عنها الى اخر الطريق لأنهم وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء وهم باب الله الذي لا يؤتى إلا منه لذا نقول في الزيارات ( السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتى الا منه ) ونقول ( السلام عليك يا سبيل الله الذي من سلك غيره هلك ) .
فمن اراد ان يتعرف على الله يبدأ بمعرفتهم ومن يحصل على محبة لله في قلبه يروض هذا القلب وينقي قلبه من محبة الأغيار ويوجه وجهه ويتأمل في صفاتهم فانه يحصل على محبتهم .
ومحبة آل البيت (ع) تجلي وتهيئ القلب حتى يكون لائق بمحبة الله .
الآيه ﴿ قل الله ثم ذرهم ﴾ لا نقصد ثم ذر أهل البيت (ع) وإنما يقصد بها ﴿ قل الله ﴾ هم اتباع الله ومن تحبه في الله ( اهل البيت ) ثم ذرهم أي تلك المحبوبات الوهمية ( النفس ، الأهل ، المال ) فمتي يترك الإنسان هذه المحبوبات ؟
يتركها اذا كانت في حال اللهو واللعب ولم تكن في سبيل الله .
أما اذا كانت هذه المحبوبات : حب الأهل من اجل الله وحب الاهل كان انساني وليس حب حيواني فهو ايضا مطلوب الى آخر الطريق .
الآن نعود للآيه ﴿ ان الذين لا يرجون لقاءنا ... ﴾ فالآيات توضح ان هناك قسمين من الناس لهم مواصفات وخصائص وهذه الآيات تصف عاقبة كلا من الفريقين .
الفريق الأول : ﴿ ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا ﴾ هؤلاء لا يرجون لقاء الله وأهل الله لأنهم رضوا بالحياة الدنيا أي رضوا بالدناءة ، يقول الشيخ جوادي آملي لماذا ( لا يرجون لقاءنا في حياتهم ) وما معنى لا يرجون لقاءنا ؟
الرجاء فيه نحو من ترقب شيء مرغوب في المستقبل مع العمل وهؤلاء لا يعلمون ،هؤلاء فقط تفكيرهم في ماذا سنأكل ، ماذا سنخطط لمستقبل أولادنا كلها لا تنصب في رجاء القرب من الله وفي لقاء الله .
الفريق الثاني :هم من يرجون لقاء الله وهم بعكس الفريق الأول الذي ينصب تفكيرهم وهمهم كيف و بأي وجه يلقون الله ؟ انظروا إلى الإمام الحسين (ع) عندما يقول لأصحابه ( أنتم في حل من بيعتي ) يقولون كيف نلقي رسول الله وبأي وجه نلقى الرسول (ص) ؟ فهمهم ان عندهم وجه سوف يلقي الله و يريدون ان يلقونه بوجه حسن .
فلماذا الفريق الأول لا يرجون لقاء الله لاتهم ( الذين هم عن غافلون ) ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾
فالشيعة عندهم شوق شديد للقاء الله وأسمائه وهم محمد وال محمد (ص) لذا يقولون في زيارة الإمام الحسين (ع) : (ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم ..)
يعيشون ويتمنون في كل لحظة ان يرو محمد وال محمد لأنهم أسماء الله وأسماء الله من ما هو :
أسماء جمالية ورحمانية ومنها ما هو أسماء جلالية وقهرية فأي الأسماء سيلقى هذا الإنسان ؟
﴿يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ﴾ فالإنسان لابد له من لقاء الله ﴿ فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وأما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ﴾
ثم تذكر الآيات التي تلوناها من سورة يونس (يهديهم ) فهذه الهداية هداية خاصة وعناية من الله فإذا انتخب الإنسان الطريق وقال أنا أريد محمد وآل محمد ، أريد أن اعرفهم أريد ان أواليهم فقط قل اريد واعمل في هذا الطريق الذي أشرنا اليه ، في هذا الطريق الذي اشرنا اليه في الخطوات الأولى في الولاء فالله ربك أنت وهو الذي يهديك .
( يهديهم ربهم ) فيها إشارات لطيفة إلى ربوبية عناية خاصة فالله يأخذ بيدك ويركبك في سيارات خاصة ( لله جنود السماوات والأرض ) ليوصلونك إلى الله ، كيف من ( تقدم الي شبرا تقدمت له ذراعا ) فيأخذك الله من هذا العالم ويذهب بك إلى عالم لا يخطر على قلبك ( ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ) فهذا الكلام السابق مقدمة لموضوع اليوم.
لو أردنا ان نبين خصائص الركب الحسيني ونعيم الولاية وذلك من خلال سورة التكاثر قال تعالى ﴿ الهاكم التكاثر ...... ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ﴾
ما هو النعيم ؟
كلما ذكر النعيم في القرآن فالمراد به ولاية اهل البيت(ع) والولاية الإلهية في الآيات التي في سورة يونس لها ارتباط بسورة التكاثر الفريق الثاني ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ) لم يقل تجري من تحتها الأنهار ولكن قال هم تجري من تحتهم الأنهار هم يفجرونها تفجيرا هؤلاء الذين يرجون لقاء الله هؤلاء هم أصحاب جنة النعيم
ما هي جنة النعيم ؟
هي جنة ولاية أهل البيت (ع) وجنة ولاية الله ( من ولاكم فقد والى الله ومن عادكم فقد عاد الله ) ولاية أهل البيت هي ولاية الله ﴿ ثم لتسئلن عن النعيم ﴾ في الروايات المقصود تسئلون عن ولا يتنا أهل البيت فهي المسؤل عنها يوم القيامة وهي المسؤولية العظمى التي يتعلمها كل إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة لماذا ولاية أهل البيت نعيم ؟
( إنها مظهر رحمة الله . وهناك مثال في تربية موسى ( ع ) بين يدي نبي الله شعيب فقد زوجه إحدى ابنتيه على أن يرعى أغنامه وان ...
وفي احد الأيام كان النبي موسى ( ع ) يرعى أغنام النبي شعيب ( ع ) في الصحراء ففرت إحدى الأغنام وهي أمانة عنده فأخذ نبي الله موسى يسعى خلفها ويبحث عنها فلما وجدها احتضنها ومسح عليها فجاء النداء أتعلم يا موسى لم اخترتك لولايتي ؟ لأنك لم تعنفها .
وهكذا أهل البيت ( ع ) هم الذين يبحثون عنا .
النبي محمد ( ص ) عندما نرتكب ذنب نخجل من الله لكن يقول هو(ص) لله : يا رب بوجاهتي عندك لي عندك طلب وهو ان لا تحاسب امتي امام الناس ودعني احسابهم بيني وبينك قال الله : يا محمد تظن انك ارحم بالأمة مني فحتى انت لا اتركك تطلع على ذنوبهم واخطائهم فأنا احسابهم ولا اتركك تطلع على ذلك .
فاذا كان ربنا هكذا فولايته واقعا ولاية نعيم
﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ﴾ فلو رأينا هذا النعيم لما بدلنا له بدل ولما اتخذنا عنه عوض .
فزينب (ع) رأت هذا النعيم بكل وجودها فيحق لها أن تذوب فيه وان تحميه .
زينب (ع) لم تخرج لكربلاء وهي لا تعلم بما سيجري عليها فأصبحت زينب آية ومرآة لنعيم محمد وآل محمد فزينب تعلم ان هذه الامة لكي تنعم بولاية الله لابد لها ان تخرج وان تطوي الصحاري وان تكون تحت قيد الاعداء وفي اسر الاعداء وبذلك زينب خرجت طائعة مختارة .
تعليق