روزبه .... هذا هو الصحابي والا فلا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    روزبه .... هذا هو الصحابي والا فلا

    [frame="13 10"]
    إسمه روزبه، ثمّ سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد إسلامه «سلمان».
    كنيته: أبو عبدالله، وأبو الحسن، وأبو إسحاق.
    ولادته مجهولة، ولم يحدّثنا التاريخ عنها، وقد تعدّدت الروايات حول مكان ولادته منها رامهرمز من بلاد فارس، وقيل في شيراز، وقيل في قرية جي مِن قرى أصفهان، وقيل في كازرون.
    عمّر سلمان ثلثمائة وخمسين سنة وأقلّ الأقوال مائتان وخمسون سنة وقيل بلغ أربعمائة سنة وتوفّي في العراق بالمدائن سنة 34 - وقيل 35 - وقيل 36 هـ ودفن بها.
    كان أبوه من الدهاقنة الذين يملكون القرى والمزارع، بالإضافة إلى أنّه سيّد قومه.
    كان آخر أوصياء عيسى بن مريم (عليه السلام).
    قرأ الكتب المقدّسة، التورارة والانجيل قبل أن يهتدي إلى الإسلام ثمّ قرأ القرآن الكريم.
    تداوله بضعة عشر رباً من يوم خروجه من عموره حتّى وصوله يثرب وإسلامه، وعتقه.
    تعلّم في المدينة المنوّرة سف الخوص لعمل القفاف، وفرش الحصر، وبيعه ليأكل من ثمنه ويتصدّق بالفائض وحتّى أيّام إمارته على المدائن إلى حين وفاته.
    عُيّن أميراً ووالياً على المدان من قبل الخليفة عمر بن الخطّاب.
    كان عطاؤه خمسة آلاف درهم، وكان يتصدّق به على المستحقّين ويأكل من كدّ يمينه وعرق جبينه.
    لم يكن له بيت يسكن فيه، إنّما كان يستظلّ بظلال الجدار والشجر حتّى أقنعه بعض أصحابه فبنى له بيتاً، إن قام أصاب رأسه سقفه وإن مدّ رجليه أصاب الجدار، من ضيقه، وصغره.
    زهد في الدنيا زهد الراحل عنها، وعزف عنها عزوف الآيس منها. وكان خيِّراً، فاضلاً، صَبْراً عالماً، زاهداً متقشّفاً([1]) وكانت له عباءة يفرش بعضها، ويلبس بعضها، وكان يحبّ الفقراء، والمساكين ويؤثرهم على الأغنياء وأهل الجاه، والمنصب والثراء.
    كان عنده الإسم الأعظم، وكان من المتوسّمين، وصاحب الدرجة العاشرة من الإيمان وهي أعلى الدرجات وكان يحبّ العلم والعلماء.
    روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كان عبداً صالحاً، حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين، وما دان بالمجوسيّة، ولا عبد النار، ولا صلّى للشمس قط.
    كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبّه كثيراً ويقرّبه إليه لإيمانه وعلمه وإخلاصه، ويوماً أغلظ عليه أحد الأعراب،
    فغضب (صلى الله عليه وآله) وقال: لا تغلظ في سلمان فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن اُطلِعهُ على عِلم البلايا والمنايا والأنساب، وفصل الخطاب، وقد أدرك العلم الأوّل وعلم الآخر وهو بحر لا ينزف، كما أخبر هو عن نفسه، عن مصارع الشهداء من أهل البيت في طفّ كربلاء وعن هدم الكعبة وهتك حرمتها، وعن الخوارج ومعركة النهروان وما يجري عليهم.
    شرّفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بان جعله منه - فقال: «سلمان منّا أهل البيت».
    آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين سلمان وأبي ذر وشرط عليه أن لا يعصي سلمان.
    وُلد روزبه([2]) بن بدخشان أو] حشنودان [بن موسلان بن فيروز بن مهران من ولد منوچهر ملك
    الأكاسرة في بلدة «رامهرمز»([3]) ودرج في بيت لم تخمد ناره، ولم يخب فيه أواره، وترعرع بين قوم سجدوا للنار الملتهبة، والشمس المشرقة أحياناً.
    درج في بيت رفيع المستوى محاط بالخدم والحشم واُبّهة الملك وكان أبو من الأساورة([4])، ودهاقينها([5]).
    ترعرع هذا الصبي وفطن وهو غير مقتنع بعبادة أسلافه ولا يؤمن بطقوسهم، وكان في حيرة وشكّ من أمر دينه، وكان يخشى الافصاح عن شكّه خوفاً من غضب أبويه وسطوة السلطان ومجتمعه، وكان
    روزبه موحّداً في ذاته يصلّي لله على فطرته، متّجهاً نحو الشرق وما سجد لنار ولا لشمس، وكان أبواه يظنّان إنّما يتّجه بعبادته نحو
    المشرق إنّما يسجد لمطلع الشمس مثلهم، وكانوا يتغاضون النظر عن إعراضه عن بعض الطقوس، وبعض التصرّفات التي تخالف دينهم ومعتقداتهم.
    ذكر المحدِّثون والمؤرّخون الكثير عن كيفيّة إسلام روزبه «سلمان» وكيفيّة خروجه من بلده ووصوله إلى يثرب «المدينة المنوّرة» وإلتقاءه بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)وإسلامه وعتقه بطرق مختلفة بعضها متباينة، وبعضها متقاربة، ولكنّها تصب في هدف واحد، وقد لخّصت أقرب الطرق إلى الواقع، وكان منهم كمال الدين في مرويّاته، وابن أبي الحديد في شرح النهج، وابن الأثير في أسد الغابة، والحاكم النيسابوري في المختصر، وغيرهم من المحدِّثين والمؤرّخين تجدها منتشرة في أُمّهات المصادر ذكر بعضها الشيخ محمّد جواد الفقيه في سلسلة الأركان الأربعة ج2.
    كان روزبه من أحبّ الناس إلى أبيه، وكان موضع عنايته، ومحلّ عطفه ويروى أنّ أباه أرسله يوماً إلى ضيعة
    له، فمرّ بكنيسة للنصارى، وسمع أصوات صلواتهم فدخلها وكانوا في حالة أداء طقوسهم، فأعجب بصلواتهم لا إله إلاّ الله عيسى روح الله محمّد حبيب الله، وقال في نفسه إنّ دين هؤلاء خيرٌ من دين آبائي وأهلي قال: فبقيت عندهم إستمع إلى تراتيلهم المشجية وما برحتُ حتّى غابت الشمس، والآن يحدّثنا «روزبه - سلمان» عن نفسه فيقول:
    سألت رئيس الكهنة ورهبان الدير، أين يكون مركز هذا الدين فقال في الشام:
    فعدت إلى داري مساءً لأجد والدي في غاية القلق وشدّة الاضطراب ولمّا رآني بادرني بنبرة حادّة فيها شيء من الغضب أين كنت؟ لقد بعثت رسلاً يبحثون عنك؟ قلت له إنّي مررت بطريقي على «دير للنصارى» فوجدتهم يصلّون في كنيستهم فأعجبني ما رأيت من أمرهم، ومن صلواتهم، وعلمت أنّ دينهم خيرٌ من ديننا...»، فدهش أبي ولم يصدّق ما سمعه منّي وكأنّ
    الصواعق نزلت على رأسه لكنّه تمالك نفسه، وغضبه، وخاطبني بأسلوب عاطفي هاديء لعلِّي أرجع عن فكرتي واعتقادي.
    فقال: يا بني، دينك ودين آباءك خيرٌ من دينهم، ولكنّي قاطعته بكلّ جرأة «كلاّ... والله» وحاول بكلّ الطرق أن يردّني عن إعتقادي فلم يفلح - وحينما أيقن عدم جدوى المحاولة، عمد إلى إستخدام الشدّة والقسوة والحرمان لتأديبي وردعي، فوضع القيود في رجلي، وحبسني في غرفة من الدار([6]) عقاباً لي وخوفاً من هروبي.
    بقيت في السجن مصفّداً برهةً من الزمن حتّى كاد اليأس يتسرّب إلى نفسي واظلمّت الدّنيا في عيني، وأنا أتضرّع لخالقي أن ينجّيني ممّا أنا فيه، وأخيراً إهتديت إلى فكرة أن أرسل من أثق به ويحنو عليَّ إلى راهب الكنيسة
    الذي تعرّفت عليه، ليطلب منه ويُعلِمَه عن لساني إنّي اعجبت بدينكم، واطلب منكم نجاتي بأن تعلموني بتحرّك أوّل قافلة تريد الشام حتّى أكون معهم. ولمّا علمت بموعد سفر القافلة هيّئت نفسي، وتحايلت في فكّ قيودي، وخروجي من حبسي، ثمّ التحت بالقافلة، متنكّراً متخفّياً، وقلت أنّي مهاجر إلى ربّي فهو يهديني.
    وبدأت بالرحلة الطويلة الشاقّة، وخرجت ونجوت من حدود سلطان أبوي وتركتهما يعظّان أصابع الندم على ما فرّطا في حقّي وفقدانهم إيّاي.
    ومرّت الأيّام والليالي ونحن جادّون في السير ضمن القافلة، حتّى أشرفنا على مرابع الشام، ولمّا حطّت القافلة رحلها في ميدان الشام راح كلّ واحد منهم إلى شأن من شؤونه، وبقيت أنا وحدي أُعاني الغربة والوحدة - فقلت بلسان حالي كما قال موسى بن عمران، ربّي إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، وسألت الناس من حولي أن يدلّوني على أسقف أهل الشام وكبيرهم فأشاروا إلى قمّة
    جبل وقالوا تجده في ذلك الدير الذي هو على رأس الجبل، فاقتفيت الأثر وصعدت الجبل حتّى وصلت إلى الدير، وبمجرّد دخولي الدير وقربي من الأسقف قلت بصوت يسمعني لا إله إلاّ الله، عيسى روح الله، محمّد حبيب الله. فانفلت من صلاته وقال من أنت وما تريد؟ رويت له قصّتي وكان بحقّ روحانيّاً وقطعة من نور ومن أوصياء عيسى بن مريم (عليه السلام) وطلبت منه الموافقة على خدمته والتعلّم منه، فرحّب بي وقال إصعد إليَّ وقرّبني منه فصرت اخدمه وأتعلّم منه حتّى صرت من خواصّه، والمقرّبين إليه وبقيت على ذلك برهة من الزمن، حتّى حضرته الوفاة، فبكيت عنده فالتفت إليّ وقال ما يبكيك يا بني؟ قلت إلى من تخلفني وتوصي بي بعدك؟ فقال قد هلك الناس وتركوا دينهم إلاّ رجلاً بالموصل فالتحق به، وفي رواية: قال: دفع لي بعض الألواح وقال ابلغه عنّي التحيّة والسلام وسلّمه هذه الألواح قال: فلمّا قضى نحبه غسّلته وكفنته وصلّيت عليه ودفنته، ثمّ تركت الشام
    قاصداً الموصل والألواح معي، فلمّا أتيت صاحب الموصل، أخبرته بعهد صاحبه إليه وسلّمته الألواح والتحقت به فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم وكان على مثل ما كان عليه صاحبه، وصار وصيّاً من أوصياء عيسى بن مريم (عليه السلام) ثمّ حضرته الوفاة فقلت له إلى من توصي بي؟ فقال والله يا بني ما أعلم أحداً على أمرنا مستقيماً إلاّ رجل بنصيبين فالتحق به فكان على مثل ما كان عليه صاحباه، فأخبرته خبري، وأقمت معه في الدير([7]) ما شاء الله أن أقيم، فلمّا حضرته الوفاة قلت له: أنّ فلاناً كان أوصى بي إليك فإلى من توصي بي؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحداً من الناس على ما نحن عليه إلاّ رجل بعموريه من أرض الروم فإن استطعت أن تلحق به فالحق فلمّا توفّي جهّزته ودفنته، وتركت نصيبين والتحقت بعمورية من أرض الروم - فأتيته والتحقت به وكان آخر وصيٍّ من أوصياء
    حواري عيسى (عليه السلام) وأخبرته خبري وسلّمته الألواح وخبر من أوصى به إليه فقال: نعم أقم، فأقمت عنده وخدمته ودرست عنده فوجدته على مثل ما كان عليه أصحابه، فمكثت عنده ما شاء الله أن أمكث... ثمّ حضرته الوفاة فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني والله ما أعلم أنّه أصبح في الأرض أحد على مثل ما كنّا عليه حتّى آمرك أن تأتيته وتلتحق به وقد ترك الناس دينهم ولكن أعلمك قد أطلّ زمان نبيّ يبعث بدين إبراهيم الحنيفي، يخرج في أرض العرب مهاجراً إلى أرض وقرارة ذات نخل بين حرّتين، قلت فما علامته؟ قال أنّ به آيات لا تخفى، وإنّه لا يأكل الصدقة، ويأكل الهديّة، وأنّ بين كتفيه خاتم النبوّة إذا رأيته عرفته، وهو صاحبك الذي تطلب (يروى إنّ الألواح - أو اللوح - بقى معه ينقله من وصي إلى وصي، منذ أن دفعها إليه صاحب الشام. ولم يخبرنا التاريخ هل أنّه سلّمها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أسلم على يديه أم لا؟ الله العالم).
    تابع «روزبه» حديثه قائلاً: فلمّا فرغت من تجهيزه ودفنه رجعت إلى الدير وحدي أكفكف دموعي بيدي، عندها سمعت هاتفاً يهتف بي «يا روزبه أنت وصيٌّ من أوصياء عيسى بن مريم»، فتذكّرت فحوى الكتاب الذي قرأته في صباى والذي كان معلّقاً في غرفة والدي محلّ عبادته، وربطت الأمور التي مرّت عليَّ بعضها البعض (كشريط ذكرياتي) وأنا في صومعتي بعموريّة وحيداً غريباً، حتّى علمت بقافلة من الأعراب «من بني كلاب» تريد العودة إل الجزيرة العربيّة، «ويثرب بالذات» فعرضت خدمتي لهم مقابل أن يكفّوني الطعام والشراب في الطريق، فخرجت معهم فلمّا بلغوا بي وادي القرى وفي رواية: فقلت لهم، تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إيّاها وحملوني، حتّى جاؤوا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني عبداً إلى رجل يهودي بوادي القرى بثلاثمائة درهم، فأصبحت عبداً مملوكاً ورقّاً لا أملك من أمري
    شيئاً، وقد تداولني بضعة عشر ربّاً ابتاعني فانتقل معه من ربٍّ إلى ربّ، أحرث مزارعهم وأسقيها وأُؤبِّر لهم نخلهم. فبينما أنا كذلك إذ قدم ابن عمّ لسيّدي من يهود بني قريظة فابتاعني منه وحملني معه إلى يثرب، والله ما إن رأيتها حتّى عرفتها، فجاشت في نفسي الخواطر والأماني وهيجت في نفسي كمائن الشوق والأمل الذي كان يجيش في أعماقي، ولم تشغلني العبوديّة الأثمية عن تسنّم الأخبار عن النبي المرتقب والرسول المنتظر وأصبح كياني كلّه آذاناً صاغية بكلّ ما يمت إلى النبوّة والبعث بصلة.
    ثمّ بعث الله تبارك وتعالى نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله) بمكّة ولاعِلم لي بشيء من أمره، فبينما أنا في رأس نخلة أقطع تمرها إذ أقبل ابن عمّ لسيّدي وقال: قاتل الله بني قيلة([8])، قد اجتمعوا على رجل بقبا قدم عليهم من مكّة يزعمون أنّه نبيّ، قال: فانتفضت من مكاني وأخذتني رعدة
    ونزلت من النخلة، وجعلت أستفسر واستقصي الأخبار لعلّي أحصل على امنيتي وأسألهم عنه فما أجابني منهم أحد بل قال سيّدي، أقبل على عملك وشأنك ودع ما لا يعنيك.
    فلمّا أمسيت أخذت شيئاً كان عندي من التمر وأتيت به إلى النبي وهو جالس بين أصحابه فقلت له: بلغني إنّك رجل صالح وإنّ لك أصحاباً غرباء ذو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحقّ به من غيركم، فقال (صلى الله عليه وآله) لاِصحابه كلوا وأمسك هو والنفر من بني هاشم فلم يأكلوا معهم، فقلت في نفسي هذه واحدة من العلالمات وانصرفت، فلمّا كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي من التمر وأتيته بطبق فقلت له إنّي رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هديّة. فقال (صلى الله عليه وآله) لاِصحابه كلوا ومدّ يده وأكل معهم، فقلت في نفسي هذه العلامة الثانية، وما كان يعلم سروري إلاّ الله سبحانه.
    ثمّ جئته بعد أيّام وهو ببقيع الغرقد يشيّع جنازة
    رجل من أصحابه وكانت عليه شملتان، وهو جالس بين أصحابه فسلّمت عليه ثمّ استدرت خلف ظهره أنظر هل أرى شيئاً من خاتم النبوّة الذي وصفه لي صاحبي بعموريّة؟ فلمّا رآني (صلى الله عليه وآله) استدبرته أبحث عن شيء في ظهره عَلِمَ قصدي فأرخى رداءه عن ظهره الشريف بهدوء فنظرت إلى خاتم النبوّة فما تمالكت نفسي حتّى كببت على قدميه أقبّلهما وأبكي بكاء الطفل في حضن أمّه، وأنطق بالشهادتين، وأقول: آمنت بالله وبنبوّتك، آمنت برسالتك، أنت رسول الله، أنت خاتم الأنبياء، أنت البشير النذير، أنت السراج المنير، أنت سيّد العالمين، فخشع قلبي، واستقرّت نفسي، وآمنت به إيمان الأولياء البررة.
    قال: فرفع رأسي من حضنه وقال مالك؟ فقصصت عليه قصّتي وهو العليم الُمخبر بكلّ ما جرى عليَّ، وأسلمت على يده، ثمّ قال إسمك روزبه والآن أسميتك «سلمان»، كاتب صاحبك، فسألت صاحبي ذلك ولم أزل
    به حتّى كاتبني على أن أحي له ثلثمائة نخلة مثمرة نصفها حمراء والنصف الآخر صفراء، وأربعين أوقية ورق([9])، فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال (صلى الله عليه وآله)للأنصار أعينوا أخاكم، فجمعوا لي ثلثمائة من فسيل النخل، وأمرني رسول الله أن أفقر الفسيل([10]) وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)وغرس النخل بيده الشريفة وسقاها بالماء، وما بلغ آخرهُ حتّى لحق بعضه بعضاً وأطعم النخل كلّه، إلاّ نخلة واحدة غرسها عمر، فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غرسها؟ قيل له عمر. فاقتلعها وغرسها بيده فاطعمت لوقتها وأثمرت([11])، وأتاه مال من بعض غزواته، فأعطى منه ما يكفي الديّة وقال أدِّ كتابك فأدّيت كلّ ما اشترط عليَّ اليهودي فأعتقني، وكان قد تداولني بضعة عشر سيّداً ابتداء من
    خروجي من عموريّة حتّى وصولي يثرب.
    هناك روايات كثيرة بطرق متعدّدة عن كيفيّة خروج سلمان من بلده هارباً بدينه، ومن عذاب أبويه وسجنهم له بعد أن عرفا باعتناقه الدين الجديد وخروجه من دين آبائه.
    وقد ذكر العلاّمة الذهبي في الجزء الأوّل من سير أعلام النبلاء ص505 طـ مؤسّسة الرسالة - بيروت طرق متعدّدة تغني المحقّق عن غيرها فراجع. أعرض عنها روماً للاختصار، ولكن لابدّ لي أن أُبيّن بعض الروايات المؤكّدة من قبل فطاحل المحدِّثين والمؤرّخين فاخترت منها ملخّصاً وبأسلوب قصصي مع بعض التصرّف في العبارة دون المساس بالأصل.
    قال سلمان ما معناه: كنّا جلوساً في حضرة أمير المؤمنين(عليه السلام) فسألني عن مبدأ أمري:
    قال: كنت أحد أبناء سراة([12]) شيراز وأحد أبرز دهاقنتها([13])، وكنت عزيزاً على والديّ مدلّلاً، فبينا أنا خارج مع والديّ في عيد لهم، إذ مررنا بصومعة للنصارى وسمعت من يقرأ بصوت مسموع في صلواته ويقول بهذه الشهادة: لا إله إلاّ الله، عيسى روح الله، محمّد حبيب الله، فرسخ حبّ محمّد (صلى الله عليه وآله) في قلبي ودمي وعروقي، فلم يهنئني بعدها طعام ولا شراب فالتفتت أُمّي لذلك وقالت ما لي أراك متغيّراً منذ أن مررنا بالدير؟ فسكت ولم أجبها، ومرّت الأيّام وحالتي تزداد سوءاً، دخلت يوماً إلى غرفة والدي الذي كان يتعبّد فيها، وإذا أرى كتاباً معلّقاً في محراب عبادته، فقلت لأُمّي ما هذا الكتاب فحذّرتني وقالت روزبه إيّاك أن تقرب هذا المكان فإنّك إن قربت ولمست الكتاب قتلك أبوك، قال فتجاهلتها: حتّى جنّ
    الليل ونام أبي واُمّي فقمت متسلّلاً فأخذت الكتاب وقرأته وإذا مكتوبٌ فيه:
    بِسم الله الرَّحمن الرحيم: هذا عهدٌ من الله إلى آدم أنّه خلق من صلبه نبيّاً يقال له محمّدٌ يأمر بمكارم الأخلاق وينهي عن عبادة الأوثان «يا روزبه» إئت وصي عيسى بن مريم، فآمن به وأترك «المجوسيّة» قال فصعقت صعقة زادتني شدّةً وحيرةً، فعلم أبي واُمّي بالأمر فأخذاني وعذّباني وشدّا وثاقي وقيّدا رِجلَيَّ بالحديد، وجعلوني في بئر عميق وقالا لي أن لم ترجع عن هذا الدين قتلناك، فقلت لهما إفعلا بي ما شئتما فإنّ حبّ محمد لا يخرج من قلبي، وبقيت في الجُبِّ مدّة غير قصيرة ثمّ دعوت الله سبحانه وتعالى وأقسمت عليه بمحمّد وآله إلاّ ما نجّاني من هذا الأسر، وقيّض الله سبحانه لي من يخلّصني من الأسر وفكّ القيود، وألحقني بالركب والقافلة التي تريد الشام، والقافلة تجد السير حتّى أفلتْ من سلطة والديّ، ولمّا وصلنا الشام ودخلنا البلدة، وحطّ الركب
    رحاله ليستريح من وعثاء السفر المضني، انصرف كلٌّ منهم إلى شؤونه إلاّ أنّي لم يقرّ لي قرار أبحث وأستفسر عن مكان رئيس الأساقفة وكهنتها فارشدوني إلى الدير الذي يقيم ويتعبّد فيه وهو واقع على قمّة إحدى الجبال المطلّة على دمشق الشام، فلمّا انتهيت إلى باب الصومعة، ودخلتها نطقت بالشهادة وهي لا إله إلاّ الله، عيسى روح الله، محمّدٌ حبيب الله. هزّت الأسقف هذه الشهادة وانفتل من صلواته لينظر من المتشهّد فما أن رآني حتّى اندفع نحوي متسائلاً من أنت؟ ومن الذي جاء بك؟ وماتريد، حكيت له قصّتي، وأخيراً قلت له أنا رجل من أهل فارس أطلب العمل والعلم وأتعلّمه، فضمّني إليك أخدمك وأصحبك حتّى تعلّمني شيئاً ممّا علّمك الله؟ قال الأسقف: نعم إصعد إلى صومعتي فبقيت معه أخدمه وأتعلّم منه ما شاء الله حتّى أصحبت من أقرب الناس إليه وأوثقهم عنده، إلى أن حضرته الوفاة، بكيت عندها، قال الأسقف ما يبكيك يا بني؟ فقلت إلى من تخلفني
    وتوصي بي فقال والله يا بني ما أعلم في الأرض أحد على مثل ما كنّا عليه حتّى آمرك أن تأتيه، ولا أحدٌ يقول مقالتي إلاّ رجل في أنطاكية فاذهب والتحق به وأقرأه منّي السلام. وإدفع إليه هذا اللوح، فناولني لوحاً محفوظاً فلمّا مات الأسقف قمت بتجهيزه ودفنه، وتركت الشام إلى أنطاكية([14])، فالتحقت براهبها، حتّى حان حين وفاته فأوصاني أن ألتحق برئيس أساقفة الاسكندريّة واللوح معي فوجدته على مثل ما كان عليه أصحابه. وحينما حضرته الوفاة، قلت له: إلى من تخلفني وتوصي بي كما أوصاك بي قبلك؟ قال: والله يا بني ما أعلم على وجه الأرض أحداً على مثل ما كنّا عليه ويقول مقالتي ولو كان لأرشدتك إليه وأوصيته بك، والآن حان موعد خروج رسول في الجزيرة العربيّة يدين بدين إبراهيم (عليه السلام) الحنيفيّة فالتحق به وسلِّم عليه إن استطعت إلى ذلك سبيلاً وهو
    صاحبك الذي تطلب.
    هذه القصّة الثانية في رحلة
    الصحابي الجليل «سلمان المحمّدي» بصورة مغايرة عن الاُولى ولكن النتيجة واحدة. وعلى أيّ حال فإنّ سلمان وصل إلى هدفه الذي ضحّى بكلّ شيء من أجله، وأسلم على يد الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) وصار من حواريه وكبار أصحابه (صلى الله عليه وآله).
    بقي عندنا لغز واحد وهم الرهبان أوالأساقفة الذين مررنا بهم في القصّتين سواءاً كانوا ثلاثة أو أربعة، والذين كانوا يوصون بروزبه قبل موتهم، ترى هل إنّ هؤلاء الرهبان كانوا قد احتكروا الديانة المسيحيّة لاِنفسهم دون غيرهم؟ وهل أنّ الآلاف من القساوسة والرهبان والملايين من المسيحيّين على باطل وإنّهم وحدهم على الحق؟
    الواقع إنّ هذا السؤال محرج ومحيّر. والحق والواقع إنّ أولئك النفر من الرهبان كانوا من الابدال الذين لا
    تخلوا الأرض منهم وإنّهم أوتاد الأرض، وإنّهم من أوصياء السيّد المسيح الذي يوصي بعضهم البعض قبل موته، حتّى وصلت إلى سلمان المحمّدي نفسه وهذه المسيرة كانت مستمرّة منذ القدم ومنذ أن أهبط الله سبحانه آدم على الأرض لئلاّ تخلوا الأرض من حجّة، حتّى سلّمها إلى رسوله الكريم وسيّد رسله وخاتمهم محمّد (صلى الله عليه وآله).
    أسلم روزبه في السنة الأولى من الهجرة النبويّة إلى يثرب، وقد سمّاها «المدينة المنوّرة» وهو لا يزال في رقّ العبوديّة وبعد إسلامه سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) «سلمان» لم يحضر بدراً ولا اُحداً لرقّه، وقد أعتق وتحرّر في السنة الرابعة، وفي رواية في بداية السنة الخامسة للهجرة، واشترك في واقعة الأحزاب، وهو الذي أشار على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفر الخندق وقال: «كنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا» وكانت إشارة موفّقة، سارع رسول الله (صلى الله عليه وآله)بتنفيذها، فخطّ الخندق وأمر بحفره من أجم الشيخين
    طرف بني حارثة، فقطع لكلّ عشرة رجال أربعين ذراعاً، وكان (صلى الله عليه وآله) كأحدهم يحفر بيده وينقل التراب مواساةً وتشجيعاً لهم، وكان المسلمون يعملون وينشدون الأشعار والأهازيج لحماسهم، أمّا سلمان فكان أنشطهم وأخلصهم، وهو صامت لا نشيد له يلهب حماسة، فأحبّ النبي (صلى الله عليه وآله) أن يسمع صوته، فدعا الله وقال اللهمّ أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر، فاطلق الله لسانه فأنشأ يقول:
    مالي لسان فأقول شعرا***أسأل ربّي قوّة ونصرا
    على عدوّي وعدوّ الطهرا***محمّد المختار حاز الفخرا
    حتّى أنال في الجنان قصرا***مع كلّ حوراء تحاكي البدرا

    [/frame]
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    #2

    تعليق

    • محب الرسول

      • Dec 2008
      • 28579

      #3

      تعليق

      • الـدمـع حـبـر العـيـون
        • Apr 2011
        • 21803

        #4
        سسعدت بطلتكم في متصفحي
        اششكركم على كلماتكم العطرهـ

        تعليق

        • نور الزهراء
          • May 2012
          • 3660

          #5
          موضوع في قمة الروعه
          لطالما كانت مواضيعك متميزة
          لا عدمنا التميز و روعة الإختيار
          دمت لنا ودام تألقك الدائم


          تعليق

          يعمل...
          X