[frame="12 10"]
(لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (الروم: 34)
حينما تمطر السماء يستفيد كل جبل وسهل بقدره، وكذلك الاراضي الموجودة فهي اما ان تستفيد منه و اما ان تجمع المياه فيها، هذا ما اشار اليه القرآن الكريم حيث قال: (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) . من هنا انطلق سماحة المرجع المدرسي (حفظه الله) في محاضرته القرانية الخامسة بذكر وصية الامام علي (ع) لكميل النخعي حيث قال (يا كميل ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها) فكلما كان القلب اكبر اتسع للعلم والمعرفة اكثر.
واستمر سماحته بالحديث قائلاً:
قلوب الناسكالأراضي عند المطر، فالبعض منهم مستعد ان يتحول الى أرضٍ خضراء و بعضهم كأرض تحفظ الماء لغيرها، واما البعض الاخرفلا يستفيد منه شيئا وهو قلب المنافق.
فهنا اريد ان استفيد من هذه الفئات الثلاثة لأقول: ان وعاء الانسان هو المهم، فلا يكون همنا دائماً عن مقدار النعمة، فالنعم الالهية موجودة و لكن الانسان بوعائه الضيق قد لا يستوعبها فينكر وجودها!
ووعاء المنافق ضيق لا يصدق عليه (فخيرها اوعاها) فهو كأرض جرداء كلما أمطرت السماء عليها لم تنتفع به، على عكس المؤمن الذي ينتفع به. ولكن المؤمنين ايضاً لهم درجات، فبعضهم يكفر بالنعم ولا يؤدي شكرها فهؤلاء بمثابة تلك الاراضي القاحلة. والقرآن الكريم يستهدف امرين من الناحية الثقافية:
الاول : زيادة ما في الوعاء من المعلومات .
والثاني و هو الاهم : أن يوسع الوعاء ,
فمن لا يستفيد منها يكون ممن قال عنه الرب: مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ (5الجمعة)
وذكر سماحته ان وعاء الانسان وقدرته على الاستفادة من المعلومات والنعم الالهية هي اساس موضوعات القرآن، ولكن المشكلة تكمن في البشر الذي يكفر بالنعم ولا يشكرها، كالعين العمياء والأذن الصماء التي لا تنفع صاحبها بشيء.
ورأى سماحته هنا ان القرآن ذكر كلمة هي المفتاح وينبغي علينا ان نتأمل فيها ونتفحصها في كل الآيات القرآنية، يقول ربنا: (فتمتعوا) فهو يخاطب الذين يكفرون بالانعم الالهية بأن منتهى حدودكم هو التمتع، فماذا يعني "التمتع" ؟
جاءت هذه الكلمة بمشقاتها (تمتع، تمتعوا، متاع، متعة) في مسائل تكون الفائدة منها محدودة اما زماناً او حجماً ومنها:
أ. قوله تعالى: (متاع قليل) وقوله سبحانه: (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الاّ قليل) يعني الشيء القليل.
ب. وقوله تعالى (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوىً لهم) فهم لا يستفيدون من النعمة وانما يلتذون بشكل عابر منها.
فكيف – إذن- نشكر الله تعالى ونستفيد من النعم الاستفادة القصوى؟
بيّن سماحته هنا عدة أمثلة وهي:
أولا: اول النعم طيب الولادة، كما جاء في الروايات.
فاللبن الذي رضعت به كان حلالاً، وبإسم الله انعقدت نطفتك، وكان عقد الوالدين صحيحاً، والاكل الذي تناولته كان طيباً طاهراً.
و اذا وجدتم انفسكم اليوم تحضرون مجالس الذكر والتفسير فبسبب طيب الولادة. فكيف نؤدي شكرها؟!
- ببر الوالدين والدعاء لهما حيين كانا أو ميتين. فاشكروا والديكم لأن (من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق) و(بروا آباءكم ليبركم ابناؤكم).
ثانياً : نعمة الايمان .. فالبعض لا يتحسس وجود هذه النعمة في نفسه حيث انه ولد وعاش في بيئة مؤمنة، ولكنها جوهرة عظيمة لا تكون من نصيب جميع الاشخاص.
و شكرها ان نفتخر بايماننا ومن ثم نقويه.
ثالثاً: نعمة العلم .. وزكاة العلم نشره، فالزكاة تعني الطهارة والنمو ففي الحديث: (من تعلم علماً فقد تعلم علماً واحداً ومن علّم علماً فقد تعلم اربعة علوم) وقد قال الرسول الأكرم (ص) في خطبة حجة الوداع: (نضَّرَ الله عبدًا سَمِع مقالتي فوعاها، فبَلَّغها مَن لَم يَسْمعها، فرُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فِقْه لا فِقْهَ له). وتعني كلمة (نظّر) ان يصبح وجهه متنوراً.
رابعاً: نعمة الجاه .. وزكاة الجاه بذله أيضاً. فقد ذُكر أن الامام الصادق (ع) كان يطوف مع احد اصحابه فجاء احد الاشخاص لصاحب الامام وقال شيء وذهب، ثم سأله الامام عن ذلك. فقال: كان شخص يريد الاستفادة من جاهي في مسألة كذا. فقال الامام له فلماذا لم تذهب؟ قال: لأني في حالة الطواف. قال لو كنت ذهبت كان خيراً لك من الف طواف وطواف .. (حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل عليكم النقم) و (كان الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون اخيه)
خامساً: نعمة الوقت .. فهي من النعم التي تتطلب الحرص عليها كالحرص على المال ولكن مع الأسف لا نرى لها أهمية في مجتمعاتنا اليوم.
فكل نعمة لها حدود و لها شكر، واول شكرها ان نعرف انها نعمة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.[/frame]
(لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (الروم: 34)
حينما تمطر السماء يستفيد كل جبل وسهل بقدره، وكذلك الاراضي الموجودة فهي اما ان تستفيد منه و اما ان تجمع المياه فيها، هذا ما اشار اليه القرآن الكريم حيث قال: (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) . من هنا انطلق سماحة المرجع المدرسي (حفظه الله) في محاضرته القرانية الخامسة بذكر وصية الامام علي (ع) لكميل النخعي حيث قال (يا كميل ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها) فكلما كان القلب اكبر اتسع للعلم والمعرفة اكثر.
واستمر سماحته بالحديث قائلاً:
قلوب الناسكالأراضي عند المطر، فالبعض منهم مستعد ان يتحول الى أرضٍ خضراء و بعضهم كأرض تحفظ الماء لغيرها، واما البعض الاخرفلا يستفيد منه شيئا وهو قلب المنافق.
فهنا اريد ان استفيد من هذه الفئات الثلاثة لأقول: ان وعاء الانسان هو المهم، فلا يكون همنا دائماً عن مقدار النعمة، فالنعم الالهية موجودة و لكن الانسان بوعائه الضيق قد لا يستوعبها فينكر وجودها!
ووعاء المنافق ضيق لا يصدق عليه (فخيرها اوعاها) فهو كأرض جرداء كلما أمطرت السماء عليها لم تنتفع به، على عكس المؤمن الذي ينتفع به. ولكن المؤمنين ايضاً لهم درجات، فبعضهم يكفر بالنعم ولا يؤدي شكرها فهؤلاء بمثابة تلك الاراضي القاحلة. والقرآن الكريم يستهدف امرين من الناحية الثقافية:
الاول : زيادة ما في الوعاء من المعلومات .
والثاني و هو الاهم : أن يوسع الوعاء ,
فمن لا يستفيد منها يكون ممن قال عنه الرب: مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ (5الجمعة)
وذكر سماحته ان وعاء الانسان وقدرته على الاستفادة من المعلومات والنعم الالهية هي اساس موضوعات القرآن، ولكن المشكلة تكمن في البشر الذي يكفر بالنعم ولا يشكرها، كالعين العمياء والأذن الصماء التي لا تنفع صاحبها بشيء.
ورأى سماحته هنا ان القرآن ذكر كلمة هي المفتاح وينبغي علينا ان نتأمل فيها ونتفحصها في كل الآيات القرآنية، يقول ربنا: (فتمتعوا) فهو يخاطب الذين يكفرون بالانعم الالهية بأن منتهى حدودكم هو التمتع، فماذا يعني "التمتع" ؟
جاءت هذه الكلمة بمشقاتها (تمتع، تمتعوا، متاع، متعة) في مسائل تكون الفائدة منها محدودة اما زماناً او حجماً ومنها:
أ. قوله تعالى: (متاع قليل) وقوله سبحانه: (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الاّ قليل) يعني الشيء القليل.
ب. وقوله تعالى (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوىً لهم) فهم لا يستفيدون من النعمة وانما يلتذون بشكل عابر منها.
فكيف – إذن- نشكر الله تعالى ونستفيد من النعم الاستفادة القصوى؟
بيّن سماحته هنا عدة أمثلة وهي:
أولا: اول النعم طيب الولادة، كما جاء في الروايات.
فاللبن الذي رضعت به كان حلالاً، وبإسم الله انعقدت نطفتك، وكان عقد الوالدين صحيحاً، والاكل الذي تناولته كان طيباً طاهراً.
و اذا وجدتم انفسكم اليوم تحضرون مجالس الذكر والتفسير فبسبب طيب الولادة. فكيف نؤدي شكرها؟!
- ببر الوالدين والدعاء لهما حيين كانا أو ميتين. فاشكروا والديكم لأن (من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق) و(بروا آباءكم ليبركم ابناؤكم).
ثانياً : نعمة الايمان .. فالبعض لا يتحسس وجود هذه النعمة في نفسه حيث انه ولد وعاش في بيئة مؤمنة، ولكنها جوهرة عظيمة لا تكون من نصيب جميع الاشخاص.
و شكرها ان نفتخر بايماننا ومن ثم نقويه.
ثالثاً: نعمة العلم .. وزكاة العلم نشره، فالزكاة تعني الطهارة والنمو ففي الحديث: (من تعلم علماً فقد تعلم علماً واحداً ومن علّم علماً فقد تعلم اربعة علوم) وقد قال الرسول الأكرم (ص) في خطبة حجة الوداع: (نضَّرَ الله عبدًا سَمِع مقالتي فوعاها، فبَلَّغها مَن لَم يَسْمعها، فرُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فِقْه لا فِقْهَ له). وتعني كلمة (نظّر) ان يصبح وجهه متنوراً.
رابعاً: نعمة الجاه .. وزكاة الجاه بذله أيضاً. فقد ذُكر أن الامام الصادق (ع) كان يطوف مع احد اصحابه فجاء احد الاشخاص لصاحب الامام وقال شيء وذهب، ثم سأله الامام عن ذلك. فقال: كان شخص يريد الاستفادة من جاهي في مسألة كذا. فقال الامام له فلماذا لم تذهب؟ قال: لأني في حالة الطواف. قال لو كنت ذهبت كان خيراً لك من الف طواف وطواف .. (حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل عليكم النقم) و (كان الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون اخيه)
خامساً: نعمة الوقت .. فهي من النعم التي تتطلب الحرص عليها كالحرص على المال ولكن مع الأسف لا نرى لها أهمية في مجتمعاتنا اليوم.
فكل نعمة لها حدود و لها شكر، واول شكرها ان نعرف انها نعمة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
تعليق