[frame="12 10"]
ترى لماذا نحيي في كل عام شعائر الاسلام في ذكرى استشهاد ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ولماذا تتجدد هذه الذكرى مع مرور السنين، وتتسع في كل عام ، وتنتشر عبر آفاق جديدة؟
هذا السؤال ليس سؤالاً فقهياً أو علمياً محضاً، بل هو سؤال واقعي يعيشه كل انسان مسلم، وللاجابة عليه نقول: ان هذه الواقعة يعيشها كل قلب، وكل فطرة، وكل نفس بشرية.
وقد طرح عليّ هذا التساؤل اثنان من المستشرقين الالمان قائلين: لماذا يتغيّر كل شيء عندكم ايها الشيعة اذا اقترب هلال محرم لا بضغط من حكومة، ولا بمال من غني ، ولا بإعلام قوي، بل بشكل عفوي في حين انكم تعتقدون بقول نبيكم صلى الله عليه وآله: "مداد العلماء خير من دماء الشهداء"، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم ان مداد العلماء خير من دماء الشهداء؟
سر خلود الثورة الحسينية
وعندما أجبتهما على هذا السؤال قلت لهما: أولاً: إنّ الحسين عليه السلام ليس شخصاً، بل هو قضية، وقيمة، ومدرسة، ومنهج، ومسيرة. فهو عليه السلام كالنبي ابراهيم الذي كان يمثّل امة، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، ولذلك فان جميع اتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل لانه جسّد قيمة التوحيد، ورفع راية (لا اله الا الله)، فتحول الى قيمة، ولذلك قرّر القرآن الكريم انه كان امة ، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال: (وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ( (الشعراء/84).
وكما انّ ابراهيم عليه السلام جسّد قيمة، فانّ الحسين عليه السلام قد جسّد قيمة هو الآخر؛ فقد استشهد في سبيل العدل والحق، ومن اجل الدين والحرية. ومن المعلوم ان هذه القيم ثابتة، فلا يمكن أن يأتي زمان لا نحتاج فيه الى الدين والعدالة والحرية. فالحق هو فلسفة الحياة، بل هو الحياة نفسها وبدونه لا يمكن ان تستمر، وكما انّ قيمة الدين، والعدالة، والحرية، والحق وسائر القيم المقدسة مستمرة، فان قضية الامام الحسين عليه السلام مستمرة هي الاخرى.
وفي القسم الثاني من الاجابة قلت لذينك المستشرقين: اننا نعيش اليوم تحت راية ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ونحن -اتباع اهل البيت عليهم السلام- لا يمكن ان نعيش بدونه، لأن العيش بدونه يعني العيش بدون قيم، وبدون دين واستقلال.
أهمية المواكب الحسينية
ونحن كنا ومازلنا نقيم المواكب الحسينية في كل عام، ففي ايام الاربعين يتقاطر الشيعة على مدينة كربلاء لتتحوّل الى موكب حسيني كبير، وهذه المواكب هي الناطقة عن قضية الامام الحسين عليه السلام، وقضايا الشيعة في العالم الاسلامي، فعلى سبيل المثال اعدم قبل خمسة واربعين عاماً مسلم ايراني بسيف آل سعود ظلماً وعدواناً، وفي تلك السنة حملت جميع المواكب الحسينية التي وفدت الى كربلاء راية هذا الرجل، وبعد فترة كان النظام البائد في ايران يضطهد العلماء فكانت المواكب الحسينية في العراق تنادي بالدفاع عن علماء ايران، وبعد فترة اخرى حدثت مجزرة ضد الشيعة في لبنان فما كان من المواكب الشيعية في العراق إلا أن نادت بالدفاع عن الشيعة في لبنان.
وانا اوجّه كلامي هنا الى اولئك الذين يلوموننا على بكائنا في يوم عاشوراء فأقول لهم: اننا نبكي بكاء الابطال، ولكي نصبح حسينيين. فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الاسلام، بلى هي التي حافظت علينا -نحن الشيعة- على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا.
وهكذا فان ثورة الامام الحسين عليه السلام كانت قضية فاصبحت قيمة، وكانت واقعة فتحولت الى راية. وكل انسان في هذا العالم يريد ان يدافع عن قيمه، وقضيته، وظلامته، لابد ان ينضوي تحت هذه الراية المقدسة.
الشعائر الحسينية والأنظمة الطاغوتية
وقد ادركت الحكومة الطاغوتية عمق هذه الشعائر، ولذلك فانها عمدت وتعمد الى محاربة الشعائر الدينية للشيعة، فهي تريد -في الحقيقة- ان تعزل الشيعة عن تأريخهم، ففي كل عام تهتدي الآلاف المؤلفة من البشر بفضل الحسين عليه السلام، ولذلك فان الحكومات تحرص على محاربة هذه المجالس التي يجب أن نحافظ عليها بأي شكل من الاشكال لكي تستمر المسيرة والنهضة، ذلك لان ّالامام الحسين عليه السلام استشهد، وباستشهاده في كربلاء اثبت ان الظلامة التي ارتكبت بحق اهل البيت عليهم السلام كانت حقيقية.
تعظيم شعائر الله
وهكذا فان الشعائر باقيـة ومستمرة، فالله سبحانه وتعالى يقـول: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ( (الحج/ 32) .
وهنا اريد ان اتوقف عند كلمتين في تفسير هذه الآية الكريمة المقتطفة من سورة الحج؛ الكلمة الاولى هي (الشعائر) التي هي جمع شعيرة، وهي كل عمل يشعرك بشيء. فقد كانوا يأتون بالابل الى مكة المكرمة بعد ان يشعروها (اي يلطّخوها بشيء من الدم) أو يقلّدوها بشيء يشعر انّها قرابين في سبيل الله تعالى، لكي يتجمّع عليها الفقراء والمساكين وينالوا نصيبهم منها، والقرآن الكريم يصف هذا العمل بقوله تعالى: (مِن شَعَآئِرِ اللَّه ((الحج/36)؛ أي ان هذه القرابين خالصة لله سبحانه ولا شأن لأحد بها.
وعلى هذا فانّ الشعائر تنطبق على كل ما يعظّمه الانسان شريطة ان لا يكون حراماً.
ويحذّر القرآن الكريم في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ( من ان تفرغ الشعيرة من محتواها، لانها يجب ان ترسّخ التقوى -التي هي الكلمة الثانية التي نريد التحدثعنها- في النفس. فيجب ان نخلص النية في أدائها تماماً كالصلاة التي تكون باطلة اذا ما انعدمت منها النية، لان النية هي اطار ومحتوى الصلاة بالاضافة الى ذكر الله تعالى، وخشوع القلب.وهكذا الحال بالنسبة الى الشعائر الحسينية، فلنعمل من أجل ان تتحوّل هذه الشعائر الى مدرسة تربوية للمجتمع.
وهنا اطرح بعض الاقتراحات في مجال تطوير الشعائر الحسينية، وإغنائها وهي:
1- فهم شخصية الحسين عليه السلام من خلال كلماته:
علينا ان نفهم الحسين عليه السلام من خلال كلماته، فقد كان عليه السلام اماماً ناطقاً، وكان من أعظم ما تكلم به دعاؤه في يوم عرفة هذا الدعاء الغنيّ بالمعاني العرفانية والذي يقول من جملة ما يقول فيه:
"الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع، ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، منزل المنافع، والكتاب الجامع بالنور الساطع..".
فلنتأمل هذه الفقرة، ولننظر كيف يعرّف الإمام الحسين عليه السلام ربه عز وجل بكلمات مضيئة تفيض توحيداً واخلاصاً. وأما عن كلامه في النبوّة والامامة فيقول عليه السلام: "إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق… ومثلي لا يبايع مثله". ومن جملة كلامه عليه السلام في الموت قوله: "خط الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة".
2- تخريج الخطباء:
اننا نمتلك -والحمد لله- حوزات علمية ، وقد حافظت هذه الحوزات على استقلالها وحيويتها على مدى العصور، ولكن هذه الحوزات تخرّج العلماء، والمراجع الكبار في الغالب، وعلينا أن نفتح الى جانب هذه الحوزات أو داخلها تخصص للخطباء لكي يتلقى الطالب في الحوزة دروس الخطابة .
3- اقامة المؤتمرات:
ان شهر محرم هو بالنسبة الينا الرأسمال الوحيد، فإذا لم نقم المجالس في شهر عاشوراء من كل عام فسوف لا نمتلك برنامجاً للاعوام القادمة، فلماذا -اذن- لا نقيم مؤتمرات للخطباء؛ كأن يجتمعوا قبيل حلول شهر محرم في كل عام ليتبادلوا الافكار والآراء بينهم بشأن تطوير المجالس الحسينية.
4- دور المشرفين على الحسينيات والمواكب:
ان المشرفين على المجالس، والحسينيات، والمواكب عليهم - بدورهم- ان يعقدوا الاجتماعات على مدار السنة لكي يدرسوا ، ويصدروا القرارات بشأن بناء الحسينيات، وجمع التبرعات، والاتيان بالخطباء الجدد الذين من شأنهم ان يسهموا في تزويد المسلمين بافكار جديدة.
5- دور المثقفين:
وهنا اوجّه كلامي الى المثقفين، وادعو كل واحد منهم الى أن يبثوا بين الناس من خلال كلماتهم، وكتبهم، ومقالاتهم كل ما هو جديد ومفيد عن الثورة الحسينية.
ضرورة تطوير الاساليب
وعلى هذا فان علينا ان نعمل جاهدين من اجل ان نطوّر اساليبنا من ناحية المحتوى، وهذه هي احدى مسؤولياتنا الكبرى. فمن المتعيّن علينا ان ندعو الى المجالس الحسينية وأن نحرص على ان يحضرها عدد كبير من الناس، وذلك من خلال تطوير الاساليب، وتزويد الشعائر الحسينية بالمحتوى الذي يجب ان يكون تجسيداً لمدرسة الحسين عليه السلام التي هي مدرسة القيم والتقوى.
ومن الجدير بالذكر هنا انّ المجالس الحسينية يجب ان تكون اللسان المعبّر والناطق عن مشاكلنا، وآلامنا، وقضايانا؛ أي أن نعطي لهذه الشعائر محتوىً حضارياً مرتبطاً بالزمان، ذلك لان شيعة الحسين عليه السلام لابد ان يسيروا في خطه، وان يترجم الواحد منهم قوله الى واقع عملي، وهو يقف امام ضريحه عليه السلام ويردّد: "اِنّيِ سِلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم ووليٌ لمن والاكم وعدوٌ لمن عاداكم".
فنحن نسير في خطه عليه السلام، ونمثل تكتلاً واحداً تحت رايته التي لابد ان تقودنا الى الجنة كما يشير الى ذلك الحديث الشريف: "أوسع الابواب في القيامة باب ابي عبد الله الحسين".
آية الله العظمى :السيد محمد تقي المدرسي
[/frame]
ترى لماذا نحيي في كل عام شعائر الاسلام في ذكرى استشهاد ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ولماذا تتجدد هذه الذكرى مع مرور السنين، وتتسع في كل عام ، وتنتشر عبر آفاق جديدة؟
هذا السؤال ليس سؤالاً فقهياً أو علمياً محضاً، بل هو سؤال واقعي يعيشه كل انسان مسلم، وللاجابة عليه نقول: ان هذه الواقعة يعيشها كل قلب، وكل فطرة، وكل نفس بشرية.
وقد طرح عليّ هذا التساؤل اثنان من المستشرقين الالمان قائلين: لماذا يتغيّر كل شيء عندكم ايها الشيعة اذا اقترب هلال محرم لا بضغط من حكومة، ولا بمال من غني ، ولا بإعلام قوي، بل بشكل عفوي في حين انكم تعتقدون بقول نبيكم صلى الله عليه وآله: "مداد العلماء خير من دماء الشهداء"، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم ان مداد العلماء خير من دماء الشهداء؟
سر خلود الثورة الحسينية
وعندما أجبتهما على هذا السؤال قلت لهما: أولاً: إنّ الحسين عليه السلام ليس شخصاً، بل هو قضية، وقيمة، ومدرسة، ومنهج، ومسيرة. فهو عليه السلام كالنبي ابراهيم الذي كان يمثّل امة، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، ولذلك فان جميع اتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل لانه جسّد قيمة التوحيد، ورفع راية (لا اله الا الله)، فتحول الى قيمة، ولذلك قرّر القرآن الكريم انه كان امة ، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال: (وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ( (الشعراء/84).
وكما انّ ابراهيم عليه السلام جسّد قيمة، فانّ الحسين عليه السلام قد جسّد قيمة هو الآخر؛ فقد استشهد في سبيل العدل والحق، ومن اجل الدين والحرية. ومن المعلوم ان هذه القيم ثابتة، فلا يمكن أن يأتي زمان لا نحتاج فيه الى الدين والعدالة والحرية. فالحق هو فلسفة الحياة، بل هو الحياة نفسها وبدونه لا يمكن ان تستمر، وكما انّ قيمة الدين، والعدالة، والحرية، والحق وسائر القيم المقدسة مستمرة، فان قضية الامام الحسين عليه السلام مستمرة هي الاخرى.
وفي القسم الثاني من الاجابة قلت لذينك المستشرقين: اننا نعيش اليوم تحت راية ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ونحن -اتباع اهل البيت عليهم السلام- لا يمكن ان نعيش بدونه، لأن العيش بدونه يعني العيش بدون قيم، وبدون دين واستقلال.
أهمية المواكب الحسينية
ونحن كنا ومازلنا نقيم المواكب الحسينية في كل عام، ففي ايام الاربعين يتقاطر الشيعة على مدينة كربلاء لتتحوّل الى موكب حسيني كبير، وهذه المواكب هي الناطقة عن قضية الامام الحسين عليه السلام، وقضايا الشيعة في العالم الاسلامي، فعلى سبيل المثال اعدم قبل خمسة واربعين عاماً مسلم ايراني بسيف آل سعود ظلماً وعدواناً، وفي تلك السنة حملت جميع المواكب الحسينية التي وفدت الى كربلاء راية هذا الرجل، وبعد فترة كان النظام البائد في ايران يضطهد العلماء فكانت المواكب الحسينية في العراق تنادي بالدفاع عن علماء ايران، وبعد فترة اخرى حدثت مجزرة ضد الشيعة في لبنان فما كان من المواكب الشيعية في العراق إلا أن نادت بالدفاع عن الشيعة في لبنان.
وانا اوجّه كلامي هنا الى اولئك الذين يلوموننا على بكائنا في يوم عاشوراء فأقول لهم: اننا نبكي بكاء الابطال، ولكي نصبح حسينيين. فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الاسلام، بلى هي التي حافظت علينا -نحن الشيعة- على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا.
وهكذا فان ثورة الامام الحسين عليه السلام كانت قضية فاصبحت قيمة، وكانت واقعة فتحولت الى راية. وكل انسان في هذا العالم يريد ان يدافع عن قيمه، وقضيته، وظلامته، لابد ان ينضوي تحت هذه الراية المقدسة.
الشعائر الحسينية والأنظمة الطاغوتية
وقد ادركت الحكومة الطاغوتية عمق هذه الشعائر، ولذلك فانها عمدت وتعمد الى محاربة الشعائر الدينية للشيعة، فهي تريد -في الحقيقة- ان تعزل الشيعة عن تأريخهم، ففي كل عام تهتدي الآلاف المؤلفة من البشر بفضل الحسين عليه السلام، ولذلك فان الحكومات تحرص على محاربة هذه المجالس التي يجب أن نحافظ عليها بأي شكل من الاشكال لكي تستمر المسيرة والنهضة، ذلك لان ّالامام الحسين عليه السلام استشهد، وباستشهاده في كربلاء اثبت ان الظلامة التي ارتكبت بحق اهل البيت عليهم السلام كانت حقيقية.
تعظيم شعائر الله
وهكذا فان الشعائر باقيـة ومستمرة، فالله سبحانه وتعالى يقـول: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ( (الحج/ 32) .
وهنا اريد ان اتوقف عند كلمتين في تفسير هذه الآية الكريمة المقتطفة من سورة الحج؛ الكلمة الاولى هي (الشعائر) التي هي جمع شعيرة، وهي كل عمل يشعرك بشيء. فقد كانوا يأتون بالابل الى مكة المكرمة بعد ان يشعروها (اي يلطّخوها بشيء من الدم) أو يقلّدوها بشيء يشعر انّها قرابين في سبيل الله تعالى، لكي يتجمّع عليها الفقراء والمساكين وينالوا نصيبهم منها، والقرآن الكريم يصف هذا العمل بقوله تعالى: (مِن شَعَآئِرِ اللَّه ((الحج/36)؛ أي ان هذه القرابين خالصة لله سبحانه ولا شأن لأحد بها.
وعلى هذا فانّ الشعائر تنطبق على كل ما يعظّمه الانسان شريطة ان لا يكون حراماً.
ويحذّر القرآن الكريم في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ( من ان تفرغ الشعيرة من محتواها، لانها يجب ان ترسّخ التقوى -التي هي الكلمة الثانية التي نريد التحدثعنها- في النفس. فيجب ان نخلص النية في أدائها تماماً كالصلاة التي تكون باطلة اذا ما انعدمت منها النية، لان النية هي اطار ومحتوى الصلاة بالاضافة الى ذكر الله تعالى، وخشوع القلب.وهكذا الحال بالنسبة الى الشعائر الحسينية، فلنعمل من أجل ان تتحوّل هذه الشعائر الى مدرسة تربوية للمجتمع.
وهنا اطرح بعض الاقتراحات في مجال تطوير الشعائر الحسينية، وإغنائها وهي:
1- فهم شخصية الحسين عليه السلام من خلال كلماته:
علينا ان نفهم الحسين عليه السلام من خلال كلماته، فقد كان عليه السلام اماماً ناطقاً، وكان من أعظم ما تكلم به دعاؤه في يوم عرفة هذا الدعاء الغنيّ بالمعاني العرفانية والذي يقول من جملة ما يقول فيه:
"الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع، ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، منزل المنافع، والكتاب الجامع بالنور الساطع..".
فلنتأمل هذه الفقرة، ولننظر كيف يعرّف الإمام الحسين عليه السلام ربه عز وجل بكلمات مضيئة تفيض توحيداً واخلاصاً. وأما عن كلامه في النبوّة والامامة فيقول عليه السلام: "إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق… ومثلي لا يبايع مثله". ومن جملة كلامه عليه السلام في الموت قوله: "خط الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة".
2- تخريج الخطباء:
اننا نمتلك -والحمد لله- حوزات علمية ، وقد حافظت هذه الحوزات على استقلالها وحيويتها على مدى العصور، ولكن هذه الحوزات تخرّج العلماء، والمراجع الكبار في الغالب، وعلينا أن نفتح الى جانب هذه الحوزات أو داخلها تخصص للخطباء لكي يتلقى الطالب في الحوزة دروس الخطابة .
3- اقامة المؤتمرات:
ان شهر محرم هو بالنسبة الينا الرأسمال الوحيد، فإذا لم نقم المجالس في شهر عاشوراء من كل عام فسوف لا نمتلك برنامجاً للاعوام القادمة، فلماذا -اذن- لا نقيم مؤتمرات للخطباء؛ كأن يجتمعوا قبيل حلول شهر محرم في كل عام ليتبادلوا الافكار والآراء بينهم بشأن تطوير المجالس الحسينية.
4- دور المشرفين على الحسينيات والمواكب:
ان المشرفين على المجالس، والحسينيات، والمواكب عليهم - بدورهم- ان يعقدوا الاجتماعات على مدار السنة لكي يدرسوا ، ويصدروا القرارات بشأن بناء الحسينيات، وجمع التبرعات، والاتيان بالخطباء الجدد الذين من شأنهم ان يسهموا في تزويد المسلمين بافكار جديدة.
5- دور المثقفين:
وهنا اوجّه كلامي الى المثقفين، وادعو كل واحد منهم الى أن يبثوا بين الناس من خلال كلماتهم، وكتبهم، ومقالاتهم كل ما هو جديد ومفيد عن الثورة الحسينية.
ضرورة تطوير الاساليب
وعلى هذا فان علينا ان نعمل جاهدين من اجل ان نطوّر اساليبنا من ناحية المحتوى، وهذه هي احدى مسؤولياتنا الكبرى. فمن المتعيّن علينا ان ندعو الى المجالس الحسينية وأن نحرص على ان يحضرها عدد كبير من الناس، وذلك من خلال تطوير الاساليب، وتزويد الشعائر الحسينية بالمحتوى الذي يجب ان يكون تجسيداً لمدرسة الحسين عليه السلام التي هي مدرسة القيم والتقوى.
ومن الجدير بالذكر هنا انّ المجالس الحسينية يجب ان تكون اللسان المعبّر والناطق عن مشاكلنا، وآلامنا، وقضايانا؛ أي أن نعطي لهذه الشعائر محتوىً حضارياً مرتبطاً بالزمان، ذلك لان شيعة الحسين عليه السلام لابد ان يسيروا في خطه، وان يترجم الواحد منهم قوله الى واقع عملي، وهو يقف امام ضريحه عليه السلام ويردّد: "اِنّيِ سِلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم ووليٌ لمن والاكم وعدوٌ لمن عاداكم".
فنحن نسير في خطه عليه السلام، ونمثل تكتلاً واحداً تحت رايته التي لابد ان تقودنا الى الجنة كما يشير الى ذلك الحديث الشريف: "أوسع الابواب في القيامة باب ابي عبد الله الحسين".
آية الله العظمى :السيد محمد تقي المدرسي
[/frame]
تعليق